أضواء على الردّ الإيراني، والآفاق المحتملة

محمود جديد
2024 / 4 / 18

=======================

بدايةً، حتى نستطيع تقييم الردّ الإيراني لابدّ لنا من التعرّف على الهدف من شنّه، فهو لم يكن لدعم مباشر لغزّة , ولا لفتح جبهة جديدة مع الكيان الصهيونى على طريق تحرير فلسطين، وإنّما كان للردّ على الغارة الجوية الإسرائيلية على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، كما لم يستهدف سوى القواعد العسكرية في فلسطين المحتلة.. وفي الوقت نفسه، فإنّ إيران لاترغب في نشوب حرب إقليمية واسعة ، ولا يوجد طرف غربي آخر يريد ذلك … وفي هذا السياق جاء إبلاغ أمريكا ودول الجوار بهذه الضربة درءاً لأيّة مضاعفات ,مع تحذيرها من المشاركة المباشرة مع الكيان المحتل في حال قرّر الرد ، وبمعنى آخر ، تعمّدتْ أن يكون الردّ محدوداً….كما
مجريات الردّ والوسائط المستخدمة فيه :
——————————————————
ابتدأ الهجوم في ليلة 13 - 14 / 4 / 2024، واستمرّ خمس ساعات، ووفقاً للمصادر الأمريكية " فقد شاركت فيه 185 مسيّرة وصلت بعد 7-9 ساعات ، و 36 صاروخ كروز ، وأكثر من 120 صاروخ باليستي، وأنّ القوات الأمريكية اعترضت أكثر من 80 مسيّرة ، وستة صواريخ بالستية ". كما أنّ أطرافاً أخرى أسقطوا منها أيضاً …
هذا وقد صرّح مسؤول أمريكي كبير لشبكة "ABC News" بأن تسعة صواريخ إيرانية على الأقل اخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية وأصابت قاعدتين جويتين إسرائيليتين، لكن لم يتم الإبلاغ عن أضرار كبيرة." وإذا اعتمدنا المصادر الأمريكية( وقت لا تكون دقيقة ) هذا يعني أنّ العشرات من المسيّرات قد وصلت إلى فلسطين المحتلة ، وربّما تمّ إسقاط القسم الأكبر منها بوسائط القبّة الحديدية الإسرائيلية… وهناك العشرات من الصواريخ بنوعيها ربّما قد وصلت الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضا ً…. هذا وقد قال قائد القوة الجوفضائية بالحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده : " إن القوات الإيرانية في الهجوم على إسرائيل استخدمت أسلحة قديمة وبأقل قدر من القوة"
ملاحظات وانعكاسات:
—————————-
- على الرغم من محدودية الردّ الإيراني فقد نجم عنه الكثير من الملاحظات والانعكاسات ، من أهمّها :
1 - هذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها استخدام المسيّرات والصواريخ بهذه الكثافة عبر أجواء العديد من الدول ، ووصول بعضها إلى أهدافها بدقّة … ولو وصل معظمها لأنهكت القبة الحديدية الإسرائيلية، واستنزفتها . وفسحت المجال لموجات جديدة بالوصول إلى أهدافها بسهولة …
2 - كانت الخسائر الإسرائيلية المادية كبيرة ، حيث وصلت إلى أكثر من مليار دولار أمريكي… . هذا بالإضافة إلى خسائر الدول التي شاركت في التصدّي للصواريخ الإيرانية.
3 - إنّ ادّعاء الكيان الصهيوني وأمريكا بإسقاط 99 ٪ من المسيّرات والصواريخ صالح للتوظيف لتبرير عدم ردّ إسرائيلي ….غير أنّ صحيفة معاريف الإسرائيلية ذكرت في 17 / 4 / 2024 بأنّ النسبة هي 84٪وهناك خمس إصابات في قاعدة رامون…وبحسب الوسائل الإعلامية الإيرانية، فقد استهدف الهجوم 3 أهداف رئيسية: قاعدة حرمون، وقاعدة نفاتيم ، وقاعدة رامون.
4 - تعرية دور النظام الأردني أكثر فأكثر حيث شارك في إسقاط الصواريخ الإيرانية ، كما سمح بإقامة 16 قاعدة عسكرية أمريكية في الأراضي الأردنية ، وقاعدة لبريطانيا، وأخرى لفرنسا ، وقد شاركت في التصدي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية … وبالتالي أكّد الغرض الغربي من إنشاء هذا النظام ، وعلى كلّ حال، نتوقّع في حال حدوث ردّ إسرائيلي ستكون الأجواء الأردنية ممرّاً لها، ولن يتصدّى لها الدفاع الجوي الأردني إلّا بتصريحات إعلامية مزيّفة …والموقف الأردني هذا سيزيد من غضب الجماهير والأحزاب الأردنية ، وسيترك انعكاسات هامة في الساحة الأردنية لاحقاً ….
5 - تأجيج النقاشات والتحليلات والتناقضات على وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور الكثير من التلفيقات ، كما كشف مواقف الكثيرين من العرب أفراداً وأحزاباً وحكومات… ويقيناً أنّ بعض الذين نقدوا رد إيران كانوا سينتقدونها في حال عدم الرد، وهناك آخرون ممتلئة صدورهم غيظاً وانزعاجاً لأنّها ردّت ….
6 - ثبت بالملموس أنّ الكيان الصهيونى قد فقد الكثير من وظيفته الإستراتيجية التي أُنشِئ من أجلها , وأصبح عاجزاً عن الدفاع عن نفسه بمفرده، وبالتالي أصبح عبئاً على حلفائه ، كما ستضعف أسهمه في بورصة التطبيع بغرض الاستقواء به من قِبَل بعض الأنظمة العربية ..
7 - إنّ تأجّج الصراع مع العدو الصهيوني في غزة وطوفانها , ومساندتها من ساحات أخرى، والرد الإيراني سيؤثّر إلى حدّ كبير على معنويات المستوطنين ، وسيدفع الكثيرين منهم على مغادرة فلسطين إلى بلدانهم التي جاؤوا منها …
8 - زاد الردّ الإيراني الأعباء على الكيان الصهيونى , وسينعكس إيجاباً على المقاومة في غزة …
9 - أبرزت التطورات الأخيرة الكثير من المواقف المتناقضة داخل الكيان الصهيوني، فوزير الثقافة والرياضة يقول : " إن إسرائيل فشلت ضد حماس في 7 أكتوبر، وفشلت ضد حزب الله وستفشل أمام إيران"
وقال الوزير زوهار : "إنه يجب الرد على الهجوم الإيراني بطريقة قويّة،لقد فشلت (إسرائيل) ضد حماس وحصلنا على 7 أكتوبر، وفشلت ضد حزب الله الذي يهاجمنا باستمرار واستطاع إجلاء سكان الشمال، وستفشل ضد إيران التي لم تتردد في مهاجمة إسرائيل مباشرة". أمّا رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك فقال : " إنّ الوزراء المتطرفين المحيطين برئيس الوزراء نتنياهو يدفعونه لتصعيد الصراع في الشرق الأوسط وذلك من أجل الإسراع بمجيء المسيح المخلّص " ويقصد بن غفير وشلّته الأكثر تطرّفاً وفاشية والذين يرون ضرورة الردّ لأنّ " إسرائيل في خطر وجودي " . كما اعتبر رئيس الكيان الصهيوني ماجرى بمثابة " إعلان حرب على إسرائيل " .
ويبدو أنّ القيادة السياسية والعسكرية متردّدة ومرتبكة في اتخاذ قرار نهائي , وخاصّة بعد تعبير الدول الغربية عن موقف لا تفضّل فيه الردّ ، وأن يكون البديل زيادة فرض العقوبات على إيران.. كما أشارت أمريكا إلى أنّ القرار هو للقيادة الإسرائيلية ولا تتدخّل فيه ، وإذا حدث يجب أن يكون محدوداً حتى لا يستوجب التصعيد إلى حرب واسعة إقليمية… لكنّها لن تترك (إسرائيل) لوحدها إذا تعرّضت للخطر…
وأخيراً، نستطيع القول: إنّ الردّ الإيراني كان نوعاً من الاستطلاع القتالي وبروفا ، هدفه كشف بنية الدفاع الجوّي الإسرائيلي، ولاختيار أفضل الممرات الجوية للصواريخ والمسيرات الإيرانية مستقبلاً، وستستخدم في المعارك اللاحقة أسلحة أحدث ،وأسرع،وأشدّ فتكاً. كما أعتقد أنّ دور أمريكا في حال تمّ الرد الإسرائيلي المحدود سيكون مشابهاً لدورها في الرد الإيراني الأوّل .. وعلى ضوء ماتقدّم عرضه، من المرجّح أن يقوم الكيان الصهيونى بردّ محدود ، ويعقبه ردّ سريع إيراني وتشهد المنطقة منازلة صاروخية بين الطرفين ، ومسلسل من الردود المتبادلة التي قد تتدحرج إلى حرب إقليمية واسعة ….
في : 18 / 4 / 2024

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي