عصا الراعي ؛ زكريا محمد

مهند طلال الاخرس
2024 / 4 / 8

عصا الراعي رواية لزكريا محمد تقع على متن 128 صفحة من القطع المتوسط وهي من اصدارات دار الناشر بالتعاون مع مؤسسة الاسوار في عكا، طبعة رام الله سنة 2003.

تبدا الرواية بنقاش عادي ، لكنه ينتهي الى جملة مرعبة هزت كيان بطل الرواية، كانت الجملة تقول :"القضية عامة، والخلاص فردي" كنت اظن حتى تلك اللحظة ان المشكلة عامة والحل عاما، فجاءت هذه الجملة لتضرب على دماغ صاحبنا بطل الرواية فصحي كما لو انه كان نائما.

شعر صاحبنا ان حياته كانت خطأ، وأنه أمضاها يسبح في بحر البلاهة، واقفاً على الرصيف، بسبب الجهل، لا الفضيلة او الواجب!

زلزلتني تلك الجملة، يقول الراوي، وأرغمتني على أن أُعيد تعريف ذاتي من جديد: مَن أنا؟ ماذا كانت حياتي، وإلى أين أسير؟ ثم ما هو الوطن؟ أكنت أجري في الحقيقة وراء وطن، أم كنت أُقاد إلى منجم اعمل فيه بالسخرة؟ لقد ضرب الشك الجذر قبل الجذع والثمرة...

هنا تبدا احداث الرواية وتطرح اول اسئلتها الوجودية والفلسفية ذات العمق والدلالة الرمزية التي تشطح عن النص وتذهب بنا وبه بعيدا، لكن يعيد الكاتب شد اركان روايته ويتسلل خطوة خطوة في محاولة تأثيث احداث روايته، فيلج من خلال اسئلته الوجودية [القضية عامة والحل فردي] الى ما كان مطروحا امامه من مهمة البحث عن الذهب...

خلال مهمة النبش والتنقيب والبحث عن الذهب ينجح الكاتب باخذنا باطلالة سريعة على تاريخ فلسطين عبر محطات مهمة وفاصلة. يقرأ خارطة الذهب ويبدا البحث عن ضريح وليّ بقبتين، يحرس اربعة صناديق من الذهب تم دفنها في فلسطين من قبل ضابط تركي اثناء تقهقر وانسحاب الجيش العثماني امام الجيش البريطاني... تم دفنها في الارض خشية ضياعها او خوفا من ان يستولي عليها المحتل او الغازي الجديد.

بدون تفاصيل، تقع الخارطة في يد الحفيد، ويسأل جده عن فحواها فيبوح له الجد باسرارها وعلى اثر ذلك يقرر الحفيد البحث عن شخص فلسطيني يفك طلاسم الخريطة ويعرف تفاصيل المكان، بغية العثور على الذهب واقتسام الغنائم.

وهكذا راح يشارك في البحث عن الذهب، من ابو رامي التخطيط، ومن عادل آلة الكشف، ومنه بعض معرفة تاريخية بخط انسحاب الجيش العثماني من فلسطين ص ١٥.

لم تكن قضية الذهب العثماني المُخبأ في فلسطين، وحدها المسألة التي اعتلت مسرح الرواية؛ فثمة قضية اسم الرواية وعنوانها، ومن اين جاء، وسبب التسمية، وهذا كله يقود الراوي لاخذنا بجولة في جبال فلسطين وربوعها ليعرفنا على زهرة عصا الراعي المنتشرة في الجبال ومنها جاء اسم الرواية. وثمة قضايا عابرة تطرحها الرواية عبر سيل من الاسئلة والقضايا الوجودية ذات الرمزيات والدلالات العالية، لكن توظيفها ضمن سياقات الرواية اثقل النص، وكاد ان يذهب به الى مهاوي الردى... وتبقى قضية ألاخ المفقود [الكبير] والبحث عنه محور الرواية، وبحيث تستحوذ على القدر الاكبر من احداثها، وتاخذنا الى عقد المقاربات والمفارقات بين رمزية البحث عن الذهب او الاخ او الوطن او الذات ودلالات كل رمزية...

تتوارد أخبار تحيي الأمل لدى العائلة، بالعثور على الاخ المفقود، لكنه أمل يقلقل حياة بطل الرواية [الأخ الأوسط]، وينكأ جراحه، يضاف لذلك الحدث الذي مثل الشغل الشاغل لبطل الرواية ظهور رجل فضولي غامض في المقهى، يثير بطل الرواية ويربكه، ويُضطره لملاحقته بموازاة تتبعه أثر أخيه المفقودة اثاره ما بين الاردن ولبنان وليبيا وتشاد...

زبون المقهى الدائم [عيسى احسان الحداد] ذلك الفضولي الذي اقحم نفسه في حياة بطل الرواية واحداثها، يلاحقه بطل الرواية ويتعارك معه ويوسعه ضربا مطالبا اياه بالحقيقة ص ١١١، وعبر صفحات الرواية الاخيرة يدور بينهم الحوار التالي:

- " عندما اكتشفت ان لك اخا ضائعا ظننت اني عن طريقه استطيع ان اثير اهتمامك، واجعلك تهتم بي، لا احد يهتم بي.
اكنت تعرف بقصة اخي منذ اليوم الاول للقائنا في المقهى؟
- لا بعد ذلك كنت اعرف اسمك الحقيقي واسم البلد من جواز السفر الذي كان في الحقيبة التي نسيتها في المقهى، وقد عرفت عن اخيك من واحد من بلدكم يعمل في دائرة السير.
والحرذون؟
- كان في البداية قبل ان اعرف ان لك اخا ضائعا، حين عرفت غيرت الخطة.
ولماذا تركت بيتك؟
-كنت اريد ان تبحث عني، كما ان صاحب البيت كان يطاردني من اجل الاجرة.
ومن اين جئت بحكاية الحرذون؟
-قراتها في رواية.
طيب كيف عرفت انني ابحث عن الذهب؟
-اخذت رقم سيارة صديقك، وسالت عنها وعن اسم مالكها في ادارة السير. عرفت اسمه عادل واسم قريته، ومن الناس في قريته عرفت حكاية الذهب.
فعلت كل هذا؟
- نعم .
من اجل ان تثير اهتمامي.
- نعم..
هل انت مجنون..؟

"في طريق العودة اوقفت سيارتي في وادي صريدة، صعدت التل، وجلست عند شجرة زعرور وحيدة، فكرت في ما جرى معي، الى اين سامضي؟ عن ماذا سابحث بعد الان؟ هل ابحث عن الذهب؟ عن اخي؟ عن نفسي؟ عن وهم اخر؟ ام عن مسكين يربي الحراذين من جديد؟".


من انا؟ والى اين امضي؟ اي طريق امشي فيها يا رب؟ اي خطا اضع عليها خطايا بعد الان؟ اي حافر ساضع حافري فوقه؟ لقد جربت كل شيء يا رب، بحثت عن كل شيء، سرت وراء كل وهم، سرت وراء الاحلام كلها، وراء الماضي وراء الحاضر، وراء المستقبل، وراء العقل، وراء الجنون، اي طريق تبقى يوصل ولا يرد، دلني يا رب...

"عند شجرة الزعرور تاملت حياتي؛ استلقي على الصخرة الملساء قرب الشجر واقول: ارحمني يا رب، دلني على الطريق، لملم حياتي، لملم عقلي."

بعد تسعة ايام اتصل اخي قال ان حالة ابي سيئة جدا. رحت على عجل. عند الفجر ضربت جلطة دماغ ابي، وعند الظهيره اخذ اخر نفس له. جاء رجل وربط الحطة البيضاء تحت حنكه حتى لا يرتخي. رحل ابي.

صعدنا بالنعش في الطريق الترابي الى سفح التلة حيث المقبرة، انتهى الحفر، اخرجنا ابي من التابوت وحملناه بين ايدينا ووضعناه في القبر، واخذنا نهيل عليه التراب الرطب.

لم اصدق نظري، انه هو الرجل الغريب صاحب الحرذون وقفت ونظرت اليه، صار قريبا، عندما رآني توقف، كان يريد التاكد من ردة فعلي. فجأة قلت من دون ان ادري كيف، تعال؟ ضع حفنة من التراب على قبر ابيك. صعقته الجملة لم يدري ماذا يفعل. كررت، تعال. لقد مات وهو يتمتم باسمك، وها انت تاتي بعد ان رحل، لم يكن محظوظا بما يكفي ليراك قبل ان يموت، تعال ضع حفنة من التراب على قبره.

بعد لحظات ذهول جاء . ظن الناس انه مذهول من خبر الموت. وضعت حفنة من التراب في يده. التفت الى الناس وقلت: اشهدوا يا ناس، هذا اخي الضائع ابراهيم. انه حي كما ترون، وقد جاء ليدفن اباه. كان الرجل مذهولا، لكنه رمى حفنة التراب على القبر، وبكى. لقد اندمج في الدور كانه اخي حقيقة. كنت ادرك انه في الاعماق يبكي يتمه الكبير. لكن بكائه جاء في وقته. عانقته، فعانقه اخي الاصغر، وعانقه الناس. بكى الكثيرون، وبكيت انا، ثم حملت قبضة اخرى من التراب ورميتها على قبري ابي.

كان علي ان افعل ذلك ان يجب ان انهي اللعبة؛ لعبتي لعبة اهلي، لعبتك، لعبة: ظهر الغائب، لم يظهر، مات، لم يمت. لقد فعلت ذلك من اجلي ومن اجل اهلي وليس من اجلك ص١٢٣.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي