اللقاء

فوز حمزة
2024 / 4 / 6

عبر الهاتف .. سمعت صوته لأول مرة وهو يدعوني إلى بيته ..
مشاعر فرح ممزوجة بالرهبة والدهشة انتابتني ..
خطر ببالي رفض طلبه .. لكن أيعقل أنْ أطلب من الشمس الرحيل بعد يوم ممطر؟!
لقاءه لم يعد حلمًا ..سأرقص مع ثيابي التي ابتهجت معي ..
أخيرًا .. بعد شهور من المراقبة .. سأدخل منزله بعد هروب جنيات الخوف اللواتي كنّ يحرسنه ..
أشعر بكل شيء فَرِح مثلي .. حتى شرفتي الصغيرة التي شاركتني الحيرة حينما كنت أراه يقف خلف جدار من الزجاج يطل على الحديقة الخلفية لبيته يتأمل بصمت ..
مكثت لثوان قبل رفع يدي لأرّنَ الجرس ..
قلبي يخفق بشدة .. وصوت أنفاسي كان كافيًا ليثنيني عما فكرت فيه .. لكن الأوان قد فات وأنا أرى امرأة تفتح الباب وتدعوني للدخول.
.. كانت تشبه تمثال شمع لا روح فيه .. فقط جسد يسير وأصابع تشير.
تركتني في صالة كبيرة بانتظار مضيفي بعد أن حدقت بيّ وكأني مخلوق قادم من عالم آخر.
سرت بيّ رعدة خفيفة اقشعر لها جلدي .. وكأني دخلت هذا المنزل. قبل هذه المرة!
كيف ومتى؟! .. لا أعلم .. وتلك اللوحة المعلقة على الجدار .. أليست لي؟!
تداخلت الأشياء والصور .. الزمن يحاول إخباري شيئًا ما .. لكنه تراجع أمام فزعي حينما سمعتُ باب الصالة يُفتح ..
لقد كان هو ..
وهو يخطو ببطءٍ نحوي .. ذهب بيّ عطره إلى مكان ما .. كفي التي غفت في كفه، وعيناه اللتانِ تحدقان بيّ .. غيبا الزمن إلا من اللحظة التي أنا فيها ..
- أهلًا بكِ.
قال .. ثم أشار إليّ بالجلوس ..
تبددت الكلمات في بحر الصمت .. لم ينقذني من نفسي سوى تلك اللحظة التي دخلت بها امرأة الشمع تحمل بين يديها صينية ..
ظلتْ تنظر إليّ طويلًا وهي تضع أمامنا فناجين الشاي ..
تضاعف خوفي ونما رعب كبير داخلي كمن يبحث عن سرٍ سفينة غرقت في أعماق البحر ..
غاصت نظراته في كوب الشاي أمامه ..
تساءلت: هل يشعر بوجودي؟!
عادت لحظات الصمت اللعينة تقاسمني الزمن .. فشعرت بالضآلة والانحسار .. غادر مكانه صوب الجدار الشفاف الذي يفصل الصالة عن الحديقة والتصق به حتى أخذت أنفاسه ترتطم بالزجاج وسرعان ما يبددها الهواء.
وهو ينظر عبر الزجاج إلى كرسي وضِعَ فوقه فراش وثير تجلس عليه قطة بنية اللون إلى جانبها كتاب غلافه وردي اللون وشال أسود قديم مربوط في إحدى جوانب الكرسي ..
شوق قادم من زمن سحيق ترسله نظراته، وتنهيدة أخرجها ببطء لذلك المكان في الحديقة ..
- أين أنتِ الآن عني؟
سمعته يهمس بهذه الكلمات..
شيء من الماضي شدني إلى المكان !
فجأة.. اقتربَ مني ليعرض عليّ سيجارة ..
- شكرًا لك، لا أدخن!
- بل تدخنين .. لطالما كنتِ تشاركيني هذه العادة السيئة ..
- ولكن هذا لقاءنا الأول فكيف؟ ...
قاطعني:
- كنت أرقبكِ كل صباح وأنتِ في الشرفة ..
لا أدري ما الذي أصابني حين فتح الباب ودعاني لدخول الحديقة.. أليس هذا ما كنت أتمناه ؟!
ألم يكن هذا حلمي الذي جعلتني الليالي أسيرة له؟
أما الآن، أقف كشجرة تتلاعب الريح بأغصانها وتهدد جذورها ..
طلب مني خلع حذائي ورميه جانبًا.. لم أجد سوى الامتثال لطلبه وكأني طفلة.
جلس على كرسي من الخيزران وبدأ يتفحصني حتى إنني تحسست ثوبي لأتاكد من أني ما زلت أرتديه ..
لم أكن أعرف من قبل أن هناك لحظات تساوي ما مضى من العمر .. كنت أريد للزمن الكف عن التسارع فيضع رحاله في المسافة التي تفصلني عنه..
خطواته وهو يسير نحوي أرعبت اللحظة ..
أغمضت عينيّ كي لا أفشي سرهما .. شعرت بيده تطوق رقبتي بشيء.. اقترب مني جدًا فشعرت بأنفاسه تستقر فوق وجهي..
أصابعه العابثة بشعري أيقظت فيّ شيء ما .. لكنه سرعان ما تبدد وأنا أسمعه يهمس لي طالبًا مني حمل القطة والجلوس على الكرسي ..
كرسي في حديقة منزل خلفية .. تحت شجرة توت كبيرة .. تجلس عليه امرأة يحيط عنقها شال أسود اللون قديم له حواش خضراء .. تحمل بإحدى يديها قطة بنية اللون .. القطة تمسك باطراف الشال تحاول منع السيدة من مواصلة القراءة في الكتاب الذي تحمله ..
أما الطرف الآخر ..
رجل يحمل فرشاة يحاول مسح دموعه قبل البدء بالرسم ..
بعد ساعات.. وهو يمضي إلى داخل الصالة.. قال: بإمكانك أن تأتي في الغد لاستلام اللوحة ••

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي