يحي جابر وأنجو ريحان

محمد علي مقلد
2024 / 4 / 6



أعرف يحي منذ كان فتى في ذروة حماسه الحزبي. وأعرف أنجو ريحان وحكاية والدها خليل(يوسف في المسرحية). نحن من جيل واحد نشأنا معاً في حزب العمال والفلاحين وصغار الكسبة، والمثقفين المصنفين في الأدبيات الشيوعية"خونة طبقتهم".
أظن أن النص لم يقل كل ما يعرفه يحي. لكن ما قاله كاف لتعريف الجيل الشاب المحتشد في القاعة بالمآسي التي صنعها جيل الحرب وأصيب بها. العمل المسرحي غلف تلك المآسي المبكية بالسخرية والدعابة والأغاني وبأداء أنجو الرائع ليلطف وقعها المؤلم. وهل أكثر إيلاماً من أن يناضل يوسف من أجل حكم وطني ديمقرطي، ومن أجل البرنامج المرحلي ومن أجل العلم والخبز والحرية، ومن أجل القضية الفلسطينية، لينتهي الأمر بأنجو وهي تغني "بيي راح مع العسكر حارب وانهزم في عنجر".
المسرحية ظلمت الشيوعيين إذ بدوا كأنهم وحدهم الضحايا. صناع الحرب اللبنانيون كلهم ضحايا. يمكن تبديل الأسماء، وبالديكور ذاته يمكن أن تقول أنجو المآسي ذاتها عن كل من شارك في الحرب الأهلية. لم ينج حزب من قهر أو تنكيل أو أسر على يد خصم له أو صديق في الداخل أو عدو في الخارج.
لم تقل المسرحية المآسي كلها لكنها أومأت إليها. مهمة الفن ألا يقول كل شيء. أن يقوله إيحاءً وتلميحاً. أنجو أبدعت في تجسيد الحرب كلعبة مسلية تضحكنا ثم تبكينا. الحرب في وعي الناس وفي ضمائرهم غيرها في خطط القادة ومؤامرات الدول. يوسف الشيوعي يتحلى بالطيبة والصدق ولا يحسب لسوء نية الأقربين من أهل الخندق الواحد حساباً. يفضل العودة إلى بيته وتعريض نفسه لخطر الاغتيال على أن يستولي عنوة على بيت سواه. هذه من عمل الشبيحة والميليشيات.
فيما كنت أتابع أنجو وهي تروي سيرة والدها الدمث الودود الصادق المحب، تذكرت كيف قررت قيادة المنطقة الحزبية معاقبته في حرب عناقيد الغضب، عندما قصد خليل ريحان بيروت ليتفقد بناته ولم يتمكن من العودة الفورية إلى قريته، لممارسة مهامه الحزبية بعد أن قصفت إسرائيل الجسور وقطعت الطرقات بين العاصمة والجنوب، مع أنه لم يكن لأي جنوبي أي دور في مقاومة الطيران الإسرائيلي. غير أن تقرير المسؤول العسكري في الحزب أمام القيادة المركزية أكد إن قواته قاومت العدوان ببسالة، ولم يشر التقرير إلى أن مستشفى النجدة الشعبية في النبطية كان يستغيث عبر الإذاعة لأن كميات الوقود المتبقية في خزاناته مهددة بالنفاد.
حصل ذلك مع خليل، يوسف في المسرحية، بعد نجاته من ثلاث محاولات اغتيال وبعد خروجه من معتقلي أنصار وعتليت. التهمة تفقد بناته، ومنهن أنجو، للاطمئنان عليهن. تهمة هي أشد مضاضة على المرء من الأسر ومحاولات الاغتيال، لأنها من ظلم ذوي القربى.
تقول المسرحية إن الشيوعيين ضحايا. وقرية الرميلة ببيوتها وبأهاليها ضحية أيضاً. فمن يكون الفاعل؟ هل يكفي تجريم الطائفية وعنجر؟ من الصدف أن يتزامن افتتاح المسرحية مع صدور كتابي، في نقد الحرب الأهلية. لا شك أن لغة الفن أجمل من لغة التحليل وأن مسرحة الهموم أبلغ من وصفها بالكلام. طلبت من يحي أن يبدع نصوصاً أخرى أبطالها من حلفاء الشيوعيين وخصومهم في الحرب.
كان لدى كل منهم عزيز إسمه يوسف معتقل في عتليت أو في المزة أو في أقبية الميليشيات المحلية. المارونية السياسية، الشيعية السياسية، الجبهة اللبنانية، الحركة الوطنية، التنظيمات القومية والعلمانيون والفدراليون والمثقفون ورجال الدين والمصرفيون ومنظمة التحرير" كلهم أبطال الحرب وضحاياها". أنجو الرائعة التي لعبت عشرين دوراً في المسرحية قادرة على أن تكون بنتاً لأي يوسف من هؤلاء الذين ليس أي منهم برئياً من دم يوسف.
لدى كل فريق نسخة من يوسف المخدوع ونسخة من خليل المناضل. ولدى كل منهم قضية وأبطال وشهداء وجوانب مضيئة ولا أظن أن سؤال المسرحية وعنوانها، شو منلبس؟ يغمط هذه الجوانب من ماضينا أو يغلق أبواب الأمل أمام أحلامنا الجميلة.
الجواب على السؤال تجسد في شخص طفلة إسمها يارا لبست، حين صارت صبية، لباس امرأة حرة علمانية تنبذ التعصب والانغلاق وتسخر من التصنيفات الطائفية والمذهبية وتدعونا إلى التحرر من خصومات افتراضية أفقدت وطننا السلام والاستقلال والوحدة الوطنية.
لعل يحي وأنجو يجمعان هؤلاء المتنوعين المتشابهين في حبهم للحياة وللوطن في مسرحية قادمة ليفتحا أمام جيل ما بعد الحرب أبواب الأمل.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي