|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عصام حافظ الزند
2024 / 4 / 4
(ثم علمت أنَ كل ما لا أعلمه على هذا الوجه ولا أتقنه، هذا النوع من اليقين، فهو علم لا ثقة به ولا أمان معه فليس بعلم يقيني
أبو حامد الغزالي المنقذ من الضلال ص163)
الدِراساتُ عَن الإِسْلامِ الشَرِيعَةِ وَالسُنَّةِ وَالعُلُومِ المُخْتَلِفَةِ المُرْتَبِطَةِ بِهِ مِن المَغازِي إِلَى الفِقْهِ وَالحَدِيثِ وَالتَفْسِيرِ وَالناسِخِ وَالمَنْسُوخِ وَالجُرْحِ وَالتَعْدِيلِ وَبِاللُغاتِ كلها أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَالدِراساتُ عَن الجِنْسِ العَرَبِيِّ تَأْرِيخُهُ وَمُجْتَمَعُهُ وَ" حَضاراتُهُ" أَيْضاً كَثِيرَةٌ وَكَذٰلِكَ الدِراساتُ عَن الأَعْرابِ (البَدْوِ) سواء بشكل مباشر أو عبر الدراسات التاريخية العامة مِن الدُكْتُورِ جَواد عَلِي إِلَى جَرْجَي زيدان وَفليب حَتِّي و امين َالرَيْحانِي وَأَحْمَد أَمِين وَعَبّاس العَزّاوِي وَعَلِي الوَرْدِي وَالحَصْرِيِّ وحافظ وهبة واحمد عبد الباسط حسن وتوفيق برو وَعَشَراتٍ بَلْ مِئاتِ غَيْرِهِم ولا نتحدث هنا عن التراث الكتابي التاريخي الثري جدا قبل وبعد ابن خلدون يضاف إلى ذلك دِراساتٌ مُسْتَشْرِقِينَ غايَةً فِي الأَهَمِّيَّةِ وَالرُقِيِّ وَمِنها دِراساتُ ماكْس اوبِنْهايم وَمُؤَلِّفُهُ البَدْوُ وَكِتّابُ هارولد دَكْسُون عَرَبَ الصَحْراءِ وَدِراساتُ المُسْتَشْرِقِ التْشِيكِيِّ الويس موسيل الكَثِيرَةُ وَالَّتِي لا يُمْكِنُ الاِسْتِغْناءُ عَنها وَكَذٰلِكَ دِراساتُ يوركهارت الأَلْمانِيُّ وَغوستاف لوبون وَتُونْبِي وَمونجمري وات وإيجناس جولدتسيهر، ومكسيم روندسون وكيتاني وجون سي بلر أو شبرنغر بَلْ إِنَّنا لَمْ نَجِدْ بُحُوثاً عَرَبِيَّةً أَوْ إِسْلامِيَّةً بِحَجْمِ وَقِيمَةِ دِراساتِ نولْدِكة وَخاصَّةٍ تارِيخَ القُرْآنِ تَخْتَلِفُ مَعَها أَوْ تَتَّفِقُ لٰكِنَّكَ لا بُدَّ أَنْ تَعْتَرِفَ بِالجُهْدِ العِلْمِيِّ الاِسْتِثْنائِيِّ الَّذِي قامَ بِهِ عُمُوماً وَبَعِيداً عَن التَعَصُّبِ وَإِذا اِتَّخَذْنا المَوْضُوعِيَّةَ لَقُلنا أَنَّ عُمُومَ الدِراساتِ الاِسْتِشْراقِيَّةِ قَدَّمَت الكَثِيرَ مِن المَعْلُوماتِ وَالدِراساتِ عَن الإِسْلامِ وَالعَرَبِ وَالأَعْرابِ بِأَكْثَرَ مِمّا قَدَّمَهُ العَرَبُ وَالمُسْلِمُونَ أَنْفُسَهُم حَتَّى فِي مَجالِ تَحْقِيقِ المُؤَلَّفاتِ القَدِيمَةِ، فَهُناكَ العَشَراتُ وَرُبَّما أَكْثَرُ مِن الكُتُبِ المُحَقَّقَةِ وَالآلافِ مِن العَناوِينِ المَطْبُوعَةِ وَقائِمَةِ المُسْتَشْرِقِينَ المهمين تَضُمُّ ما يَزِيدُ عَن الخَمْسِمِائَةِ مِمَّنْ كَتَبُوا عَن الإِسْلامِ وَالشَرْقِ (ينظر إلى مؤلف عبد الرحمن بدوي موسوعة المستشرقين وكذلك المؤلف المهم والواسع المستشرقون لنجيب العقيقي دار المعارف )عُمُوماً هُناكَ فُرُوقٌ فِي كَثِيرٍ مِن الأَحْيانِ نَوْعِيَّةٌ بَيْنَ الباحِثِ العَرَبِيِّ أَوْ المُسْلِمِ وَما بَيْنَ المُسْتَشْرِقِ فَغالِبِيَّةُ البُحُوثِ العَرَبِيَّةِ مُكَبَّلَةٌ فِيما يَتَعَلَّقُ بِالدِينِ أَوْ فِي المَواقِفِ الفِكْرِيَّةِ مِن الإِسْلامِ شَرِيعَتُهُ وَسُنَّتُهُ وَكَثِيرٌ مِنها مُبْتَلِيَةٌ بِالحَشْوِ وَالتَكْرارِ، ويكثر فيها المديح والتعظيم أو الذم ومصابةَ بعَدَمِ التَمْحِيصِ العالِي وَتَتَأَثَّرُ قَوْمِيّاً وَطائِفِيّاً ،وَهُم حَذِرُونَ وَيَخافُونَ فِي حَقِيقَةِ الأَمْرِ لا مِن اللّٰهِ بَلْ مِن رِجالِ الدِينِ أَوْ المُؤَسَّسَةِ الدِينِيَّةِ أَوْ السُلْطَةِ الحاكِمَةِ، وَهٰذا ما يُؤَثِّرُ في نَوْعِ المَعْلُومَةِ وَالمَعْرِفَةِ، وَمَنْ يَتَجَرَّأُ قَدْ يَدْفَعُ الكَثِيرَ بِما فِيها حَياتُهُ ثَمَناً كَما حَصَلَ لِعَشَراتٍ مِن العُلَماءِ وَالفَلاسِفَةِ وَالكَلامِيِّينَ، بَلْ وَالشُعَراءِ وَالأُدَباءِ وَغَيْرِهِم سواء عبر التأريخ أو العصر الراهن وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مُحاكَمَةٍ وَتَكْفِيرَ وَإِعْدامُ مَحْمُود مُحَمَّد طٰهٰ المُصْلِحُ السُودانِيُّ، أَوْ مُحاكَمَةُ الشَيْخِ عَلِي عَبْدِ الرَزّاق وَفَصْلِهِ مِن الاِزْهِرِ وَمِن وَظِيفَتِهِ كَقاضٍ لِمُجَرَّدِ أنه عارَضَ الخِلافَةَ، وَاِعْتَبَرَها لَيْسَت أَصْلاً مِن أُصُولِ الحُكْمِ فِي الإِسْلامِ أو الانتهاكات والمضايقات التي تعرض لها الباحث خليل عبد الكريم لجرئته في الكتابة في كثير من شؤون التاريخ الإسلامي وَلَيْسَ آخِرُها مُحاكَمَةَ الكاتِبِ وَالباحِثِ العَرَبِيِّ نَصْر حامِد أَبُو زَيْد وَصُدُورُ أَمْرٍ بِتَفْرِيقِهِ عَن زَوْجَتِهِ بِتُهْمَةِ الإِلْحادِ وَغَيْرِها مِن الأَحْداثِ الَّتِي سَمِعنا أَوْ لَمْ نَسْمَعْ عَنها فِي البُلْدانِ العَرَبِيَّةِ الكاتِبَ أَوْ الباحِثَ فِي البُلْدانِ العَرَبِيَّةِ وَالإِسْلامِ لَهُ دائِماً سَقْفٌ مُحَدَّدٌ إِذا أَرادَ الوُلُوجَ إِلَى عُلُومِ الإِسْلامِ ،وَإِذا لَمْ تُكَبِّلْهُ الشَرِيعَةُ وَالسُنَّةُ بِحُكْمِ القانُونِ تُكَبِّلُهُ البِداوَةُ وَقِيَمُها الَّتِي تَمْتَدُّ لِعِدَّةِ الآلافِ مِن السِنِينَ، مُرُوراً بِما يَقْرُبُ مِن خَمْسَةَ عَشَرَ قَرْناً مِن الإِسْلامِ البَدَوِيِّ فَهُوَ يُقِرُّ مُقْتَنِعاً طائِعاً أَوْ مُكْرَهاً عَلَى عَدَمِ تَجاوُزِ تِلْكَ السُقُوفِ وَلَوْ حَدَثَ وانَ تَجاوَزَ وَحَوْرَبَ وَتَراجَعَ قِيلَ عَنْهُ إِنَّهُ اِهْتَدَى بَعْدَ ضَلالٍ، وعلاوة على ذلك ورغم عظم القيم الفكرية والاكتشافات والمعلومات المهمة التي ضمتها دراسات الكتاب والباحثين الذين أشرنا إليهم إلى جانب عدد أكبر لا يقلون عنهم شأنا أو علما ، تبقى هناك فجوات فكرية وزمنية وتاريخية كبيرة ومهمة تقف امام عرض تاريخ المنطقة بكل جوانبه، ناهيك أن تلك الأبحاث تعتمد أصلا على التاريخ الشفوي الذي تشوبه الكثير من العيوب وعدم الدقة والتناقض والمغلف بروايات أسطورية أحيانا، وهنا نردد مؤيدين ما قاله الباحث عباس العزاوي في مقدمة مؤلفه عشائر العراق "ان المراجع التأريخية و-أن كانت كثيرة- مادتها قليلة" وكما يقول نولدكة "فَقْد انقَضى ذلك الزَمَن الذَي كنَّا نعتَبرُ بِهِ أَقاصِيصْ العَرب الجميلة أخبارا ً تَاريخية مَوثُوقة، وأَخَذنا اليوم ننظرُ إلى تطبيقات العُلماء المسلمين نظرةً صحيحة فلا نعلق عليها أهمية أَكثرُ ممّا تستحق" (تيودور نولدكة أمراء غسان دار الوراق ص17)
ومع ذلك فإن كُلَّ ما اِطَّلَعْنا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الدِراساتِ وَالأَبْحاثِ وَغَيْرِها الكَثِيرِ جِدّاً لِعَرَبٍ وَأَجانِبَ، وجدنا أن الغالبية من البحوث والكتب لا تميز بين العرب والأعراب كما لَمْ نَرَ دِراسَةً واحِدَةً تَرْبِطُ ( نُؤَكِّدُ تَرْبِطُ وَبِشَكْلٍ مُباشِرٍ) بَيْنَ البَدْوِ(الأَعْرابِ) وَالإِسْلامِ وَالتَأْثِيرِ المُتَبادَلِ بَيْنَهُما ، كَيْفَ تَأَثَّرَ الدِينُ بِالوَسَطِ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ وَكَيْفَ صاغَتْ شَرائِعُهُ وَسُنَنُهُ، وَكَيْفَ أَثَّرَ الأَعْرابُ فِي صِياغَةِ مَفاهِيمِهِ وَماذا اِكْتَسَبَ هٰذا المُجْتَمَعَ مِن الدِينِ وَكَيْفَ اِسْتَفادَ مِنهُ، وَإِنَّ الدِراساتِ وَالأَحادِيثَ وَالكُتُبَ وَالمَقالاتِ الَّتِي تَبْحَثُ فِي المَشاكِلِ الاِجْتِماعِيَّةِ وَالاِقْتِصادِيَّةِ وَالثَقافِيَّةِ وَالسِياسِيَّةِ وَالقانُونِيَّةِ بَلْ أَساساً وَحَتَّى الدِينِيَّةِ وَغَيْرِها لَمْ تَنْتَبِهْ وَلا تُشِيرُ إِلَى أَنَّ جِذْرَ تِلْكَ المَشاكِلِ إِنَّما يَكْمُنُ فِي الطَبِيعَةِ البَدَوِيَّةِ لِتِلْكَ المُجْتَمَعاتِ، إِنَّهُم يَقْفِزُونَ عَلَيْها عَمْداً أَوْ جَهْلاً، أَوْ يَمُرُّونَ عَلَيْها بصورة موجزة شَدِيدٍ أَوْ بِعِباراتٍ عامَّةٍ أَوْ إِشاراتٍ وَبَعْضِ الدِراساتِ لِمِثْلِ تِلْكَ المَوْضُوعاتِ لَمْ تَمَسَّ إِلّا أَطْرافُ تِلْكَ العَلاقَةِ حَتَّى اِبْنِ خَلْدُونَ فِي مُؤَلِّفِهِ المُهِمِّ المُقَدَّمَةِ وَالَّتِي أَوْلَيْناها اِهْتِماماً خاصّاً وَأَبْحاثُهُ المُهِمَّةَ عَن البَدْوِ غابَت عَنها على نحو مباشر دِراسَةٌ وَتُقِيمُ تِلْكَ العَلاقَةُ عِلاوَةً عَلَى تَمَسُّكِهِ عموما بِالخُرافاتِ وَالمُعْجِزاتِ، وَرُبَّما كانَ ذٰلِكَ بِتَأْثِيرِ العَصْرِ وَهٰكَذا قُلنا أَنَّ العَرَبَ وَالمُسْلِمِينَ يَخْتَصِرُونَ الأَمْرَ وَيَتَّهِمُونَ المُتَطَرِّفِينَ بِأَنَّهُم غَيْرُ مُسْلِمِينَ وَلا يُمَثِّلُونَ الإِسْلامَ وَأَنَّ المُتَعَلِّمَ مِنهُم يُحاوِلُ أَنْ يُثْبِتَ لَكَ بِأَنَّ قِياداتِهِم خَضَعَت لِتَدْرِيباتٍ فِي المُخابَراتِ لِتَقُومَ بِهٰذا الدَوْرِ، ولا يركز على أساس تلك القيم البدوية الخانعة للقوي والقوية على الضعيف (كَما القِصَصُ القَدِيمَةُ عَن يَهُودِيٍّ أَسْلَمَ مِن اجِلِ تَخْرِيبَ الإِسْلامِ) وَأَنَّ الغَرْبَ أَيْضاً اِخْتَصَرَها وَقَرَّرَ أَنَّهُ إِرْهابٌ إِسْلامِيٌّ وَأَنَّ الدِينَ الإِسْلامِيَّ هُوَ المَسْؤُولُ عَنْ ذٰلِكَ التَطَرُّفِ. دون أن يشير الى الجانب المعتدل والرحيم من الإسلام.
وَنُحاوِلُ هُنا أَنْ نُؤَشِّرَ أَوْ نُثْبِتَ، أَنَّ التَطَرُّفَ الَّذِي نَشْهَدُهُ هُوَ حَقّاً تَطْرُفُ يُمارِسُهُ مُسْلِمُونَ حَقِيقِيُّونَ "وَإِنْ كانُوا أَقَلِّيَّةً وِفْقَ عَدَدِ المُسْلِمِينَ" تَرَبُّوْا وِفْقَ مَدارِسَ طائِفِيَّةٍ إِسْلامِيَّةٍ متشددة مرتبطة بطبائع المجتمع البدوي الَّتِي هِيَ اِمْتِدادٌ لِلتَيّارِ السَلَفِيِّ وَاِمْتِدادٌ لِأَفْكارِ التَطَرُّفِ بَدْءاً مِن القَبِيلَةِ البَدَوِيَّةِ المُوغِلَةِ فِي القَفْرِ وَمُرُوراً بالأُمَوِيِّينَ مستخدماً بَعْضَ أَفْكارِ اِبْنِ حَنْبَلٍ ذِي الخُلْقِ الكَرِيمِ ثُمَّ مُرُوراً أساسا وتأكيدا بِاِبْنِ تَيْمِيَّةَ وابن القِيَّمِ ، تِلْكَ الأَفْكارُ الَّتِي اِنْتُزَعَت شَرائِعَ وَأَحادِيثَ وَأَحْداثٌ إِسْلامِيَّةً مِن سِياقِها التارِيخِيِّ وَالظَرْفِيِّ واللغوي أَوْ أَنَّها أَصْلاً مَنْحُولَةٌ عَبْرَ البَداوَةِ الأُمَوِيَّةِ مُسْتَخْدِماً بَعْضَ العُلُومِ الإِسْلامِيَّةِ وَفِي مُقَدِّمَتِها علوم التفسير والناسِخُ وَالمَنْسُوخُ وَيَسْتَخْدِمُوها فِي دَعْمِ أَفْكارِهِم وَأَعْمالِهِم وَ" جِهادِهِم"، وَلا يُمْكِنُ أَنْ نَنْزِعَ الشَرْعِيَّةَ عَنها إِلّا بِنَزْعِ تِلْكَ القِيَمِ البَدَوِيَّةِ وَما اِسْتَنَدَت إِلَيْهِ، وَلا يُخامِرُنا الشَكُّ أَنَّ تِلْكَ الخُطْوَةَ سَتُجابُهُ رُبَّما بِأَعْنَفِ ما يَكُونُ وَسَتَحْتاجُ إِلَى عِدَّةِ أَجْيالٍ لِإِنْجازِها، وَمِنْ ناحِيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الأَساسُ أَنَّنا نُنَبِّهُ الغَرْبَ إِلَى خَطَأِ وَخَطَرِ التَعْمِيمِ لِمَوْضُوعِهِ هِيَ أَصْلاً خاطِئَةٌ وَساذَجَةٌ، فانَ فِي الإِسْلامِ شَرِيعَتُهُ وَسُنَنُهُ العَشَراتُ بَلْ مِئاتُ الدَلائِلِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الحُبِّ وَالتَعاوُنِ وَالاِحْتِرامِ وَالتَسامُحِ وَالتَعايُشِ وَالسَلامِ وَغَيْرِها مِنْ القِيَمِ السامِيَةِ، تِلْكَ القِيَمُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَمُنا تَوْسِيعُها وَدَعْمُها وَمُساعَدَتَها فِي كِفاحِها ضِدَّ التَطَرُّفِ، وَأَنَّ قِيَمَ التَطَرُّفِ فِي واقِعِها قِيَمٌ اِجْتِماعِيَّةٌ أُقَدِّمُ مِنْ الإِسْلامِ نَفْسِهِ، أَنَّها لَمْ تُولَّدْ مَعَهُ، بَلْ إِنَّها أَسْبَقُ مِنْهُ وَأَنَّها وَنَتِيجَةً لِعَوامِلَ عِدَّةٍ اِفْتَرَسَت الإِسْلامَ وَاِسْتَخْدَمَتْهُ دِفاعاً وَحِفاظاً عَلَى قِيَمِها الاِجْتِماعِيَّةِ البَدَوِيَّةَ. لَقَدْ جَهِدَ الإِسْلامَ، وَخاصَّةً فِي بِدايَةِ دَعْوَتِهِ إِلَى إِلْغاءِ أَوْ تَدْجِينِ بَعْضِ تِلْكَ المَفاهِيمِ ، وَالَّتِي حَدَّدَها بِمُصْطَلَحِ الجاهِلِيَّةِ، وَلٰكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ مُقاوَمَةَ ذٰلِكَ المَدِّ الَّذِي وُلِدَ قَبْلَهُ بِمِئاتِ السُنِّيِّينَ، ’فَاِقْتَنَعَ في نهاية الأمر عَلَى الأَغْلَبِ، بِالرايَةِ وَلَمْ يَعُدْ يَعْبَأُ كَثِيراً بِما يَجْرِي تَحْتَها، أَوْ ما يَقُومُ بِهِ حامِلُها، يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَيُحارِبُ بِأَقْسَى ما يَسْتَطِيعُ، رَسْمٌ كارِكْتِيرْ عْلَى بَعْدَ آلافِ الكِيلُومِتراتِ وَلا يُرَى وَلا يَكْتَرِثُ لِمَجْزَرَةٍ مُرَوِّعَةٍ تُرْتَكَبُ فِي دارِهِ وَكأنَ مُحَمَّدٌ وحجمه التاريخي والبشري وَما أَنْجَزَهُ سَيَتَأَثَّرُ بِذٰلِكَ الرَسْمِ أو تلك الإساءة.
إِنَّ مَوْقِفَ قُرَيْشٍ مِن الإِسْلامِ يُعْطِي الدَلِيلَ عَلَى البِداوَةِ وَالسَقِيفَةَ وَما بَعْدَها وَحُرُوبَ الرِدَّةِ المَثَلِ الآخَرِ وَالغَزَواتِ خارِجَ الجَزِيرَةِ وَالفِتْنَةِ الكُبْرَى وَحُرُوبٍ عَلَى وَسِياسَةِ الدَوْلَةِ الأُمَوِيَّةِ ثُمَّ العَبّاسِيَّةِ وظهور المذاهب والفرق ،بل وتناقض الاحاديث والاحداث كُلِّها تُثْبِتُ أَنَّ البِداوَةَ لَمْ تَكُنْ فِي وارِدٍ أَنْ تَتَخَلَّى عَنْ قِيَمِها، وَكانَ أَعْظَمَ ما قامَتْ بِهِ أَنْ طَوَّعَتْ الإِسْلامَ لِقِيَمِها، فَاِسْتَخْدَمَتْهُ وِفْقَ ما يروقها وَطَوَّعَتْ مِنْهُ ما يُمْكِنُ تَطْوِيعُهُ، وَأَخْفَتْ ما اِسْتَطاعَتْ إِخْفاءَهُ، وَأَوْلَتْ ما يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ، وَفِي خِلالِ ثَلاثَةِ قُرُونٍ أَوْجَدَتْ من إسلام محمد إِسْلامَها. بل أن البداوة وصمت ما قبل الإسلام (العرب المدنيون) بالجاهلية ولكنها في الوقت ذاته سرقت كل إنجازات أولئك لتوهم الناس عبر التاريخ أنها منجزاتها عبر خلط المفاهيم، فأصبح البدو وكأنهم نفس أولئك العرب المدنيين.
إن من يريد كتابة أو رواية التاريخ أو مناقشته يجب أَنْ يكُونَ مُسْتَعِدّاً خاصَّةً فِي المَوْضُوعاتِ المُتَنافِرَةِ غَيْرِ المُؤَكَّدَةِ مِثْلَ التارِيخِ العَرَبِيِّ الإِسْلامِيِّ الَّذِي كُتِبَ بَعْدَ ما لا يَقِلُّ عَن قَرْنَيْنِ (سِتَّةٍ إِلَى سَبْعَةِ أَجْيالٍ) بَعْدَ وَفاةِ النَبِيِّ مُحَمَّد وَاِعْتَمَدَ عَلَى المَعْلُومَةِ الشَفَوِيَّةِ تَتَناقَلُ مِن جِيلٍ إِلَى جِيلٍ وَسَطٍ أُمِّيَّةٍ مُهَيْمِنَةٍ وَاِخْتِلافاتٍ عَشائِرِيَّةٍ وَقَبائِلِيَّةٍ وَفِكْرِيَّةٍ وَعَقائِدِيَّةٍ كَبِيرَةٍ وَوِفْقَ سِيادَةِ القِيَمِ البَدَوِيَّةِ بَلْ وَعَدَمِ الاِتِّفاقِ عَلَى الأَسْماءِ وَالأَماكِنِ وَالتَوارِيخِ، وَرُبَّما الحَدَثِ نَفْسِهِ، عليه أن يكون صبورا على المعلومة، ولا يتعجل الحكم والموقف .
القِراءَةُ لَكَ وَحْدَكَ تَشْعُرُ بِالحُرِّيَّةِ فِيها تَخْتارُها تُقَبِّلُها تَرْفُضُها تُصَدِّقُها تُكَذِّبُها تَتَّخِذُها تَتْرُكُها هِيَ لَكَ مُتْعَةٌ أَوْ ضَجَرٌ، أَوْ مَعْلُومَةٌ قَدْ تُسْتَفادُ مِنْها وَتُفِيدُ، وَقَدْ تَمُرُّ عَلَيْكَ، دُونَ أَنْ تَتْرُكَ فِيكَ اِثْراً وَفِي الأَحْوالِ كلها تَمُوتُ مَعَكَ. اما الكِتابَةُ فَهِيَ مَسْؤُولِيَّةٌ فِي نَظَرِي كَبِيرَةٌ تُقَدِّمُها لِلآخَرِينَ لِفَرْدٍ واحِدٍ أَوْ عَشَرَةٍ أَوْ آلافٍ أَوْ أَكْثَرَ وَرُبَّما تَبْقَى دُهُورٌ، وَرُبَّما يَنْساها الناسُ بَعْدَ حِينٍ، الكِتابَةُ وَبِالنِسْبَةِ لِلقارِئِ المُتابِعِ المواكب تَكْشِفُ لَهُ عن وَجْهَكَ، بَلْ تُعَرِيكَ وَتَدْخِلُهُ إِلَى تَلافِيفِ دِماغِ رأسك تَعْرِضُ لَهُ عِلْمَكَ وَجَهْلَكَ كَذِبَكَ وَصَدْقُكَ فِيها مُعايِرُ مُعَقَّدَةٌ إِنْ كُنْتَ تَسْعَى حَقّاً مِنْها مَعْرِفَةً أَوْ تَنْبِيهٌ أَوْ لَفْتُ نَظَرٍ أَوْ تَوْضِيحٍ أَوْ كَشْفٌ أَوْ تَحَوُّلُها إِلَى مُجَرَّدِ أَداةٍ لِلعَلاقاتِ العامَّةِ وَبِذا سَتُفْرِغُها جَوْهَرُها وَأَهْدافُها، لَقَدْ غَدَّى كثير من "مُثَقَّفِينا" لِلأَسَفِ يَكْتُبُونَ أَضْعافَ ما يَقْرَؤُونَ؛ لِأَنَّ الكِتابَةَ غَدَت وَجاهَةً وَنُجُومِيَّةً وملئ فراغ يومي وَضع الاسم في قائمة معينة وَطَبْعاً فَإِنَّ ذٰلِكَ يَعْتَمِدُ عَلَى نَوْعِ الكِتابَةِ أَهِيَ شَعْرُ ام فَنٌّ مِنْ فُنُونِ الأَدَبِ. أَمّا أَنَّها بَحْثٌ تارِيخِيٌّ أَوْ عِلْمِيٌّ أَوْ كَشْفُ نَقْلِ أَوْ تَفْسِيرُ أم تَسْجِيلٍ أَوْ مُساهَمَةٌ فِي نِقاشٍ أَوْ تَوْضِيحٍ أَوْ كَشْفِ أَمْرٍ أَوْ نَقْلُ مَعْرِفَتِهِ لِلآخَرِينَ أم سير شخصية أو للآخرين
وَمِنْ الحَقائِقِ الَّتِي تُواجِهُها فِي البَحْثِ حَقِيقَةٌ أَنَّكَ مِنْ السَهْلِ أَنْ تَجِدَ فِي مَكْتَبَةِ ما قَبْلَ النِصْفِ الأَوَّلِ مِنْ القَرْنِ العِشْرِينَ كُتُبَ عَبْقَرِيَّةً تَزَوِّدُكَ بِما لا تَتَوَقَّعُهُ مِنْ المَعْلُوماتِ وَالأَفْكارِ وَالمَعارِفِ، وَتُحِسُّ أَنَّ الكاتِبَ لا بد أنهُ قَدْ بَذَلَ جُهْداً كَبِيراً وَعَبْقَرِيّاً لِجَمْعِ تِلْكَ المَعْلُوماتِ وَتَقْسِيمِها وَتَقْدِيمِها وَلَيْسَ مُهِمّاً هُنا أَنْ تَتَّفِقَ أَوْ تَخْتَلِفَ مَعَهُ، وَلٰكِنَّكَ تَبْقَى مَبْهُوراً بِجُهْدِهِ العِلْمِيِّ، عَلَى أنك وَبِالمُقابِلِ مِنْ الصَعْبِ أَنْ تَجِدَ مِثْلَ تِلْكَ الكُتُبِ مُنْذُ مُنْتَصَفِ القَرْنِ الماضِي وَحَتَّى الآنَ، فَقَدْ تَدَنَّى الصَبْرُ وَالمُثابَرَةُ إِلَى أَقْصَى حُدُودِهِ وَأَصْبَحَت عَدَدُ الصَفَحاتِ وَعَدَدُ الكُتُبِ وَالتَزْوِيقِ اللَفْظِيِّ وَالشِعاراتِ وَوَضَعَ ما لا يَلْزَمُ مِن المُقَرَّراتِ الرَئِيسِيَّةِ فِي العَمَلِ بَلْ إِنَّكَ لَتَجِدُ عَشَراتٍ، بَلْ مِئاتِ العَناوِينِ الَّتِي لا تَضُمُّ فِي الواقِعِ قِيَمٌ فِكْرِيَّةً مُفِيدَةً دائِمَةً بَلْ تَعْمَلُ عَمَلَ المَقالِ فِي الصَحِيفَةِ اليَوْمِيَّةِ تَقْرَأُهُ اليَوْمَ ليأكله خَبَرَ الغَدِ، بَلْ وَغَدَت عَدَمَ الدِقَّةِ وَالسَرِقَةِ وَالتَأْوِيلِ ورسم غير الواقع وَغَيْرَها شائِعَةً وَكَثِيرَةً فِي الكِتاباتِ وَمِنها ما يُرادُ تَسْمِيَتُها "البُحُوثُ الأَكادِيمِيَّةُ " حَتَّى لَمْ تَعُدْ تَلْتَزِمُ بِها بَعْضَ دَوْرِ النَشْرِ الَّتِي يُفْتَرَضُ بِها أَنْ تَكُونَ أَمِينَةً عَلَى تَطْبِيقِ المَعايِيرِ العِلْمِيَّةِ عَلَى الدِراساتِ وَالبُحُوثِ الَّتِي تَنْشُرُها لاغِيَةً الفَرْقَ بَيْنَها وَبَيْنَ دارِ الطَبْعِ أَوْ مُتَسَتِّرَةً بِعِبارَةِ أَنَّها غَيْرُ مَسْؤُولَةٍ عَنْ المُحْتَوَى. وهنا نذكر بما قاله السُيُوطِي فِي "المُزْهِرِ " " وَمِنْ بِرْكَةِ العِلْمِ وَشَكَرِهِ، عَزُّوهُ إِلَى قائِلِهِ،.........، قُلْتُ وَلِهٰذا لا تَرانِي أَذْكُرُ فِي شَيْءٍ مِنْ تَصانِيفِي حَرْفاً إِلّا مُعَزُّواً إِلَى قائِلِهِ مِنْ العُلَماءِ، مُبَيِّناً كِتابَهُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ" (المُزْهِرُ فِي عُلُومِ اللُغَةِ وأنواعها لِلعَلّامَةِ عَبْدِ الرَحْمٰن جَلال الدِين السُيُوطِي شَرْحُهُ وَصَحَّحَهُ ثَلاثٌ مِن الاساتِذَةِ الجُزْءِ الثانِي المَكْتَبَةِ العَصْرِيَّةِ فِقْرَةُ عِزُّو العِلْمِ إِلَى قائِلِهِ ص 319 ) الحلقة الثانية (أسطر من دراسة واسعة بعنوان البدو والإسلام والتطرف معدة للنشر بعشرة فصول بالعربية والإنكليزية نقدم على حلقات جزء معد من الفصل الأول)
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |