مربط الفرس

عصام حافظ الزند
2024 / 4 / 2

(أسطر من دراسة واسعة بعنوان البدو والإسلام والتطرف معدة للنشر بعشرة فصول بالعربية والإنكليزية سنقدم على حلقات جزء من الفصل الأول )
أَكْثَرَ مِنْ عَقْدٍ، وَأَنا أَعْمَلُ عَلَى جَمْعِ وَتَحْدِيدِ مَعْلُوماتٍ عَلَى سُؤالٍ شُغِلَ تَفْكِيرِي مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ رُبَّما أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ تَصِلُ إِلَى مَرْحَلَةِ الشَبابِ، بَدَأَ التَساؤُلُ ساذَجاً وَبَسِيطِاً وَمُرْتَبِكاً وَأَخَذَ يَتَطَوَّرُ كُلَّما تَزْدادُ مَعْلُوماتِي، وَتَزْدادُ قِراءاتِي واطلاعي
مَنْ يَحْكُمُنا؟! وَيَحْكُمُ عُقُولُنا؟! نَحْنُ أَبْناءُ "الإِسْلامِ" أَوْ أَبْناءُ "المِنْطَقَةِ العَرَبِيَّةِ تحديدا" أَبْناءُ القَرْنِ العِشْرِينَ مَنْ يَتَوَلَّى تَرْبِيَتَنا وَتَعْلِيمَنا وَبِالتالِي تَصَرُّفاتِنا وَقَراراتِنا وَآراؤنا عُمُوماً؟! هَلْ هُوَ الدِينُ؟! أم المُجْتَمَعُ أَمْ الأُسْرَةِ؟! هَلْ تُرَبِّينا المَدِينَةُ أَمْ التَعالِيمَ وَالعاداتِ وَالتَقالِيدَ أَمْ المَدْرَسَةَ أَمْ العائِلَةَ أَوْ العَشِيرَةَ؟! أَمْ أَنَّنا نِتاجُ كُلِّ ذٰلِكَ كَما هُوَ الجَوابُ الدائِمُ التَقْلِيدِيُّ أم إننا واقعون تحت تأثير "التنويم الاجتماعي" كما يسميه د/علي الوردي (د/علي الوردي شخصية الفرد العراقي دار الوراق ص 28)، وَبِمُرُورِ الأَيّامِ وَالأَعْوامِ تَكَثَّفَتْ تِلْكَ التَساؤُلاتُ وَغَدَتْ عِنْدِي أَكْثَرَ وُضُوحاً وَدِقَّةً وَاِخْتِصاراً. تَمَثَّلْتُ فِي سُؤالِ مَنْ يَقِفُ وَراءَ ذٰلِكَ، مَنْ يَقِفُ خَلْفَ الكَوالِيسِ، كَما يُقالُ مَنْ يُرَبِّينا وَيَحْكُمُنا هَلْ هُوَ الدِينُ أَمْ البَداوَةُ؟ وَبِصِياغَةٍ أَكْثَرَ وُضُوحاً هَلْ نَحْنُ " أَبْناءُ المِنْطَقَةِ" نِتاجُ البَداوَةِ ام الإِسْلامُ بِقِشْرَةٍ مَدَنِيَّةٍ؟ امْ الاِثْنَيْنِ مَعاً وَهَلْ أَنَّ تَوْصِيفَ عَلِي الوَرْدِيِّ "البَداوَةَ نِظامٌ مُرْتَبِطٌ بِالصَحْراءِ" (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي مطبعة ثامن الحجج ص 17 وفي مواقع وكتب أخرى) دَقِيقٌ وَصَحِيحٌ دائِماً فِي ظِلِّ سَيْرِنا المُعاكِسِ ، دَرْسْنا وَلا نَزالُ نَدْرَسُ أَنَّ المَدِينَةَ سَتَمْتَدُّ بِعُمْرانِها وَمَدَنِيَّتِها إِلَى الرِيفِ لِتَضُمَّهُ إِلَيْها وَبِالتالِي فَالمَدَنِيَّةِ بقيمها هِيَ المَصِيرُ" وَلٰكِنَّ الواقِعَ الَّذِي حَدَثَ أَنَّنا وَبِحُكْمِ التصور الديني والتَرْبِيَةِ وَالتارِيخِ وَاِسْتِحْكامِ العَشِيرَةِ فِي حَياتِنا اليَوْمِيَّةِ انْضَمَمنا قُسْرِيّاً أَوْ بِشَكْلٍ طَوْعِيٍّ (أو مُنَوَمِينَ اجتْماعِيا كما التنويم المغناطيسي كما يقول الوردي) إِلَى الرِيفِ والى قيم أساسية من البداوة مجتمعنا ما زالَ بَدَوِيّاً، وكما يقول علي الوردي في كراسه شخصية الفرد العراقي الشخصية ماهي إلا صورة مصغرة للمجتمع أو كما يقول داوسن ممثلة للحضارة التي نشأ فيها( شخصية الفرد العراقي علي الورديDawson &Gettiys Introduction to Socialogy p16) وَرُبَّما غَدَوْنا أَبْنائِهِ وَغَدَوْنا نِتاجاً هَجِيناً (اِقْصُدْ فِكْرِيّاً أَساساً) نَحْنُ أَبْناءُ المَدِينَةِ حَتَّى المُتَعَلِّمِ مِنّا الَّذِي نالَ أَعْلَى الشَهاداتِ ومن مؤسسات تعليمية كبيرة وَيُسَمَّى أَحْياناً-تَعَسُّفاً-" مُثَقَّفٌ" تَراهُ بَدَوِيّاً فِي سُلُوكِهِ وَطَرِيقَةِ تَفْكِيرِهِ. أَصْبَحَتْ حَسّاساً أَكْثَرَ تِجاهَ مُخْتَلِفِ ظَواهِرِ الحَياةِ اليَوْمِيَّةِ لِلمُجْتَمَعِ العَرَبِيِّ وَلِلفَرْدِ أَساساً حَتَّى التَصَرُّفاتِ وَالمَيْلِ وَالآراءِ وَاللُغَةِ، بَلْ أَحْسَسْتُ تُشَوِّهُ مَفاهِيمَ الثَقافَةِ المَوْضُوعِيَّةِ الحِيادَ وَالاِسْتِقْلالَ عِنْدَنا، بَدَأْتُ أَشْهَدُ أَنَّها أَفْرَغَتْ مِنْ مَحْتُوِها الصَحِيحِ، أُضِيفُ إِلَى ذٰلِكَ التَساؤُلِ أَسْئِلَةً أُخْرَى أَهَمُّها ما هُوَ الدِينُ أَصْلاً وَما هِيَ البِداوَةُ فِي جَوْهَرِها، وَتَعَقَّدَتْ تِلْكَ الأَسْئِلَةُ وَتَوَسَّعَت لِما نَشْهَدُهُ مِنْ تَشَدُّدٍ وَإِرْهابٍ فِكْرِيٍّ أَوْ أَعْمالٍ إِرْهابِيَّةٍ وَقَتْلٍ وَتَفْجِيراتٍ .فِي العالَمِ العَرَبِيِّ وَالإِسْلامِيِّ وَفِي أوربا وَأَمْرِيكا تُحاصِرُنا الآياتُ وَالأَحادِيثُ وَالحِكْمُ الناعِمَةُ وَالخَشِنَةُ دُونَ أَنْ نَراها فِي الحَياةِ العَمَلِيَّةِ بَلْ وَاِنْدَهَشَت لِما وَجَدتُهُ مِن الفُرُوقِ بَيْنَ تَرْبِيَتِنا وَتَفْكِيرِنا وَبَيْنَ ما وَجَدْتُهُ فِي أوربا، وَبَدَأَتُ أَسْخَرُ مِن تِلْكَ الآراءِ الساذَجَةِ الجاهِلَةِ الَّتِي يُوصَفُ بِها الناسُ عِنْدَنا وَخاصَّةً رِجالَ الدِينِ طَبِيعَةَ المُجْتَمَعِ الاوْرْبِيِّ . وَكِبُرَ التَساؤُلُ فِي ظِلِّ التَطَرُّفِ الَّذِي نَشْهَدُ: قَتْلٌ وَحَرْقٌ وَتَفْجِيراتٌ وَحُرُوبٌ تَمْتَدُّ شَرْقاً وَغَرْباً وَالفاعِلَ مُسْلِمٌ أَوْ عربياً. أَقِفُ أَمامَ إِجاباتٍ وَتَفْسِيراتٍ أَصْبَحَت تَقْلِيدِيَّةً وَيَوْمِيَّةً وَمِن المُسَلَّماتِ، قِسْمٌ كَبِيرٌ مِن المُسْلِمِينَ يَقُولُونَ مُخْتَصَرِينَ النِقاشَ أَنَّ هٰؤُلاءِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالقَتْلِ وَالتَخْرِيبِ وَالتَكْفِيرِ مُجْرِمُونَ خانُوا وَخَرَجُوا مِن الإِسْلامِ الحَقِيقِيِّ، أَوْ مِن مِلَّةِ الإِسْلامِ فَهُم غَيْرُ مُسْلِمِينَ ولا يفهمون وَلا يُمَثِّلُونَ الإِسْلامَ. وَفِي الغَرْبِ أَجْمَلُوها عَمْداً أَوْ غَيْرَ دِرايَةٍ عِنْدَ العامَّةِ فِي الغالِبِ: إِرْهابِيُّونَ مُسْلِمُونَ ، الإِرْهابُ الإِسْلامِيُّ،بَلْ إِنَّ البَعْضَ يَقُولُ مُخْتَصِراً التَوْصِيفَ أَنَّ الإِسْلامَ دِينُ الإِرْهابِ ،وَهُنا لِإِبَدٍ مِن التَساؤُلِ هَلْ هٰؤُلاءِ المُتَطَرِّفُونَ الإِرْهابِيُّونَ غَيْرُ مُسْلِمِينَ حَقّاً ،وَلٰكِنْ كَيْفَ فَشِعاراتُهُم إِسْلامِيَّةٌ وَ هُتافاتُهُم إِسْلامِيَّةٌ، وَيَسْتَشْهِدُونَ بِالكَثِيرِ مِن آياتِ القُرْآنِ، آياتٍ واضِحَةً لا لِبْسَ أَوْ تَأْوِيلٌ فِيها وَبِأَحادِيثَ نَبَوِيَّةٍ مُوَثَّقَةٍ فِي صِحاحِ المُسْلِمِينَ البُخارِيِّ وَأَصْحابِهِ الخَمْسَةِ الأَساسِيِّينَ فِي الحَدِيثِ وَسَيْرِ الصَحابَةِ وَالتابِعِينَ، حَتَّى زِيِّهُم وِفْقَ الإِسْلامِ وَما أَمَرَ بِهِ النَبِيُّ ، هٰذا إِضافَةً إِلَى عَشَراتِ الحَوادِثِ وَالتَفْسِيراتِ الَّتِي نَقَلَها، وَقالَها الأَئِمَّةُ وَأَوائِلُ المُسْلِمِينَ مِن الصَحابَةِ وَالتابِعِينَ، يَصِلُونَ يَصُومُونَ يَحُجُّونَ. وأخَيِرا هل من حق أحد أن يخرجهم من ملة المسلمين. وَمِن ناحِيَةٍ أُخْرَى وَهَلْ الغَرْبُ مُحِقُّ أَنَّ هٰذا الإِرْهابَ مَسْؤُولٌ عَنهُ الإِسْلامُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنَّ القائِمِينَ بِهِ مُسْلِمُونَ مُتَمَسِّكُونَ بِدِينِهِم وَتَعالِيمِهِم فَالقاتِلُ يَقُولُ اللّٰهُ أَكْبَرُ، وَالمَقْتُولُ يَقُولُ الِلّٰهِ أَكْبَرُ إن كانَ مُسَلَّماً فِي أَكْثَرِ الحالاتِ، وهل تعميم أفعال الارهابيون على المسلمين كلهم صائب. كُلُّ تِلْكَ الأَسْئِلَةِ وَغَيْرِها هَلْ تَقُودُ أَنَّ حَقِيقَةَ وُجُودِ إِسْلامِيْنِ اثنين أَمْرٌ واقِعٌ، بَلْ وَيَسِيرانِ فِي خَطَّيْنِ مُتَوازِنَيْنِ. وَنَسْتَطِيعُ القَوْلَ وَمِنْ مُتابَعَةِ الأَحْداثِ التارِيخِيَّةِ عَلَى مَدَى 1400 عامٍ وجود إسلام متطرف وآخر "وسطي" معتدل، ونلاحظ أَنَّ خَطَّ الإِسْلامِ المُتَطَرِّفَ أَقْوَى وَأَعْلَى شَأْناً، وَأَنَّ أَكْثَرَ المُسْلِمِينَ تَقْتَرِبُ مِنْهُ فِي هٰذا المُنْعَطَفِ أَوْ ذاكَ عَنْ وَعْيٍ أَوْ دُونَ وَعْيٍ وَنَتِيجَةِ التَرْبِيَةِ المُوَجَّهَةِ لِصالِحِهِ تربية العشيرة (البداوة) ، نَعَمْ ليس أمامنا إِسْلامَ واحِدٌ، وَهَلْ الإِسْلامُ المُثَبَّتُ فِي دَساتِيرِنا وَخَطْبُ جَوامِعِنا وَمَدارِسِنا، بَلْ وَالجامِعَةُ العَرَبِيَّةُ هُوَ الإِسْلامُ المُحَمَّدِيُّ ام إِسْلامٌ آخَرُ، وَهَلْ فِعْلاً ما نَسْمَعُهُ وَنَقْرَأُهُ اليَوْمَ هُوَ التارِيخُ الإِسْلامِيُّ كله فِعْلاً وَهَلْ هُناكَ ما أُخْفِيَ عَمْداً أَوْ سَهْواً مِن ذٰلِكَ التارِيخِ ،مَنْ يَحْكُمُنا وَيَحْكُمُ مُجْتَمَعَنا وَتَرْبِيَتُنا وَمَدارِسُنا هَلْ هُم حَقّاً العَرَبُ ام الأَعْرابُ، وَهَلْ ساهَمَ المُسْلِمُونَ أَنْفُسَهُم فِي خَلْقِ هٰذا التَناقُضِ بَيْنَ ما هُوَ إِنْسانِيٌّ تَعايُشِيٌّ مُسالِمٌ وَما بَيْنَ المُتَشَدِّدِ التَمْيِيزِيِّ الدَمَوِيِّ هل فكرنا مثلا أنَ تَاريخُ الإسلامْ لا يَتجاوز 22 عاماً هي حَياة النبوة لم يُدَوَنُ منها شيء على الإطلاق، وأن ما نقرأه اليوم من تعاليم وشرائع بدأ بِكِتابَته على أقل تقدير بعد قرن أو قرن ونصف في ظل سيادة البَداوَةَ والامِيةِ والعَصبية وظهور المذاهب والفرق ( يَقول البَلاذري أنَ عَدَدَ مَنْ كانَ يَعْرِفُ الكِتابَةَ مِن قُرَيْشٍ فِي بِدايَةِ بُزُوغِ الإِسْلامِ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً وأربع نِساءً بَيْنَهُم عائِشَةُ، وَالَّتِي كانَت تَعْرِفُ القِراءَةَ فَقَط دُونَ الكِتابَةِ، وَيُعَدِّدُ البَلاذِرِيُّ هٰؤُلاءِ الأسماء وَكَيْفِيَّةَ وُصُولِ الكِتابَةِ إِلَى قُرَيْشٍ (كِتابِ فُتُوحِ البُلْدانِ أَحْمَد بِن يَحْيَى البَغْدادِي الشَهِيرِ بِالبَلاذِرِيِّ الطَبْعَةِ الأولى مَطْبَعَةُ المَوْسُوعاتِ 1901م ص476-478) . بَدَأَت الأُمُورُ تَتَكَشَّفُ أَكْثَرَ عِنْدَما أُتِيحَت لِي فُرْصَةُ السَفَرِ إِلَى أوربا بَعْدَ الدِراسَةِ الجامِعِيَّةِ، وَبَدَأْتُ أَشْعُرُ يَوْمِيّاً بأن الهُوَّةُ كَبِيرَةً بَيْنِي وَبَيْنَ أَبْناءِ الغَرْبِ فِي طَرِيقَةِ التَفْكِيرِ فِي التَعامُلِ مَعَ الحَياةِ وَمَعَ الآخَرِ وَعَلَى الرَغْمِ مِن العَلاقاتِ الوَطِيدَةِ الَّتِي عَقَدتُها وعشتها مَعَ الكَثِيرِ مِن الأوربِيِّينَ إِلّا أَنَّنِي وَجَدتُ نَفْسِي دَوْماً غَرِيباً فِكْرِيّاً وَسَطَهُم فأنا مُثْقَلٌ بِعاداتٍ وَتَقالِيدَ وَتَعالِيمِ كَثِيرٍ لا مُبَرِّرَ لَها وَتَجْعَلُ مِن الإِنْسانِ مُزْدَوِجَ الشَخْصِيَّةِ مُكَبَّلاً عَن التَطَوُّرِ وَالعَمَلِ، بَلْ غَرِيباً عَن مَعايِيرِ العَصْرِ وَالمَعايِيرِ المَوْضُوعِيَّةِ لِإِنْسانِ العَصْرِ، وَهٰذا لا يَعْنِي أَبَداً وَبِالجَزْمِ القاطِعِ أَنَّ كُلَّ قِيَمِهِمْ (أي أَهل الغرب) إِنْسانِيَّةٌ وإِيجابِيَّةٌ وَمَنْطِقِيَّةٌ وَصَحِيحَةٌ وغير عنصرية وغير متعالية وغيرها من العيوب، لَقَدْ أَحْسَستُ تَدْرِيجِيّاً أَنَّ فُقَهاءَنا عَن دِرايَةٍ أَوْ جَهْلٍ أَوْ صِنْمِيَّةٍ حَوَّلُوا دِينَنا بِفِعْلِ خَلْفِيَّتِهِم الأَعْرابِيَّةِ إِلَى تَعالِيمَ عَقِيمَةٍ لا تَتَوالَدُ خارِجَ فِكْرِ القَبِيلَةِ أَوْ مَعَ مُعْطَياتِ العَصْرِ، وَكَما أرقب أَبْناءَ جِلْدَتِي الكُثر حَوْلِي أُفَكِّرُ أَنَّهُم فِي المَوْقِعِ نفسه الَّذِي أَنا فِيهِ بَلْ رُبَّما الكَثِيرُ مِنهُم أَشَدُّ غُرْبَةً مِن غُرْبَتِي انا ، بل وإن في تصرفات وتفكير كل واحد منا، وبعد أكثر من أربعة عشر قرنا (أبناء الشرق وبخاصة المواجهون للصحراء أو أبناء القبائل) وحتى الآن شيء من البداوة الأصلية أو المكتسبة أو عَصَبيتَها (أو بتعبير آخر أن تحت جلودنا بدويا صغيرا أو كبيرا نعرفه، أو لا نعرفه نراه أو لا نراه نعترف به أو ننكره)، فِي بُلْدانِنا مَنْ يُولَدُ فِي عائِلَةٍ يُولَدُ بِدِينِها فَالمُسْلِمُ يُولَدُ مُسْلِماً وَالمَسِيحِيَّ يُولَدُ مَسِيحِيّاً، وَيُقَيِّدُ ذٰلِكَ فِي دَفْتَرِ النُفُوسِ وَهُناكَ حَدِيثٌ للنبي بِهٰذا الصَدَدِ. إِذَنْ السُنِّيُّ يُولَدُ سُنِّيّاً وَالشِيعِيَّ يُولَدُ شِيعِيّاً بَلْ أَنَّ البُلْدانَ العَرَبِيَّةَ وَعَبْرَ الجامِعَةِ العَرَبِيَّةِ وَقَعَت اِتِّفاقِيات (المذكرة التوضيحية للقانون الجزائي العربي الموحد الجزء الأول اعتمد مجلس وزراء العدل العرب القانون الجزائي العربي الموحد كقانون نموذجي بالقرار رقم 22912د 19.11.1996)
بِصَدَدِ مُعاقَبَةِ مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ بِعُقُوباتٍ تَصِلُ إِلَى الإِعْدامِ [حَدَّثَنا أَبُو النُعْمان مُحَمَّد بْنُ الفَضْل: حَدَّثْنا حَمّاد بْنُ زَيْدٍ، ......، يَقُولُ رَسُولُ اللّٰهِﷺ:"مِنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاُقْتُلُوهُ"] (البُخارِيُّ كِتابُ اِسْتِتابَةِ المُرْتَدِّينَ وَالمُعانِدِينَ وَقِتالِهِمْ حَدِيثُ 6922 ص1231)
أَمّا هُنا(فِي الغَرْبِ) فالمجتمع والفقهاء توافقوا أن الدين مسألة شخصية فَمَنْ يُولَدُ، يُولَدُ فِي الواقِعِ بِلا دِينٍ "إِنْ صَحَّ التَعْبِيرُ" لا دِينَ لَهُ وَلا يُسَجِّلُ دِينَهُ فِي أَيِّ وَثِيقَةٍ رَسْمِيَّةٍ (بَعْضُ العَوائِلِ القَلِيلَةِ تَقُومُ بِالتَعْمِيدِ فِي الكَنِيسَةِ، وَلٰكِنَّهُمْ نِسْبَةٌ ضَئِيلَةٌ جِدّاً، وَلَيْسَ هُناكَ مُخْرَجاتٌ عائلية أو اجتماعية أو قانونية تُؤَثِّرُ في حَياتِهِ وَاِخْتِياراتِهِ) وَعِنْدَما يَكْبُرُ، فَإِنَّهُ يَخْتارُ أَنْ كانَ يُرِيدُ الاِنْضِمامَ إِلَى أَيِّ دِينٍ أَوْ مَجْمُوعَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ يَبْقَى كَما يُقالُ بِلا دِينٍ، وَقَدْ يُرْعُبُ هٰذا التَوْصِيفُ الغالِبِيَّةُ مِنْ المُسْلِمِينَ، بَلْ إن الغالِبِيَّةَ لا تَسْتَوْعِبُ، وَلا تَتَصَوَّرُ كَيْفَ يُولَدُ الإِنْسانُ بِلا دِينٍ وَيُحاوِلُ أَنْ "يُفَلْسِفَ" لَكَ الأَمْرَ وَكانَ الدِينُ هُوَ جُزْءٌ مِنْ أَعْضاءِ الجِسْمِ، وَهٰذِهِ بِالضَبْطِ أَحَدُ القُيُودِ الفِكْرِيَّةِ الَّتِي تَرَبَّينا عَلَيْها، (عَمِلْتُ لِفَتْرَةٍ فِي وِزارَةِ الخارِجِيَّةِ التشيكية أَقُومُ بِتَرْجَمَةِ اِسْتِماراتِ طَلَبِ التَأْشِيرَةِ اللِيبِيَّةِ التي اشترطت آنذاك أن يكون الجواز معربا المُهَنْدِسِينَ وَالخُبَراءِ، يقومون بمليء الاِسْتِمارَةُ بلغتهم الام، وأترجمها للعربية في استمارة تَزَوِّدُنا بِها عَلَى ما أَتَذَكَّرُ اسمها" الأَمانَةَ الشَعْبِيَّةَ لِلجَماهِيرِيَّةِ" وَهُوَ اِسْمُ السِفارَةِ اللِيبِيَّةِ، وَمِنْ الحُقُولِ المُثَبَّتَةِ فِيها حَقْلُ الدِيانَةِ، فِي اليَوْمِ الثانِي لِعَمَلِي جاءَ أَحَدُ المُهَنْدِسِينَ التْشِيكِ كانَ قَدْ أَنْجَزَ إِمْلاءَ اِسْتِمارَةٍ بِاللُغَةِ التْشِيكِيَّةِ، وَفِي حَقْلِ الدِيانَةِ كانَ قَدْ كَتَبَ مُلْحِدٌ، اِنْتَبَهْتُ لِلأَمْرِ وَقُلْتُ لَهُ ما هٰذا ؟ قالَ كَما تَرَى، أَخْبَرْتُهُ أَنَّ طَلَبَهُ أَنْ ذَهَبَ بِهٰذِهِ الصُورَةِ فَسَوْفَ يَرْفُضُ، اِسْتَفْسَرَ لِماذا فَأَنا لَيْسَ لِي دِيْنٌ، أَرادَ أَنْ يُقْنِعَنِي أَنْ أكتب بَدَلاً عَنْها بِلا دِينٍ مَثَلاً، سَأَلْتُهُ ما هُوَ دِينُ أَبِيكَ؟ قالَ مِثْلِي قُلْتُ لَهُ الأَصْلَ هَلْ كانَ مَسِيحِيّاً قالَ نعم قُلْتُ لَهُ إِذَنْ اُكْتُبْ مَسِيحِيّاً، أَخِيراً اِقْتَنَعَ بِالأَمْرِ وَأَمْلَيْتُ الاِسْتِمارَةَ بِالعَرَبِيَّةِ، فِي واقِعِ الأَمْرِ أَنَّهُمْ لا يَهْتَمُّونَ بِمِثْلِ هٰذِهِ الأُمُورِ، وَأَعْرِفُ أَنَّ الكَثِيرَ مِنْهُمْ لا يُناقِشُونَ هٰذا الأَمْرَ فِي حَياتِهِمْ، فَقَدْ تَرَى الأُمُّ تَذْهَبُ فِي بَعْضِ الآحادِ لِلكَنِيسَةِ وَالأَبِ بِلا دِينٍ وَقَدْ يَنْتَمِي الاِبْنُ إِلَى دِينٍ آسْيَوِيٍّ أَوْ أَيِّ دِينٍ آخَرَ وأعرف شَخْصاً أَصْبَحَ مُسْلِماً، بَلْ لَمْ يَحْدُثْ خِلالَ ما يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ أَنْ سَأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ دِينِي، قَدْ يَسْأَلُ البَعْضُ أَحْياناً عِنْدَما يَسْمَعُ بِرَمَضانَ ما هُوَ، وشعائره أو الحَجُّ ما هُوَ؟ وَلِماذا؟ فَاِشْرَحْ لَهُ هٰذِهِ الأَرْكانَ مِنْ الدِينِ. مَفاهِيمُ مِثْلُ الوَطَنِ وَالمُواطَنَةِ وَالعاداتِ وَالتَقالِيدِ وَالأَخْلاقِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ وَغَيْرِها الكَثِيرِ، بِناؤُها غَيْرُ بِنائِنا القَبَلِيِّ كانَتْ تِلْكَ مِنْ الدُرُوسِ المُهِمَّةِ الَّتِي أَكَّدَتْ لِي مَدَى التَباعُدِ بَيْنَ تَرْبِيَتِي وَتَرْبِيَتِهِمْ. وبأختصار فأن اغلب أن لم نقل كل ما حول المسلم في حياته وبيته ويومه هو بشكل مباشر من إنتاج هذا الغرب، ولكنه يرفض ويهاجم، بل ويكفر العقلية والبيئة الفكرية والاجتماعية التي أنتجت تلك المنافع التي يستخدمها، وذلك منتهى التناقض والأمية...يتبع الحلقة الثانية

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي