|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
حكمت الحاج
2024 / 3 / 22
بمناسبة اليوم العالمي للشعر:/
لماذا يجب عليك قراءة المزيد من الشعر!
تربطنا القصائد بماضينا، حيث تتردد من خلال أبياتها الطقوس واللغات والتجارب. القصائد تربطنا بمستقبلنا، وتستكشف الآثار المترتبة على الاتجاهات الحديثة لحياتنا المعاصرة، هنا والآن.
قرأت شيئا مشجعا مثل هذا بمناسبة اليوم العالمي للشعر، من لدن شاعر بريطاني يقيم ببولندا.
تربطنا القصائد بالأشياء الدائمة الوجود في حياتنا: الحب، القدر، الموت، الظلمة والعمق، كما في قصيدة روبرت فروست "التوقف عند الغابة في أمسية ثلجية"، أو قصيدة "غريب على الخليج" لشاعرنا الخالد بدر شاكر السياب.
يقدم لنا شعراء آخرون تجارب غريبة، ويساعدوننا، من خلال قوى الاستحضار، على فهمها. في عصرنا المتضارب والمفتت، من المهم أن نقدر وجهات النظر الأخرى.
هكذا يخبرنا الشاعر بن سكسسميث.
قبل كل شيء، الشعر جميل. إنه جميل كالموسيقى، بإيقاعات وألحان الأسماء، والصفات، والأفعال؛ كلمات مليئة بالرنين والحروف الساكنة والمتحركة المتشابكة. ينبغي قراءة القصائد بصوت عالٍ، يؤمن البعض، حتى يتم تقدير ذلك. خذ هذا المقتطف من قصيدة "إلى الأرض" لروبرت فروست:
كان الحب على الشفاه لمسة
حلوة بقدر ما أستطيع أن أتحمل؛
وبمجرد أن بدا ذلك أكثر من اللازم؛
اضمحللت في الهواء.
خذ هذا ايضا من ايميلي ديكنسون "لأنني لم أستطع التوقف عن الموت":
لأنني لم أستطع التوقف عن الموت،
توقفت لي عربته بلطف
ولكن لم يكن ثمة مكان فيها إلا لإثنين
أنا والخلود.
وخذ هذا من السياب العظيم:
"الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلامْ
حتى الظلام هناك أجملُ، فهو يحتضن العراق"
كتب "أودن"، الشاعر المتشائم دوما: "الشعر لا يصلح لأي شيء. نعم. "لقد تم إخماد الطاقة الإبداعية التي انبثقت من رماد الحرب العالمية الأولى عندما تم طمسها بوحشية القمع التوتاليتاري. قام الشعراء اليمينيون برؤية آمالهم يتم الاستيلاء عليها وتفضيلها من قبل ألمانيا النازية، بينما تورط الشعراء اليساريون في الموضة الشيوعية، وشهدوا ستالين وهو يعدم نصف زملائهم الشرقأوروبيين.
أما بالنسبة لنا في عالم العرب، فحدث ولا حرج!
ألم يذهب السياب ضحية بين الشيوعيين والبعثيين؟
"يا ريح، يا إبرًا تخيط لي الشراع، متى أعود
إلى العراق؟ متى أعود؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجدافٌ يرود
بي الخليج، ويا كواكبه الكبيرةَ.. يا نقود!"
لاشك إن الشعر أقل شعبية من غناء مطربات الفيديوكليب، كما هو أقل من موسيقى الجاز. إنه أقل شعبية من الرقص وكرة القدم، ولديه فقط نصف شعبية الحياكة والطبخ. ربما لا ينافس الشعر في مضمار امتلاك جمهور ضيق وضئيل إلا الأوبرا…
هذا أمر مؤسف حقا. يجب على الجميع قراءة بعض الشعر. وحتى الشعراء من محترفي كتابة الشعر عليهم دائما الإكثار من قراءته، وخاصة قراءة أشعار غيرهم. إذا كنت تمتلك القدرة على القراءة العامة الكافية ولكن ليست لديك القدرة على قراءة الكثير من القصائد بالخصوص، فأنا أشجعك على إضافة المزيد من الشعر إلى حياتك.
يشعر الكثيرون بأن الشعراء أصبحوا صعبين جدًا. هناك بعض العدالة في ذلك. قد يكون البعض منهم متعمقين جدا ومتفلسفين، والأسوأ من ذلك، أن يكونوا أحيانا يستخدمون التعقيد كوسيلة لإخفاء فراغاتهم وسطحيتهم. تسببت الحداثة الراديكالية لإليوت وباوند وأدونيس وتوفيق صايغ ويوسف الخال في إطلاق طريقة راقية من الرموز، والنزعة العامية، والهراء النفسي. منذ أكثر من سبعين عامًا، وما زلنا نتجادل حول قصيدة النثر والشعر الحر ونظام الشطرين، ولم نتفق على شيء بعد.
ومع ذلك، يجب أن يكون الشعراء صعبين. القصائد العظيمة تتطلب الاهتمام والتأمل، لأنها جميلة، وليست جميلة فقط، وليست مجرد معلومات، بل مضيئة. في عصر تدور فيه المعلومات حولنا بقوة، يجب علينا أن نتحدى تفضيلاتنا الزمنية بالفن الذي يدوم. يتطلب شكسبير وقتًا وجهدًا أكثر من المدونات العادية، كما يتطلب فهم أنسي الحاج وصلاح عبد الصبور مكابدة كبرى للتغلب على الكسل الفكري. وقليل منا قد ينكر أن هذا الأمر يستحق القبول.
القصائد جميلة أيضًا في حقيقة ملاحظاتها وإشاراتها. يفكر بن سيكسسميث في صقر جيفرز المجروح الذي "يسير جناحه مثل راية الهزيمة". أعتقد أن إيميلي ديكنسون ترى الأمل على أنه "الشيء ذو الريش" الذي "يجثم في الروح"؛ أفكر في سماء إليوت المسائية، "مثل مريض مُخثَر على طاولة". أفكر أيضا في إعدام صقر سركون بولص في صحراء نيفادا، أو في رؤيا أليعازر كما عند خليل حاوي. فدوى طوقان في "رحلة جبلية، رحلة صعبة". كوليرا نازك الملائكة. غراب تيد هيوز، ونمر وليم بليك وذئب البحتري وحصان بدوي الجبل.
هذا سركون بولص يقول:
"رجل سكران التقيتُ به في محطة بنزين
قريبا من رينو بصحراء نيفادا، عيناه زمرّدتان من
حديقة الشيطان تحت قبعة الكاوبوي، يده مدفونة في قفّاز ضخم لتدريب الصقور، قال لي أنه قضي أعواما طويلة في تدريب صفره علي الصيد، لكنه فقد حاسة القتل. كما أخبرني كأنه يتكلّم عن ملاكم، ولم يعد أكثر من دجاجة، تطلّع يا بني، ثم أراني صقره الذي اكتهل في الأسر، وأطلقه من الحلقة ليطير، وبيده الأخرى العارية، تناول بندقية وصوّب بعين واحدة. ما كاد الصقر يحلّق حتى سقط في التراب، وحرّك جناحه الأيمن للمرة الأخيرة ناكشا به الى الأعلى غيمةً صغيرة من الغبار، كومةً من الريش التقطها الرجل بحنان وأفرد جناحيها ثم ألقى بها في صحن سيّارته البيك-اب، وانطلق هادرا صوب الصحراء".
إذن، يجب علي أن أقرأ المزيد من القصائد. ربما يجب عليك أنت أن تفعل كذلك.