قصة للأطفال شيشرون طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن
2024 / 3 / 16

قصة للأطفال
شيشرون

طلال حسن

كنتُ في المطبخ ، حين ارتفع في التلفزيون صوت امرأة ، تُلقي كلمة بمناسبة عيد المرأة ، إنه قيس ، لا أحد يرفع صوت التلفزيون هكذا ، غيره ، فهتفتُ : قيس .
وردّ قيس : نعم ، ماما .
فصحتُ به : اخفض صوت التلفزيون .
وصاح قيس : فلتخفضه زينب ، إنني أعمل في الحديقة مع بابا .
وأسرعتُ إلى الردهة ، وإذا زينب ، تشاهد البرنامج ، وقد وضعت وجهها بين يديها ، فاتجهتُ إلى التلفزيون ، وأطفأته ، وقلتُ : كفى ، هيا إلى درسك .
واعتدلت زينب ، واحتجت قائلة : ماما ، إنني أتابع هذا البرنامج .
وفتحتُ التلفزيون ثانية ، لا من أجل زينب ، بل لأن صورة قديمة ، غائمة ، اتسعت في ذهني ، شيشرون ! وقبل أن تتضح الصورة ، انتهى البرنامج ، وأعلنت المذيعة عن برنامج جديد .
عدتُ إلى المطبخ ، وراحت يداي تعملان ، بينما حلق ذهني بعيداً . لم أنسَ شيشرون ، ولن أنسى اليوم ، الذي تعرفتُ فيه إليها . كانت تقف وحيدة ، حين دخلتُ الصف، وقد ضمت حقيبتها إلى صدرها ، فابتسمتُ لها ، وقلتُ : صباح الخير .
لم ترد شيشرون على تحيتي ، فدنوتُ منها ، وقلتُ : اسمي وداد .
واحتقن وجه شيشرون ، وتعكرت عيناها الزرقاوان ، وتمتمت بصعوبة ، وهي تشير إلى نفسها : أ أ.. أمل .
أدركتُ لماذا لم ترد على تحيتي ، لكني تجاهلتُ تأتأتها ، وابتسمتُ بود ، وقلتُ : أهلاً بك ، إنّ صفنا جميل ، آمل أن ترتاحي معنا .
لكنّ البداية لم تكن مشجعة ، فقد جاءت معلمة التاريخ ، وكانت رغم طيبتها انفعالية ، سريعة الغضب ، وما إن رأت أمل ، حتى أشارت لها أن تنهض ، وقالت : ما اسمك ؟
ونهضت أمل ، وقد احتقن وجهها ، ولم تستطع أن تجيب، فصاحت معلمة التاريخ : هيا ، تكلمي ، ما اسمك؟
لم أتمالك نفسي ، فنهضت من مكاني ، وأنا أقول : اسمها ..أ..
وقاطعتني معلمة التاريخ قائلة : اسكتي أنتِ ، إنها ليست خرساء لتتكلمي نيابة عنها ، أجلسي .
وإنكفأت أمل على الرحلة ، وقد غصت بدموعها ، وأدركت معلمة التاريخ خطأها ، لكنها نظرت بانزعاج إلى التلميذات ، وقالت : هيا نعد إلى الدرس .
دق الجرس ، وخرجت التلميذات من الصف ، فنهضتُ من مكاني ، وجلستُ إلى جانب أمل ، وقلتُ : أمل .
ظلت أمل منكفئة على الرحلة ، فقلتُ وأنا ألمس شعرها الذهبي : ارفعي رأسك ، يا عزيزتي ، لا داعي للحزن .
ورفعت أمل رأسها ، وبدت عيناها الزرقاوان غارقتين بالدموع ، وقالت وهي تنشج : ليتني لم أولد .
ابتسمتُ رغم تأثري ، وقلتُ : لو كان لي مثل عينيك ، لما قلتُ كلاماُ كهذا .
ومسحت أمل دموعها ، وقالت : لماذا أنا هكذا ، دون كلّ الناس ؟
وأخذتُ يدها بين يديّ ، وقلتُ : مهلاً ، يا عزيزتي ، أنت تتكلمين أفضل مني .
ونظرت أمل إليّ ، وقالت : هذه هي مشكلتي ، إنني أحياناً لا أأأ..
وضعتُ يدي فوق فمها ، وقلتُ : لديّ قطعة من الكيك ، فلنأكلها معاً .
وردت أمل قائلة : أشكرك .
فقلتُ وأنا أقدم لها نصف قطعة الكيك : تذوقي الكيك ، ثم أشكريني .
وتطلعت أمل إليّ ، وقالت : أنت طيبة .
ثم أخذت قطعة الكيك ، وتذوقتها ، وقالت : طيبة .
ابتسمتُ ، وقلت : مثلي ؟
وابتسمت أمل قائلة : أنت أأ .. أطيب .
ويبدو أنّ معلمة التاريخ ، قد حدثت معلمة اللغة العربية عن أمل ، فحين جاءت إلى الصف ، لم تقل كلمتها المعهودة : افتحن الكتاب ، بل قالت : اغلقن الكتاب ، وحدثتنا عن شيشرون ، وقالت : إنه خطيب يوناني شهير ، وكان يتأتيء في كلامه ، لكنه صار فيما بعد أعظم خطيب في عصره .
ثم اقتربت من أمل ، وقالت : لقد رأيتُ درجاتك ، أنت تلميذة ذكية ، وأنا واثقة أنك ستتفوقين في دراستك .
ثم ابتسمت لها ، وقالت : تذكري دائماً .. شيشرون .
لم تمض ِ سوى أشهر قليلة حتى انتقلت أمل مع والديها إلى البصرة ، وانقطعت عني أخبرها ، ترى هل صارت أمل مثل شيشرون ، لماذا لا ؟ إنّ طه حسين كان بصيراً ، وبتهوفن كان أصماً ، أما هيلين كلر ، فقد كانت بصيرة وصماء وخرساء ، لكن هذا لم يمنعها من أن تصير أشهر النساء في العالم .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي