|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
طلال حسن عبد الرحمن
2024 / 3 / 15
قصة للأطفال
ماما
قصة : طلال حسن
أفقتُ على أنينه ، عند منتصف الليل ، فنهضتُ من فراشي ، وأسرعتُ إليه . وعلى ضوء المصباح الخافت ، رأيته في فراشه ، كعهدي به دائماً ، جسداً مسجى ، ليس فيه من مظاهر الحياة سوى أنفاس ذابلة ، تكاد تنطفىء .
انحنيتُ عليه ، وأنصتّ ملياً، وقد كتمتُ أنفاسي ، لكني لم أسمعه يئن ، واعتدلتُ ، لعلي واهمة ، بل أنا واهمة بالتأكيد ، فهو لا يصدر عنه أي صوت ، مهما كان نوعه .
إنه الآن في حوالي الخامسة من عمره ، لكن حجمه لا يزيد عن حجم طفل في الثالثة ، وطوال هذه المدة ، عشتُ على أمل أن يتغير ، ولو قليلاً ، لكن دون جدوى .
قال لي أكثر من طبيب ، إنه طفل غير طبيعي ، طفل متوحد ، يعاني من ضعف في التواصل والتفاعل الاجتماعي ، وربما سيبقى هكذا مدى الحياة .
لم أشأ أن أصدق هذا ، فهو طفلي ، وأريده أن ينمو ويكبر ، وربما يكون يوماً ما أنساناً طبيعياً ، أو قريباً من الإنسان الطبيعي . رحل أبوه ، كان سنداً لي ، في هذه المحنة ، لقد عانى كثيراً ، فقد كان معظم اهتمامي منصباً على الصغير .
والآن ، وربما مدى الحياة ، سأبقى مع طفلي هذا ، الأطباء يقولون ، لا أمل ، وأنا أقول ، ربما ، والأيام يجرّ أحدها الآخر ، وأنا أبحث عن خيط أمل أبيض ، في هذا الليل الأسود الحالك .
وأخيراً لاح لي الخيط ، فتمسكتُ به ، رغم أن الكثيرين ، قالوا إنه وهم ، وحتى الطبيب ، الذي طالما عرضته عليه ، لم يعطني أملاً حقيقياً .
ذهبتُ إلى الطبيب ، وقلت له : علمتُ بوجود علاج في الخارج عن طريق الدلافين .
ردّ قائلاً : سمعتُ به أنا أيضاً .
سألته : ما رأيك ؟
فردّ بنبرة تعاطف : لا أعرف بالضبط ، لكني أخشى أن تهدري ما تملكينه بدون نتيجة .
عدتُ إلى البيت ، إن حياتي هي أثمن ما أملك ، وأنا قدمتها وأقدمها له ، فهل أبخل عليه بما أملك ، ثم ماذا أملك ؟ ولو جمعته كله أيفي بالغرض ؟ من يدري .
وفي البيت ، جمعتُ ما عندي من نقود ، إنها لا تصل إلى نصف ما يمكن أن أحتاجه لأسافر بصغيري إلى ذلك البلد البعيد ، الذي جرب العلاج بالدلافين ، وحقق النجاح ، أو بعض النجاح ، وأنا لا أريد إلا بعض هذا النجاح . فلأبدأ بأهمّ ما عندي ، الساعة الذهبية ، ما حاجتي إليها الآن؟ لقد أهداني إياها زوجي ، لقد رحل زوجي ، فما حاجتي إلى ساعته ؟ ثم هذا الخاتم ، خاتم زواجي الذهبي ، الذي يحمل اسمه ، لن أستبقيه في إصبعي ، فذكراه لا أريدها مرسومة على معدن بارد ، بل في قلبي ، الذي مازال ينبض بذكراه .
وجمعتُ فعلاً ما أحتاجه ، ورحلتُ حيث الدلافين ، والأمل ، وبدأ العلاج ، ورأيت صغيري يضرب الماء فرحاً ، والدلافين تعوم حوله ، في اليوم الثالث ، أخرجت صغيري من الماء ، بعد أن قضى أكثر من ساعة مع الدلافين ، ورفعته بيديّ عالياً ، ولأول مرة في حياته ، نظر إلىّ بعينيه الطفلتين ، ورأيت شفتيه تتمتمان بصوت لا يكاد يُسمع : ماما .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |