المرأة والحب وأشياء أخرى

عثمان بوتات
2024 / 3 / 8

عن حب المرأة

وأنا على وشك الحديث حول المرأة أتخيلها امرأة شابة، ويأتي إلى ذهني حديث زرادشت ( عن المرأة شابة وعجوز ):
ليحذر الرجل المرأة إذا أحبت…
ليحذر الرجل المرأة إذا حقدت…
هكذا خاطب الحديد المغناطيس: إنني أحقد عليك أكثر من أي شيء لأنك تجذب، لكن ليس لديك ما يكفي من الطاقة كي تجعلني لا أنفصل عنك…

إن حب المرأة بكل تأكيد لخطر عارم. إنه حب يُنتِج منها طاقة عظيمة تطمح إلى تملك مجنون، منها ونحوها. إنها تحتقر وتحقد على كل رجل لا يطمح في تملكها. لهذا فالمرأة في بساطة منطق حبها، تحب الرجل الذي يجذبها بقوة مغناطيسية تجعل من الابتعاد مستحيلا-كما عبر نيتشه على لسان زرادشت-.

إن المرأة تعشق من يرغب فيها بشدة، من يعاملها كحيوان أليف، ومن تتأكد معه أنه تملكها وتملكته. إنها تستلذ بعبارات: لا أستطيع العيش دونك، سأقتلك لو فكرت في الانفصال عني، لا تفعلي هذا، لا تكلمي هذا… إنها تعشق كل مغناطيسا يجذبها دون أن يحتمل ويتركها. وتحقد وتحتقر كل رجل لا يشبه المغناطيس.

على الرجل الحقيقي أن يكون حذرا حقا في تقدير المرأة، وأن لا ينساق إلى جنونها، لكن قلة هم الرجال الحقيقين. وإذا حدث ووجدوا، فإنهم يموتون دون أن يفهموا المرأة أو يعاشرونها. إنهم يموتون محاولين، أو مهرجين، أو مجانين.

عن المرأة والنخبة

يا لسذاجة الفلاسفة! أ تظنون أن شعار "الحرية" التي تتباهون به هو من إهتمام المرأة؟ إنها على العكس تكره من يريد أن يحررها، بل وتضحك ساخرة منه. إنها تعشق من يعاملها كبقرة: يريها في النهار أي طريق تسلك، ومن أين يجب أن تأكل... وفي الليل يقيدها. بل هنالك من هن أقل مرتبة من البقرة! إذ أن البقرة لا تفضل ممارسة الجنس وهي مقيدة بحبل، بينما بعض النساء يفضلن ذلك. فطوبى لمن وجد امرأة تشبه البقرة وتفضل ممارسة الجنس على العشب.

قدر على الرجل الحقيقي أن تعاني روحه لأجل إيجاد روح امرأة تحبه. لكنه كثيرا ما وجد امرأة ترغب في صداقته. لكن المرأة لا تصلح للصداقة -كما سبقني نيتشه في قول هذا-. إن المرأة تحتقر الرجل، وتستلذ بذلك، حينما تعتبره صديقا لها. إنها تصادق الفلاسفة والفنانين وتجذبهم إليها، لكنهم في الحقيقة أعداءها الذي يجب أن تتخلص منهم. يبدوا أن المرأة تولد ولها هدفين أساسين: أن تبحث عن رجل حقيقي تقتله، وتبحث عن رجل مزيف تنجب منه.

لماذا الرجل حيوان؟

إن المرأة ليست بذلك التعقيد رغم هذا. إنها بكل بساطة تبحث عن رجل يتصف أكثر بصفات حيوان؛ أي قادر على أن يكون مشروع إنجاب ناجح. وما أكثر الكلاب التي ترافق كل امرأة. إن أرقى الرجال رجولة هو أكثرهم حيوانية بكل تأكيد. إن خبث الرجل وصفاته ومظاهر قوته وأحلامه… كلها ماهي إلّا محاولة بئيسة في أن يكون أكثر حيوانية في عين المرأة. ولو لم يكن الحيوان مغريًا للمرأة لما طمع الرجل في أن يشبهه.

المرأة حينما تشعر بالافتخار تتكلم:
كم قوي!
إنه عصبي!
إنه يصرخ بوجهي!
ذات يوم حاول أحدهم الاقتراب مني فضربه!
إنه يؤلمني حينما يمارس الجنس معي!
إنه يريدني أن أكون أم لأولاده!…
أ تظنها تتكلم عن حيوان؟ خطأ، إنها تتكلم عن حبيبها. إنها تخاطب هذا الأخير في موعدهما الأول وتقول: قل لي كم تشبه الحيوان، أقول لك هل ستصير صديقا أم عدوا-لكنها تقول ذلك بلغة لطيفة-. فلو اعتبرته حبيبا في الواقع فهي تعتبره صديقا في عالم المثل(صديق في مشروع إنجاب)، وأما لو اعتبرته صديق في الواقع فهي تعتبره عدو في عالم المثل.

لماذا الرجل مهرج؟

إن الرجل بين كل الكائنات والأجناس هو أعظم مهرج. إن كل أحلام، وصفات، وأفكار الرجل… هي في العمق لها دافع واحد: جذب وإرضاء المرأة. أنه يقضي كل حياته لإرضاء المرأة بأكبر قدر ممكن: يرعاها، يتزوجها، يتلهف إلى ممارسة الجنس معها والإنجاب معها… ولو لم ترضى عليه يخونها.

إن الرجل بجانب أنه مهرج مضحك جدا، هو كذلك غبي جدا. إن البئيس يعتقد حقا أنه هو المسيطر والمضطهد وذو السلطة في العلاقة، إلاّ أن اعتقاده هذا ما هو إلّا جزء من فخ نصبته له المرأة -أو الطبيعة بلغة شوبنهاور-. إن المرأة صورة أخرى للطبيعة: عشوائية وتحركها ضرورات، ذكية وبسيطة، جميلة ولا ترحم.

عن أعداء الدين والمؤمنين

إن ما يبكيني ضحكاً حقا لهو خطاب هؤلاء الباحثين في الأديان. لقد وجدوا فجأة أن الأديان بتاريخها وتعددها اضطهدت المرأة ولم تعتبرها وقالو بنبرة فخر: "طاحت ولقيناها" إذن الأديان إختراع ذكوري. أ تظنون حقا أن الأديان هي من اختراع الرجال؟ يا لذكاء المرأة حينما جعلتكم تعتقدون هذا! إن الأقرب إلى الحقيقة أن المرأة من فعلت، والمرأة هي الطبيعة، والطبيعة هي الإله في إعتقاد إسبينوزا. يبدوا أن نقاد الأديان لم يوفقو في نقدهم، وإن الدين لهو من عند إله أرادوا ذلك أم كرهوا. والمرأة هي صورة من صور الإله.

إن النساء أكثر إيماناً من الرجال. أ لم تلاحظون أيها الأغبياء هذا؟ أ لم تلاحظون أن النساء يعشقون ما تحتويه الكتب المقدسة؟ أ لم تلاحظون أنه كلما كان الدين يضطهد المرأة ويحجبها ويأمرها بالطاعة ويسجنها داخل جدران يبتها.. كلما كان هو الأكثر نجاحاً؟ وأ لم تلاحظون أن كل دين يساوي بين المرأة والرجل ويعطيها حرية أكبر أو لايهتم في نصوصه حول الجنس والزواج.. هو دين مهدد بالانقراض؟

كما أن الرجال هم أقل إيماناً من النساء. وكم تكره المرأة من هم غير مؤمنين، وكم تعشق المؤمنين. وإذا كان لأحدكم شك في قولي هذا، فليسأل أندرياس سالومي التي رفضت الزواج من فيلسوف وتزوجت بحيوان حاول ممارسة الجنس معها وهي نائمة، وقد شيعت ذلك الزواج بطقوس دينية. وإذا خجلت ولم تجيبكم، فلتسألو إذن الفيلسوف الذي رفضته ( فرديريك نيتشه )، اسألوه عن شعوره وأجيبوني، اسألوه عن المرأة وأجيبوني. لكنكم لا تكلمون الموتى، ولا تكلمون الأرواح. إنكم لازلتم " تتشوفو غي حدا رجليكم" كما يقول المثل.

عن الذكورية والنسوية

إنني خائف أن كلماتي هذه التي تهاجم المرأة الشابة أن تثير إعجاب فئة من الرجال الشباب أمقتهم ولا أتحمل خطابهم، وهم هؤلاء الذكورين. إن أكثر ما يثير اشمئزازي فيهم أنهم متشابهين جدا في كل الصفات والأفكار. يميزهم أنهم دوما يتدربون في النادي أو لاعبي كرة قدم، دوما في علاقات وليس علاقة واحدة، دوما يخاطبون: الرجولة هي كذا وكذا، يجب أن تتسلط، لا تؤمن بالحب… إن المساكين لمرضى نفسيون، وإنهم لمتلهفون لرضى المرأة أكثر من غيرهم لكنهم يظهرون العكس، إنهم أقل مرتبة من الكلب والبقرة، ونصفهم مثلي الجنس.

إنني بجلت المرأة شيئا ما على حساب الرجل ولم أبالغ، وقد شبهتها بالإله… مهلا! بابي يطرق! من؟ إنهم هؤلاء النسويات المعاصرات سمعوا شيء عن المرأة وأعجبوا به. إنني خجول لأن هذا حدث أيها السطحيات عديمات الفهم والتحليل. هل تريدون أن تؤدلجونني. تبا لكم ولكل إيديولوجية، إن شرفي في حريتي، فكيف تتجرءون وتهددونها؟ وهي شعاركم!

إنني متفق معك صديقي عبد النور حينما قلت لي في هذا السياق بأن: النسوية ماهي إلّا حركة تنشد السطوة والسلطة. إن المرأة المعاصرة بشعارها "النسوية" امرأة فقيرة النزاهة الفكرية، لأن أغلب حاملين شعار "النسوية" يتلقون أفكار جاهزة ويعيدون إلقاءها لا أكثر. وهذا يدل على أنهم يفتقرون إلى المجهود الفكري والنقدي ويسقطون في تناقضات أثر هذا. مثلاً، حينما يحملون شعار الحرية وبالوقت ذاته يخضعون في تفكيرهم وإهتمامهم نحو كل مادي، أو حينما يسمحون للإيديولوجية لأن تفكر مكانهم وبالوقت ذاته ضد أن يفكر الرجل مكانهم. إنهم متطرفات لا أكثر. رد فعل في وجه إضطهاد قديم. ولعل التفكير النزيه قد تكون جسدته النسوية سيمون دي بوفوار موضوعا ومنهجا. يبدو أن نسوية مثلها تستحق الإقتداء في النقد، وفي علاقتها مع الجنس الآخر… مع التجرئ على نقدها كذلك، ومحاولة الإرتقاء بوضع المرأة عبر هذا النوع من التفكير بدل تبعية عمياء.

فريديريك نيتشه إلى المرأة

إن تفوق روح المرأة بحاجة ماسة إلى العودة إلى فريديريك نيتشه والإنفتاح على مطرقته العابرة للزمن في وجه كيانها. روح المرأة بحاجة إلى التخلص من النزعة النرجسية التي تدفعها لممارسة السوء. المرأة بحاجة إلى دحض رؤية نيتشه القائلة "المرأة مسيئة في العمق" والتي بكل أسف تعبر عن حقيقتها، لكنها قابلة لكي لا تصبح كذلك. إن تاريخ المرأة بكل أسف فقير الحرية، إنها لازالت تتقلب وتعيد تاريخ الخضوغ. وهذا في حقيقة الأمر شيء يحيرني رغم جهودي في قلب القيم! هل من الممكن أن تكون صفة ذات قيمة خفية؟ أم هي محاولة بائسة منها نحو الحرية؟ لكن الحذر أيتها المرأة، إن نيتشه يخاطبك: وأنت تقود حربك المزعومة للتحرر من قطيع إحذر الإلتحاق بقطيع آخر.

عن الحب: من الروح إلى روح المرأة

عزيزتي المرأة، أظنني اكتفيت من مهاجمتك وسأضع مطرقتي جانبا. لكنني سأقدم لك كنز عظيم في المقابل. دعينا لا نكون موضوعيين، ولا محللين ولا منطقيين في حضرة الحب. أخرجي من جسدك وفلتعانق روحي روحك.
آه لو تعلمين كم أحبك! فانصتي لي جيدا. سألت المذيعة السيدة أم كلثوم ذات يوم:
- نراك دائما تكررين "عزة النفس" في أغانيك، فهل الحب يخضع لعزة نفس في رأيك؟
- ( أم كلثوم تجيب ) طبعاً، لو مكانش المحب عندو "عزة نفس" مايتحبش.
عزة النفس ثم عزة النفس! إن حب الذات هو مفتاح حب كل شيء في هذا الكون. أشعري بكلماتي واحذري أن تسيئي فهمي وتظنيني أنصحك بأن تكوني نرجسية. تجاوزي السطحي، وذاتك المادية والمتغيرة. إبتعدي وكوني حرة نحو روحك إلى المطلق، هنالك يوجد الحب، وتوجد عزة النفس، وتوجد الطاقة الإلهية التي ستجذب إليك حبا صادقا وليس مزيفا. إنني على علم أن الحب المزيف مؤلم لك رغم كل شيء، لهذا يجب أن ترتقي بسرعة وتتفوقي على ذاتك. دعيني أعيدك إلى عبارات نيتشه في مقطع ( المرأة شابة وعجوزا )؛ أنه يؤكد أن حبك هو كالمغناطيس مع الحديد كما سبق وحللت، لكنه يعود ويقول في نفس المقطع: "لتكن المرأة مثل الحجارة الكريمة فوقها تشع أنوار فضائل عالم ليس له من وجود بعد" اتعلمين أي عالم تمنى أن يراك فيه نيتشه: إنه عالم حيث يكون فيه الروحين متفوقين عن ذاتيهما، أي بشر خارقين. لما لا أن يكون هدفنا التفوق، القوة، الشجاهة، وكل الفضائل عزيزتي. لكن مع شرط الحرية، يجب أن يكون حبك له قوة جذب تعادل قوة الانفصال. يجب أن تكون جاذبيتنا لطيفة، كجاذبية الأرض والقمر. لما لا نسمح لأرواحنا أن تتغذى مع بعضعها، لكن بالحب وليس بالغرور، وما أعظم الفرق بينهما.

رسالة خاصة إلى امرأة مجهولة

إنني شخصيا أشعر أنني روحا قديمة جدا، كما أشعر أنني في حاجة ماسة إلى البحث عن توأم ضائع، وكم أخطأت التقدير وخاب ظني. إنه لمن الخطر جدا العيش في خطر الحب، حب المرأة، لكن وجدت نفسي أعشق الخطر، لربما كي نجني من الوجود أسمى ما فيه يجب أن نعيش في خطر حقاً! أظن أنني أشبه بسمكة طائرة بلغة فولتير. وأظن أنه يجب علي تقديم كلماتي هذه إلى كل امرأة شعرت أنها تستحق أن ترافقني نحو التفوق، وذلك كي تفهم رجائي الضمني الذي أحاول إظهاره: أرجوك، لا تكوني مثلهم.


"يا رجائي أنا كم عذبني طول الرجاء
أنا لو لا أنت لم أحفل بمن راح وجاء
أنا أحيا لغدِ الآن بأحلام اللقاء
فأت أو لا تأتي أو فإفعل بقلبي ما تشاء"

أحمد رامي، "أ غدا ألقاك" لأم كلثوم

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي