|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
اسحق قومي
2024 / 3 / 5
مهمتي أن أكتب شيئاً لم يقرأه القارئ ومهنتي ليست العزف ليرقص الذباب .
ووجودنا ليس سوى وهماً في نهاية المحطة الأخيرة لمسيرتنا على هذه البسيطة هكذا يقرأ من فقد عزيزاً أو حبيبا وهو يودعه إلى مثواه الأخير بالتأكيد سيقول بأنّ الحياة أحد أنواع الوهم المستعصي على التفسير .ولكن في الحقيقة لوجودنا أقدس المهام .
وغاية وجودنا تتجلى بفعل كينونة المنتج لعقلنا تلك التي تعلو عن الواقع لتدخل حيز الماورائي.
وهناك في برزخ الوجود الكوني الأكبر وضمن فعالية العقل الكلي نجد أن ذواتنا لا تعتريها التغيرات حيث تنعدم هناك فعالية الزمان .والسؤال هل فعلاً نحن موجودون هناك قبل أن نتجسد واقعاً في جنين سيولد بعد تسعة أشهر؟
أستطيع القول رداً على سؤالنا السابق وكتفسير بسيط فإنّ الوجود ليس صدفة وليس عبثاً ولا كما يدعي بعض الفلاسفة والمفكرين .وخلاف الرأي في هذه الجزئية هو أنه علينا أن نميز ما بين الصورة والمادة في أصل وجودنا وأنّ التغيير يحدث عندما تُدرك الصورة ذاتها في شكلّ من أشكال الوعي وتتحول إلى كائن عارف بذاته . أستدرك كائن يميز ما بين الذات والموضوع، بين الأنا والعالم. وهنا يلتقي الوجود الجزئي لنا بالعالم الكلي وعندها نكون قد وصلنا إلى المحطة المعرفية الأولى لغاية وجودنا.
يُتبع. اسحق قومي.3/3/2024م
عشتار الفصول:14064
ج 2 من كيف نفهم وجودنا ؟!
رأي غير ملزم.
على معبد أبولو في مدينة دلفي في اليونان كُتبَ ( اعرف نفسك) .فماذا يريد سقراط أن يقول في هذا الجزئية؟
كثيرون هم الواهمون وقليلون من يُدركون حقيقة ذواتهم والباقي (عصف ريح) والكلّ يتحاشى الدخول في حوار ذاتي لإقناع ذاته بحقيقتها ويرفض أن يكون الأقل من بين أقرانه أو أترابه أو رفاقه أو زملائه لكنه وحده الحكيم من يُدرك حقيقة ذاته ويميز بين مراهقة عقله ووصوله بالرياضة الفكرية إلى مرحلة النضج والفيلسوف سقراط قائل ( اعرف نفسك بنفسك) وحده الذي كان يُجاهر رغم علمه ومعرفته وفلسفته بأنه ( كل ما أعرف هو أنني لا أعرف) ولكنه كان يحرص على محبة نفسه أو ذاته كما كان يحب الحوار المنطقي في إيصال رسائله لندع سقراط واليونان ومدينة دلفي تلك المدينة الجبلية التي احتضنت معبد أبولو ولنجدد سؤالنا عن الوعي كما جاء في أقوال الفلاسفة الذين استحضرهم صديقنا الشاعر فؤاد زاديكي في الحلقة الأولى فأقول:
أما عما قاله كارل ماركس ( ليس وعي الناس هو الذي يُحدد وجودهم وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يُحدد وعيهم) . رغم العلاقة العضوية بين الوعي والوجود وكلي اعتقاد وثقة أن الوجود لم يوجد إلا بوجود عضوية عاقلة واعية مُدركة ولهذا أقول لا أوافق كارل ماركس على هذا المضمون كونه يعتبر الوجود الاجتماعي يسبق الوعي وبهذا نجد ماركس قد فصل فصلاً ميكانيكياً بين الكائن ( الإنسان) المكوّن من جسد وعقل ووظائف عقلية وجسدية ولكون الجسد مكوّن من أعضاء ولكل عضو جهاز يعمل بوظائف مختلفة . أجل لم يُفصح كارل ماركس عن أهمية تبيان أن العقل الدينمو المحرك للوعي موجود حتماً في الكائن الجنين (ولكل قاعدة استثناء) الذي يُخلق ضمن بيئة رحمية وأمّ تعيش في أسرة وفي مجتمع مهما كانت حالته الثقافية والعلمية والاقتصادية والمادية إلا أنّ العقل وملكاته وقواه ووظائفه تنمو كخطين مستقيمين عاموديا وشاقولياً ، فردياً واجتماعياً ولهذا لا يمكن الفصل بين الكائن الإنسان الحامل لحالة الوعي عن وجوده الاجتماعي لأنّ بالحقيقة يدفعنا هذا للتساؤل هل المجتمع يتكوّن من مفهوم هلامي أم من واقع ملموس وما هي مكوّناته الواعية ؟ إذا هو يتكوّن من أشخاص لهم وجودهم الواعي سواء أكان ذاك الوعي قد جاء فيما بعد اكتمالاً لوظائف العقل أم أن العقل وعي بالكمون كما أن الخشب نار بالقوة ولايمكن الفصل بين الذات العاقلة والواعية وبين مجتمعها أو العكس فلا يمكن أن نتحدث عن وجود اجتماعي دون أفراد أو مكوّناته وأدواته وكما هو معلوم عن وظائف المجتمعات التي لا تُحصى ولكن إحداها هو أن الوعي يُنظم ويرتب تلك الوظائف حتى تعطي نتاجات الحركة الاجتماعية فإذا فصلنا ما بين الوعي والمجتمع وسبقنا أو أخرنا بإحداها عن الأخرى كمن يُخالف القول هل الإنسان روح أم عقل أم جسد أم نفس؟ بمعنى أن نفصل كل مفهوم لوحده فهل الإنسان لو فقد العقل نسميه إنساناً واعياً؟ أم حين يفقد روحه أو نفسه يبقى إنساناً .هكذا مفهوم المجتمعات ومن هنا فمقولة كارل ماركس خاطئة بالضرورة لأن المرء يولد وتولد معه القدرات العقلية .كما ويولد بين أسرته وجماعته وحييه ومدينته ومجتمعه فهو لا يولد في المريخ وأن أساس تشكل القرى والبلدات والمدن هو وعي الناس الذي دفعهم ليستوعبوا أهمية تشكيل مجتمعات صغيرة أو كبيرة وضمن تجمعات سكانية مهما كانت حالتها وتقدمها ويُسمى وجود الإنسان بين أسرته ومجتمعه ( الوجود الاجتماعي)
أما ما قاله فردريك نيتشه في سياق الوعي ومنه قوله الأول (إنّ بإمكان الإنسان أن يعيش حياته في استقلال عن الوعي تمامًا،) وحين قرأتُ هذا القول منذ عام 1974م في منهاج جامعي اعتراني الغثيان واستحضرت الكاتب الروائي البير كامو والعدمية لديه والذي يجعلني أن أؤكد على ما قاله الفيلسوف نيتشه لا يصلح إلا لمن هم في دار المعتوهين لأن نزعة ذاتية مئة بالمئة لا توجد إلا في دار المعتوهين كما يقول الفيلسوف ديكارت .
وسؤال بسيط نتوجه به إلى نيتشه .كيف يعيش الإنسان دون قدراته العقلية وخاصة ما تخص الوعي ونحن نتحدث عن أناس غير مرضى بالطبع؟! .لا يمكن أن نسمي الشخص بإنسان مالم تكتمل به جميع مقومات الإنسان ذاك الواعي حكماً وحتماً وضرورة كون الوعي حالة عقلية تتجلى أنشطته في قدرته على التواصل مع الآخرين من خلال الحواس الخمس
والوعي في مفهوم الفلسفة هو جوهر الإنسان والخاصية التي تميزه عن بقية الكائنات ومن هنا فللوعي نتاجات وتصرفات وسلوكيات حسية وحركية ولفظية . ولكي نوجز مالا يوجز لدينا السؤال التالي: كيف لنا أن نعيش باستقلالية عن الوعي ونكون أناساً أسوياء؟
حتى أن الوعي في المفهوم العلمي هو قدرة أو ملكة لدى الفرد يستخدمها للتفاعل مع بيئته ومحيطه وبها يتمكن من فهم واستهلاك العالم معرفياً وإنتاج معارف تزيد ذلك المرء من تأقلمه مع الطبيعة الاجتماعية والبيئية والثقافية والعلمية والاقتصادية وغيرها
فالوعي يُشكل محور شخصيتنا ولا يمكن أن يكون حالة ما لا أهمية لها بل بالعكس. الوعي لدى الإنسان هو الذي يجعله قادراً على تحديد مكانه من العالم والتاريخ وحركة المجتمعات قاطبة.
وهناك بالطبع العلاقة ، علاقة ميكانيكية وعضوية بين نمو اللغة ونمو الوعي فهذا تحصيل حاصل لمثابرة الإنسان في سبيل تحقيق هدفه أو غاية وجوده ونموه البيولوجي والذهني ومجموعة قدراته العقلية واللغة كما نعلم تنشأ وتنمو وتتطور بالعمل فالعمل واللغة توأمان .
وأما بشأن ما قاله سيغموند فرويد الأب الحقيقي لعلم النفس ومؤسسه (" إنّنا مخطئون جدًا إذا نسبنا كل سلوكيات إلى الوعي وحده، لانّ كلّ هذه الأفعال الواعية تبقى غير متماسكة و غير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى القول إنّه لا بدّ أن ندرك بواسطة الوعي كلّ ما يجري") فأعتقد يستلزم منا هنا دراسة مجموعة من أفكار التي قال عنها سيغموند فرويد وتقسيمه للنفس البشرية إلى ثلاثة مكوّنات بحسب النظرية البنيوية ( الهو والأنا والأنا العليا ) وما تحتويها تلك المكونات ولهذا لا يمكن أن نفهم القول بجرة قلم دون المرور على أغلب مقدمات سيغموند في مجال الرغبات أو لنقل في مجال العقل الواعي والعقل اللاواعي
كما وعلينا أن نكون قد استوعبنا نتائج التجارب التي قام بها العالم بافلوف وأقصد هنا عن الجملة العصبية ومجموعة الوظائف التي تُشكل جوهر نقل المعلومات من العضوية إلى العقل ومحاكاتها والاستجابة وما إلى ذلك وكذلك بشأن ما قالته المربية الروسية كروبسكايا في موضوع تشكل المعارف والكيفية التي نبدأ من خلالها .فهي ترى أن المعارف تتشكل بقاعدة عامودية لها توجهات شاقولية فحين تقول ( كما لا يمكن لنا أن نبني الجدار بدون الأساس ولا السقف بدون الجدار هكذا تتشكل لدينا المفاهيم والمعارف والعلوم....) والموضوع يطول لو تناولنا مجموعة علماء البيولوجيا البشرية لكي نتفهم موضوع الوعي وأنواعه ونتائجه .
أجل نؤكد على أن هناك سلوكيات غير واعية وتتم بشكل آلي وهذا ما نجد له بداياته في كتاب الفلسفة للمرحلة الثانوية للمؤلف تيسير شيخ الأرض .( الشعور واللاشعور والخوف وووو)والموضوع يطول لكنه بحاجة إلى مناكفات علمية رصينة.
وهنا أريد أن أقول من خلال خبرتي المتواضعة أغلب الآراء والنظريات والأفكار الفلسفية بحاجة إلى إعادة تأهيل لأنها كانت تعبر عن المستوى الفكري لأهل زمانها وليست بأفكار منجزة في أغلبها لو قارناها مع التقدم الثقافي والعلمي والفلسفي لهذا الزمان .
واستكمالاً لسؤالنا الأول كيف نفهم وجودنا ونضيف لماذا علينا أن نفهم لماذا وجدنا؟
يتبع. اسحق قومي. 5/3/2024م