القدس في كتابات الأسيرات والأسرى4

محمود شقير
2024 / 2 / 20

وقد اعتقل الكاتب أسعد الأسعد سبع مرات لمدد تتراوح بين أسابيع وعدة أشهر، كان أولها في 23 آب 1967 في سجن أبو كبير لثلاثة أشهر، ثم في1989 لستة أشهر وإقامة جبرية لتسع سنوات ومنع من السفر للمدة نفسها حتى 1991
في روايته "دروب المراثي" يقدّم على لسان مراد، بطل الرواية أطروحة مستندة إلى التاريخ وإلى وقائع من الزمن الحديث عن حقنا الثابت في وطننا فلسطين، وإلى ذلك فهو يلجأ إلى الترحّل في ربوع الوطن ومعه راحيل؛ الفتاة اليهودية التي تجهل كثيرًا من حاضر بلادنا وماضيها.
في الأحداث التاريخية المسرودة على لسان مراد تفاصيل ممتعة، كذلك هي الحال أثناء تعريف راحيل بتفاصيل المدن والقرى الفلسطينية التي زارتها برفقة مراد أو مرّت بها معه، ومن أهمها مدينة القدس، يقول: "اقترب مراد من راحيل، مقترحًا مرافقته لزيارة المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومن بعد كنيسة القيامة (..) لم تستطع راحيل إخفاء مشاعرها حبن وقع نظرها على مراد ، وقد بدأت الشمس تختفي وتغادر مدينة القدس غربًا، فيما بدا الظلام يخيم على أزقة القدس."ص69/70
تبدو القدس هنا عصية إلا على أبنائها الأصليين.
***
وفي كتابه "البهاء باقٍ فينا ومعنا" يكتب محمد عليان الذي جرّب السجون الإسرائيلية لسنوات طويلة، واصفًا دفن ابنه الشهيد في مقبرة باب الساهرة في القدس بعد مكوثه أشهرًا طويلة في ثلاجات الاحتلال:
"يا إلهي لو اني أبكي ، يا إلهي لو اني أصرخ .. كانت صرختي ستدوي في أنحاء وسماء القدس .. البهاء أمامي .. عاريا كان ، الا من قطعة داخلية وحذاء رياضي في قدمه اليسرى و" وجربان أبيض " في قدمه اليمنى .. البهاء أمامي .. عاريا كان ، بهيا كان ، جميلا كان ، أي جمال أبهى من جمال البهاء .. نظر إليّ عليّ .. نظر نحوي الضابط ، العائلة في وجوم قاتل .. السماء تترقب .. ملأت صدري بكمية كبيرة من الهواء ، بلعت ريقي المتجمد ، أرغمت غصة على التراجع ، رسمت ،بريشة طفل هاو ، ابتسامة باهتة ، صفراء ، لا حياة فيها ، استعرضت بنظرة سريعة ، جسم البهاء ، أمامي كان ، عاريا كان ، ينتظر دفء الارض ، يا الهي أشعر بالبرد ، بالقشعريرة ، أحاول إخفاء رجفة مباغتة ، اقول وانا لا اسمع صوتي ، لكنهم سمعوه ، هم العسكر ، والعائلة وأم البهاء وربما البهاء
- أوافق ..
- هتفت العائلة ، ابتسم العسكر ، صفقت القدس
ابتسم البهاء ..
تململ البهاء ..
أحسست بذلك او هكذا بدا لي ..
بعد دقائق سينعم بدفء القدس
" ايها الشعب
بهاء الآن في دفء القدس " ص51/52
تبدو القدس هنا مثل أم رؤوم وهي تحتضن جثمان الشهيد.
***
وفي تجربة الكاتب جميل السلحوت وعلاقته بالقدس ما يلفت الانتباه؛ فقد
اعتقل في آذار 1969 وجرّب سجون المسكوبية والرملة والدامون، وأمضى ما يزيد عن العام معتقلًا إداريًّا، وبعد سنوات من مغادرة السجن عاد إلى تلك الفترة القاسية التي تعرض فيها للتعذيب، وكتب عددًا من الروايات التي ظهرت فيها القدس بوصفها مدينة محتلة، لكنها لا تخضع لإرادة المحتلين، كانت أولاها رواية "ظلام النهار" التي جعل لها بطلاً اسمه خليل، ظل يظهر في روايات أخرى بتجليات متتابعة، وهو يعمل في القدس ويعيش على تخومها، ويدخل السجن الإسرائيلي ويتعرض للتعذيب من أجلها، كما تبدى ذلك في رواية "العسف"وفي غيرها من الروايات.
في رواية "اليتيمة" نقرأ ما يلي:"عند مدخل الشّارع الموصل إلى حيّ الثّوري، والمحاذي لسور الدّير الألماني طلب منها أن تأخذ يمين الشّارع للدّخول من هناك باتّجاه الثّوري. نزلوا الجبل في الشّارع اللولبيّ الذي يشبه الأفعى في زحفها، ويزدحم بالسّيّارات التي تصطفّ على جانبيه رغم كثرة عدد السّيّارات التي تعبره. عندما وصلا الوادي، استغلّ عدم معرفتها بالطّريق، وبدلا من أن يدور يمينًا باتّجاه بئر أيّوب، تركها تسير في الشّارع العامّ ليريها مدخل عين سلوان التّحتا، ومن عند العين الفوقا سيدور بها يمينًا عائدًا إلى بئر أيّوب، فبيتهم يقع في تلك الطّريق.
قال لها عن العين:" عين سلوان مركز بداية مدينة القدس الكنعانيّة قبل آلاف السنين. وتعتبر العين مقدّسة عند المسيحيّين لأنّ المسيح استعمل ماءها لشفاء الرّجل الأعمى. ويقال أنّ السّيّدة مريم العذراء غسلت بمائها ملابس الرّضيع عيسى، ولهذا سمّيت أيضا بعين العذراء."ص57
القدس هنا هي مدينة العراقة والتاريخ، وهي حاضنة التجربة في الحياة وفي الكتابة.
يتبع...

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي