![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
أحمد فاروق عباس
2024 / 2 / 15
يمثل الخطأ الأساسي الذي وقعت فيه حماس فى عدم تقديرها للحظة التي كان يجب فيها أن ترجع خطوة أو خطوتين إلي الوراء ..
لقد ضربت حماس إسرائيل ضربة مؤلمة في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ، وكل إنسان عاقل كان لابد أن يتوقع ان ردا إسرائيليا أكثر إيلاما لحماس قادم في الطريق ، لكن إسرائيل لم تكتف بالرد الأكثر إيلاما ، بل فوجئ العالم أن إسرائيل أخرجت من ادراجها خطط قديمة لتهجير الفلسطينين خارج أرضهم ، واتضح أن أمريكا وأوروبا لا تمانعان في ذلك بشرط أن يتم بدون تكاليف كبيرة ..
وسوف يثبت التاريخ أن مصر - ومصر وحدها - هي من أوقفت تلك الخطط شديدة الجموح ..
كان علي حماس - بعد أن ضربت ضربتها المؤلمة لإسرائيل - أن تنزل من فوق الشجرة كما يقولون ، أي أن تجد وسيلة لتثبيت نصرها وعدم اعطاء الفرصة لإسرائيل للانتقام أولا ثم إخراج خططها بتصفية القضية الفلسطينية ووضعها موضع التنفيذ ، وسط بيئة دولية - للأسف - مؤيدة أو علي الأقل غير ممانعة ..
لكن حماس برعونة غريبة - ومتوقعة للأسف - افقدت نصرها بريقه أولا ، ثم أعطت المبرر كاملا لإسرائيل أن تتلاعب بالشعب الفلسطيني وبقضيته النبيلة كما تريد ..
لقد قدمت حماس أداء بالغ التواضع في إدارة ذلك الصراع ، واثبتت جهلا يكاد يكون كاملا في فهم طبيعة الحرب والصراعات فى العصور الحديثة ، والأهم أنها أثبتت جهلا مطبقا بأحوال العالم والعصر الذي تعيشه وتوزيع القوى فيه ..
لم تنجح لا في الاستراتيجية ولا في التكتيك ، ولم تنجح في وضع هدف قابل للتحقيق ولا إختيار الوسيلة لتحقيقه ..
لقد وضعت هدفا صعب التحقيق جدا فى ظروف عصرنا ، ولم تعرف كيف تختار وسائل متعددة ومتغيرة لتحقيق هدفها ..
وحتي عندما استخدمت احدي الوسائل وحققت بها نجاحا اوليا اضاعتها بسبب كل ما تقدم .. الجهل بإدارة الصراعات الحديثة ، وفي فهم طبيعة الحروب فى هذا العصر ، والجهل بأحوال العالم والعصر الذي تعيشه ، وتوزيع القوي فيه ..
ولجأت إلي خطاب ديني تقليدي ، ربما ينفع في التأثير على الجموع ، ولكن لا ينفع في إدارة الصراعات الحديثة ومتغيراتها ..
كان من الممكن - مثلا - بعد أن ضربت حماس ضربتها أن تطلق سراح الإسرائيليين المختطفين ، ولو لوسيط دولي أو إقليمي ، وتنزع من حكومة بنيامين نتانياهو مبررها الأقوى للحرب حتي لو كان ليس مبررها الحقيقي ..
كانت تلك الخطوة ستفقد الحرب الإسرائيلية زخمها ومبررها الأخلاقي - من وجهة نظر العالم - علي الأقل لم تكن إسرائيل تستطيع التصرف بهذا الشكل من الهمجية وعدم وجود أي قيود أمامها ..
ولذلك التصرف نظير في التاريخ ، جربته مصر مثلا في حرب الفدائيين في القنال عام ١٩٥٣ و ١٩٥٤ ، عندما كان الفدائيين المصريين يخطفون جنودا إنجليز من القواعد البريطانية علي طول قناة السويس ، وعندما كانت تقوم قيامة الجيش والوزارة البريطانية كان المجندين يظهرون فجأة في لندن ذاتها ، بدون أن يكون للجيش أو السياسة البريطانية أي فضل في إطلاق سراحهم ..
فالهدف ليس خطفهم ذاته ، ولكن تأثيره النفسي والدعائي قبل أي شئ ..
خصوصا وأن حماس لم تستفد شيئا من وجود الاسري الإسرائيليين معها ، وما حسبته ورقة تفاوض لصالحها ثبت أنه أقوي أوراق الضغط علي الفلسطينيين وقضيتهم وليس علي حماس فقط ، وهو مبرر الحرب الذي تقدمه إسرائيل للعالم ، أن مدنيين إسرائيليين لا حول لهم ولا قوة - كما تقول الدعاية الإسرائيلية والأمريكية في العالم كله - في قبضة حماس ..
عموما هذه كلها نوع من أمنيات الوقت الضائع ..
وقد ضاعت للأسف فرصة تثبيت نصر حماس منذ زمن ، بعد كل ما حدث منذ أربعة شهور ، وما بقي الآن هو محاولة الإبقاء على الشعب الفلسطيني ذاته .. والإبقاء على قضيته ..