الكيان الصهيوني اداة بريطانيا وحلفائها الغربيين للسيطرة على البحر المتوسط

سعد السعيدي
2024 / 2 / 12

البحر الابيض المتوسط هو منطقة ذات اهمية جيوستراتيجية كبرى. هذه الاهمية تكمن في كونه يربط بين ثلاث قارات هي افريقيا وآسيا واوروبا. نتيجة لهذا ومع كونه منطقة تبادل تجاري مهمة يكون هو من اهم ممرات التجارة الدولية. لكل هذه الاسباب تسعى القوى الكبرى إلى تأسيس وجود لها فيه سواء من خلال إنشاء قواعد عسكرية او مراكز للتجسس.

ونظرا لانه لا يمكن العبور الى البحر المتوسط إلا من خلال الممرات الملاحية او المضائق، اصبحت هذه هي من ضمن ما حاولت الدول العظمى السيطرة عليه بهدف السيطرة على هذا البحر المهم بالنتيجة والهيمنة على الدول المطلة عليه. والسيطرة على المضائق والممرات الملاحية هي نتيجة الصراع الذي نشأ عليه من قبل الدول المختلفة. إذ كان الاغريق هم اول من سيطر عليه، ثم تبعهم الرومان فالبيزنطيون فالعرب فالعثمانيون واخيرا الاوروبيون. واهمية السيطرة على المتوسط هو لحماية خطوط التجارة ومن ثم لاجبار المنافسين المحتملين على الانصياع لرغبات المتحكم بالبحر.

لقد قامت بريطانيا القوة الاوروبية الابرز بعمليات لتأمين سيطرتها على البحر المتوسط. فبسطت سيطرتها على مضيق جبل طارق، ولاحقا على قناة السويس. ولتأمين احتكار استخدامها للقناة اكملت عملياتها باحتلال فلسطين وحواليها شرقا ومصر وحواليها غربا. وبعد افول شمس الاستعمار واضطرار بريطانيا الى الانسحاب من مستعمراتها الآنفة بادرت الى خلق دولة الكيان الصهيوني في فلسطين. وهو ما يؤكد وجود اسباب اخرى تتجاوز مسألة اليهود واقاويلهم التوراتية. فاليهود هم اداة استخدموا لتحقيق غايات البريطانيين الاستعمارية.

لقد رام البريطانيون تأمين سيطرتهم على طريق التجارة المهم الذي هو هذا البحر المتوسط. وهم اضافة الى سيطرتهم على الممرات الملاحية الحاكمة للعبور الى هذا البحر قاموا بانشاء قواعد اخرى لهم فيه من بينها قاعدة اكروتيري في قبرص التي تضم محطة للتنصت على الاتصالات، واخرى بحرية وجوية في جزيرة مالطا وسط البحر المتوسط زائدا اخريات جوية في ايطاليا من ضمن حلف الناتو. وخلق دولة الكيان هو ليس فقط لتأمين منطقة قناة السويس. فهذا الكيان هو في حقيقته قاعدة متقدمة للبريطانيين وحلفائهم الاوروبيين في شرق المتوسط والشرق الاوسط. وبالتفصيل فهذا الكيان يؤمن نقل الخطوط الدفاعية من حدود الجزيرة البريطانية نفسها في غرب اوروبا الى منطقة الشرق الاوسط. وهو ما يضمن لبريطانيا امكانية ارسال قواتها الى هذه المنطقة في اي وقت تريد دون عناء البحث عن ذرائع. اي انها تضمن لنفسها قاعدة تواجد عسكري دائمي في المنطقة بشروط لن تحصل عليها مع اي بلد آخر. فيمكنها انزال قواتها هناك وسحبها دون ان تضطر الى ابقائها هناك بشكل دائمي اكثر مما يلزم. اي انها تستخدم الآخرين لتحقيق مصالحها هي دون ان تضطر للتواجد بنفسها بشكل دائم مع الاستنزاف الذي يمكن ان يسببه للميزانية المالية. وهي بنفس الوقت تقوم بتأمين اسباب الحياة لهذا الكيان المختلق فتهرع الى مساعدته كلما تعرض الى اي تهديد بحجة حقه في الدفاع عن نفسه ! وتوفير هذا الكيان لقاعدة استقبال للقوات البريطانية في المنطقة في اية لحظة ترغب فيها بريطانيا بانزال قواتها هناك هو ما جرى في اول تطبيق لهذه الفكرة خلال حرب السويس العام 1956. ولن يكون البريطانيون غير سعداء إن قام هذا الكيان بمحاولة للتمدد شرقا وغربا في اي وقت من الاوقات حسب المقولة التي كتبنا عنها سابقا على العكس. فان اي تمدد لهذا الكيان سيخدم مصلحة البريطانيين وعموم الغربيين المتحالفين معها في السيطرة على كامل الشرق الاوسط لكن دون استخدام جيشهم هم. وقد فضح جو بايدن الرئيس الامريكي الحالي هذا الامر عندما صرح ذات مرة قبل تبوئه الرئاسة بوقت طويل عندما قال (هل تعرفون كم هي كمية القوات التي تغنينا اسرائيل عن وضعها هناك لاحتلال المنطقة ؟)، وكان يقصد الشرق الاوسط. وفيديو هذا التصريح موجود على اليوتوب.

من الجهة الثانية فإن وجود اسرائيل وسط المنطقة العربية يهدف من خلال وظيفتها الاخرى في المنطقة الى ابقاء العرب في حالة ضعف وتشتت من خلال استنزافهم عسكريا وبالتالي ماليا. فمن خلال وضع معظم الدول العربية ضمن مدى عمليات الجيش الاسرائيلي وقواته الجوية، يجري استنزاف القوة المالية والاقتصادية لتلك البلدان كيلا تصبح قادرة على تحدي الاحتلالات الغربية للمتوسط. وهو ما كانت ستفعله القوى الغربية الآنفة لو انها كانت متواجدة بنفسها جنب قناة السويس. وهذا الاستنزاف هو ما جرى عدة مرات في لبنان من خلال عمليات اجتياحه المتكررة واستباحة اجوائه واجواء المناطق حواليه. لذلك فإن وجود دولة الكيان هو وجود حقا مفيد لمصالح دوله الداعمة. وبموازاة هذا فهناك العمليات المستمرة لاجبار الفلسطينيين على النزوح والهجرة من بلدهم حيث يراد استخدامهم كأداة لخلق الفوضى في البلدان المجاورة. وهو ما سيتسبب بضغوط عليها هي في غنى عنها. كل هذا بينما تحصل دولة الكيان على المساعدات والتبرعات المالية والاسلحة بالمجان تقريبا من الدول الغربية الداعمة وذلك لكونها تؤدي خدمات لها من خلال وظيفتها في المنطقة.

كل هذه الامور المراد تحقيقها من خلال زرع هذا الكيان في المنطقة هي بهدف السيطرة على البحر المتوسط. وذلك لابعاد العرب وقبلهم العثمانيين واي منافسين اوروبيين عنه وإبقاء الاولين في حالة ضعف وتشتت. وهذا قد جرى بعد فشل مرحلة الاستعمار المباشر والتي كان من اهدافها تعطيل نهوض العرب كيلا يحاولون السيطرة على البحر المتوسط مرة اخرى.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي