|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعيد مضيه
2024 / 2 / 12
التشبث بعلاقة السيطرة
السياسة تتبع الاقتصاد والحرب ممارسة للسياسة ولكن بوسائل وأساليب خاصة؛ والإعلام يسند السياسة ويروج لأهدافها، سواء كانت سلمية أو عسكرية. بات العنف المسلح الأسلوب المعتمد لدى دول الشمال العالمي، كتلة امبريالية موحدة برئاسة الولايات المتحدة وتمارس سيطرتها على دول الجنوب التي هي ليست موحدة . في هذا السياق يزيف إعلام الغرب الوقائع والأحداث كي يقنع الشعوب بضرورة نهجه العدواني. تتوجه المنابر الإعلامية في الغرب الى الجمهور الواسع لكسب غقله ووجدانه، تطيّر له الرسائل الإعلامية. نظرا لطبيعة رسالة إعلام الراسمالية، فقد أطلق عليه العلامة الكندي، روبرت مكلوهان، في ستينات القرن الماضي اسم الميديا – جمع ميديوم وتعني الموصل للرسالة – رسالة مؤسسة الحكم او الدولة العميقة، وليس التظرة الموضوعية للأحداث والوقائع.
من خلال اطلاعاته يرى فيجاي براشاد، مدير منظمة تري كونتيننتال للدراسات الاجتماعية، ان منصات الشمال العالمي تمارس سلطتها الدولية والمحلية من خلال مجموعة عتلات ( عسكرية ، مالية ، اقتصادية ، اجتماعية وثقافية) . وهذه الكتلة تمارس سلطتها في الأساس على بلدان الجنوب العالمي، وترفض التخلي عن الهيمنة وتقاوم كل مسعى للتحرر وضمان السيادة الوطنية. ومثال الشعب الفلسطيني في غزة اوضح دليل .
السياسة المنهجية لدول لغرب الامبريالية تسندها وتروج لها حملات الميديا في الغرب؛ يرى فيجاي براشاد ، ان كتلة الشمال العالمي موحدة وتمارس سيطرتها في الأساس، من خلال القوة العسكرية ومن خلال إدارة الإعلام؛ وهي بذلك تركز على الإنفاق العسكري. السياسة تدعمها الميديا وتبررها. وهذا ما وعاه واعترض عليه كوكبة المثقفين المعارضين للجور التقليدي في سياسات الغرب تجاه بلدان آسيا وإفريقيا واميركا اللاتينية ، أو ما بات يطلق عليه الجنوب، ومنه شعب فلسطين. استاثر باهتمام عدد متزايد من المثقفين والأكاديميين في الولايات المتحدة كيف تزيف المنابر الإعلامية حرب الإبادة الجارية في غزة، وتفتري على الشعب الفلسطيني وحركته التحررية، مثال ملموس لجميع القضايا الحيوية لبلدان الجنوب العالمي.
من أفراد الكوكبة الأكاديمي الأميركي وخبير القانون الدولي ، ريتشارد فالك، كتب في 24 يناير/ كانون ثاني الماضي انه "صدم لدى مطالعة صحيفة نيويورك تايمز يوم 17 يناير"، إذ نشرت ثلاث مقالات رأي لكتاب يهود مؤيدين لحرب إٍسرائيل ضد غزة، لم توازن ولو بمقال واحد لكاتب فلسطيني. حلل فالك المقالات الثلاث للكتاب دانييل ليفي، بريت ستيفينز وثوماس فريدمان:
كتب ريتشارد فالك: يلاحظ في مقالة ليفي المعتدلة غياب مفردة إبادة جماعية ، برأ نشاط إسرائيل العسكري يهدم البيوت والمرافق الخدمية ويقتل بالجملة، مسببات الإبادة الجماعية !
والثاني بريت ستيفينز لا تستحق مقالته المبتذلة ان تنشر على الإطلاق في صحيفة مسئولة. ادعى ان اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية "فاحشة أخلاقية"... ستيفنز "امتلك قدرا من الوقاحة لدرجة انه لم ير ما يخرج عن المألوف في لغة القيادة الإسرائيلية، حيث طعنوا في إنسانية مجموعة بشرية (الفلسطينيين في غزة)".
والثالث هو فريدمان استهل مقالته بتوضيح سلوك الإسرائيليين في سياق السلوك الانفعالي إثر هجمة حماس، دون اي كلمة تعاطف مع انفجار المقاومة الفلسطينية نتيجة خمسين عاما من الاحتلال ، و15عاما من الحصارالتام. عرض فريدمان في مقالته فحوى مقابلة صحفية أجراها مع بلينكين، وزير الخارجية، قال في المقابلة انه متالم لما احاق بالفلسطينيين في غزة؛ وفي ذات الوقت عبرفي المقابلة عن الارتياح لأنه أدى وظيفته بتقديم المساعدة لإسرائيل كي تنجز الإبادة الجماعية. "دور كهذا يرتب على صاحبه مسئولية جريمة تواطؤ وليس التحية نظرا لإدائه مهمة رسمية".
يختتم فالك مقالته النقدية ، "بقدر صدمتي من مقالة ستيفنز كانت الصدمة أقسى من فشل صحيفة نيويورك تايمز ومعظم الميديا القومية في الكتابة عن مظاهرات الاحتجاج غير المعتادة في ضخامتها التي عمت أرجاء البلاد خلال الأسابيع الأخيرة، ومنها مظاهرة في شيكاغو شارك بها 400000 متظاهر جرت في ساحة مارتن لوثر كينغ تطالب بوقف الحرب في غزة... ان إغفال نيويورك تايمز للإبادة الجماعية في غزة مؤشر على مشكلة منهجية في تقارير الميديا . على سبيل المثال مشاهدو سي إن إن يستحقون صوتا نقديا أكثر استقلالية، وأقل إشادة بعقلانية الناطقين بلسان الحكومة، أوالضباط العسكريين المتقاعدين أو بيروقراطية المخابرات. من الخطورة بمكان التساهل مع تلاعب الدولة العميقة وضخ وجهات نظر البيروقراطيات بالميديا، ما يشكل خطورة إخضاع البلاد لمستقبل حكم أوتوقراطي"، يحذر ريتشارد فالك.
انتقائية أو تحريف
تستثمر الدولة العميقة نفوذ البيروقراطيين المتقاعدين وعلاقاتهم الاجتماعية المتراكمة أثناء الوظيفة العمومية، مكونا أساسيا لبروباغاندا الدولة. و حسب اطلاع أستاذ العلوم السياسية، ديفيد شولتز ، ينشط تجمع صناعي إعلامي قوامه " مراكز أبحاث السياسات الخارجية الحكومية بواشنطون، أساتذة الجامعات الأميركية المرموقة، ثم المسؤولون الحكوميون ممن يشكلون مؤسسة وإجماع السياسة الخارجية( خاصة ضباط الجيش والمخابرات). هذا الإجماع يعكس تحيزا في معظم الأحوال ادى الى الأخطاء الكبرى في السياسة الحارجية للولايات المتحدة". من الأمثلة كتب شولتز يدين " تحريف قرار العدل الدولية في تقارير الميديا؛ إذ بينما لم تقل محكمة العدل الدولية بوقف جميع العمليات العسكرية نظرا لاحتمال وجود عمليات دفاع مشروعة بموجب القانون الدولي ، فقد أمرت بوقف جميع الأفعال التي قد تبلغ حد إبادة الجنس؛ عمليا ربما تشمل جميع الأفعال التي انخرطت فيها إسرائيل". تساءل شولتز : إذن، لماذا التحيز والتقارير المحرفة؟ قد يسارع البعض ويقفز الى تحيز بجانب إسرائيل وضد الفلسطينيين من جانب منابر الميديا الأميركية؛ قد يكون ذلك، لكنه جواب تبسيطي". انه نهج يتبع السياسة والاقتصاد، ينفذه مع صناعي اعلامي.
ومثال آخر قرار القاضي الفيدرالي ، جيفري وايت، جرى بتره. فقد نظر في شكوى ضد الرئيس بايدن ووزيري الخارجية والدفاع، رُفِعت باسم أفراد فلسطينيين أقاربهم لاقوا حتفهم او لحقت بهم الأضرار من ضربات جيش الاحتلال بتسليح أميركي. رد القاضي القضية نظرا لأنها خارج الإطار القضائي لمحكمته ؛ وهذا ما ركزت عليه ميديا الولايات المتحدة؛ اما ما صرح به القاضي بالمناسبة، فلم يلق اهتمام الميديا. وصف ب "المقْنِع والمنطقي" قرار محكمة العدل الدولية باستنتاجها ان قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جموب إفريقيا ضد إسرائيل؛ كتب في رده على القضية المرفوعة لمحكمته: ان "البيانات الصادرة عن ضباط عسكريين إسرائيليين تشير الى ان الحصار العسكري الحالي المفروض على غزة يرمي الى اجتثاث شعب باكمله، وبذا فإنه من المعقول ان يدرج ضمن المنع الدولي للإبادة الجماعية. بات من واجب كل فرد مواجهة الحصار الحالي في غزة ، لكن من واجب هذه المحكمة ان تظل في دائرتها القضائية". أوجب على "حكومة الولايات المتحدة ان تعيد النظر في دعمها للهجوم على غزة". ختم بيانه بالتوجه ب" رجاء هذه المحكمة من المدعى عليهم النظر في نتائج دعمهم غير المحدود للحصار العسكري للشعب الفلسطيني في غزة". جميع هذه الإشارات تم تجاهلها!
“ديمقراطية الشمال العالمي ترفض الحوار لإظهار الحقيقة، وتقصر عن ردع التوجهات العدوانية للدول الامبريالية. تمارس منابر الشمال العالمي سلطتها على النظام العالمي، كما يؤكد فيجاي براشاد، من خلال عدد من الوسائط (عسكر، مالية، إقتصادية، اجتماعية وثقافية) ومن خلال سلسلة ادوات ( الناتو ، صندوق النقد الدولي ونظام الأعلام)؛ يقول براشاد:" مع التدهور التدرجي لسيطرة الشمال العالمي على النظام الاقتصادي العالمي والمواد الخام والتقاني والعلوم ، تمارس هذه الكتلة سيطرتها من خلال القوة الحربية ومن خلال إدارة المعلومات(التلاعب في عرضها). في هذه السياقات نحن لا نتخطى مسألة الإعلام".
تآكل القدرات لاقتصادية.
تظهر الحقائق –يقول براشاد- ان الشمال العالمي بذل الجهود المحمومة من أجل إحكام قبضته من بداية الكساد العظيم الثالث على الاقتصاد العالمي؛ وقد تآكلت بصورة جذرية ادواته- الاحتكارات والتقاني والمواد الخام ، الى جانب الاستثمار الأجنبي المباشر- حين تفوقت الصين على الولايات المتحدة عام 2004 في الإنتاج الصناعي فقدت الولايات المتحدة هيمنتها في الإنتاج. (بحلول 2022 تاتج الصين 25.7 بالمائة من الإنتاج الصناعي العالمي بينما تنتج الولايات المتحدة 9.7 بالمائة).
الائتلاف السياسي القديم المتجذر في نظام الحزبين بالولايات المتحدة هو في حالة تغير مستمر دون ان يترك حيزا بنظام الولايات المتحدة السياسي لتطوير مشروع سياسي يمارس الهيمنة على الاقتصاد العالمي من خلال الشرعية والقبول؛ تتضاءل بالتدريج سيطرة الشمال على النظام المالي العالمي والمواد الخام والتقاني والعلوم. لهذا السبب يلجأ الشمال العالمي بقيادة الولايات المتحدة الى القوة والترويع، يبني جهازه العسكري الضخم عن طريق زيادة الدين العام.
في الولايات المتحدة يستخدم المفكرون الاستراتيجيون الاسم المختزل بالأحرف الاستهلالية (دي، آي، إم، إي- ديبلوماسي ، إنفورميشينال[ إعلام]، ميليتاري وإيكونوميك)
فالإعلام ياتي ضمن أدوات الهيمنة الامبريالية، يتبادل قوة التاثير في خدمة المغامرات الحربية. إن الإفراط في الإنفاق العسكري ليس بريئا؛ ليس فقط انه يتم على حساب الخدمات الاجتماعية، فالقوة العسكرية لدول الشمال تستخدم لتهديد البلدان وترويعها –إن خرجت على الطاعة- لمعاقبتها بالنيران الجهنمية وبالعقوبات. على ان لا نتجاهل مصلحة التجمع الصناعي العسكري في جني الأرباح الاحتكارية.
عام 2022 أقدمت دول الامبريالية على التدخل العسكري 317 مرة في دول الجنوب. هذا الانفاق العسكري الضخم من قبل دول الشمال بقيادة الولايات المتحدة يعكس عسكرة سياساتها الخارجية.
لكي نمزق الأقنعة عن المدافعين عن إسرائيل وأساليبهم ، يجدر إيراد ما كشف عنه تقرير استقصائي مُرفق ببيانات تُنشر للمرة الأولى، نشره مركز الزيتونة للدراسات والأبحاث؟ يبين التقرير كيف تعمل مجموعة أطلق عليها مجموعة "واتسأب"، تضم أكثر من 300 شخصية رأسمالية ذات نفوذ مؤيدة للصهيونية، بالتنسيق فيما بينها لتوجيه الرأي العام لصالح رواية دولة الاحتلال الإسرائيلي. يوضح التقرير ان الصهاينة ، شان ممثلي الاحتكارات( والطرفان كيان عضوي واحد) يزدرون الديمقراطية ويحملون بقسوة على كل رأي مخالف ؛ لا يكتفون باحتكار المنابر الرئيسة للميديا ينشرون عليها وجهات نظرهم وما يوافقهم، بل انهم يتمادون في قمع ما لا يتفق مع وجهة نظرهم.
ويعكس محتوى مجموعة «واتسآب» هذه مدى التنسيق المتزايد بين القوى الداعمة لإسرائيل في وادي السيليكون[ يقصد المنابر الإليكترونية بالولايات المتحدة] وقطاع التكنولوجيا العالمي، وكيفية استغلال دولة الاحتلال وحلفائها الأمريكيين لقطاع التكنولوجيا المؤثِّر لحشد الدعم العالمي لها، في حربها على قطاع غزة، ولتتبّع أي نشاط عالمي داعم للفلسطينيين والضغط لإيقافه أو إفشاله، وللتغطية على جرائمها في القطاع.
غالباً ما تكون الأساليب المتبعة من العيار الثقيل ومثيرة للجدل؛ مثل مضايقة منتقدي إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، وفصل موظفين وأكاديميين في أبرز الجامعات والمؤسسات الأمريكية، حيث هناك فرق عمل محددة مهمتها «إقالة الأساتذة الذين يعلمون الأكاذيب لطلابهم". وقبل أكثر من عقد نصب الأكاديمي دانييل بايبس نفسه مدعيا يتعقب، بواسطة شبكة مخبرين في الجامعات، الأكاديميين ممن ينشرون الأكاذيب "كان يقولوا ان إسرائيل تضطهد الشعب الفلسطيني".
الأكاديمي هنري غيروكس متمرس في الكتابة النقدية ومختص أكاديميا في التعليم النقدي لتربية التفكير النقدي. وله في هذه المضمار كتابات نشرت مترجمة على موقع الحوار المتمدن. اكثر من مرة تعرض للكارثة التي انزلها الاحتلال بأطفال غزة . في كتابات عديدة اعتبر غيروكس إشاعة ثقافة الظلامية المغذية للقسوة والحروب العدوانية والانحلال الخلقي تمهيدا للفاشية داخل الولايات المتحدة والعالم أجمع. "يتم قصف عائلات بأكملها وأطفال ومدارس ومستشفيات وأماكن عبادة ، وتُقتل النساء والأطفال بينما يتبجح برابرة الفاشية وصناعات الأسلحة بأرباحهم المتزايدة الناجمة عن إراقة الدماء والمعاناة المستعصية على التصور". انتقد بشدة "سياسات التعادل الزائف" ، أي إقامة تعادل ميزان بين طرفي التسبب في الحرب؛ "فما فعلته حماس يوم 7 اكتوبر ، مهما كانت بشاعته،لا يعادل المكابدة والرعب اللذين انهمرا من دولة إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، سواء من الناحية تاريخية أو في ضوء التصعيد الراهن لنطاق ما يبلغ العنف الهائل بلا ضمير و لا يقبله تفكير سليم. ان قتل الأطفال بلا توقف بقنابل ومتفجرات جيش الاحتلال واستئصال أكثر المرافق ضرورة للشعب الفلسطين في غزة ينأى عن تجريد او عضة سليمة يمكن دفنها بلغة التعادل". نقل عن صحفي التقصي كريس هيدجز، "إن الرأسمالية القرصنية بلغت نهايتها المنطقية والسامة، تخصبها حالات اليأس الشائعة ومشاعر الإقصاء وعدم الجدارة والعجز، والحرمان الاقتصادي". وحصيلة ذلك كله الانزلاق في منحدر السياسات الفاشية نذير بموت فكرة الديمقراطية في الولايات المتحدة.
.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |