قصة للأطفال الغرير الصغير طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن
2024 / 1 / 31

قصة للأطفال






الغرير الصغير






طلال حسن




" 1 "


أفاق الغرير الصغير ، وتلفت متشمماً ما حوله ، ثم صاح بنبرة شاكية : ماما .
لم يجبه أحد ، لكنه أحس بأنفاس دافئة ، تتردد على مقربة منه ، وخمن أنها ليست أنفاس أمه ، وإنما أنفاس أخته الصغيرة " غرورة " ، فصاح ثانية : ماما .
واعتدلت أخته " غرورة " ، وردت قائلة : ارقد الآن ، ماما لم تعد بعد .
وبدل أن يرقد الغرير الصغير ، وينتظر أمه ، نهض من مكانه ، ومضى يتلمس طريقه في الظلام ، نحو أحد مداخل الوكر ، وهو يقول : لا أستطيع الانتظار ، إنني جائع .
ونهضت أخته " غرورة " وحاولت اعتراضه قائلة : انتظر يا غرور ، ستأتي ماما بعد قليل ، وترضعنا .
ومد الغرير الصغير يده ، وأزاحها عن طريقه قائلاً : دعيني ، لن أنتظر ، أكاد أموت من الجوع .
ووقفت " غرورة " في مكانها ، وصاحت به محذرة : عد يا غرور ، عد ، ستتعرض للخطر إذا خرجت من الوكر .
وأنصتت ملياً ، منتظرة أخاها ، دون جدوى ، وحين تلاشى وقع أقدامه ، تمتمت قائلة : المجنون ، ستغضب ماما منه وتعاقبه ، هذا إذا لم يته في الغابة .



" 2 "

أوشك الفجر أن يتخلص من أسار الليل ، ويطل من الأفق على الغابة ، حين عادت الغريرة الأم من جولتها الليلية إلى الوكر . وما إن اجتازت المدخل ، المطل على الضفة العالية للنهر ، حتى نادت كما تنادي دائماً ، عند عودتها كل يوم : غرور .. غرورة .. عادت ماما .
وعلى غير العادة ، لم تسمع هذه المرة ، غير صغيرتها " غرورة ، ترد متمتمة : ماما .
وخفق قلب الغريرة الأم قلقاً، فأسرعت إلى صغيرتها "غرورة" ، وقالت : غرورة ، أين أخوك ؟ أين غرور؟
فردت " غرورة " قائلة : استيقظ جائعاً ، ورغم تحذيري، خرج من الوكر .
وشهقت الغريرة الأم ، وقالت ملتاعة : يا ويلي ، لم أره في المدخل المطل على ضفة النهر .
وقالت " غرورة " : لم يخرج من هناك وإنما من المدخل المؤدي إلى الغابة .
وانطلقت الغريرة الأم ، نحو المدخل المؤدي إلى الغابة ، وهي تقول لصغيرتها " غرورة " : ابقي هنا ريثما أعود.
وأسرعت عبر النفق الضيق الطويل ، حتى تلاشى وقع أقدامها. وعادت " غرورة " إلى مكانها ، وانزوت في الظلام حزينة خائفة ، وهي تتمتم :هذا المجنون ، أين مضى ؟



" 3 "

بحثت الغريرة الأم ، عن صغيرها " غرور " ، في الجوار، ثم توغلت في أعماق الغابة ، وهي تصيح بصوت تخنقه الدموع : غرور .. غرور .. غرور .
وبدأ القلق يتسلل إلى أعماقها ، عندما لم يجبها غير الصدى ، وتوقفت حائرة ، لا تدري ماذا تفعل . وتراءى لها زوجها ، يخرج من الوكر ليلاً ، ليبحث لها عن طعام، وهي توشك على الولادة .
ورجته أن لا يتأخر ، مهما كان السبب ، فوعدها أن يعود إلى الوكر ، قبل مجيء الفجر ، لعله يرى صغاره ، الذين انتظرهم طويلاً ، وقد جاءوا إلى الدنيا .
وجاء الفجر ، وقبله جاء الصغيران ، أما هو فلم يجيء . وبحثت عنه ، طوال الأيام التالية ، في طول الغابة وعرضها ، لكنها لم تقع له على أثر .
وأطل الفجر من وراء الأفق ، وبدأ الليل يتقهقر شيئاً فشيئاً أمام طلائع النهار ، فقفلت الغريرة الأم عائدة إلى الوكر . وطوال الطريق ، كانت تتساءل ، والدموع تغرق عينيها : ترى أين غرور ؟ أين هو الآن ؟ وهل سيعود إليها في يوم من الأيام ؟ أم سيختفي إلى الأبد ، كما اختفى أبوه ؟



" 4 "

رأته أمه من نافذة المطبخ ، المطلة على حديقة المنزل ، فتوقفت عن غسل الطبق الذي في يدها ، وتأوهت قائلة : آوه يا إلهي .
ورفع الجد رأسه عن جريدته ، وتساءل مبتسماً : من ؟ حمودي؟
فهزت الأم رأسها ، وردت : ومن غيره يا بابا ؟ تعال انظر بماذا أتاني .
ونهض الجد مسرعاً ، وأطل من النافذة ، وقال وعيناه تلمعان : غرير ، غرير صغير .
ووضعت الأم الطبق جانباً ، وقالت : سيقول أنه وجده في الطريق ، يوشك أن يموت .
ورمقها الجد بنظرة خاطفة ، وقال : فتوسل إليه أن ينقذه، فأنقذه.
واحتجت الأم قائلة : بابا .
وعاد الجد إلى مكانه ، وتناول جريدته ، وهو يقول : هذه وراثة.
ودخل حمودي المطبخ ، بأعوامه الخمسة ، يحتضن الغرير الصغير إلى صدره ، وقبل أن تنطق أمه بكلمة قال : وجدته باكياً في الطريق ، وجئت به إلى البيت ، خشية أن يموت من الجوع .
وهمت الأم أن ترد عليه ، فأسرع بالوقوف إلى جانب جده ، وقال : أنت ِ أيضاً كان عندك غرير ، هذا ما أخبرني به جدي .
وردت الأم بصبر نافد : عندما كنت صغيرة .



فتطلع حمودي إليها ، وقال : وأنا الآن صغير .
والتفتت الأم إلى الجد ، وقالت : أجبه يا بابا .
فقال الجد : أنت أجبته .
ولوحت الأم بإصبعها في وجه حمودي ، وقالت مهددة : سأرميه في الخارج ، وسأرميك أنت معه ، إذا عبث بأغراضي.
وانقض حمودي على أمه فرحاً ، وراح يقبلها ، وهو يقول : أشكرك ، أشكرك يا ماما .



" 5 "

لم ينم حمودي ، رغم أن أمه أغفت ، منذ فترة طويلة ، فالغرير الصغير ، كان يئن ويتلوى ، بين ذراعيه دون أن يغمض له جفن ، ولو لحظة واحدة .
ونهض من الفراش ، وتسلل على أطراف قدميه ، إلى غرفة الجد ، وتمدد إلى جانب جده ، والغرير الصغير يتلوى ويئن . وأطل القمر من النافذة ، فنظر حمودي إلى الغرير الصغير ، وقال : انظر يا جدي ، إنه يتطلع إلى القمر .
ونظر الجد إلى الغرير الصغير ، ثم تطلع إلى القمر ، وقال : لابد أن أمه تتطلع الآن إلى هذا القمر أيضاً .
وتغافل حمودي عما قاله جده ، وتشاغل بتمسيد شعر الغرير الصغير الخشن ، وقال : إنه جائع ، لم يرضع مما في الزجاجة من حليب إلا قليلاً .
ورمقه الجد بنظرة خاطفة ، ثم قال : يبدو أنه يفضل حليب أمه ، مثلك عندما كنت صغيراً .
وضم حمودي الغرير إلى صدره بقوة، وكأنه يخشى أن يأخذه أحد منه ، فتابع الجد قائلاً : قد تقول، حليب الزجاجة حليب ، وحليب أمه حليب أيضاً ، لا ، هذا خطأ، فأمه تحبه ، وتعطيه مع حليبها حبها .
ورد حمودي محتجاً : أنا أيضاً أحبه .
ونظر الجد إليه ، وقال : مهما يكن يا حمودي ، فلن تحبه مثلما تحبه أمه .
وهنا نهض حمودي ، محتضناً الغرير الصغير ، ومضى إلى الخارج ، وهو يدمدم : سأنام اليوم في سريري .
ورفت ابتسامة حنون ، فوق شفتي الجد ، لقد وعد ابنته ، أم حمودي ، أن يعالج الأمر بنفسه ، وها هو يبدأ المعالجة ، لعله يحقق هذه المرة ، ما لم يحققه مع ابنته ، عندما كانت في عمر حمودي .


" 6 "

كاد حمودي أن يصرخ ، حين رأى الغرير الصغير يفلت من بين يديه ، ويحلق عالياً ، متجهاً نحو وكره في الغابة ، وهو يصيح : ماما .. ماما .
وانتفض من مكانه ، محاولاً أن يحلق هو الآخر ، ويلحق بالغرير الصغير ، ويمسك به ، لكنه بدل أن يحلق ، سقط عن السرير ، وارتطم بالأرض متوجعاً ، آه يا له من حلم.
وهب في الحال ، باحثاً عن الغرير الصغير ، دون جدوى . يبدو أن الأمر لم يكن مجرد حلم ، وانطلق إلى المطبخ صائحاً : ماما .. ماما .
ولأن أمه تعرف سبب صيحته ، التفتت إليه بهدوء ، وقالت : كفى ، لا تصح هكذا ، جدك نائم .
وخفض حمودي صوته ، وقال بصوت تخنقه الدموع : الغرير .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : ليس مكان الغرير ليلاً إلى جانبك في السرير .
ورد حمودي متردداً : إنه .. إنه يخاف النوم وحده .
ووضعت أمه إناء الحليب على النار ، وقالت : كلا ، الغرير لا يخاف ، إنه ليس مثلك .
واحتج حمودي قائلاً : أنا أيضاً لا أخاف ، وإنما احبك ، وأحب النوم إلى جانبك .
والتفتت أمه إليه ، وقالت : هو أيضاً يحب أمه ، ويحب النوم إلى جانبها .
ولاذ حمودي بالصمت ، مطرقاً رأسه ، فتابعت أمه قائلة : اذهب إليه ، إنه داخل القفص ، في الحديقة .



" 7 "

أسرع حمودي إلى الحديقة ، ووجد الغرير الصغير يئن متوجعاً في القفص ، يا لجده الطيب ، لقد صنع له هذا القفص ، قبل فترة ليضع فيه فرخ الدجاجة ، الذي اشتراه له من السوق ، لكن الفرخ لم يبق عنده طويلاً ، وكيف يبقى ، والقط الأسود اللعين ، كان له بالمرصاد ؟ فاختطفه وفرّ به بعيداً .
ومد حمودي يديه داخل القفص ، وأخذ الغرير الصغير برفق ، وضمه إلى صدره ، وقال محاكياً أمه ، عندما كانت تهدهده : لا يا حبيبي .. لا .. لا .. إنني أحبك .. وسأحبك دوماً .. أكثر من .. أكثر من الجميع .
لكن الغرير الصغير ظل يئن متوجعاً ، فقبله حمودي على وجهه، وقال : أنت جائع ، انتظر سآتيك بالحليب .
وأعاد حمودي الغرير الصغير إلى مكانه ، وأغلق باب القفص ، ثم انطلق مسرعاً إلى المطبخ . وراقبته أمه بطرف عينيها ، وهو يعد زجاجة الحليب ، ثم ينطلق بها نحو الحديقة ، فهزت رأسها دون أن تتفوه بكلمة .
وفتح حمودي باب القفص ، وأخذ الغرير الصغير إلى صدره ، وهو يقول : تعال حبيبي ، جئتك بحليب طازج ودافئ ولذيذ .. خذ .
ودس حلمة الزجاجة في فمه ، لكن الغرير الصغير هزّ رأسه ، مبعداً الحلمة عن فمه ، فقال حمودي : أنت جائع، وقد تمرض إذا لم تشرب الحليب .
وحاول حمودي أن يدس الحلمة ثانية في فم الغرير الصغير ، دون جدوى ، فرفع الزجاجة ، ودسها في فمه، وامتص منها قليلاً من الحليب ، ورغم أن الحليب لم يعجبه ، إلا أنه قال : انظر ، إنه لذيذ ، لذيذ جداً .
وحاول مرة أخرى ، أن يدس الحلمة في فم الغرير الصغير ، وهو يقول : جرب يا عزيزي ، جرب مرة ، وسترى .
وهزّ الغرير الصغير رأسه ، مبعداً الحلمة عن فمه ، وهو ما زال يئن متوجعاً . ووقف حمودي حزيناً حائراً ، ثم تمتم بصوت تخنقه الدموع : ما العمل ؟

" 8 "

دخل حمودي المطبخ , مقبلاً من الحديقة , وزجاجة الحليب في يده , لم ينقص مما فيها شيء . كان الجد جالساً إلى المائدة , يتناول طعام الفطور , فرفع رأسه إليه , ثم رمق الأم بنظرة سريعة , وقال : إنني لا ألوم الغرير على عدم شربه لهذا الحليب .
وجلس حمودي الى المائدة , ووضع زجاجة الحليب جانباً , وقال : لكنك تشرب من هذا الحليب الآن .
وسارعت الأم بوضع يدها فوق فمها كاتمة ضحكتها . ونهض الجد , دون أن يبتسم , واتجه إلى الداخل , وهو يقول : الأمر طبيعي , فانا لست غريراً .
وأطرق حمودي رأسه , وقد لاذ بالصمت , وتململ أخيراً في مكانه , وقال متردداً: ماما .
لم تلتفت أمه إليه , وتشاغلت بغسل المواعين , وقالت : فطورك على المائدة , بيض وحليب وجبن , تناوله .
ونهض حمودي عن المائدة دون أن يلتفت إلى الفطور , وقال بصوت تبلله الدموع : الغرير ..
وتوقفت الأم عن غسل المواعين , وقالت : إنه صغير .
واستطرد حمودي بنفس الصوت : الغرير الذي كان عندك .
والتفتت الأم إليه , وقالت بنبرة حزينة : كنت أحبه , مثلما تحب أنت هذا الغرير الصغير , ورغم أنه لم يكن يشرب الحليب , الذي أقدمه له , إلا أني لم أطلق سراحه حتى ..
وشهق حمودي :ماما .
وهربت أمه بعينيها الدامعتين من عينيه , وقالت : لم يحتمل الجوع , المسكين ,لقد جنيت عليه .




" 9 "

أقبل الجد من غرفته , ووقف عند باب المطبخ , وقال : بنيتي .
ورفعت الأم ثوباً جديداً كانت تخيطه , وأرته فرحة للجد، وقالت:أنظر .
ونظر الجد إلى الثوب , وقال مبتسماً : هذا ثوب بنت .
وضحكت الأم , فتساءل الجد : أين البنت ؟
وارتفعت ضحكة الأم , وقالت : لعله في الحديقة واتجه الجد نحو الباب المؤدي إلى الحديقة , وتوقف , ثم التفت إلى الأم , وقال: سمعت الباب الخارجي يطرق قبل قليل، وأشارت الأم إلى رسالة فوق المنضدة , وقالت : ساعي البريد .
وابتسم الجد قائلاً : خيراً .
والتمعت الفرحة في عيني الأم قائلة :سيأتي أبو حمودي بعد أيام .
وبدا الجد فرحاً , وأسرع نحو الحديقة , وهو يقول :هذا خبر سيفرح له حمودي .
وانحنت الأم , تكمل الثوب , وقالت : سيفرح جداً جداً, وهناك ما يبرر هذا الفرح .
وسرعان ما عاد الجد , ووقف عند الباب , وقال : لم أجد حمودي في الحديقة .
ورفعت الأم رأسها عن الثوب ,فتابع الجد قائلاً : وكذلك الغرير الصغير .
وبدا القلق على الأم , فتقدم الجد إلى المائدة , وقال : لا عليك , لابد أنه يلهو مع غريره في الجوار .
ومد يده , وتناول الرسالة , وقال :سأقرؤها في غرفتي .
ومضى نحو الداخل , وهو يقول :إذا عاد حمودي , في أي وقت ,أخبريني .


"10 "

سمعت الأم الباب الخارجي يفتح ,فألقت الثوب جانباً, وهبت من مكانها , تنظر عبر النافذة ، ورأته يصفق الباب , ويسير في الممر حزيناً تائهاً . ولأول مرة، منذ يومين ,لم يكن الغرير الصغير معه .
وأسرعت الأم عائدة إلى مكانها , وتناولت الثوب , وتشاغلت بالخياطة . ودفع الباب , ودخل حمودي , وجلس قبالة أمه ،وخاطبته أمه قائلة , دون أن ترفع رأسها إليه: جدك يبحث عنك.
وتجاهل حمودي ما قالته له أمه , وقال : لم تسأليني عن الغرير الصغير .
ورفعت أمه رأسها , ونظرت إليه صامتة, فتابع قائلاً :لست أريد أن يصيبه ما أصاب غريرك , فأخذته إلى أمه .
وهبت الأم , تريد أن تأخذه بين أحضانها , وتقبله , حين أقبل الجد ملوحاً بالرسالة وهو يقول : حمودي , رسالة من بابا .
ونظر حمودي إلى أمه متلهفاً , فابتسمت الأم , وقالت : نعم , جاءت قبل قليل , وفيها بشرى لك .
وتواثب حمودي يصيح فرحاً : الدراجة !
وهزت الأم رأسها , وقالت : بالضبط , الدراجة .
وصاح الجد : بثلاث عجلات .
ثم راح يدور حول المنضدة , وكأنه طفل يركب دراجة , ويصيح : وفيها جرس يرن .. رن .. رن .. رن .
وجلس حمودي إلى المائدة ثانية , متطلعاً إلى أمه . ورغم فرحه بالدراجة , تراءى له الغرير الصغير , فتساءل في نفسه : ترى ماذا يفعل الآن ؟



" 11 "

في تلك اللحظة , كان الغرير الصغير , في حضن أمه يرضع , وهو يتململ ويهمهم , وأمه تضحك فرحاً , وتمسد بيدها على شعره .
وحاولت أخته "غرورة " انتزاعه عن ثدي الأم , وهي تصيح مغالبة ضحكها : كفى يا غرور , أترك لي شيئاُ من الحليب , إنني جائعة .
لكن الغرير الصغير ازداد التصاقاً بثدي أمه , وراح يدمدم , دون أن يتوقف لحظة عن عبّ الحليب : دعيني أشبع أولا .
وحضنته أمه مقهقهةً , وقالت : ارضع .. ارضع .. ارضع .
وقالت أخته " غرورة " متظاهرة بالزعل : لن أرضع والحالة هذه إلا بعد أكثر من أسبوع .
وأبعد الغرير الصغير فمه قليلا عن ثدي أمه , وقال , وهو يحاول التقاط أنفاسه : لا .. سترضعين .. إن شاء الله .. غداً .. أو بعد غد .
وانقض بفمه ثانية على ثدي أمه , فاحتضنته ممسدة بيدها على رأسه , وقالت : ذلك الطفل ..
وهمهم الغرير الصغير : حمودي ؟
وفغرت أخته " غرورة " فاها متمتمة : حمودي !
فهز الغرير الصغير رأسه , وقال : نعم , حمودي .
وتابعت الأم قائلة : كانت عيناه , وهو يدفعك برفق نحوي , غارقتين بالدموع .
ورفع الغرير الصغير عينيه إلى أمه , وقال : آه لو تعلمين يا ماما كم يحبني .
وعلقت أخته " غرورة " قائلة : نعم , يحبك لدرجة أنه سجنك في قفص .
لم يرد الغرير الصغير عليها , وراح يرضع مهمهماً : لن أنسى حمودي , لن أنساه , وسأزوره في بيته عندما أكبر , وألهو معه طول اليوم .
ومد يديه , واحتضن أثداء أمه , وهو يهمهم : آه .. كم أنا جائع ..أتركاني أرضع .. أرضع .. أرضع .
23 /10/2004

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي