حق تقرير المصير لأكراد العراق .... بين الحقيقة و الوهم (1)

آدم الحسن
2024 / 1 / 26

شاع استخدام مصطلح " حق الشعوب في تقرير مصيرها " بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و انبثاق هيئة الامم المتحدة , لقد ارتبط موضوع حق الشعوب في تحديد هويتها بحركات سياسية تشكلت في مرحلة نهاية الاستعمار بشكله القديم .
المشكلة الأساسية التي تواجه الشعوب في تقرير مصيرها و تشكيل دول مستقلة على اسس قومية أو عرقية هي عدم وجود جغرافية سياسية لهذه الدول لها حدود مرسومة على اسس قومية أو عرقية , ففي معظم الحالات تنعدم المرجعية التاريخية التي تحدد هوية الارض القومية أو العرقية , و إن وجدت بعض من هذه الحدود فهي لا تمتلك دلائل كافية يمكن الاعتماد عليها إذ إن الدول الاستعمارية هي من رسمت الحدود للكثير من الدول وفق مبدأ تقاسم الغنائم بينهم , بالإضافة الى أن تاريخ البشرية كله عبارة عن هجرة و هجرة معاكسة للعديد من الأقوام فاختلطت هذه الأقوام مع بعض في رقع جغرافية مشتركة يصعب تقسيمها على اسس قومية أو عرقية .
في الغالب , تعمل الاحزاب القومية على توسيع الرقعة الجغرافية لوطنها القومي الافتراضي , فتقوم هذه الاحزاب برسم خارطة لهذا الوطن القومي تتضمن ما تشتهي من اجزاء قد يكون سكانها من قوميات اخرى أو خليط من عدة قوميات , ثم تضع هذه الاحزاب توحيد هذه الاجزاء في وطن قومي موحد هدفا مركزيا لنشاطها و كفاحها القومي ..!
لقد تحول مفهوم التحرر الوطني في الكثير من البلدان الى مفهوم آخر هو التحرر القومي لذا نمت الأحزاب القومية على حساب الأحزاب الوطنية , على سبيل المثال , ظهرت حركات قومية عربية منها الحركة الناصرية في مصر و حزب البعث في سوريا و العراق و حركات قومية كوردية في العراق و ايران و تركيا و سوريا , و كذلك الحال في بلدان عديدة اخرى فقد تشكلت فيها حركات قومية مختلفة كانت سببا لنشوب صراع داخلي و حروب اهلية , و ما زاد الطين ظهور حركات دينية تعمل على الاستقلال وفق اسس دينية كما حصل في الهند و ظهور دولة باكستان .
عملت الأحزاب القومية العربية على رسم خارطة لوطن عربي افتراضي شمل مناطق و دول تبين لاحقا أن شعوب هذه المناطق و الدول ترفض انتمائها للعروبة , على سبيل المثال دولة ارتيريا التي كانت جزء من تلك الخارطة , لكن حين استقلت ارتيريا عن اثيوبيا رفضت ان تكون دولة عضوة في الجامعة العربية و قد كان السبب بسيط و هو رفض الشعب الإرتيري استبدال تكوينه القومي بالعروبة .
أن جميع الاحزاب القومية تعمل على توسيع جغرافية وطنها القومي الافتراضي ليشمل بشكل خاص المناطق التي تحتوي على ثروات طبيعية أو اذا كان لهذه المناطق اهمية استراتيجية , من ابرز هذه الأمثلة هو اعتبار كركوك العراقية جزء هاما من مشروع الاحزاب القومية الكوردية في انشاء الدولة القومية الكوردية لاحتوائها على مخزون كبير من الثروة النفطية و كأن بدون كركوك لا وجود لمثل هذه الدولة الكوردية فهي كما قال عنها بعض السياسيين الكورد أنها " قدس الأكراد " لتشبيه اهميتها بأهمية القدس عند العرب المسلمين , فكركوك بالنسبة للأحزاب القومية الكوردية هي ارض مقدسة لكن برائحة ثروتها النفطية .
إن اهم أركان الخلل في المشروع القومي الكوردي في العراق الذي اسسه الزعيم الكوردي الراحل الملا مصطفى البرزاني و الذي يقوده في المرحلة الحالية نجله السيد مسعود البرزاني :
اولا : مشكلة كركوك .
أن تركمان كركوك و عربها و هم بالرغم من عملية التكريد التي جرت منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 لازالوا يشكلون نسبة بحدود نصف عدد سكان كركوك الأصليين و هؤلاء من المستحيل قبولهم التخلي عن هويتهم العراقية و حمل هوية جديدة غريبة عنهم اسمها الكوردستانية .
ثانيا : شملت خارطة الدولة الكوردية الافتراضية التي رسمتها الاحزاب القومية الكوردية سهل نينوى , هذا خلل كبير ايضا إذ نسبة الأكراد في هذه السهل ضئيلة بالإضافة الى أن عمر وجودهم فيه قصير .
ثالثا : هوية الأيزيدين القومية و الأثنية في سنجار و مدن و مناطق عراقية اخرى , فهذه الهوية مختلف عليها حتى بين الأيزيديون انفسهم .
رابعا : امتدت شهية الاحزاب القومية الكوردية لجعل مدن تاريخها و حاضرها عربي حيث تسكنها عشائر عربية قبل أن يكون هنالك أي وجود كوردي في العراق , و من هذه المدن مدينة ربيعة التابعة لمحافظة نينوى العراقية .
لقد صدعت الأحزاب القومية الكوردية في العراق رأس العراقيين بموضوعة الاستقلال و حق تقرير المصير و كأنهم يهددون باقي العراقيين بالانفصال عن العراق ...!
السؤال الهام حول انفصال اقليم كوردستان :
ما الذي يمنع الأحزاب القومية الكوردية من إعلان انفصال إقليم كوردستان عن العراق خصوصا و إن البيشمركة تسيطر حاليا بشكل كامل على هذا الإقليم ...؟
الجواب بسيط , هو ان قيادات هذه الأحزاب الكوردية لا تطرح الحقائق على العراقيين بشكل عام و على اكراد العراق بشكل خاص كما هي دون تزييف , لكنها تطرح موضوع استقلال الإقليم بطريقة تخدم نهجها الشعبوي .
إن قيادات الأحزاب القومية الكوردية تعلم جيدا ان إعلان انفصال اقليم كوردستان عن العراق سوف لا يؤدي الى تشكيل دولة كوردية و انما سيتحول الإقليم الذي يعيش الآن على خيرات باقي مناطق العراق الى كيان يعزل نفسه بنفسه اقتصاديا و سياسيا بعد ان يخسر كل الامتيازات و المكاسب التي يحصل عليها من كونه جزء من العراق و اهم هذه الامتيازات و المكاسب التي سيخسرها هي حصته من ايرادات العراق البالغة حاليا حوالي 13% بعد أن كانت هذه النسبة في سنين سابقة 17% و سيخسر التجارة الحرة مع باقي محافظات العراق بالإضافة الى خسارتهم لإيرادات السياحة بعد أن يتشكل حاجز امني و عسكري يفصل الاقليم عن العراق .
لا شك أن حدود الكيان الكوردي الذي سيتشكل بعد اعلان الانفصال سيشمل المدن و المناطق داخل الخط الازرق دون اي جزء من المدن و المناطق التي تسميها الأحزاب القومية الكوردية مناطق متنازع عليها و بالأخص كركوك الغنية بالنفط , إذ إن أي محاولة لهذا الكيان من التقرب من المناطق خارج الخط الأزرق ستتسبب باندلاع معارك بين القوات المسلحة العراقية المدعومة بالحشد الشعبي و ميليشيا البيشمركة الكوردية التي سوف لن تجد لها نصير .
تدرك القيادات الكوردية جيدا ان تركيا و ايران سترفض بقوة ظهور كيان كوردي في المنطقة لأنه سينعكس بشكل سلبي و خطير على وحدة و استقرار هذين البلدين , و بدون موافقة هاتين الدولتين يبقى اعلان انفصال إقليم كوردستان العراقي عن العراق غير مفيد و لا معنى له اطلاقا لأن حصول هذه الموافقة هو أمر مستحيل , لذا فأن نشوء الدولة القومية الكوردية هو أمر مستحيل ايضا و جزء من الوهم الذي صنعته الأحزاب القومية الكوردية .

(( يتبع ))

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي