محطاتي على طريق أدب الأطفال طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن
2024 / 1 / 12

محطاتي على طريق







أدب الأطفال







طلال حسن


طلال حسن
في سطور
ـــــــــــــــــــــــ
1 ـ ولد في الموصل في 24/ 2 / .1939
2 ـ دخل مدرسة الأحداث الابتدائية في سن السابعة .
3 ـ انتقل إلى دهوك ، وهو في الصف الثالث ، وبقي فيها سنتين .
4 ـ عاد إلى الموصل ، وهو في الصف الرابع ، وتنقل في عدة مدارس ، حتى استقر في مدرسة النظامية ، وأنهى فيها المرحلة الابتدائية .
5 ـ أنهى الدراسة المتوسطة في مدرسة الغربية .
6 ـ أنهى الدراسة الثانوية في مدرسة الاعدادية الغربية
7 ـ تخرج عام " 1958 " ، في العام الذي قامت فيه ثورة " 14 " تموز .
8 ـ عين في نفس العام معلماً مستخدماً في مدرسة " القيارة " جنوب الموصل .
9 ـ دخل الدورة الصيفية عام " 1959 " لمدة ثلاثة أشهر، ثم عين مديراً لمدرسة " المنكوبة " قرب القيارة.
10 ـ نقل بأمر إداري في عام " 1960 " إلى مدرسة " باقوفة " التابعة لناحية تلكيف .
11ـ نقل إلى مدرسة " باطناية " في عام " 1965 " التابعة لناحية تلكيف .
12ـ نقل إلى مدرسة " ميسلون " في مدينة المنصور العمالية في الموصل ، وهي أبعد مدرسة عن بيته ، وبقي فيها حتى أحيل على التقاعد عام " 1986 " .
13ـ كتب مسرحيته الأولى للأطفال عام " 1971 " بعنوان " الأطفال يمثلون " ، ونشرت في مجلة النبراس عام " 1976" .
14ـ نشر أول قصة كتبها للأطفال في جريدة " المزمار " عام " 1975 " ، وعنوانها " العكاز " .
15ـ نشر أول قصة للأطفال في " طريق الشعب " عام " 1975 " بعنوان " حدث في صيف شديد الحرارة " .
16ـ صدر له أول كتاب للأطفال ، عام " 1976 " بعنوان " الحمامة " ، عن دار ثقافة الأطفال .
17ـ نشر أول قصة للأطفال في " مجلتي " بعنوان " الحطاب " عام " 1978 " .
18ـ نشر أول قصة في مجلة " تموز " بعنوان " الحصان العجوز " عام " 1978 " .
19ـ صدر كتابه الثاني ، بتعضيد من نقابة المعلمين ، بعنوان " البحر " عام " 1979 " .
20 ـ نشر ملفاً حول أدب الأطفال في العراق ، في مجلة الجامعة ، التي تصدر في الموصل ، عام " 1979 " .
21ـ نشر آخر قصة له في " طريق الشعب " بعنوان " الشمعة " بتاريخ 16 / 4 / 1979 " .
22ـ نشر أول قصة للأطفال في مجلة " أسامة " السورية بعنوان " الشمعة " ، عام " 1979 " .
23ـ صدر كتابه الثالث بعنوان " ليث وملك الريح " عن دار ثقافة الأطفال ، عام " 1980 " .
24ـ نشر أول سيناريو للأطفال في مجلة " تموز " بعنوان " الفيل والأرنب " ، عام " 1980 " .
25ـ نشر أول مسرحية من ثلاثة فصول ، في مجلة الطليعة ، بعنوان " غابة اليوتوبيا " ، عام " 1980" .
26 ـ نشر أول قصة للأطفال ، في ملحق جريدة الثورة " جيل الثورة " بعنوان " القرد الصغير " ، في عام " 1980 " .
27ـ نشر أول مسرحية للأطفال خارج العراق ، في مجلة " أفكار " الأردنية ، بعنوان " الذئب " ، عام " 1980 " .
28ـ صدر كتابه " حكايات قيس وزينب " عن مجلة " أسامة " السورية ، عام " 1983 " .
29ـ صدر كتابه " الفرّاء " عن دار ثقافة الأطفال عام " 1984" .
30ـ نشرت أول مسرحية له للأطفال في جريدة " الحدباء " في الموصل ، بعنوان " النملة والأسد " عام " 1985 " .
31 ـ صدر كتابه " نداء البراري " عن دار ثقافة الأطفال، عام " 1985 "
32ـ صدر أول كتاب له عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق ، بعنوان " عُش لاثنين " عام " 1988 " .
33 ـ نشرت أول قصة له للأطفال ، في مجلة " العربي الصغير " بعنان " العصفوران الصغيران " عام " 1988 " .
34 ـ نشرت له أول مسرحية للفتيان ، في مجلة " الأقلام " بعنوان " ريم " عام " 1989 " .
35 ـ نشرت له أول قصة في مجلة " الشبل " السعودية بعنوان " الأرنب العجوز والأيل " عام " 1998 " .
36 ـ نشرت له أول قصة مصورة في " مجلتي " بعنوان " من الأحمق ؟ " عام 1989 " .
37 ـ صدر كتابه " العش " عن دار ثقافة الأطفال " عام " 1989 " .
38 ـ نشرت له ثلاث مسرحيات قصيرة للأطفال في مجلة " البيان " الكويتية ، عام 1990 " .
39ـ نشرت مسرحيته " اشتار " في مجلة الأديب المعاصر في بغداد ، عام " 1992 " .
40 ـ صدر كتابه " من يوقظ الشمس ؟ " عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق ، عام " 1993 " .
41ـ صدر كتابه " مغامرات سنجوب " عن دار ثقافة الأطفال " ، عام " 1995 " .
42ـ أذيعت له أول قصة للأطفال من إذاعة بغداد ، بعنوان " ماذا تقول الريح ؟ " ، في " 21 / 10 / 1995 " .
43ـ صدر كتابه " دروس العمة دبة " عن دار ثقافة الأطفال ، عام 1997 "
44ـ صدر كتابه " حكايات ليث " عن دار كندة في عمان ـ الأردن ، عام " 1998 " .
45ـ صدرت مسرحيته " انكيدو " ، عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق ، عام " 1999 " .
46ـ أشرف على أول صفحة للأطفال في تاريخ الصحافة الموصلية ، بعنوان " براعم نينوى " في جريدة نينوى ، عام " 2000 " .
47ـ صدرت مسرحيته " داماكي والوحش " ، عن دار التوحيدي في حمص ـ سورية ، عام " 2001 " .
48ـ نشرت له أول قصة للأطفال في مجلة " ماجد " بعنوان " النظارة المفقودة " ، عام " 2001 " .
49ـ نشرت مسرحية " الضفدع الصغير والقمر " في أبو ظبي ، عام " 2001 " والتي فازت بالمرتبة الثانية في مسابقة " مسرح الطفل العربي " عام " 2000 " .
50ـ نشرت مسرحيته " اورنينا " في مجلة " الحياة المسرحية " السورية ، عام " 2002 " .
51 ـ صدر كتابه " زهرة بابنج للعصفورة " عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق ، عام " 2002 " .
52 ـ نشرت له أول قصة في " طريق الشعب " عام " 2003 " ، بعد أن عادت للصدور ثانية .
53ـ نشرت مسرحيته " عذراء اريدو " في مجلة " الحياة المسرحية " السورية ، عام " 2004 " .
54 ـ صدر كتابه " جلجامش " عن دار الشؤون الثقافية ، عام " 2004 " .
55ـ أصدر ملحق " براعم عراقيون " في جريدة عراقيون ، عام " 2004 " .
56ـ صدرت مسرحيته " الإعصار " ، عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق ، عام " 2005 " .
57 ـ نشرت مسرحيته " انليل وننليل " في مجلة " بيفين " ، عام " 2005 " .
58 ـ أشرف على ملحق " براعم المسار " للأطفال في جريدة المسار ، عام " 2006 " .
59 ـ صدرت مسرحيته " قمر نيبور " عن دار الشؤون الثقافية في بغداد ، عام " 2009 " .
60ـ نشرت له أربع مسرحيات للفتيان ضمن كتاب " مسرحيات بيفين " عام " 2009 " .
61ـ أعادت مجلة " بانيبال " التي تصدر في عنكاوة ، نشر مسرحيته " الإعصار " عام " 2010 " .
62ـ أصدر بالتعاون مع الكاتب المسرحي المعروف " ناهض الرمضاني العدد صفر من مجلة للأطفال بعنوان " بيبونة " ، عام " 2010 " .
63ـ أشرف على مجلة جديدة للأطفال بعنوان " ينابيع " تصدر عن دار عراقيون ، عام " 2010 " .













المحطة الأولى
ـــــــــــــــــــــــ

منذ وقت مبكر من طفولتي ، في بيتنا العتيق بمحلة الجولاق في الموصل ، الذي يضم خمسة أعمام ، أربعة منهم متزوجون ، والخامس غير متزوج ، فتحت عينيّ على أهم مصدر من مصادر أدب الأطفال ، ألا وهو .. الحكاية .
وأولى الحكايات ، التي سمعتها ، والتي تجذرت في أعماقي ، ونمت مع الزمن ، وأزهرت ما أنا عليه الآن ، كانت من أمي ، ومازال صوتها الأمومي ، بنبراته التمثيلية ، المتوافقة مع تطور أحداث الحكاية ، يتردد في دواخلي ، ويعود بي إلى أجواء تلك الحكايات ، التي ستبقى حية فيّ حتى النهاية .
حكت لنا أمي حكايات عديدة ، لن أنسى منها حكاية " الدامية " و" كبة السليل " وخاصة " لعبة الصبر " ، تلك اللعبة الغريبة المرعبة ، التي تثير ـ كما المآسي اليونانية ـ الخوف والشفقة ، هذه اللعبة ـ الدمية كانت تنصت إلى امرأة مأزومة ، تعاني من القهر والظلم ، وكأنها صورة للمرأة العراقية ، في السابق واللاحق ، فتتضخم وتتضخم مع استمرار المرأة بالشكوى والتظلم ، حتى تنفجر ، وتنتهي الدمية ، وتنهي معها المرأة ، نهاية مأساوية حزينة .
أما " الدامية " ، التي كنا لا نمل حكاياتها ، حتى لو حُكيت لنا كلّ يوم ، فتؤكد أمي بأنها رأتها رأي العين ، على درج حجري ينحدر إلى النهر ، فقد كان بيت أهلها ، وبيوت عدد من أقاربها ، في محلة " الميدان " ، القريبة من نهر دجلة .
وحدثتنا أمي مراراً عن المرة الأولى ، التي رأت فيها " الدامية " ، وقالت إنها كانت تلعب يوماً مع صديقة لها ، في يوم شتائي يغشاه الضباب ، وكانت هذه الصديقة مسيحية من بيت " أحد مراد " ، وكانت الغرفة التي تلعبان فيها ، والتي تقع في الطابق الثاني من البيت ، مطلعة على النهر ، وحانت من أمي نظرة عبرة النافذة ، فتراجعت مصدومة خائفة ، فقد لمحت على الدرج المؤدي إلى النهر ما يشبه امرأة ضخمة ، منفوشة الشعر ، عارية تماماً ، وثدياها الضخمان يتدليان حتى بطنها . ورأتها صديقتها على ذلك الحال ، فقالت تطمئنها : لا تخافي ، نحن نراها كثيراً ، إنها الدامية .
واقتربت الفتاة من النافذة ، ونقرت بإصبعها على الزجاج ، فهبت " الدامية " من مكانها ، وألقت بنفسها في النهر ، وسرعان ما توارت عن الأنظار .
كما حدثتنا مراراً عن رجل طيب ، اسمه " أبو داهي " ، ينقل الخضراوات من قرى شمالية ، بواسطة الطوف ، إلى مدينة الموصل . وذات يوم ، وفيما هو في طوفه ، تناهى إليه صوت امرأة ، من بين أشجار الضفة القريبة ، تستغيث بصوت متحشرج باك : دخيلك يا أبا داهي ، يا أبا الغيرة والنخوة ، أغثني ، أغثني .
وأدار " أبو الغيرة والنخوة " طوفه ، وأسرع إلى الشاطىء ، ومضى راكضاً نحو مصدر الصوت ، وإذا الدامية تأسره بين ذراعيها ، وتقول له : أهلاً أبا داهي ، لا تخف ، لن أوذيك ، ستبقى معي ، وستكون زوجي .
ولكي لا يهرب " أبو داهي " ، بعد أن تزوجته الدامية فعلاً ، لحست أسفل قدميه ، حتى صار لا يقوى على السير ، أو الهرب بعيداً .
وظل " أبو داهي " مع الدامية ، فترة ليست قصيرة ، كان يتحين خلالها الفرص للهرب ، والعودة إلى أهله. وذات ليلة ، رقد كالعادة إلى جانبها ، وأغمض عينيه ، لكنه لم ينم .وانتظر حتى نامت الدامية ، وعلا شخيرها ، فنهض بهدوء ، وتسلل إلى طوفه ، وانحدر به مع التيار مسرعاً باتجاه الموصل .
واستيقظت الدامية ، بعد حين ، وهبت من مكانها ، حين لم تجد " أبو داهي " إلى جانبها ، وكالمجنونة بحثت عنه في الجوار ، لكنها لم تعثر له على أثر .وحين عرفت أنه هرب بطوفه ، وانحدر مع النهر بعيداً عنها ، راحت تركض على امتداد الشاطىء ، وتعول وتصيح . وسمعها " أبو داهي " من بعيد تهتف به بصوت مجروح مبلل بالدموع : أبا داهي .. عد إليّ يا أبا داهي .. إنني زوجتك .. عد إليّ .
لكن " أبو داهي " لم يعد إليها ، بل ولم يعد للعمل على الطوف ، أو الاقتراب من النهر مرة أخرى ، بعد أن مرّ بتلك التجربة الغريبة القاسية على يد الدامية .
وبالإضافة إلى أمي ، وحكاياتها المدينية ، كانت زوجة أحد أعمامي ـ وهي من أصل ريفي ، عاشت طفولتها وصباها في الريف ، حتى تزوجت من عمي ، وانتقلت إلى المدينة ـ كانت تروي لنا حكايات من نوع آخر ، سمعتها في طفولتها من راويات العشيرة ، فحكت لنا عن الذئب والثعلب والضبع والغرير و" افريش الأكرع " ، حتى إنني أخذت إحدى حكاياتها عن الثعلب والأسد ، وكتبت منها قصتي " الفراء " التي صدرت عام " 1984 " عن دار ثقافة الأطفال في بغداد ، ورسمتها بشكل رائع الفنانة " هناء مال الله " ، وقد فازت على رسومها بجائزة جامعة الدول العربية . وما زلت أذكر حتى الآن ، الكلمات الأخيرة للثعلب ، كما ترويها زوجة عمي ، بعد أن أخذه اللقلق ، وطار به عالياً .. عالياً .. عالياً ، وألقاه من حالق ، حيث يقول بصوت خائف : يا ربي وقعني على فروة راعي ... لا ينكسر كراعي " .
وفي مرحلة تالية انضمت إلى أمي وزوجة عمي ، بل وحلت محلهما ، أختي الكبيرة ، وكانت صبية ربما دون الخامسة عشرة من العمر . وأخذت تقرأ علينا بصوتها العذب المؤثر ، حكايات مستلة من كتاب " ألف ليلة وليلة " ، أذكر منها " الحمال والسبع بنات " و " علاء الدين والمصباح السحري " و " الأميرات الثلاث " ، وأولئك الأميرات ، كنّ يحلقن بأجنحة صنعنها من ريش الطيور ، ويأتين بين فترة وأخرى ، إلى أحد الأنهار ، فيلهين ويسبحن طول النهار ، ثم يعدن عند المساء إلى قصر أبيهن الملك .
لقد تأثرت كثيراً بحكايات " ألف ليلة وليلة " ، لكني حين أردت أن أعتمد حكاية من تلك الحكايات ، في كتابة عمل للأطفال أو الفتيان ، لم تجذبني سوى حكاية واحدة ، هي " الأميرات الثلاث " ، التي قرأتها علينا أختي الكبيرة ، في يوم بعيد من أيام طفولتي المبكرة ، فصنعت منها مسرحية للفتيان بعنوان " شمس النهار " .
هذه أولى الدروس الحكائية ، التي لا تنسى ، والتي تلقيتها في حدود بيتنا العتيق بمحلة الجولاق في الموصل ، ومن المؤسف أن مثل هذه الدروس ، لم أتلقَّ أيّ شيء منها في المرحلة الدراسية الأولى ، فلم يبدِ أي معلم أو معلمة ، ممن علموني في المرحلة الابتدائية ، أي اهتمام بالحكاية ، على أهميتها ودورها الفعال في تربية الطفل وتعليمه . ولولا منهج اللغة العربية ، وكتاب القراءة بالذات ، لما تواصلت مع الحكاية خارج نطاق البيت ، فقد كان ذلك الكتاب زاخر بالحكايات ، التي كانت تجذب التلاميذ ، وتحبب إليهم هذا الدرس ، ومن تلك الحكايات ، التي لا تنسى " ليلى والذئب و نظارات الدب أبو فهد والسندباد البحري " ، ولعل حبي للحكاية ، وإدراكي لأهميتها ، في تربية الطفل وتعليمه ، دفعني إلى الاهتمام المتزايد بالقراءة ، وكذلك الكتابة ، كما دفعني لأن أقدمها للتلاميذ الصغار ، حين صرت معلماً ، وتخصصت بتعليم اللغة العربية ، فكنت أحول درس القراءة أحياناً إلى درس قراءة خارجية حرة ، أوزع فيه الكتب القصصية المصورة على التلاميذ ، فيقبلون على قراءتها بلهفة وتركيز ، وقد أفادتهم بلا شك ، أكثر مما أفادهم الكتاب المقرر .





المحطة الثانية
ـــــــــــــــــــــــــ

عملت في الصحافة ، منذ أواسط السبعينيات حتى آخرها ، وقد أجريت العديد من اللقاءات الصحفية ، مع أدباء وفنانين من داخل محافظة نينوى وخارجها ، وكان من أهمّ الأسئلة التي أوجهها إليهم هو : كيف ومتى اكتشفت الأديب أو الفنان في داخلك ؟ فأنا ، من خلال تجربتي ، أعرف أن الكثيرين من الأدباء والفنانين ، يكتشفون أنفسهم ، قبل أن يكتشفهم الآخرون .
ومن جهتي فقد اكتشفت الأديب ـ الفنان في داخلي ، منذ وقت مبكر ، ربما منذ أواخر المرحلة الابتدائية ، وكنت وقتها ، ومازلت حتى الآن ، مغرماً بالسينما ، والسينما التاريخية بالذات . ففي صباح أحد الأيام ، سافرت بسيارة " لوري " حمل إلى أبي ، وكان يعمل في مديرية الاستهلاك في دهوك . ولأني مسافر بلا كراء ، فسائق " اللوري يعرف أبي ، جلست فوق أكياس السكر والرز وصناديق الشاي والصابون ، وسارت السيارة ببطء ، تنوء بما تحمله ، وماكنتها المتعبة تئن متوجعة . وخلال الطريق ، الذي يبدو بلا نهاية ، أشغلت نفسي كالعادة بأحلام اليقظة ، لكن هذه المرة كان الحلم على شكل رواية سينمائية تاريخية ، حول شاب من مدينة " نينوى " ، يتناهى إليه ظهور نبيّ جديد في مكة بالجزيرة العربية، فيعتلي صهوة حصانه ، ويتجه إلى هناك ، وعلى غرار الأفلام الأمريكية ، التي كنت مغرماً بمشاهدتها آنذاك ، أروي ما يلاقيه البطل من صعاب وعقبات ومخاطر طول الطريق ، حتى يصل مكة ، وينتمي إلى الدين الجديد .
وحين عدت عصراً إلى الموصل ، التقيت بابن عمي وهبي ، وكان مثلي مغرماً بالسينما ، ورويتُ له الرواية ـ الفيلم ، فقال لي مندهشاً : هذا فيلم جيد ، أين يعرض ؟ في أية سينما ؟
وأفرحني قوله جداً ، فقلتُ له : هذا ليس فيلماً ، إنها رواية ، أنا كتبتها .
وبدت خيبة الأمل على ابن عمي وهبي ، فقال : آه ، أنت كتبتها ، إنها غير جيدة .
لم يحبطني قوله ، فمطربة الحي لا تطرب ، لكني كنت أتمنى أن يبقى على قوله الأول . ومهما يكن ، ومنذ ذلك اليوم ، اكتشفت الأديب ـ الفنان في داخلي ، وعرفت أن لي قدرة طيبة على تخيل وصياغة أعمال قريبة من الأفلام السينمائية ، وربما لتأثري بالسينما ، فقد كتبت ، ومازلتُ أكتب ، بما أظن أنه .. عين الكاميرا .
وفي عام " 1956 " ، خلال توقف الدوام في المدارس ، بعد المظاهرات المنددة بحكومة نوري السعيد ، أثناء العدوان الثلاثي على مصر ، كتبت عدة روايات من هذا النوع ، لكنها جميعاً كانت بعيدة عن الواقع ، وقريبة من أجواء الأفلام الأمريكية ، التي كنت مدمناً على مشاهدتها ، في ذلك الوقت .
وبعد تخرجي عام " 1958 " ، وعملي في التعليم ، انغمست في قراءات متنوعة ، أدبية وفلسفية وسياسية ، لكن المسرح راح يجذبني أكثر فأكثر ـ وخاصة بعد قراءتي لمسرحية الكاتب الأمريكي تنسي وليمز " عربة اسمها الرغبة " ـ حتى كاد يستحوذ على معظم اهتمامي في هذا المجال . ولعل انهماكي بالقراءة ، في تلك الفترة ، أبعدني بعض الشيء عن الكتابة ، لكني مع ذلك ، كنت أكتب بين حين وآخر ، فكتبت أكثر من مسرحية ، منها " الثلوج " و " الجدار " ، وقد أعدت كتابتهما مراراً قبل أن أنشرهما فيما بعد ، فقد نشرت مسرحية الثلوج في مجلة ، النبراس " عام " 1974 " ، أما مسرحية " الجدار ، وكانت في ثلاثة فصول ، فقد نشرتها في مجلة الأقلام ، في العدد الخاص بالمسرح العربي ، وهو أضخم عدد صدر في تاريخ مجلة الأقلام عام " 1980 " ، كما كتبت بعض القصص القصيرة ، وشاركت بإحداها في مسابقة نظمتها جريدة " فتى العراق " وكانت بعنوان " النبتة التي تتنفس " ، وكنت قد كتبتها ، بعد توقيفي في عام " 1962 " ، على أثر تمزيق صور الزعيم عبد الكريم قاسم في المدرسة ، والتي لم يكن لي يد فيها ، وقد فازت تلك القصة بالجائزة الثالثة ، رغم مخالفتها لأحد شروط المسابقة .
ومن الغريب أن أول مسرحية أكتبها ، لم تعرض كما كتبتها باللغة العربية ، وإنما عرضت باللغة السريانية .وهذه المسرحية ، التي لا أذكر الآن حتى اسمها ، إن كان لها اسم ، كتبتها لتلاميذي في مدرسة " باقوفة " ، وقد أعجب بالمسرحية معلم معنا من أهالي " القوش " ، فترجمها إلى اللغة السريانية ، وأخرجها مستعيناً بالتلاميذ لأداء أدوارها الرجالية والنسائية . وعرضت المسرحية في فناء المدرسة ، وحضرها أولياء أمور التلاميذ رجالاً ونساء ، ووقفوا في فناء المدرسة فرحين ،وهم يرون أبناءهم يمثلون بلغتهم الأم ، اللغة السريانية ، مرتدين الأزياء المحلية الجميلة .
وفي بداية السبعينيات ، كنت أحاضر في مدرسة " أم المعونة " الابتدائية ، وهي مدرسة أهلية ، داخل كنيسة في منطقة " الدواسة " في الموصل ، مديرتها راهبة متنورة ، ودمثة ، وطيبة القلب ، وفي نفس المدرسة ، كان يحاضر معي الفنان المسرحي المعروف علي إحسان الجراح ، فطلبت منه المديرة أن يعدّ مسرحية ، ليقدمها تلاميذ وتلميذات المدرسة بمناسبة أعياد الميلاد ، فاعتذر علي إحسان الجراح ، وقال لها ، بأنه ممثل ومخرج ، وليس كاتباً مسرحياً ، ثم أضاف : إن أفضل من يقوم بذلك هو طلال ، فهو كاتب مسرحيّ .
ودعتني المديرة ، وطلبت مني أن أعد لهم مسرحية للأطفال ، فقلت لها : إنني أكتب مسرحيات للكبار وليس للأطفال .
فقالت ببساطة : من يكتب للكبار يكتب للأطفال أيضاً .
ومهما يكن ، ولاحترامي الشديد لمديرة المدرسة ، وعدتها أن أحاول إعداد مسرحية للأطفال تفي بالغرض. وتذكرت أنني استعرت كتاباً عن مسرح الأطفال ، يضم عدة مسرحيات للأطفال ، من الفنان المعروف الراحل عز الدين ذنون ،فاستعرت الكتاب ثانية ، ووجدت فيه مسرحية قريبة من اهتمامات الأطفال ، لكن مشكلة تلك المسرحية ، أنها كانت قصيرة جداً ، لا تزيد على الصفحتين أو الثلاث صفحات ، ولكي " أمطّ " المسرحية ، وضعت لها مشهداً كمقدمة ، وإذا المقدمة أضعاف المسرحية نفسها ، فما كان مني إلا أن أعيد كتابة المسرحية لتتلاءم مع المقدمة . وعرضت المسرحية ، من إخراج الفنان علي إحسان الجراح ، وأداء تلاميذ وتلميذات من مدرسة " أم المعونة " عشية أعياد رأس السنة ، على قاعة الربيع ، وهي أكبر قاعة في الموصل ، وحققت نجاحاً طيباً ، وهكذا كتبت أول مسرحية للأطفال ، بعنوان " الأطفال يمثلون .. " .
وفي العطلة الصيفية ، من ذلك العام ، أردت أن أعيد النظر في المسرحية ، وبحثت في أوراقي عن النص ، لكني لم أعثر له على أثر ، وذهبت إلى المدرسة ـ الكنيسة ، والتقيت ببعض التلاميذ ، الذين شاركوا في تمثيل المسرحية ، وطلبت منهم أن يقرؤوا عليّ أدوارهم، لكن أياً منهم لم يبقَ في ذهنه من المسرحية إلا الشيء القليل ، الذي لا يعول عليه في استعادة المسرحية. وأسقط في يدي ، لا فائدة ، لقد ضاعت المسرحية الأولى ، التي كتبتها للأطفال .
لم يفتر حنيني إلى المسرحية ، وبدل أن أعاود البحث عنها في أوراقي ، رحت أقلبها في ذهني ، و رحت أعيد كتابة المسرحية من الذاكرة ، وكتبتها بحرص وأناة ، معتمداً أسلوب المسرح داخل المسرح ، وهكذا استعدت أول مسرحية كتبتها للأطفال ، ونشرت هذه المسرحية في مجلة " النبراس " عام " 1976 " ، وترجمت إلى اللغة الكردية ، ونشرت في مجلة " كروان " ، التي تصدر في أربيل ، عام " 1989 " . ومن الطريف ، أن العاملين في تلفزيون الموصل ، وفي مقدمتهم الفنان الراحل طارق فاضل ، عندما أرادوا أن يُخرجوا مسرحية لي ، طلبوا مسرحية باللغة الكردية ، فقدمت لهم مسرحية " الأطفال يمثلون " المنشورة ـ كما ذكرت ـ في مجلة كروان ، لكن الطائرات ، التي قصفت العراق في حرب الخليج الأولى ، وأحرقت تلفزيون الموصل ، أحرقت معه مشروع تقديم هذه المسرحية ، مسرحيتي الأولى ، مسرحية " الأطفال يمثلون .. "
ولعل الصدفة ، التي قادتني " في أوائل السبعينيات " إلى اكتشاف قدرتي على كتابة مسرحية الأطفال ، قادتني في أواسط السبعينيات نفسها ، إلى اكتشاف قدرتي على كتابة قصة الأطفال أيضاً . ففي أواخر عام " 1974 " ، التقيت بالأخ الأديب حسب الله يحيى في شارع النجفي في الموصل ، وقال لي بأنه ستنشر له يوم الخميس قصة للأطفال ، في جريدة " المزمار " ، عنوانها " النهر " ، وطلب مني أن أقرأها ، وأبدي له رأيي فيها .
وفي يوم الخميس ، قرأت قصة " النهر " في جريدة " المزمار " ، وقلت في نفسي ، إنها قصة بسيطة ، وأنا أستطيع كتابة قصة مثلها ، إن لم يكن أفضل . بعد يومين أو ثلاثة أيام ، كتبت قصتي الأولى للأطفال ، وكانت بعنوان " العكاز " ، ثم أعقبتها بعد أيام بقصة ثانية ، بعنوان " البطة الصغيرة " ، وكلتا القصتين كانتا عن القضية الفلسطينية ، ثم كتبت قصة طويلة بعض الشيء ، بعنوان " البلبل " ، ولأن بلبلي كان يغرد ضد الظلام والدكتاتورية ، ولأني لم أنشرها في مجلتي أو المزمار ، بل نشرتها في جريدة " طريق الشعب " ، حرمت من النشر في دار ثقافة الأطفال أكثر من سنتين .
أرسلت القصتين ، الأولى والثانية ، إلى صفحة " مرحباً يا أطفال " في جريدة " طريق الشعب " ، لكن محرر الصفحة لم يوافق على نشرهما ، فأرسلتهما على الفور إلى مجلتي والمزمار ، وقد نشرتا على التوالي في جريدة " المزمار " ، وقال لي أحد الأصدقاء من العاملين في " دار ثقافة الأطفال " ، أن مدير الدار وقتها ، الأستاذ مالك المطلبي ، أمسك بالقصتين ، وقال : اكتشفت كاتباً جديداً للأطفال.













المحطة الثالثة
ـــــــــــــــــــــــ

بعد أن نشرتُ قصة أو قصتين ، في صفحة " مرحباً يا أطفال " في جريد " طريق الشعب " ، وقصتين أو ثلاث قصص في " المزمار " ، وصلتني رسالة من الفنان المعروف " عمو زكي " ، وفرحتُ برسالته فرحاً غامراً ، فقد أشاد هذا الفنان الرائد بقصصي ، وقال أنه بصدد تقديم برنامج جديد للأطفال ، في الإذاعة والتلفزيون ، وطلب مني أن أزوده ببعض القصص الملائمة ، ليقدمها في برنامجه .
وفي نفس اليوم ، ونتيجة لاهتمامي البالغ بالمشاركة في البرنامج ، خطرت لي فكرة قصة جديدة أسميتها " الحمامة " ، وخلال أيام قلائل ، أنجزت كتابة القصة ، وكانت أيضاً حول القضية الفلسطينية . لكني ترددتُ في إرسال هذه " الحمامة " إلى عمو زكي ، فالقصة جميلة جداًً ، وستضيع في برنامج إذاعي للأطفال ، يذاع عادة في وقت عرض أفلام كارتون في التلفزيون ، فلا يسمعه إلا عدد قليل جداً من الأطفال ، حتى أن ابنتي " رشا " ، وربما كانت عندئذ في العاشرة من العمر ، قالت لي ، عندما بدأت في المشاركة بالبرنامج ، وراحت قصصي تذاع مراراً عبر الأثير : بابا هذا البرنامج لا يسمعه في العراق أحد غيرك .
والسبب الثاني أن القصة كانت طويلة ، ومن الصعب إذاعتها في برنامج إذاعي للأطفال . وأخيراً أرسلتُ " الحمامة " إلى " مجلتي والمزمار " ، لكن هذه " الحمامة " الجميلة أزاحت " الدرس " ، وحلت محله في سلسلة مجلتي والمزمار ، الموسومة " مكتبة الطفل "، و" الدرس " قصة كتبتها عن القضية الفلسطينية ، التي كنت مسكوناً بها ، في تلك الفترة ، وقد أثارت إعجاب المسؤولين في مجلتي والمزمار ، فتقرر نشرها ضمن سلسلة " مكتبة الطفل " ، لكن " الدرس " لم تظهر مطلقاً ، لا في السلسلة القصصية ، ولا في أي مكان آخر ، فقد طغت " الحمامة " عليها ، وحلت محلها في السلسلة القصصية .
وعُهد برسم " الحمامة " إلى واحد من أفضل رسامي الأطفال في العراق ، ألا وهو .. الفنان المبدع صلاح جياد . وزرتُ دار ثقافة الأطفال مرة ، والتقيت بالفنان صلاح جياد ، وأراني الرسوم التي رسمها لقصتي " الحمامة " ، فقلت له : أصارحك ، إن رسومك أجمل من قصتي .
لكن الفنان صلاح جياد أشاد بقصتي ، وقال : إن فيها حساً طبقياً .
ورغم أن القصة ، في رأيي ، لم يكن فيها " حس طبقي " ، إلا أنها تعثرت ، وكادت " تقتل " ، كما أخبرني صلاح جياد نفسه ، فقد اعترض البعض ـ على خلفية علاقتي بجريدة " طريق الشعب " وبالحزب الذي تمثله وتنطق باسمه ـ على عنوان القصة ، " الحمامة " ، والحمامة في رأي هذا البعض ، هي " حمامة السلام " ، الرمز الأثير لدى اليسار ، واقترح أحدهم استبدال هذا الاسم باسم " اليمامة " ، وحاججهم صلاح جياد : وما الفرق بين الحمامة واليمامة ؟
ولعل النقاش لم يدم طويلاً ، فقد حسمه مدير الدار قائلاً : هذه القصة معنا ، وسننشرها .
ونشرت " الحمامة " ، عام " 1976 " ووزعت بإخراجها الجميل على نطاق واسع ، ونفدت من مكتبات الموصل في أيام قلائل ، وحظيت باهتمام المثقفين والنقاد والكتاب ، وخاصة كتاب أدب الأطفال ، وقد كتبت عنها عدة مقالات من بينها مقالة مهمة للناقد باسم عبد الحميد حمودي ، نشرت عام " 1976 " في جريدة الجمهورية. ونشرت لي في العام نفسه " 1976 " ، قصة جميلة في " مجلتي " بعنوان " الحطاب " ، وقد سبق لي أن أرسلت هذه القصة إلى " مرحباً يا أطفال " في جريد " طريق الشعب " ، لكن محرر الصفحة اعتذر عن نشرها، فهو لم يتفهم كيف يمكن أن يتحاور " الحطاب " مع أشجار الغابة ، وقد مسرحت هذه القصة فيما بعد ، ونشرتها في مجلة " مدارات " عام " 1998 " ، التي كانت تصدر في كلية التربية ـ جامعة الموصل . كما مثلتها إحدى الفرق الشبابية ، وكانت من إخراج الفنان المعروف يسن طه .
وتكررت إشكالية " الحمامة " ، بعد عدة سنوات ، في عام الطفل الدولي ، عام " 1979 " ، وهو العام الذي انهارت فيه الجبهة الوطنية في العراق ، تكررت مع قصة أخرى ، سبق أن تمت الموافقة على نشرها في سلسلة " مكتبة الطفل " وعنوانها " الزهرة " ، وهذه " الزهرة " كانت عندي من أجمل وأحب القصص ، التي كتبتها عن القضية الفلسطينية ، وانتظرت صدور هذا الكتاب بلهفة كبيرة ، لكن الرياح لا تهب دائماً بما تشتهي سفن طموحاتنا وآمالنا ، فقد زرت " دار ثقافة الأطفال " ، ربما في شتاء " 1979 " ، أثناء إعدادي لملف حول " أدب الأطفال في العراق " ، لمناسبة عام الطفل الدولي ، بتكليف من مجلة " الجامعة " التي كانت تصدر عن جامعة الموصل ، والتي كان سكرتير التحرير فيها الدكتور عمر الطالب . والتقيت بالعديد من فناني الدار وكتابها منهم : مالك المطلبي ، جعفر صادق محمد ، فاروق سلوم ، عزي الوهاب ، و .. الفنان المبدع .. مؤيد نعمة ، وإذا كانت هذه اللقاءات ، وجميع القصص والقصائد قد ظهرت في الملف ، الذي شظاه للأسف الدكتور عمر الطالب ، ونفى اسمي عنه ، إلا أن اللقاء مع مؤيد نعمة لم يظهر ، ولذلك قصة سأرويها فيما بعد .وتلك الإشكالية كانت بطلتها هذه المرة مدير عام دار ثقافة الأطفال ، السيدة أمل الشرقي نفسها . فقد سألتني ، بعد أن أجريت اللقاء معها ، والذي نشرته في أول الملف : هل رأيت رسوم قصتك الزهرة ؟
قلت : نعم ، رأيتها .
سألتني ثانية : ما رأيك فيها ؟
فأجبتها صادقاً : رائعة جداً .
لم توافقني على رأيي ، وقالت : لا ، أنت مخطىء ، إنها رسوم كبار ، لقد سحبتُ القصة ، وسأحيلها إلى رسام آخر .
وانقبض قلبي ، فقد أدركت أن " الزهرة " في خطر ، " فالزهرة " لم تسحب لأن رسومها كانت للكبار وليس للأطفال ، بل لأن كاتبها هو .. طلال حسن . وقبل أن أغادر الدار ، رأيت مدير النشر ، شريف الرأس ، فقلت له : لقد سحبت قصتي الزهرة .
قال : أعرف ، وأعرف السبب .
سألته : صارحني ، ما رأيك في رسومها ؟
أجابني : رائعة .
فقلت : لماذا لم تقل هذا للسيدة أمل ؟ أنت مدير النشر .
فردّ شريف الرأس : لا ، أمل هي المدير العام .
وتحققت مخاوفي ، ف " الزهرة " ، التي سحبتها أمل الشرقي ، بحجة أن رسومها ، التي أبدعها الرسام الكبير حسن عبد علون ، كانت للكبار وليس للأطفال ، لم تحل إلى رسام آخر ، فقد وصلتني رسالة من شريف الرأس ، بعد فترة ليست طويلة ، يعلمني فيها بأن " الزهرة " لن تنشر في دار ثقافة الأطفال ، وأن المكافأة التي استلمتها عن القصة تبقى من حقي ، وقال لي : ولكي أثبت لك إنني أحبك ، أرسلت القصة ورسومها إلى لبنان لتنشر هناك .
لم تنشر " الزهرة " ، ولم أقع لها على أثر ، ويبدو أنها احترقت مع ما احترق ، في أتون الحرب الأهلية اللبنانية.
لم تكن " الزهرة " آخر الضحايا من كتبي ، فالكتب كالإنسان العراقي ، تقع على الطرق مضرجة بمدادها ، لهذا السبب أو ذاك . ففي أواسط التسعينيات ، والحصار القاتل في أوجه ، وفي مقدمته الحصار الثقافي ، تمت الموافقة على طبع مجموعتي القصصية " قمر الطفولة " ، وطبع الكتاب فعلاً ، هذا ما قيل لي ، ولكن لسبب ما سحب الكتاب ، ولم يُوزع ، وبذلك أستشهد لي كتاب آخر على الطريق .
ولأختم هذه المحطة بالحديث عن الراحل المبدع مؤيد نعمة ، فقد التقيت به في دار ثقافة الأطفال ، في اليوم الذي أجريت فيه لقاءاتي مع الأستاذة أمل الشرقي ، مدير عام دار ثقافة الأطفال ، وكذلك مع عدد من فناني الدار وكتابها ، لكني كنت على عجل من أمري ، فأعطيته عدداً مكتوبة من الأسئلة ، وطلبت منه أن يجيبني عليها ، ويرسلها لي مع صورة له بالبريد .
ووصلتني رسالته ، بعد أيام قليلة ، وفيها إجاباته عن أسئلتي ، لكن لم يكن معها صورته . وقدمت الملف إلى سكرتير مجلة الجامعة عمر الطالب ، لكنه أصر على نشر اللقاء مع صورة للفنان مؤيد ، وعلى عجل ، أرسلت رسالة إلى مؤيد ، قلت له فيها ، أنني أردت منه صورة لتنشر مع اللقاء ، ورجوته أن يرسل لي صورة بأسرع ما يمكن ، وجاءني الرد بسرعة ، وفتحة الرسالة ، لكني قبل أن أقرأها بحثت عن الصورة ، فلم أعثر لها على أثر ، وقرأت الرسالة ، وإذا الفنان يخبرني فيها أنه أرسل لي صورة في الرسالة السابقة ، ويرسل لي صورته في هذه الرسالة أيضاً ، وطبعاً لم ينشر الدكتور عمر الطالب اللقاء مع الفنان الراحل مؤيد نعمة ، بسبب تلك ألصورة ، ترى أين اختفت صورة .. مؤيد نعمة !



المحطة الرابعة
ـــــــــــــــــــــــ

بعد انهيار " الجبهة الوطنية " عام " 1979 " ، وتوقف جريدة " طريق الشعب " عن الصدور ، انهارت آمالي في صفحة الأطفال فيها ، والتي أحببتها كثيراً ، وعلقت عليها آمالاً كبيرة في أدب علمي إنساني مناضل. لكني مع ذلك ، تواصلت مع مجلتي والمزمار ، وكذلك مع مجلة " تموز " ، ملحق الأطفال لجريدة الجمهورية .
ومن المفارقات ، أنني أرسلت قصة ، في حدود تلك الفترة ، إلى صفحة " مرحباً يا أطفال " ، قبل توقف جريدة " طريق الشعب " عن الصدور ، بعنوان " زهرة القداح " ، لكن محرر الصفحة اعتذر عن نشرها ، لأنها ـ في رأيه ـ قصة متشائمة ، فأرسلتها بعد فترة إلى مجلة " تموز " ، فنشرت على الفور ، بل وكرمتُ بعدها من قبل وزير الثقافة ، لطيف نصيف جاسم .
وهذا التكريم لا يُنسى ، لا لأنه التكريم الأول بالنسبة لي ، ولا لأن الذي كرمني هو وزير الثقافة ، بل لأن ذلك التكريم تم في يوم " متميز " من تاريخ العراق . فبعد نشر قصة " زهرة القداح " في مجلة " تموز " بأيام قلائل ، أبلغني مراسل جريدة الجمهورية في الموصل ، أن أحضر إلى مبنى الجريدة في بغداد لتكريمي ، وفي اليوم التالي كنت في مبنى الجريدة ، واستقبلني أحد المسؤولين ، وأشاد بمستوى كتاباتي في ملحق " تموز "،وسلمني كتاب شكر من الجريدة ، وطلب مني أن أذهب إلى وزارة الثقافة ، لاستلام هدية من السيد الوزير لطيف نصيف جاسم نفسه .
وعلى الفور ذهبت إلى وزارة الثقافة ، وصعدت إلى مكتب السيد الوزير ، وقد لاحظت أن مبنى الوزارة يكاد يكون خالياً ، ويسوده صمت غريب . وأخذني أحدهم إلى إحدى الغرف ، وقال لي : تفضل ، استرح هنا ، لحظة .
وجلست لحظات ولحظات ، وأخيراً جاءني الشخص نفسه ، ومعه ملف في يد ، وعلبة صغيرة في اليد الأخرى ، ثم مال عليّ ، وقال في ما يشبه الهمس : السيد الوزير لن يستطيع استقبالك ، فهو مشغول جداً .
وقدم لي العلبة ، وقال : هذه هديتك ، تفضل .
أخذت الهدية ، وصافحني الرجل وقال مودعا : في أمان الله .
وخرجت من الوزارة ، وأنا حائر ، ما الأمر ؟ هل جئت من الموصل إلى هنا لأستلم هذه الهدية ، وفي هذا الجو الجنائزي ؟ وعرفت في ما بعد حقيقة الأمر ، يا إلهي ، أي صدفة هذه ؟ إنه يوم لا ينسى ، تقرر فيه مصير العراق وشعب العراق ، بل وشعوب المنطقة برمتها ، إنه يوم " 4 / 9 / 1980 " ، أي اليوم الذي بدأت فيه الحرب ـ الجحيم بين العراق وإيران ، واستمر حريقها ثماني سنوات ، احترق خلالها ، وفي كِلا البلدين ، الأخضر واليابس ، بما فيها الثقافة العراقية ، وفي مقدمتها .. ثقافة الأطفال ، كما احترق الإنسان المنتج لهذه الثقافة .
ومن حسن الحظ ، أنني خلال الفترة الأخيرة ، بعد زيارة الرئيس السوري حافظ الأسد لبغداد ، عرفت مجلة " أسامة " السورية ، فأرسلت لها على الفور قصة " الشمعة " ، وهي آخر قصة نشرتها في " مرحباً يا أطفال " ، ولم يصل من الجريدة وقتها سوى عدد واحد ، مازلت أحتفظ به في أرشيفي . ونشرت " الشمعة " ، بعد فترة قصيرة ، على أربع صفحات ملونة ، وبإخراج رائع ، مما شجعني على إرسال المزيد من القصص ، ولاحظت عدداً بعد عدد ، أن المجلة التي ترأس تحريرها كاتبة الأطفال المعروفة دلال حاتم ، تحتفي كثيراً بقصصي ، فتنشرها إما في الصفحات الأولى ، أو في الوسط ، بل وخصصت الغلاف الأول لقصتين من قصصي ، الأولى عن القضية الفلسطينية بعنوان " البشارة " ، والثانية قصة من قصص " قيس وزينب " ،بعنوان " القطة والكلب " . ويبدو أن قصص " قيس وزينب " ، قد استهوت الأديبة دلال حاتم ، رئيسة التحرير ، فأصدرت لي كتاباً بعنوان " حكايات قيس وزينب " ، عام " 1982 " يضم ثلاث قصص هي :
1ـ الكابوس
2 ـ الخفاش
3 ـ الساحرة
وأعلمتني دلال حاتم ، حال صدور الكتاب ، عام " 1982 " ، بأنها أرسلت لي بالبريد " 25 " نسخة منه . وانتظرت وصول نسخ الكتاب بفارغ الصبر ، دون جدوى ، لقد تبخرت " حكايات قيس وزينب " ، ولم يصلني منها نسخة واحدة . وعلمت بعد فترة ، أن كتابي " حكايات قيس وزينب " ، ربما دخل " دهاليز الرقابة " ولم يخرج . وهاتفت بعض الأصدقاء في بغداد ، ومنهم الأخ حسيب الله يحيى ، وكلهم يعملون في مجال الإعلام ، وربما كان بعضهم قريباً من الرقابة ، وطلبت منهم أن يحصلوا لي ولو نسخة واحدة من الكتاب ، لكن ما يدخل دهاليز الرقابة ، على ما يبدو ، لا يترك أيّ أثر يُستدل به على وجوده .
وذات يوم ، كنت في بغداد ، وكالعادة قصدتُ دار ثقافة الأطفال ، ودخلت مكتبة الدار ، وسألت موظفة شابة تعمل هناك : هل وصلكم كتاب " حكايات قيس وزينب " من سورية ؟
ردت الموظفة : نعم .
قلت لها : أرجوك ، أحب أن أراه ، إن أمكن .
فردت الفتاة قائلة : لا يمكن ، فالكتاب ممنوع .
فقلت لها : هذا الكتاب من تأليفي .
ورفعت الفتاة رأسها ، ونظرت إليّ ، وتساءلت مندهشة : من تأليفك !
قلت لها : نعم ، وأتمنى أن أراه .
ونهضت الفتاة ، وقالت بصوت هامس : انتظر ، سآتيك به .
وغابت الفتاة فترة ليست قصيرة ، ثم عادت ، وقالت لي آسفة : لم أعثر عليه للأسف .
فقلت لها ، رغم خيبة أملي : أشكرك .
عادت الفتاة إلى مكانها ، وقالت : تعال بعد أيام ، لعلي أعثر عليه .
قلت لها : إنني من الموصل ، ولا أزور بغداد إلا في فترات متباعدة .
فقالت الفتاة : إذا جئت ، في أي وقت ، تعال إليّ .
وبعد عدة أشهر سافرت إلى بغداد ، وذهبت إلى دار ثقافة الأطفال ، وقصدت المكتبة . وما إن رأتني الفتاة ، حتى أشارت لي أن تعال ، وأسرعت إليها ، ففتحت مجراً في مكتبها ، وتناولت كتاباً صغيراً قدمته لي قائلة : خبئه ، ولا تريه لأحد .
وأخذته ، أخذت الكنز ، وخبأته في حقيبتي ، ولم أره لأحد ، اللهم إلا لطالبة دراسات عليا من جامعة الموصل ، كانت تعدّ رسالة ماجستير عن قصة الأطفال في الموصل من " 1970 إلى 2000 " .
واستمرت علاقتي بمجلة " أسامة " ، وكنت أتابع المكتبات كلّ يوم ، وخاصة الدار الوطنية ، خشية أن يفوتني عدد واحد منها . وذات يوم ، دخلت الدار الوطنية ، وسألت البائعة عن المجلة ، فقالت أنها نفدت ، وأنها باعت آخر عدد منها لطفل خرج قبل قليل .
وأسرعت في أثر الطفل ، ورأيته يقتعد الرصيف ، ويتصفح المجلة ، مع صديقين أو ثلاثة من أصدقائه ، فقلت له : بنيّ ، أرجو أن تسمح لي أن أتصفح المجلة .
وقدم الطفل المجلة لي ، وفي عينيه شيء من الدهشة ، فلم يخطر له أن " رجلاً " في عمري ، يمكن أن يهتم بمجلة للأطفال .
وفتحت المجلة ، ورحت أقلب صفحاتها صفحة صفحة ، وفي وسط المجلة ، وعلى صفحتين متقابلتين ، رأيت قصة لي ، وقد رسمت وصممت بشكل رائع ، فقلتُ للطفل ، وأنا أريه القصة : أنظر ، هذه القصة لي ، وأنت أخذت آخر نسخة من المجلة ، ما رأيك ، اقرأها الآن ، وبعها لي بأي ثمن تريده .
وبدون تردد ، دفع الطفل المجلة لي ، وقال : لا ، خذها ، وأعطني ثمنها فقط .
وكالعادة لم يدم شهر العسل طويلاً ، بين سوريا والعراق ، فاختفت المطبوعات السورية ، واختفت معها للأسف مجلة " أسامة " .
















المحطة الخامسة
ـــــــــــــــــــــــــ

ضاق الحبل على أعناق نصوصي داخل العراق ، وخاصة داخل مجلتي والمزمار ، وتقطعت السبل بيني وبين مجلة " أسامة " ، فقد سدت الكوة ، التي كنتُ أطل منها على المجلة ، فلم تعد تصل ـ على ما يبدو ـ حتى إلى مكتبة دار ثقافة الأطفال في بغداد .
وهنا ، وسط هذه العتمة ، برقت ومضة جديدة ، قدر لها ولسنين طويلة مثمرة ، أن تنير الطريق أمام قصصي وسيناريوهاتي ، لتصل إلى قطاع جديد ومهم من قطاعات أطفالنا ، في الوطن العربي ، والذي لم تصله نصوصي من قبل .
ففي أحد الأيام ، في أواخر الثمانينات ، من القرن الماضي ، كنت في زيارة لصديق العمر ، الأديب الدؤوب ،الفكه ، الأستاذ مثري العاني ، الذي أجد عنده دائماً ، كلّ جديد ومفيد من ثمار المعرفة والأدب ، وفي مقدمتها المسرح ، الذي يمثل عشقه وعشقي ، والذي جمعنا منذ البداية ، في أواسط الستينيات ، لكنه هذه المرة قدم لي مجلة للأطفال ، وقال لي : هذه مجلة سعودية ، اطلع عليها .
والمجلة تلك كانت هي " الشبل " ، مجلة الطفل العربي المسلم ، وهي نصف شهرية ، تصدر في الرياض ، في المملكة العربية السعودية ، صاحبها ومديرها العام الأستاذ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد ، تأسست عام " 1981 " . وقرأت المجلة خلال تلك الزيارة ، وأخذت عنوانها لأراسلها ، لعلي أصل إليها بما أكتبه للأطفال من قصص ومسرحيات وسيناريوهات ، كما وصلت قبل ذلك إلى مجلة " أسامة " في سورية ، ومجلة " العربي الصغير " في الكويت .
وبعد أيام قلائل ، وعلى مبدأ اطرق الحديد وهو ساخن ، أرسلت رسالة إلى " الشبل " ، ومعها عدة قصص من قصصي . وسرعان ما جاءني الردّ من صاحب المجلة ومديرها العام الأستاذ عبد الرحمن الرويشد ، يرحب بمشاركتي ، ويشيد بها ، ووعدني بنشر ما أرسلته لهم من نصوص . وكان عند وعده ، فقد نشرت أول قصة لي في " الشبل " بتاريخ " 15 / 9 / 1989 " عنوانها " الأرنب العجوز والأيل " ، بل وأرسل لي العدد الذي نشرت فيه القصة ، ومنذ ذلك اليوم ، وحتى الآن راحت المجلة تصلني بانتظام ـ عدا فترة من الحصار دامت أكثر من عقد ـ ، حتى صارت جزء من حياتي الأدبية ، وخاصة بعد أن بدأ ابني عمر ، الذي تخرج في كلية الفنون ، وعُين مدرس للفن التشكيلي في معهد الفنون للبنات ، يساهم في رسم أعمالي ، التي نشرتُ معظمها في مجلة " الشبل " .
وكما اختفت مجلة " أسامة " اختفت مجلة " الشبل " ، وكذلك مجلة " العربي الصغير " ، بعد دخول القوات العراقية إلى الكويت ، بتاريخ " 4 / 8 / 1990 " . وبدأ الحصار ، وبدأت سحبه القاتلة تغشى كلّ مظاهر الحياة في العراق ، وفي مقدمتها الحياة الثقافية . وبدل جهودي الموزعة بين الكتابة والنشر ، انغمست في الكتابة فقط ، حتى أنني كتبت في عام " 1991 " وحدها أكثر من " 270 " قصة ومسرحية ، وهذا رقم قياسي لم أستطع تجاوزه إلا في عام " 2005 " ، الذي أسميته عام " أغنية التم " ، والذي نشرت فيه أكثر من " 600 " قصة ومسرحية ، بينما لم أنشر في العام الأول للحصار سوى " إحدى عشرة " قصة فقط .
وفي العام التالي ، علمت من صديقي مثري العاني ، بأن المجلات السعودية ، عادت إلى الظهور في المكتبات . فقصدت البريد المركزي في الموصل ، وسألت أحد المسؤولين فيه : هل تصلكم رسائل من السعودية ؟
فأجاب : نعم .
وبنبرة فرح ، لم أستطع أن أخفيها تماماً ، سألته ثانية : ورسائلنا ، هل تصلهم ؟
وأجابني ثانية : نعم .
وعلى الفور ، عادت رسائلي المحملة بقصصي ، تطير على جناح السرعة ، إلى الشبل في المملكة العربية السعودية ، وإلى " أسامة " في سورية ، وانتظرت ، انتظرت طويلاً ، لكن رداً واحداً لم يصلني ، لا من " الشبل " ، ولا من " أسامة " . وبدأ اليأس ، هذه المرة ، يدب في أعماقي ، حصار في الداخل ، وحصار في الخارج ، أين المفر ؟ وإلى متى ؟ هل انتهى كلّ شيء ؟ ربما لا ، لكن ما العمل ؟
وقررت أكثر من مرة ، أن لا أكاتب " الشبل ، وأن أكفّ عن إرسال القصص إليها ، فما جدوى ذلك ماداموا لا يردون عليّ ؟ لكني سرعان ما أعود عن قراري ، بعد أن أقلب الأمر في ذهني ، من يدري ، لعلّ رسائلي الأولى لم تصلهم ، أو أنها وصلتهم ، وربما نشروا قصصي ، أو نشروا بعضها على الأقل ، لكن .. " الشبل " كانت تصلني على الدوام ، فأين هي الآن ؟ ولماذا لم يعد يصلني الآن منها عدد واحد ؟
وعشت هذا البحران سنين عديدة ، عانيت خلالها وحشة العزلة وقسوتها ، ولم أجد متنفساً أو عزاء ، إلا في الانغماس في الكتابة ، وإلى جانب القصص والسيناريوهات ، بدأت أطور كتاباتي المسرحية ، فكتبت مسرحيات عديدة للفتيان ، استقيت أحداثها من تاريخ العراق القديم ، لكني حرصت أن تكون أفكارها ومعالجاتها معاصرة ، تنتمي إلى عالم اليوم . ورغم جودة هذه المسرحيات ، ولقلة فرص النشر ، بسبب الحصار ، في الداخل والخارج ، إلا أنني اضطررت إلى نشر بعضها ، عام " 1995 " في إحدى الصحف ، المحدودة الانتشار ، في بغداد ، ومن تلك المسرحيات " فرسان الشمس ، شيروكين ، سمورامات ، داماكي والوحش ، الأميرة غزالة ، وغيرها كثير " .
وفي أواخر الشهر الثاني من عام " 2001 " ، كانت المفاجأة المفرحة ، فعلى غير توقع ، فوجئت بساعي البريد ، يأتيني بعدد جديد من مجلة " الشبل " ، وقد نشرت لي فيها قصة بعنوان " الناقر ووحيد القرن " ، فرحت بالمجلة ، وفرحت أكثر لان الحصار ، ومشاعر الإحباط ، التي رافقتني طوال تلك الفترة ، لم تمنعني من مواصلة الكتابة لها ، خلال تلك الفترة ، التي بدأت باجتياح الكويت ، وانتهت في عام " 2001 " بوصول العدد الأخير من مجلة " الشبل " ، أي أكثر من عقد من الزمن ، عقد ! آه ، وكم عقداً يعيش الإنسان ؟ ثم .. كم عقداً هو عمر الإبداع ؟ مهما يكن ، فهاهي " الشبل " بين يديّ ، وهاهي رسائلي المثقلة بالقصص تطير ثانية ، وبهمة أكبر ، إلى مجلتي الأثيرة ، مجلة " الشبل " .
وذات يوم ، وبعد فتر من عودة " الشبل " كانت المفاجأة الثانية ، فقد وصلتني رسالة من المدير العام لمجلة " الشبل " الأستاذ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد ، يقول لي فيها ، أنهم وعدوني في السابق ـ قبل اجتياح الكويت ـ بهدية ، مكافأة لي على مساهماتي في المجلة ، لكن الظروف السابقة حالت دون إرسالها لي ، وطلب مني أن أرسل لهم عنواني كاملاً واسمي الثلاثي ، ليتسنى لهم إرسال الهدية الموعودة .
وأرسلت لهم ما طلبوه ، وأنا أتساءل بيني وبين نفسي ، عن ماهية هذه " الهدية " ، أهي مبلغ من المال ، أم ماذا؟ والحقيقة ، ولأن أوضاعي الاقتصادية كانت صعبة للغاية ، فقد تمنيت أن تكون الهدية مبلغاً من المال .
وتحقق هذه المرة ما تمنيت ، فقد جاءني الردّ بعد فترة قصيرة ، وإذا الهدية .. ألف دولار ، أي ما يعادل مليوني دينار بالعملة العراقية ، وما يزيد على راتبي التقاعدي لمدة سنتين أو أكثر.
واتصلتُ بالأستاذ عبد الرحمن الرويشد ، مدير عام مجلة " الشبل " ، في اليوم التالي ، وشكرته على هديته القيمة ، فقال من بين ما قاله لي : لقد وفينا بوعدنا ، وأنت الآن حر في التوقف أو مواصلة الكتابة لنا .
فأجبته : لقد كتبت لكم طويلا ، دون أن أفكر في مكافأة ، والآن وبعد هذه المكافأة ، كيف يمكن أن أتوقف عن التواصل معكم ؟
وشكرني الرجل ، وعرض عليّ أن نتفق على مكافأة مقطوعة قدرها " 10 " دولارات عن كلّ صفحة مكتوبة ومرسومة ، وكنت وقتها قد بدأت أرسل لهم قصصي وسيناريوهاتي برسوم ابني عمر وصديقي الفنان محمد العدواني .
وطبعاً وافقت على عرضه ، بل وشعرت بالفرح والفخر والاعتزاز ، فهذه أول مرة أتعاقد فيها مع مجلة ، سواء داخل العراق أو خارجه . وبدأت قصصي المصورة وقصصي وسيناريوهاتي تظهر في كلّ عدد من مجلة " الشبل " ، محتلة مكانة بارزة فيها .
وتبقى مجلة " الشبل " ، التي بدأت النشر فيها منذ أواخر الثمانينات وحتى الآن ، مرحلة مهمة جداً في رحلة الطويلة والمثمرة على طريق " أدب الأطفال " ، فقد احتضنت كتاباتي بكل محبة واحترام ، ونشرت لي أكثر من " 250 " قصة مصورة وقصة وسيناريو ، والرحلة مستمرة ، والبقية تأتي .
وبنفس الاحترام والمحبة ، تعاملت الشبل مع ابني الفنان عمر ، فقد كانت له بمثابة المدرسة ، أخذ منها ، وأعطاها أولى رسوماته ، وواكبت تطوره وسيره الحثيث نحو النضج والإبداع ، كما كانت مسرحاً مفتوحاً لإبداعات الفنان المقتدر محمد العدواني ، نشرت له على صفحاتها العديد من القصص المصورة والسيناريوهات ، التي لا تنسى .
ويبقى الأستاذ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد ، مدير عام مجلة " الشبل " ، أستاذاً جليلاً ، ومربياً فذاً ، وقد قيمت جهوده في وطنه العزيز ، المملكة العربية السعودية ، فكرم في العام الماضي " 2009 " باعتباره واحداً من الرواد في مجال ثقافة الأطفال ، وهو أخ عزيز ، دعمني ، ودعم جهودي في مجال أدب الأطفال، ودعم ابني عمر ، كما دعم الفنان محمد العدواني .
إنني لم أنس الشبل يوماً واحداً ، ولن أنساها مطلقاً ، وسأبقى على تواصلي معها حتى النهاية ، فالشبل مجلة عربية رصينة ، لها حضورها المتميز ، في المشهد الثقافي العربي ، الخاص بالطفولة ، وأدب الأطفال .







المحطة السادسة
ـــــــــــــــــــــــــــ

لم يكن ما حاق بي من ضيق ، في مجال النشر خارج العراق ، بغياب مجلة " أسامة " السورية ، بأقل من الضيق الذي حاق بي بغياب مجلة " الشبل " السعودية ، والعربي الصغير الكويتية .
فبعد " سني العسل " ، التي استمرت أكثر من عقد من السنين ، ارتحت تماماً خلالها لما كان ينشر لي في " أسامة " ، رغم ما شابه من قلق وخوف وتهديد مبطن ، ورغم صعوبة الحصول على الأعداد التي نشرت فيها قصصي ، انقطعت آخر الخيوط ، التي تربطني بالمجلة ، فقد انقطعت رسائل هذه المجلة ، عقب اجتياح العراق للكويت ، ولم يعد يصلني من الأستاذة دلال حاتم ، رئيسة تحرير المجلة ، أية رسالة ، مع أن رسائلي لها ، لم تنقطع أبداً .
وكما تواصلت مع " الشبل " دون جدوى ، فبدون جدوى أيضاً تواصلت مع " أسامة " .وطوال عقد من السنين تقريباً ، كانت رسائلي تزحف إليها ، محملة بالعديد من القصص ، رغم أني ، وفي نفس الفترة ، كنت أتواصل مع اتحاد الكتاب العرب في دمشق ، الذي نشر لي خلال هذه المدة ، ثلاثة كتب هي على التوالي :
1 ـ من يوقظ الشمس ؟ عام ؟ " 1993 "
2 ـ انكيدو.. عام " 1999 "
3 ـ زهرة بابنج للعصفورة .. عام " 2002 "

وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي ، سافر خال أولادي ، ضياء ممدوح ، إلى سوريا ، ليجدد إقامته في الأردن الشقيق ـ ويا للأشقاء العرب ـ ، فقد اضطرته الظروف الصعبة ، التي واجهها في العراق ، إلى مفارقة أهله وبيته ووطنه ، والسفر إلى عمان ـ الأردن ، طلباً للعمل ، ولقمة العيش .
وفي دمشق ، قصد مجلة " أسامة " ، بناء على طلبي ، والتقى بالأستاذة دلال حاتم ، رئيسة التحرير ، فرحبت به ، عندما أخبرها أنه من قبلي ، وأرته تسع رسائل حبلى بقصصي ، لكنها لم تفتحها ، ولماذا يا ترى ؟ فهذه القصص ـ على حد قول الأستاذة دلال حاتم ـ لو نشرت ، فكيف سيتسنى للأستاذ طلال استلام مكافآتها ؟
وكأن " الأستاذ طلال " ، أرسل تلك الرسائل إلى " أسامة " ، كما أرسل ما يشبهها من رسائل ، إلى الشبل في السعودية ، والعربي الصغير في الكويت ، ووسام وبراعم عمان في الأردن ، وماجد في أبو ظبي ، التي كلفته كل واحدة منها أحياناً ربع راتبه التقاعدي ، إن لم يكن أكثر ، طمعاً في المكافأة ؟ رغم حاجتي الماسة وقتها إلى أي مبلغ ، مهما صغر ، لما كنت أعانيه وعائلتي من ظروف قاتلة ، تحت وطأة الحصار .
وروت الأستاذة دلال حادثة مخجلة ، تدلل على ما أيقظه الحصار ، في نفوس البعض من العراقيين في الخارج ، من فنانين أو أدباء أو أناس عاديين ، فقالت : جاءني قبل فترة شخص متوسط العمر ، وقدم لي رسالة ، وقال لي : هذه رسالة من الأستاذ طلال حسن .
وفتحت الرسالة ، وقرأت فيها تخويلاً لحامل تلك الرسالة باستلام مكافآته المتراكمة في المجلة ، فنظرت إليه ، وسألته : أهذه الرسالة من الأستاذ طلال ؟
أجاب : نعم .
فقلت له : أنت تكذب ، إنني أعرف خط الأستاذ طلال ، وهذا ليس خطه .
وعلى الفور ، استدار مضطرباً ، ولاذ بالفرار .
ولعل ما روته الأستاذة دلال حاتم ، دفعني للبحث عن طريقة ، أحصل بها على مكافآتي ، التي بدأت تتراكم منذ عام " 1982 " ، لكن كيف السبيل إليها ، وبعضها قد " توفاها الله " منذ فترة بعيدة ؟
وجاءتني الفرصة ، حين قرأت مرة ، أن وزيرة الثقافة السورية ، الدكتورة نجاح العطار ، دخلت قاعة احتفالات في دمشق ، وقد أمسكت بيدها يد الكاتب المسرحي السوري الكبير سعد الله ونوس ، وكان الأديب الكبير وقتها يعاني من مرض عضال ، وأقيم له بحضور الوزيرة احتفال تكريمي كبير . وأوحى لي هذا الحدث البالغ الدلالة بفكرة نفذتها على جناح السرعة ، فكتبت رسالة إلى الدكتورة نجاح العطار ، وزيرة الثقافة في سورية ، طلبت فيها أن تسهل أمر حصولي على مكافآتي في مجلة " أسامة " ، وكذلك في " اتحاد الكتاب العرب " التي لم أستطع الحصول عليها بسبب الظروف المعروفة ، منذ عام " 1982 " .
ولابد أن الدكتورة نجاح العطار ، وزيرة الثقافة ، التي دخلت قاعة الاحتفالات في دمشق ، يداً بيد مع الكاتب المسرحي الكبير سعد الله ونوس " قدرت ما يواجهه ويعانيه الأديب العراقي من صعوبات ، تحت وطأة العزلة والحصار ، فأوعزت إلى الجهات المعنية ، بصرف مكافآتي ، وبعضها قد مات بالتأكيد بتقادم الزمن ، واستلمها خال أولادي ، ضياء ممدوح ، وكانت مبلغاً لا بأس به ، أعانه وقتها على مصاعب الحياة في الغربة ، بعيداً عن أهله وبيته ووطنه .. العراق .
وجاءتني ، فيما بعد ، أكثر من نجدة مالية ، خففت عني وطأة الحصار ، منها راتب شهري خصصته لي وزارة الثقافة العراقية ، قدره خمسون ألف دينار ، ثم مبلغ الألف دولار ، الذي أهداه لي الأستاذ عبد الرحمن الرويشد ، مدير عام مجلة " الشبل " ، أما النجدة الأهم ، فقد جاءتني من أبو ظبي ، عام " 2000 " ، فقد شاركت في مسابقة " مسرح الطفل العربي "، في أبو ظبي ، وفزت فيها بالجائزة الثانية ، والطريف أن أياً من أولادي ، عندما كان يطلب شيئاً ، قبل ظهور نتائج المسابقة ، ويلح في طلبه ، أقول له مازحاً : صبراً ، سأفوز في المسابقة ، واشتري لك ما تريده .
وذات ليلة ، وكنا نشاهد ، أنا وأولادي ، سباقاً لكرة القدم بين العراق وربما الصين ، وإذا بلاعب اسمه عماد يسجل هدفاً لصالح العراق ، وضج أولادي فرحاً ، كما فرح كل من شاهد ذلك الهدف من العراقيين ، وهنا دق جرس الهاتف ، فرفعت سماعة التلفون على مضض ، وقلت : ألو .
وجاءني صوت شاب ، لم أسمعه من قبل ، يقول : أستاذ طلال ؟
قلتُ : نعم ، تفضل ، من حضرتك ؟
أجابني : أنا عماد .
يا للصدفة ، عماد اللاعب في الفريق العراقي ، سجل هدفاً قبل لحظات للعراق ، أفرح العراقيين جميعاً ، فمن يكون عماد هذا ، وماذا يريد ؟
تساءلت : عماد ؟
قال عماد : أنا رسام في دار ثقافة الأطفال .
رحبتُ به بحرارة ، وقلت : أهلاً عماد ، أنت رسام مبدع ، وقد رسمت لي أكثر من قصة ، تفضل عزيزي .
وتفضل عماد قائلاً : أهنئك أستاذ .
صمتُ مفكراً ، لعلي أخمن دواعي هذه التهنئة ، لكني لم أصل إلى نتيجة ، فقلت متردداً : أشكرك ..
وأنقذني عماد من حيرتي ، حين قال : اتصلت بي رئيسة تحرير مجلة " وسام " الأردنية من عمان ، وطلبت مني أن أتصل بك ، وأهنئك على فوزك بجائزة " مسرح الطفل العربي " في أبو ظبي .
شكرته ، شكرت عماد الفنان على ما بشرني به ، وكما أفرح اللاعب عماد كلّ العراقيين بالهدف الذي سجله لمصلحة العراق ، فإن الفنان عماد أفرحني ، وأفرح كلّ أولادي ، بما زفه لي من خبر ، لم أكن أحلم به . لكن يا للحيرة ، أحقا ما يقول هذا ال .. عماد ؟ أم إنها مزحة ، لا ، مستحيل ، لقد فزت ، نعم فزت .
وعدتُ إلى غرفة الجلوس ، وأولادي يتابعون المباراة ، وفرحة الفوز على وجوههم ، فسألتني زوجتي : من كان على التلفون ؟
فأجبتها : عماد .
والتفت أولادي إليّ ، عماد ! أي عماد ؟ فقلت بلهجة احتفالية : فزت بجائزة مسرح الطفل .
طار الجميع فرحاً ، وطرت أنا معهم ، لكني لم أطر مثلهم عالياً ، ما العمل ؟ أريد أن أقطع بعض الشك هذا بكل اليقين ، فاتصلت بصديقي الموصلي العريق زهير رسام ، المقيم في بغداد ، وقبل أن أسأله عن أي شيء ، هتف بصوته المميز : أهنئك طلال ، اتصل بي عماد ، وأعطيته رقم تلفونك .
الخبر إذن صحيح ، ولي أخيراً أن أطير مع أولادي من الفرح عالياً .. عالياً .. عالياً . وفرحت أكثر ، حين تسلت الجائزة ، بعد عدة أشهر ، وكانت أكثر من أربعة ملايين دينار عراقي ، علماً أن راتبي التقاعدي ، كان حوالي سبع آلاف دينار ، أما راتب زوجتي التقاعدي ، التي قضت أكثر من خمسة عشر عاماً موظفة في رئاسة جامعة الموصل ، فهو مائة دينار فقط أي أقل من ثمن بيضة واحدة ، وعلى سبيل الفكاهة السوداء ، فذات مرة ، استلمنا راتبها التقاعدي عن ثلاثة أشهر ، وكان " 300 " دينار فقط ، فشربنا بالراتب كله قنينتي ببسي كولا مغشوشتين، وعدنا إلى البيت ، وليس في جيوبنا دينار واحد من الراتب التقاعدي .





المحطة السابعة
ــــــــــــــــــــــــــ

منذ وقت مبكر ، وبسبب التضييق والتهميش ، ورغبتي في التوسع والانتشار ، في الساحة العربية ، رحت أتطلع إلى إطلاق قصصي في فضاءات مفتوحة واسعة خارج العراق .
ووصلت قصصي ، في البداية ، إلى مجلة " أسامة " السورية ، وبدأت النشر فيها منذ أواخر السبعينيات ، وكانت أول قصة لي فيها ، هي قصة " الشمعة " ، التي نشرت في " حزيران / 1989 " . وفي أواخر الثمانينيات وصلت طلائع قصصي إلى المملكة العربية السعودية ، فنشرت أول قصة في مجلة " الشبل " بتاريخ " 15 / 9 / 1989 " وكانت بعنوان " الأرنب والأيل الصغير " .
واقتحمت قصصي قلعتين حصينتين ، لهما مكانتهما الكبيرة في جغرافية " أدب الأطفال " خارج العراق ، وعلى امتداد الساحة العربية ، وهما " العربي الصغير " في الكويت ، أواخر الثمانينات ، ومجلة " ماجد " أواسط التسعينيات ، في أبو ظبي ، وكِلا المجلتين تطبعان طبعة جميلة مترفة ، وترسمان من قبل أبرز رسامي الأطفال في الوطن العربي .
وقد نشرت في مجلة " العربي الصغير " خمس قصص ، هي على التوالي :
1 ـ العصفوران الصغيران " في 1 / 12 / 1988 "
2 ـ الثعلب فات فات " في 1 / 5 / 1989 "
3 ـ البومة الصغيرة " 1 / 9 / 1989 "
4 ـ ستمر العاصفة " ف 1 / 11 / 1989 "
5 ـ حكاية شجرة الجوز " في 1 / 5 / 1990 "

أما مجلة " ماجد " ، التي تصدر في أبو ظبي ، فقد نشرت فيها أربع قصص ، هي على التوالي :
1 ـ النظارة المفقودة " في / 9 / 2001
2 ـ حرب قيس الخاصة " في 7 / 11 / 2001
3 ـ الأسد الصغير " في 6 / 3 / 2002
4 ـ عندما بكى الشبل " في 27 / 3 / 2002

وإذا كانت مجلة " ماجد " ، وهذا أمر غريب من مجلة كبيرة وثرية ، لم تدفع لي أية مكافأة ، فإن مجلة " العربي الصغير " كانت تدفع لي " 150 " دولار عن القصة الواحدة . ومن المضحك ، والمثير للسخرية المرة ، أن المصرف الحكومي ، لا يدفع لنا المكافأة بالدولار ، بل يحولها إلى العملة العراقية ، فيدفع لنا ثلاثة دنانير عن الدولار الواحد ، ولكن إذا أردنا شراء دولارات من نفس المصرف ، فإنه يبيعنا الدولار الواحد بثلاثة دنانير ـ عجبي ـ .
وعلى عادتي ، حين يفسح لي المجال في مجلة ما ، أغرقت مجلة " العربي الصغير " بفيض من قصصي ، خاصة بعد أن عرفت من أحد محرري مجلة " مجلتي " أنهم في " العربي الصغير " معجبون بقصصي . فقد زار نائب رئيس تحرير مجلة " العربي الصغير " دار ثقافة الأطفال في بغداد ، وقال أمام بعض كتابها : يكاتبنا أديب من الموصل هو طلال حسن ، إن قصصه جميلة جداً .
فقال أحد الحاضرين : نعم ، طلال حسن ، واحد من كتابنا .
ولديّ حتى الآن عدة رسائل من هيئة التحرير في مجلة " العربي الصغير " ، يعلمونني فيها موافقتهم على أكثر من خمس عشرة قصة ومسرحية واحدة ، رغم أنهم لم ينشروا ـ على حد علمي ـ مسرحية واحدة على امتداد أعداد المجلة طوال عمرها المديد .
واقتحمت القوات العراقية الكويت ، واحترقت في ما احترق ، مجلة " العربي الصغير " ، ومعها قصصي ومسرحيتي ، ولم يرَ النور أياً منها ، حتى بعد التغيير ، وسقوط النظام السابق .
وعادت المجلات الكويتية ، ومنها مجلة " العربي الصغير " إلى الظهور في المكتبات العراقية ، ولكن هل يمكن الوصول إلى مجلة " العربي الصغير " . المنطق يقول : نعم ، لماذا لا ، مادام النظام السابق ، الذي اجتاحها ، قد سقط ؟ لكن متى كان للمنطق صوت في علاقاتنا العربية ؟ فلنقطع الشك باليقين ، ولنحاول .
وحاولت ، أرسلت قصة إلى " العربي الصغير " ، على أمل أن أعاود التواصل مع هذه المجلة الكبيرة ، لكن على غير عادتهم ، لم يردوا عليّ بكلمة واحدة ، لا بأس ، فلأرسل قصة أخرى لعلّ وعسى ، وأرسلت قصة ثانية ، مرفقة بصورة من كتاب الموافقة ، الذي وصلني منهم قبل " الحريق " ، ومرة أخرى لم يردوا . وعدت إلى أعداد المجلة ، التي وصلت العراق بعد التغيير ، ولاحظت ما لاحظته سابقاً ، غياب المبدع العراقي ، أديباً وفناناً ، عن صفحاتها ، بل غابت عنها أيضاً ، إلا فيما ندر ، حتى صور الأطفال العراقيين ورسائلهم البريئة . ومن المؤكد أن هذا الموقف لا يخدم ثقافة الطفل العربي ، ويضر ضرراً بليغاً أدب الأطفال ، الذي رعته بنجاح سنين عديدة من عمرها المديد . وتبقى مجلة " العربي الصغير " ، ومهما كان موقفها ، مجلة عربية متقدمة ، أتابعها باستمرار ، وأقرأ باهتمام وإعجاب كلّ ما يكتب فيها ، وخاصة القصائد والقصص والسيناريوهات .
وبعد غياب مجلة " العربي الصغير " ، اقتحمت قصصي ـ كما أسلفت ـ مجلة " ماجد " ، التي تصدر في أبو ظبي ، ولعل هذه المجلة ، كانت ومازالت من أنجح مجلات الأطفال في الوطن العربي ، وربما أكثرها انتشاراً على صعيد العالم كله .
ولعل رغبتي الشديدة في الوصول إلى معظم مجلات الأطفال العربية ، والمجلات المتقدمة منها على وجه الخصوص ، دفعني إلى متابعة العديد من المجلات العربية في المشرق العربي ، فالمغرب العربي ، وفي مجال أدب الأطفال بالذات ، قارة مجهولة ، لم يصلها بعد " ماجلان " ثقافة الطفل العربي .
وللأسف لم أنجح دائماً ، ولا في معظم الأحيان ، في الوصول إلى تلك المجلات ، فالمجلات المصرية ، على كثرتها ، تكاد تكون مقفلة على الكتاب المصريين ، رغم أن العديد من كتابهم ـ وهذا حق مشروع ـ ينتشرون على الساحة العربية كلها ، من مشرقها ، وربما حتى مغربها ، دون أية حواجز أو عقبات . و المجلات الخليجية النشطة والمتقدمة ، مادة وطباعة وإخراجاً ، والمنتشرة انتشاراً واسعاً ، داخل الوطن العربي وخارجه ، لا يصلنا منها سوى مجلة " العربي الصغير " ومجلة " ماجد " . أما المجلات العربية المشرقية الأخرى ، أي السورية والأردنية واللبنانية ، فلا يكاد يصلنا منها أي شيء ، لكني بطريقة أو أخرى ، أحصل على عناوين بعض تلك المجلات ، وأراسلها ، و قلما أحصل على نتيجة مرضية ، لكني مع هذا ، نشرت أكثر من قصة في مجلة " وسام " ومجلة " براعم عمان " الأردنيتين ، ونشرت مسرحية للأطفال في جريدة " الرأي " الأردنية بعنوان " العالم بالألوان " في " 6 / 11 / 1992 " وسبق لي أن نشرت مسرحية للأطفال في مجلة " أفكار " الأردنية بعنوان " الذئب " عام " 1982 " ، ولم أحصل على المجلة التي نشرت فيها المسرحية ، وإن حصلت على نسخة مصورة منها ، بعد عشر سنوات " فقط لا غير " .
ولعل أكثر جريدة أردنية نشرت لي قصصاً ، وبالأخص حول القضية الفلسطينية ، كانت جريدة " الدستور " ، وكانت وراء هذا النشر الكاتبة الأردنية المتألقة روضة الهدهد ، و يعود الفضل في تعرفي عليها ، وتواصلي معها ، إلى الرسامة العراقية المبدعة انطلاق محمد علي ، التي كانت تعمل في دار ثقافة الأطفال في بغداد ، والتي فازت بالعديد من الجوائز العالمية ، ومنها جائزة " نوما " اليابانية ، فقد كنت في زيارة لها يوماً ، في دار ثقافة الأطفال ، في أواخر التسعينيات ، وهي تعرف اهتمامي بالقضية الفلسطينية ، فنصحتني أن أراسل الأستاذة روضة الهدهد ، في الأردن ، فهي تشاطرني هذا الاهتمام ، وهي تشرف على صفحتين مخصصتين للأطفال في جريدة الدستور الأردنية .
وراسلت روضة الهدهد ، أرسلت لها بعد أيام ، كلّ ما نشرته في جريدة الحدباء حول القضية الفلسطينية ، أرسلتها في قصاصات كما نشرت في جريدة الحدباء ، الموصلية . وصادف وقتها انعقاد مؤتمر اتحاد الأدباء العرب في عمان ، وجاءني الردّ سريعاً ، قالت لي فيه روضة الهدهد ، أنها بكت ، عندما قرأت قصصي ، وظنت أني فلسطيني ، يعيش بعيداً عن وطنه ، في مدينة بشمال العراق ، لكنها عرفت أني عراقي ، فقالت أن هذا ليس بغريب عن العراقيين .ووعدتني أن تنشر جميع القصص في صفحة الأطفال في جريدة " الدستور " ، ثم تجمعها وتنشرها في كتاب مستقل ، في دار " كنده " ، التي تملكها ، والتي تنشر فيها كتبها ، وجلها عن القضية الفلسطينية . وهذا ما فعلته فعلاً ، فقد نشرت جميع القصص في صفحة الأطفال ، في جريد " الدستور " ، ثم جمعتها ونشرتها في كتاب بعنوان " حكايات ليث " ، بمناسبة مرور خمسين عاماً على احتلال فلسطين ، صدر عن دار " كنده " ، وكتبت روضة الهدد مقدمة للكتاب ، قالت فيها : " عندما قرأنا بعض هذه القصص أول مرة ، أحسسنا باحتفالية خاصة ، فهذه القصص ذات المستوى الراقي ، وذات الشفافية والأناقة المميزة ، تتحدث عن أطفال الحجارة " . وقالت أيضاً " لو كتب الفلسطيني عن قضيته لكان الأمر طبيعياً ، ولكن أن يكتب كاتب يبعد آلاف الأميال عن فلسطين ، فإن ذلك أفعل وأبعد أثراً ، ومن هنا كان احتفالنا بقراءة طلال حسن " .
وصدر الكتاب في عمان عام " 1998 " ، لكن جميع المكتبات أحجمت عن استلامه ، فالكتاب يمجد ثورة الحجارة ، بينما الأردن في حالة تطبيع مع إسرائيل ، فما كان من الأستاذة روضة الهدهد ، إلا أن تقوم بتوزيع الكتاب على الأدباء والفنانين والصحفيين ، بعد أن أرسلت لي مجموعة منه . وهكذا فإذا كانت بعض كتبي ، قد حوصرت أو طوردت أو صودرت هنا وهنك ، فهذا هو كتاب " حكايات ليث " ، الذي ينتصر للقضية الفلسطينية ، ويمجد ثورة الحجارة ، يحاصر في الأردن ، وتحجم المكتبات عن استلامه ، والغريب أن هذا هو ما واجهه كتابي " البحر " ، وكان أيضاً عن القضية الفلسطينية ، وطبعته في الموصل بتعضيد من نقابة المعلمين ، فأحجمت بعض المكتبات عن استلامه ، فاستلمه بالكامل ، صديقي المحامي " الأستاذ سليمان الطائي ، صاحب مكتبة " اقرأ " في الموصل .
ووصلت قصصي محلقة إلى بلد الأرز ، الواحة الثقافية ، وسط الموات والتصحر العربي ، التي أراد ويريد بعض العرب وأدها وطمرها برمال الصحراء . وقبل ذلك ، نشر لي الشاعر العراقي المبدع والأخ العزيز جليل خزعل قصة في لبنان ، فقد اتصل بي ذات يوم ، وقال لي : أرسلت لك قصة إلى مجلة " أحمد " في بيروت ، وقد نشرت ، وحصلت لك على نسخة من المجلة ، كما حصلت على المكافأة .
شكرته على جهوده ، ومبادرته الطيبة ، وقلت له مازحاً : أرسل لي المجلة ، ولا أريد المكافأة .
فقال لي بطيبته المعهودة : المكافأة أربعون ألف دينار .
ضحكت ، وقلت له : هذه مكافأة لا تفوت .
ووراء تعرفي بالأخ جليل صدفة طيبة ، ففي ذات يوم ، دخلت دار ثقافة الأطفال ، في وقت متأخر ، وصادفت شاباً يتجه إلى المصعد ، فقال لي : أستاذ ، لن تجد أحداُ ، لقد انصرف الجميع .
فأجبته : أشكرك ، سأحاول .
وحاولت ، لكني بالفعل لم أجد أحداً ، وعدت إلى المصعد ، وإذا ذلك الشاب مازال ينتظر . وجاء المصعد ، فدلفنا إليه معاً ، وأثناء هبوطنا ، نظرت إلى الشاب ، وقلت له : أظن أنني أعرفك ، فقد رأيت صورتك مراراً في الصحف والمجلات .
ابتسم الشاب ، فقلت له : أنت جليل خزعل .
واتسعت ابتسام الشاب ، وقال : نعم ، أنا جليل خزعل .
قلت له : أنت شاعر أطفال بحق ، لقد قرأت لك قصائد جميلة جداً في مجلتي والمزمار .
شكرني جليل ، وقال : أشكرك أستاذ ، من حضرتك ؟
أجبته : أنا طلال حسن .
وفوجئت بجليل يهتف ، وقد بدا عليه الفرح والدهشة : أنت طلال حسن !
وعانقني ممتدحاً كتاباتي ، ثم أخبرني بأنهم يقيمون أمسية حول أدب الأطفال ذلك اليوم ، ودعاني إلى حضور الأمسية ، والتحدث عن تجربتي في مجال أدب الأطفال ، فاعتذرت منه ، وقلت : إنني على عجلة ، وسأسافر الآن .
سافرت في ذلك اليوم ، لكن جليل بقي معي حتى الآن ، صديقاً وأخاً ومبدعاُ قلّ نظيره ، وقف إلى جانبي دوماً ، وبكل محبة وقفت إلى جانبه ، نشر لي في أفضل المجلات العراقية ، وفي مقدمتها مجلة " حبيبي " ، ونشرت له في ما أشرف عليه في الموصل من صفحات متواضعة وزوايا و.. مجلات .

المحطة الثامنة
ـــــــــــــــــــــــــ

في أواسط التسعينيات ، من القرن الماضي ، وفي محاولة مني لإيجاد مرتكز لصحافة الأطفال في الموصل ، عرضت على الدكتور محيى الدين توفيق ، رئيس تحرير جريدة الحدباء ، التي كنت أنشر فيها باستمرار الكثير من القصص والمسرحيات ، أن يخصص زاوية للأطفال في الجريدة ، ولا يهم من يشرف عليها أو يحررها ، لكنه اعتذر ، وأخبرني محرر في الجريدة ، أنه يقول : إننا ننشر لطلال ما يقدمه من قصص ومسرحيات ، والجريدة صغيرة ، لا تتسع لزاوية خاصة للأطفال .
والحق أن جريدة الحدباء ، برئيس تحريرها ومحرريها ، كانوا متعاونين معي ، وقد نشروا لي ، منذ أن بدأت الكتابة فيها ، وحتى التغيير ، أكثر من"250 " قصة ومسرحية ، رغم أن بعضها ربما كانت ترفض في الصحف الأخرى ، ولأسباب ليست فنية .
في عام " 2000 " صدرت جريدة جديدة في الموصل إضافة إلى جريدة " الحدباء " ، عن المحافظة باسم " نينوى " ، رئيس التحرير فيها الدكتور ادهام محمد حنش ، وهو أديب وخطاط ومؤرخ معروف في الموصل ، وقد كان تلميذي في مدرسة ميسلون الابتدائية في السبعينيات ، ودعاني رئيس التحرير إلى الإشراف على زاوية للأطفال في الجريدة ، فوافقت شريطة أن لا ألتزم بالدوام يومياً ، وأكتفي بتقديم مادة الزاوية كلّ أسبوع . وهكذا نشأت أول زاوية للأطفال ، في تاريخ الصحافة الموصلية ، نشرتُ فيها قصصاً وقصائد ومسرحيات لأدباء من الموصل وبغداد وبعض المحافظات الأخرى ، من بينهم حسب الله يحيى وزهير رسام وشفيق مهدي وجعفر صادق محمد وناهض الخياط وغيرهم ، وكانت أغلب هذه النصوص من رسم ابني الفنان الشاب عمر ، وكذلك الفنان القدير محمد العدواني .
وبعد حوالي السنة ، انتقل رئيس التحرير الدكتور إدهام محمد حنش ، إلى بغداد ، وعين رئيس تحرير جديد ، كان يعمل معنا في الجريدة ، ورغم أنه عبر لي غير مرة عن حرصه على بقائي في الجريدة ، إلا أنه خفض مكافآتي إلى النصف ، دون أي داعي ، فاعتبرت هذه البادرة إشارة إلى عدم رغبته في مواصلتي للعمل في الجريدة ، فاستلمت المكافأة ، وغادرت الجريدة ، دون أية نية في الرجوع .
وطوال فترة عملي في جريدة " نينوى " ، كنت على تواصل مستمر مع جريدة " الحدباء " ، وكنت أنشر فيها أكثر مما أنشره في زاويتي في جريدة " نينوى " .
وانفتحت أمامي ، بعد التغيير ، الذي جرى في 9 / 4 / 2003 ، آفاق جديدة ، تنبيء ـ ربما ـ بفرص طيبة ، وإن كانت تلك الآفاق ـ على ما يبدو ـ لا تخلو من غيوم وأمطار حمضية وعواصف وبروق حارقة . وجاءت الفرصة الأولى سريعاً ، فأصدرت خلال شهور قليلة ، وبالتعاون مع مطبعة الزهراء في الموصل ، مجلة للأطفال باسم " قوس قزح " ، وتقع في " 28 " صفحة ملونة ، وكانت أول مجلة للأطفال تصدر في العراق بعد التغيير ، وقد ساهم في رسم هذه المجلة عدة فنانين معروفين في الموصل منهم ، شاهين علي ، ومحمد العدواني ، وعمر طلال . وقد أرسلت نسخة من هذه المجلة إلى الأستاذ مفيد الجزائري ، وربما كان وقتها وزيراً للثقافة ، فرفع المجلة بيده ، وقال باعتزاز ، هذه المجلة مجلتنا .
وهيأت العدد الثاني والثالث ، لكن لم يُقدر لهما أن يريا النور ، فالمجلة لم توزع بشكل مرضي ، لا في محافظة نينوى ولا في المحافظات الأخرى ، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية ، وطبعاً لم تغطِ ثمنها ، وقد صارحني صاحب المطبعة وممول المجلة ، أنه لن يستطيع تمويل المجلة إذا لم تغطِ تكاليفها .
وطبعاً لم تغطِ مجلة " قوس قزح " تكاليفها ، وبقيت أعدادها الجميلة مكدسة في المطبعة ، وهكذا توقفت أول مجلة للأطفال تصدر في الموصل ، وأول مجلة تصدر في العراق بعد التغيير .
توقفت مجلة " قوس قزح " ، لكني كالعادة لم أتوقف ، كما لم أتوقف في أواخر السبعينيات ، حين انهارت الجبهة الوطنية ، وتوقفت " مرحباُ يا أطفال " بتوقف جريدة " طريق الشعب " عن الصدور . وواصلت النشر في الداخل والخارج ، لكن همي الأساس ، وبعد " نينوى " و" قوس قزح " ، أن أواصل العمل على طريق بناء صحافة للأطفال في الموصل . فعرضت على الأستاذ أثيل النجيفي ، صاحب دار عراقيون للنشر ، التي تصدر عنها جريدة عراقيون ، أن نصدر ملحقاً لجريدة عراقيون من أربعة صفحات ، تصدر مرة في الشهر ، وتوزع مع الجريدة نفسها ، ووافق الأستاذ أثيل بدون تردد ، وصدر العدد الأول منها في " 6 / 7 / 2004 " ، وضم الملحق إضافة إلى القصص والقصائد والسيناريوهات ، مواضيع علمية وتاريخية ، وقد رسم هذا الملحق ابني عمر ، فقد كان محمد العدواني مشغولاً عن الرسم بهموم الحياة ، وما أكثرها في الظروف الراهنة . وقد لاقى الملحق صدى طيب ، بين الأدباء والفنانين والأطفال . وركزت فيها على أدباء الموصل ومنهم : فيصل قصيري وميسر الخشاب وزهير رسام وعبد الله جدعان وغيرهم ، لكن الملحق للأسف لم يعش طويلاً ، فقد توقفت جريدة عراقيون ، وتوقف معها الملحق ، الذي لم يعش إلا حوالي السنة . وقد كتبت الأستاذة رائدة ، الحاصلة على شهادة ماجستير عن " قصة الأطفال في الموصل من " 1970 إلى 2000 " ، مقالة ضافية عن الملحق ، ونشرتها في مجلة " "التي تصدر عن مركز الدراسات في جامعة الموصل .
وخلال هذه الفترة ،أشرفت على صفحات للأطفال في عدة صحف ومجلات تصدر في الموصل منها :
1 ـ جريدة دجلة .
2 ـ جريدة الحقيقة .
3 ـ جريدة المسار .
4 ـ مجلة الأسرة والطفل .
5 ـ مجلة زرقاء ـ نت .
6 ـ مجلة التربية

وكالعادة لم تستمر معظم هذه الجرائد والمجلات ، فقد غابت على التوالي ، جريدة الحقيقة ، وجريدة المسار ، ومجلة الأسرة والطفل ، ومجلة زرقاء ـ نت ، لكن ما لم يغب أبداً هي طموحاتي في إطلاق صحافة للأطفال في الموصل ، مهما كانت الظروف .
ولم تتوقف محاولاتي في هذا المجال ، وكان أملي أن أرى مجلة للأطفال تصدر من الموصل ، الغنية بالأدباء والفنانين والمثقفين ، خاصة وأني أصدرت مجلة للأطفال ، في نفس السنة التي جرى فيها التغيير . حاولت التعاون مع منظمة أجنبية تدعم إصدار مجلة في دهوك ، دون جدوى . وعبثاً حاولت مع وزارة الثقافة في إقليم كردستان ، لكن وزير الثقافة الكردي الأستاذ فلك الدين كاكائي ، لم يوافق على دعم مجلة للأطفال تصدر في محافظة نينوى .
وبلغت محاولاتي الذروة ، عندما قابلت وزير الثقافة نوري الراوي ، مع وفد من أدباء وفناني الموصل منهم عبد الله البدراني ومثنى عبد القادر وشفاء العمري وآخرون . وقد سبق هذه المقابلة لقاء لي مع وكيل وزارة الثقافة في كازينو الفنجان ، في المجموعة الثقافية بالموصل ، وقد أخبرني بأنهم دعوا الدكتور شفيق المهدي لحضور الاجتماع مع الوزير ، لأني سأعرض موضوع إصدار مجلة للأطفال في الموصل . لم يتفهم وزير الثقافة مطلبنا أول الأمر ، لكني حين أريته مجلة " قوس قزح " ، بُهر بها ، وقال للدكتور شفيق المهدي : دكتور ، لماذا لا تعتبرون هذه المجلة جزء من عملكم في دار ثقافة الأطفال ، تصدر من الموصل .
عارض الدكتور شفيق المهدي هذا الاقتراح ، وكذلك عارضته ميسون الدملوجي ، وكيلة وزير الثقافة ، حتى إني مازحتها فيما بعد قائلاً : كيف تعارضين هذا ، وأنت موصلية ؟
عدنا من بغداد ، بعد أن قابلنا وزير الثقافة ، بخفي حنين ، لكن عزائي أني التقيت ، أثناء مقابلتنا الوزير الراوي ، الرفيق الراحل ، الإنسان الرائع كامل شياع ، وبعد اللقاء أخذني إلى مكتبه ، وهو مكتب غاية في التواضع ، أهذا مكتب وكيل وزير الثفافة ؟ لكنه يبقى مكتباً رائعاً ، فهو مكتب كامل شياع .
وذكرني بالمبلغ ، المخصص للمشاركين في مؤتمر المثقفين ، الذي عقد في الأشهر الأخيرة من وجود الأستاذ مفيد الجزائري في الوزارة ، وسألني : هل وصلك المبلغ ؟
أجبته : لا ، لم يصلني .
فقال بشيء من التأثر : كيف لم يصلك ؟ أنا أرسلته لك بنفسي مع ..
وتوقف ثم قال : مهلاً ، اسمه عندي .
فأمسكت يده ، وقلت : لا تتعب نفسك ، مادام لم يوصل المبلغ إليّ ، فلا أريد أن أعرفه أو أعرف اسمه .
وفي انتظار فرصة أخرى ، لابد أن تأتي في يوم ليس ببعيد ، رحت أواصل النشر في الداخل والخارج ، بل وبدأت أنشر قصصي ومسرحياتي ، حتى في مجلات محلية ، تصدر في بلدات صغيرة من سهل نينوى ، فنشرت في مجلة " النوطير " التي تصدر في قرقوش ، ومجلة زهرة نيسان ، التي تصدر في بعشيقة ، ومجلة الكرمة ، التي تصدر في كرمليس ، ومجلات سريانية تصدر في أماكن أخرى ، مثل مجلة بانيبال ، التي تصدر في عنكاوة ، ومجلة السراج ، التي تصدر في القوش .إضافة إلى ما أنشره ، بالتعاون مع الشاعر المبدع جليل خزعل ، مدير تحرير مجلة " حبيبي " في مجلة " حبيبي " الرائعة ، التي نشرت لي العديد من القصص الطويلة ، برسوم أبني عمر .
وبعد توقف مجلة " حبيبي " ، عاودت الاتصال بدار ثقافة الأطفال ، وشاركت في مسابقة " مسرح الطفل " ، التي أقامتها الدار بمناسبة مرور " 40 " عاماً على تأسيس مجلتي ، وفزت بالجائزة الثانية ، عن مسرحية " وداعاً جدي " ، وسبق لي ، قبل سنتين أن فزت بالجائزة الثانية في مسابقة السيناريو ، عن سيناريو بعنوان " لصوص التاريخ " .
وفي هذا العام ، " 2010 " ، أشرفت على صفحة للأطفال في جريدة " الموصلية " ، وتصدر حالياً مرتين في الأسبوع ، يرسمها بالأسود والأبيض ابني عمر ، وعملنا أنا والأستاذ ناهض الرمضاني ، الكاتب المسرحي المعرف ، ومدير مدارس الأوائل في الموصل ، على إصدار مجلة ملونة للأطفال في " 32 " صفحة ، وقد أنجزنا منها العدد صفر ، ونأمل أن نبدأ العمل قريباً في عددها الأول . وعلى نفس الصعيد ، أنجزنا أنا والفنان محمد العدواني وابني عمر ، العدد الأول من مجلة للأطفال ، تقع في " 32 " صفحة ، بعنوان " ينابيع " تصدر قريباً عن دار عراقيون للنشر ، التي يمتلكها السيد محافظ نينوى ، الأستاذ أثيل النجيفي .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي