هل هناك حل ديني للشقاء العربي(3)

محمد علي مقلد
2024 / 1 / 6

العروبة والإسلام متساكنان لدودان منذ ألفية ونصف. لكل منهما تفسير غير صحيح لما حصل في القرن السابع الميلادي، في غمرة الحماس لنشر الدعوة من الطبيعي إرجاء كل الأسئلة. أما أن تستمر الحقيقة عصية عليهما حتى أيامنا فهو مكمن الأزمة الفكرية والسياسية التي ما زالت تعصف بالأمتين وهو السبب وراء تشخيص خاطئ وعلاج خاطئ.
ما زال السجال قائماً حول التسمية. أهي حضارة عربية أم حضارة إسلامية؟ وهل فضيلة الدين الجديد تكمن في إيلاء العرب ولغتهم الثقة باعتبارهم "خير أمة أخرجت للناس" أم في كون الإسلام آخر الديانات الإبراهيمية السماوية وكون النبي محمد "خاتم الأنبياء والمرسلين"؟
بدل أن تبلغ حرب داحس والغبراء نهايتها، ها هي تتكرر على شكل حروب دينية ومذهبية وعرقية أمتداداً للتي كانت بين غساسنة ومناذرة وقيسية ويمنية وسنة وشيعة أو نزاعات مع الأمازيغية والكردية وغيرها من الصراعات من المحيط إلى الخليج، لتشكل بنسخاتها الحديثة أسوأ نماذج العجز عن إيجاد حلول للأزمات المتناسلة.
من يقرأ التاريخ قراءة مغلوطة أعجز من أن يرسم خارطة طريق للمستقبل. القراءة الصحيحة للعروبة وللإسلام ينبغي أن تبدأ لا من تعصب عرقي ولا من تعصب ديني. فالإسلام، كغيره من الديانات السماوية وغير السماوية، شكل الإطار النظري لحضارة جديدة امتدت على كامل مساحة القارتين الآسيوية والإفريقية، عنوانها الاستقرار وتدجين الطبيعة واستغلالها بالزراعة بدل الترحال وحياة الرعي.
مثلما كان لهذه الحضارة اقتصادها كان لها نظامها السياسي حيث الحاكم هو ممثل الله على الأرض، فهو "الحاكم بأمر الله" و"خليفة الله" يستسقى به المطر، وهو مالك الأرض لأن" الملك لله"، يعطي من يشاء مقابل الطاعة والولاء وضخ المال إلى بيت المال. كذلك كان لهذه الحضارة عقلها الديني الغيبي بديلاً من الخرافة والأسطورة وهوية هذا العقل "ألا كل شيء ما عدا الله باطل".
بعد ألف سنة ونيف على الدعوة المحمدية وآلاف أخرى على الدعوات الدينية السماوية وغير السماوية بدأ ينتشر في أوروبا نمط حياة وإنتاج وتفكير قوامه الصناعة والعلوم الوضعية والديمقراطية. السلطات الدينية في الإسلام كما في المسيحية قاومت الدخول إليه. نجح نابليون في إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أما العرب والمسلمون فما زالوا يبحثون، من غير جدوى، عن أسباب الشقاء العربي وعن جواب على سؤال شكيب إرسلان، لماذا تقدموا وتخلفنا؟
الجواب الصحيح أنهم تقدموا بالعلم والصناعة والدولة الديمقراطية. لقد فرضت الحضارة الرأسمالية على البابوية التراجع إلى داخل حدود الفاتيكان، لتطلق العنان الأوروبي أمام قيام دولة القانون، فيما حاول ضباط عرب أو مسلمون أن يحذوا حذو نابليون، لكن التاريخ إن تكرر ففي الأولى على شكل مهزلة وفي الثانية على شكل مأساة. تلك كانت حالة الانقلابات العسكرية في العالم العربي التي أعادت تكريس أنظمة الاستبداد في الجمهوريات الوراثية.
العروبيون أخذوا من الحضارة الجديدة أسوأ ما فيها، التعصب الشوفيني المجبول بالاستبداد، والإسلاميون يتابعون عملية التبشير الديني كما لو أنهم ما زالوا في بداية القرن الثالث الهجري، ويبحثون عن أرومات العلوم العقلية في رحم العلوم الغيبية، ويتخلون عن القيم الجميلة في الدين ليتمسكوا بالحتميات السماوية، ويكتبون وصفات الحلول لأزمات الأرض على الطريقة الأفغانية أو الصومالية أو الداعشية، أو بإقصاء المعارضين ودفنهم أحياء كما في أيام صكوك الغفران في إسبانيا أو الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق.
للمستقبل باب سياسي، الدولة الديمقراطية. أما مفاتيح الاستبداد فلا تفتح غير أبواب الماضي المغلقة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي