غزّة: الصمود أمام الإبادة وملاحظة من كنفاني

محمد قعدان
2024 / 1 / 4

بدأت الحرب الراهنة في 7 أكتوبر، ولكن بدأ نضال فلسطينيي غزّة منذُ عام 1948، ضدّ "نكبتهم"، وبدأت حركات الفدائيين بالتشكّل مباشرةً على الحدود، ومنهم من استطاع العودة والهجوم على المستوطنات خلال خمسينيّات وستينيّات القرن الماضي، ما قبلَ احتلالها في عام 1967.

تمسّكت غزّة منذُ اليوم الأول، في خيار المقاومة ضدّ النكبة والإبادة. بالمقابل، الاتهامات ذاتها جاهزة "المقاومين مغامرين"، "الفدائيّ يراهن على دماء الناس"، إضافةً إلى محاربة ظاهرة الفدائيين عربيًا وفلسطينيًا، باعتبارها سببًا للهلاك والدمار كما وسم ممارسات الفدائيّ بأنها "حجّة" الإسرائيليّ لقصف غزّة ومصر والخ.

ولكن استمرّوا، وناضلوا وكافحوا ليس فقط ضدّ الاحتلال، بل جهدهم الأساسيّ لكسبِ ثقة الناس وإيمانهم ومبايعتهم. لم يكن أبدًا من المفهوم ضمنًا؛ الإيمان في منطق، "حريّة فلسطين، والموت دون ذلك" هذا منطق تحرريّ، فعليًا يطابق الإسم الفداء، الإدراك المسبق في ضعفِ قدراتك أمام العدوّ، ومع ذلك لن تتراجع.

البعض يظنّ أن هذا المنطق، هو "معطوب وغبيّ" هل تذكرون مقابلة غسّان كنفاني التي شاعت في وسائط التواصل الاجتماعيّ بالأنجليزيّة، حينما سألهُ الصحافيّ الأجنبيّ إزاء "السلام" وأصرّ الصحافيّ على مسألة أن يبقى الفلسطينيّ "حيّ" وحتى لو لم يعد إلى أرضهِ ويأخذ حقوقه كاملةً، أي أفضل له أن يبقى حيًا في "السلام"، على الموت في المقاومة، صحيح؟ توقّع هنا الصحافي أن يضعف كنفاني وصوته وحزمه وعناده، ولو بشيءٍ يسير. ولكن إجابتهُ جاءت أكثر عنادًا "ربّما لكَ أنت، أن تبقى على قيد الحياة أفضل، أمّا لنا فـ لا".

وهكذا حدد كنفاني ملامح المنطق الجديد للمقاومة الفلسطينيّة ورسمَ معنى الشهادة، وسطّر وجدان الفدائيين جميعًا آنذاك، من استشهد، ومن دام.

لسان حاله "نحنُ نرفض العيش في واقعٍ طُردنا منهُ قسرًا بمئات الآلاف، وتُركنا إلى الموت، بينَ البحر والبرّ، وسمح لنا فقط أن نعيش بين قشّ الخيام والبيوت الطينيّة. بينما في نظرةٍ واحدة لنا على تلّة مثلًا من غزّة أو جبل عامل، نطلّ على من طردنا في المستوطناتٍ المقامة على أرضنا الجميلة الخضراء".

كما أن كنفاني بذاتهِ أدركَ مصيرهُ وسارَ إليهِ شهيدًا، وكما رثاهُ محمود درويش، "نسفوه كما ينسفون قاعدة [عسكرية]، قاتلوه كما يقاتلون جبهة". هذا المنطق الذي قدّمه لنا كنفاني بكلماتٍ بسيطة، هو لم يصنعهُ، هو فقط قدّم لنا التعبير الحيّ بالكلمات والفعل عن هذا المنطق المستمرّ حتى اليوم، لا نستطيع أن نفهم ما يحدث في غزّة ضمن منطقنا الاعتياديّ، ولا نستطيع أن نعي الصمود في غزّة بدون هذا المنطق، هذا لم يكن قدرًا بل عدوانًا، ولا فاتورة علينا دفعها لنيل حريّتنا، بل هو العدوان على تمسكّ الناس بالحريّة والكرامة، وخصوصًا أهالي قطاع غزّة.

وأودّ اقتباس رئيس بلديّة غزة، السيّد منير الريس الستار من 29 يونيو 1957 (الأهرام) "إننا نناشد كلّ عربيّ وكلّ إنسان حرّ أن يقف حائلًا دون تنفيذ أيّة مؤامرة ضدنا، وإننا نعاهد على الصبر والتضحية، ونفضّل الموت على حياةِ التشرّد، وضياع فلسطين الأرض العربية المقدّسة". المنطق ذاته يحضر بقوّة.

لم نتمكّن بعد من فهم معاني اللجوء الفلسطينيّ وتأثيره الهائل على استمرار المقاومة حتى اليوم، وبتراكمٍ غير مسبوق.

حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت