الذكاء الاصطناعي في الحرب وأثره على الجيوش

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2023 / 12 / 5

في إحدى العمليات التدريبية للقوات الخاصة الأمريكية عام 2002، تسللت الفرقة خِلْسة إلى بناية من طابقين حيث يختبئ زعيم إرهابي مُفترض. زحف أحد الجنود نحو نافذة مفتوحة وألقى بمُسيرَّة صغيرة بتوجيه الذكاء الاصطناعي. ثم شرعت هذه المُسيرَّة تُحلق بحرية عبر أنحاء المنزل، غرفة تلو الأخرى، مع إرسال كاميرتها المثبتة للصورة الحية مباشرة إلى جهاز لوحي بيد القائد الواقف بالخارج. وفي غضون دقائق معدودات، كانت تتوفر لدى الفرقة دراية وافية بالموقف وما يجري داخل المنزل. عرفوا أي الغرف كانت فارغة، وفي أي منها كان ينام أفراد الأسرة، وأين يوجد الهدف الرئيسي. عندئذٍ اقتحموا المنزل وهم يعرفون بالضبط إلى أين يذهبون، وهو ما قلل من المخاطر التي قد تنتظرهم.

يستخدم الجيش الأمريكي الذكاء الاصطناعي لتحسين كل شيء، من صيانة المعدات إلى اتخاذ القرارات المتعلقة بالميزانية. ويعتمد المحللون الاستخباراتيون على الذكاء الاصطناعي لتسريع عملية مسح جبال من المعلومات ومعرفة أي الأنماط ذات الصلة التي قد تساعدهم في اتخاذ قرارات أفضل وتنفيذها بشكل أسرع. ويُتوقع أن يُغير الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب من كيفية خوض الولايات المتحدة وخصومها الحرب عبر ميادين الصراع المختلفة. باختصار، لقد فجر الذكاء الاصطناعي ثورة أمنية لا تزال في بداياتها ولم تتكشف أبعادها الكاملة بعد.

لهذا السبب لا تدخر الصين جهداً لكي تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية في سباق التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي، الذي إذا نجحت فيه ستجني حينئذٍ جيشاً حديثاً يتفوق إلى حد بعيد على نظيره الأمريكي، لديه المقدرة على الانتشار وإدارة العمليات لأبعد مما تستطيع الولايات المتحدة فعله. وستتعاظم قدرة الصين على استخدام قدرات الحرب السيبرانية والإلكترونية وتوظيفها ضد الشبكات والبنى التحتية الأمريكية الحرجة على نحو ينذر بالخطر. وبالتالي قد تخسر واشنطن تفوقها العسكري الضامن للمصالح الأمريكية ولأمن حلفائها وشركائها ولاستقرار النظام الدولي القائم على القواعد إذا ما تقاعست وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن تبني الذكاء الاصطناعي وتشجيع الاستفادة به عسكرياً على نطاق واسع.

أمثلة للتطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي
من الأمثلة التي تظهر قدرة الذكاء الاصطناعي على تغيير طبيعة الأمن القومي الأمريكي استخدامه بالفعل من قبل القوات الجوية الأمريكية لمساعدتها في تخصيص الموارد والتنبؤ بالكيفية التي يمكن من خلالها لقرار واحد أن يعيد صياغة برنامجها وميزانيتها بالكامل. فعندما يضيف قادة القوات الجوية سرب آخر من طائرات اف-35، عندئذٍ ستتمكن منصة تخصيص الموارد المدعومة بالذكاء الاصطناعي لديهم من تسليط الضوء فوراً ليس على التكاليف المباشرة لهذا القرار فسحب وإنما على تأثيراته على الأفراد والقواعد العسكرية وتوفر الطائرات وغيرها من الأمور الهامة الأخرى أيضاً. وقد بدأ الجيش بالفعل في استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي في صيانة أنظمة الأسلحة المعقدة، من السفن إلى الطائرات المقاتلة، حيث تستطيع هذه البرامج الآن جمع البيانات من مستشعرات المنصة والتنبؤ بموعد ونوعية الصيانة التي ستعظم جهوزيتها ومدة خدمتها وفي الوقت نفسه تقلل من التكاليف.

كذلك يستعين مجتمع الاستخبارات الأمريكي وعدد من مراكز القيادة القتالية الأمريكية، مثل هيئات القيادة العسكرية المشتركة المسؤولة عن منطقة أو مهمة معينة، بتطبيقات الذكاء الاصطناعي لفرز أطنان من البيانات السرية وغير السرية لمعرفة أنماط السلوك والتنبؤ بما قد يخبئه المستقبل على صعيد الأحداث الدولية. وقد ساعد الذكاء الاصطناعي المحللين من مجتمع الاستخبارات في التنبؤ بالغزو الروسي لأوكرانيا قبل أشهر من وقوعه، الأمر الذي مكَّن الولايات المتحدة من تحذير العالم وحرمان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من عنصر المفاجأة. كما يمنح الذكاء الاصطناعي التنبؤي واشنطن فهماً أفضل لما قد يفكر فيه خصومها المحتملين، مثل القادة في بكين على وجه التحديد. حيث بات بمقدور مجتمع الاستخبارات، على سبيل المثال، تطوير نموج لغوي ضخم قادر على تمثيل جميع الكتابات والأحاديث المتاحة من قِبل القادة الصينيين، فضلاً عن التقارير الاستخباراتية الأمريكية حول هؤلاء الزعماء، ثم محاكاة الكيفية التي قد يقرر بها الرئيس الصيني شي جينبينج تنفيذ السياسة المعلنة. ويستطيع المحللون توجيه أسئلة محددة لنموذج الذكاء الاصطناعي، من شاكلة: "تحت أي ظروف قد يلجأ الرئيس الصيني إلى استعمال القوة ضد تايوان؟" ويحصلون على الاستجابات المحتملة على أساس ثروة من البيانات من مصادر أكثر من طاقة أي عقل بشري على استيعابه.

ويستطيع المطورون تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي على إرسال تنبيه كلما طرأ ما يستوجب الاهتمام في منطقة جغرافية معينة. وتساعد أدوات "الرؤية الحاسوبية" تلك المحللين في تكريس وقتهم بدرجة أكبر لما لا يستطيع سوى البشريون فعله، وهو استخدام خبرتهم وفطنتهم لتقييم معنى ودلالة ما يكتشفه الذكاء الاصطناعي. هناك بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي قيد التطوير في الوقت الحالي تسمح لمشغل بشري واحد التحكم في أنظمة غير مأهولة متعددة، مثل سرب من المسيرَّات في الجو أو على سطح الماء أو في الأعماق. ويستطيع قائد الطائرة المقاتلة استخدام سرب من المسيرات الطائرة للتشويش على رادار الخصم ومنظومة دفاعه الجوي. كما يستطيع قائد الغواصة استخدام مركبات الأعماق غير المأهولة لإجراء عمليات استطلاع داخل منطقة كثيفة الدفاعات أو لاصطياد ألغام الأعماق.

سباق الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة
لا شك أن بكين لا تنوي التفريط في تفوقها التكنولوجي لصالح واشنطن، وتعمل بكل جدية لتطوير تطبيقاتها العسكرية المتقدمة للذكاء الاصطناعي. كما تستثمر الصين بكثافة في العديد من نفس تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها الولايات المتحدة، مثل أنظمة الرصد وتحديد الهدف والطائرات بدون طيار. وفي معرض سباق التفوق التكنولوجي هذا، تتمتع الصين ببعض المميزات الجلية حيث تستطيع الحكومة الصينية، عكس الأمريكية، إملاء الأولويات الاقتصادية لبلادها وتخصيص أيما موارد تعتبرها ضرورية لتحقيق أهداف الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، تشجع سياسة الأمن الوطني الصينية القراصنة والمسؤولين والموظفين الحكوميين الصينيين على سرقة الملكية الفكرية الغربية، ولا تتوانى بكين في محاولاتها لتجنيد كبار الشخصيات التكنولوجية الغربية للعمل لدى مؤسسات صينية. ولأن الصين تنتهج سياسة "التكامل المدني-العسكري"، التي تلغي الحواجز بين قطاعاتها المدنية والعسكرية، يستطيع الجيش الصيني الاستفادة من مجهودات الخبراء والشركات الصينية حينما يشاء. كما يُتوقع أن الصين بحلول عام 2025 ستُخَرِّج قرابة ضعف ما ستُخَرِّجه الولايات المتحدة من حملة الدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لتغرق الاقتصاد الصيني في بحر من علماء الكمبيوتر الموهوبين على نحو خاص.

في المقابل، تتمتع الولايات المتحدة ببعض نقاط القوة الفريدة. حيث يوفر اقتصادها القائم على قوى السوق الحر ونظامها السياسي الأكثر انفتاحاً المساحة الرحبة للمطورين من أجل الإبداع، علاوة على ما تمتلكه من بيئة إبداعية لا مثيل لها في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا ومنطقة العاصمة أوستن بولاية تكساس وممر الطريق 128 بولاية ماساتشوستس، على سبيل المثال لا الحصر. كما تمتلك الولايات المتحدة أيضاً بيئة نشطة وخلاقة من رأس المال الاستثماري والأسهم الخاصة التي تجتذب استثمارات وطنية ودولية لا مثيل لها في أي مكان آخر. وهي أيضاً موطن العديد من أعرق جامعات العالم، ما يسمح لها بجذب أفضل المواهب التكنولوجية من كل أنحاء المعمورة والاحتفاظ بخدماتهم. لكن كل ذلك لا ينفي حاجة الولايات المتحدة إلى مواصلة الجهود لجذب أفضل المواهب التكنولوجية، عبر إصلاح بعض العناصر في نظام الهجرة الأمريكي. لأن طلبة العلوم والتكنولوجيا والعاملون في هذا المجال قد يرغبون في المجيء إلى الولايات المتحدة والاستقرار هناك، لكن قواعد الهجرة البيزنطية العتيقة تجعل من المستحيل على معظمهم فعل ذلك. فنجد، مثلاً، أن التأشيرات التعليمية لا تُجيز للطلاب الأجانب البقاء في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاث سنوات بعد التخرج. وذلك، للمفارقة، هو ما يجعل المؤسسات الأمريكية تدرب معظم خبراء التكنولوجيا الأفضل في العالم لا لشيء سوى لكي ترسلهم عودة من حيث جاءوا، وهم في معظمهم صينيين ويعودون إلى الصين.

ما ستجنيه الجيوش من تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع
في عالم الإلكترونيات الدقيقة، نسمع الخبراء يتحدثون كثيراً عما يُسمى "قانون مور"، وهو يعني أن عدد الترانزستورات على الرقائق يتضاعف كل عامين، ما يؤدي إلى إنتاج أجهزة ذات قدرة أضعاف مضاعفة لما سبقها. يساعد هذا القانون في تفسير الزيادة السريعة فيما لا يحصى من الابتكارات التكنولوجية، متضمنة الهواتف الذكية ومحركات البحث. بينما في عالم الأمن القومي، قد خلق الذكاء الاصطناعي نوعاً آخر من قانون مور. حيث الجيش الذي يتقن أولاً تنظيم ودمج وتأسيس استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي في عملياته خلال السنوات المقبلة سوف يجني تقدمات مضاعفة، بما يعطيه ميزات هائلة على خصومه. ومن المرجح أن أول جيش يتبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع سيجني دورة قرار أسرع ومعلومات أفضل يتخذ على أساسها قراراته. وستصبح شبكاته أكثر مناعة حين تعرضها لهجوم، لا تفقد قدرتها على تقييم الموقف، وتستطيع الدفاع عن قواتها، والاشتباك بفاعلية مع الأهداف المعادية، وضمان الحماية لقيادتها ومراكز تحكمها واتصالاتها. وستستطيع أيضاً التحكم في أسراب من الأنظمة غير المأهولة جواً وبحراً وفي الأعماق لإرباك الخصوم ومداهمتهم.
_________________________
قراءة عربية: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.foreignaffairs.com/united-states/ai-already-war-flournoy

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي