عندما تؤسس القصيدة نظرية للتلقي

ماجد مطرود
2023 / 12 / 2

كتب الاستاذ احمد الشبلي
عندما تؤسس القصيدة نظرية للتلقي :
نص ما قالهُ المجنونُ لأولادهِ
للشاعر ماجد مطرود

يبدأ النص بنقض البديهيات ليقول ابحث في ماوراء البديهيات والمسلمات (خطأ البحر أمواجه وخطأ الماء تبخره) فرغم أن البحر له موج هو حالة طبيعية تأتي كلمة خطأ كمفصل لتخلخل بنية الجملة وتنقلها الى بعد آخر ، بالخطأ ندخل التجربة لنستطيع بعدها اتخاذ القرار فالارادة لم تأت لآدم لولا الخطيئة الاولى، اذاً البحث عن المعنى هو فيما يتوارى من الكلام وليس في وضوحه ليؤكد النص في المقطع الثاني هذه الرؤية (من وصايا التفسير أن تدفع الريح بالريح ومن وصايا التأويل أن لاتغسل الماء بالماء )وهنا تناص جميل مع بيت الشعر المأثور (فسر الماء بعد الجهد بالماء )ليس غاية الـتأويل الشرح المباشر السطحي انما البحث بين السطور وتلمّس المعنى فيما وراء الكلام .فن التأويل أو الهيرمونطيقا :يعد هرمس وهرمس تعني المفسر أو الشارح هو من قام بجسر الفجوة بين ماهو الهي وماهو بشري بصوغ كلمات مفهومة لذلك الغموض القابع وراء قدرة البشر على التعبير , بمعنى أن الهرمونطيقا هي فهم ماهو غير قابل للادراك .وبما أن الهرمونطيقا هي فن أو علم تأويل النصوص فهي انبثقت من التفكير في فن تأويل النصوص تحولت بفضل دلتاي وهيدغرالى فلسفة تأويل كونية امتدت وتوسعت عند (غدامير) لتبلغ ذروتها عند (بول ريكور) لينتج نظرية للتلقى موسعة وشاملة سميت بالنقد الديمقراطي أو المتكثر ونظريته نابعة من الجمالية لا من البلاغة، يؤكد فيها على استجابة القارئ في عملية القراءة ليصبح فعل القراءة حلقة رابطة في سلسلة تاريخ جمالية التلقي وأزمة التأويل (لريكور) تعود لمشكلة المعنى وترتد هذه المشكلة الى الفرق بين الكلام والكتابة بين الواقعة والمعنى تزداد المشكلة في النصوص الأدبية لما تحويه من فائض المعنى فالنص أخرس لاصوت له وصاحبه غائب ومن هنا تصبح العلاقة غير متكافئة بين القارئ والنص، هذا الصمت الذي يتميز به النص يفرض على القارئ ثلاث عمليات أساسية لعملية التأويل هي: 1-التخمين :وهو الفعل الأول من أعمال الفهم وبما أن النص صامت وصاحبه غائب فلابد من التخمين وربما أدى هذا التخمين الى فهم خاطئ، ولا حرج من الخطأ هنا . فماذا نخمن في النص هناك ثلاثة عناصر -أ- تخمين النص في بعده الواحدي أي بصفته كلا منفردا -ب- تخمين المعاني الاستعارية والرمزية -ج- تخمين علاقة الكل بالأجزاء في اطار التعدد النصي الذي يسمي الخطاب من خلال هذه التخمينات الثلاثة يصل القارئ الى التصديق .-2-التصديق :وهو حركة بين الدوغمائية والشكية بحيث يمكن الوقوف مع أوضد تأويل معين . 3- الاستيعاب : هو العملية النهائية في التأويل وهو فعل يتعالى على وظيفة الاحالة الظاهرية المرتبطة باللغة المنطوقة الى كونه كشفا وخلقا لنمط جديد من الوجود وهنا يصل فعل القراءة الى الأعماق من خلال القبض على معنى النص في سيولته المتحركة وهكذا يظل الجدل بين الواقعة والمعنى جوهر بنية الخطاب والجدل بين الفهم والاستيعاب متلازما في فعل القراءة لأن فعل القراءة هو النظير لفعل الكتابة والتأويل هو الوسيط بين مرحلتين من الفهم تكون الثانية أكثر تعقيدا من الاولى للوصول الى معنى المعنى . هذه الانارة مقتبسة بتصرف عن مقالة طويلة (لبهيجة ماضي في موقع اثارة ) أوردتها لارتباطها بالنص بشكل ما، طبعا ابن عربي له محاولة تاويلية للقرآن في كتابه الفتوحات المكية عن طرق فهم النص من داخله . (المعنى اذاً هو غاية القول) وما نفع الشعر دون المعنى يصبح كلاما عاديا.....وهذا ماقاله المجنون للكتاب ....هذا المجنون الممتلئ حكمة والمتلئ بأبعاد الكون انه الشاعر الذي استدرج من الريح أمطار اللغة ليعرف الشعر أجمل تعريف بأنه كيمياء كيمياء اللغة التي تنتج من خلائطها وممزوجاتها أجمل المعاني وأن يكون الشاعر زئبق يتفلت كما يتفلت المعنى ولايمكن الامساك به فهو يراوغ اللغة ببراعة وتحكم اذاً المقطع الثالث للنظرية هو المعنى .في المقطع الرابع الزمان كونه بعدا من أبعاد النص والذي يؤسس ذاكرة عبر المكان تؤرشف الفعل والحدث .وفي المقطع الخامس اللغة وهي الوعاء المكون للنصوص وبما انها اناء مستطرق فهي ترتبط بشكل وثيق بزئبقية الشاعر والذي يقدم نفسه كطبيب جراح يشقق جلد اللغة ويقشرها ليصل الى لب الخطاب وروحه والقارئ زجاج لاينكسر من حيث هو انعكاس للشاعر يؤسس بقرائته نصا مغاير لتكتمل دائرة الابداع وهي جدلية الشاعر والمتلقي من خلال نصه وهو يفرق بين القارئ والواعي والناقد المتمحك فهو يسقط وينكسر في أحجاره .المقطع السادس يتناول الغموض في الشعر فالوضوح والمباشرة في الشعر خيانة للشعرية وخروجا عن بهائها وهي تتجلى عبر خيال الشاعر الشاسع والممتد عبر الكون والوجود وعبر استخدام المتناقضات والمؤتلفات وهي من أدوات الشاعر ويبقى الخيال هو مشروع السؤال والجواب كما يشير الشاعر الى وحدة الشر والخير ليدل على أن الانسان بكينونته ليس ملاكا انما هو مزيج عجيب من هذه الخلطة اما المقطع السابع فهو اشارة الى المنهج الماركسي عبر مقولة نفي النفي وهي ماينتج الاطروحة الجديدة اشارة الى بث روح التمرد لخلق واقع جديد ولو أسقطناها أدبيا فنفي النفي يخلق نصا جديدا عبر القراءة الواعية .في المقطع الخامس اشارة الى النحو وهو مايأخذنا الى المنهج التوليدي التحويلي لقراءة النصوص فعبر دراسة الفعل وزمنه والعلاقات النحوية بين الفعل والفاعل والمفعول مرورا بالظروف والأحرف الفاعلة والضمائر والاشارات تتشكل شبكة من العلاقات اللغوية التي بتفكيكها نصل الى التأويل، ومابين الفعل والاشارة علاقة جدلية تنفتح على العلاقة بين العقل والقلب بين ماهو عاطفي وشعوري وبين المفاهيم المجردة تبقى في النصوص الأدبية ضمن علاقة وثيقة وارتباط عضوي.في المقطع الثامن والأخير اشارة للعلاقة بين القارئ والشاعر من حيث القارئ يحاول الطيران عبر النص بينما الشاعر يحلق بمداه الى أوسعه، براعة الشاعر في صياغة نظرية للتلقي عبر نص شعري كامل البهاء من الصعوبة بمكان لاتأتى الا لشاعر مقتدر تكون اللغة طيعة بيديه وخياله آفاق متسعة بابداع كامل انه الشاعر ماجد مطرود

نص ما قاله المجنون لاولاده
للشاعر ماجد مطرود

خطأُ البحرِ أمواجُهُ، وخطأُ الماءِ تبخّرُهُ
خطأ السماء غيومُها، وخطأ الارض دورانُها

من وصايا التفسير، أن تدفعَ الريحَ بالريحِ
ومن وصايا التأويلِ ، ألا تغسلَ الماءَ بالماءِ

المعنى إذاً هو غايةُ القولِ, هذا ما قالهُ المجنون للكتاب
لذلك، استدرجتْ لغةُ الريحِ امطارَها وقالتْ:
أجملُ تعريفٍ للشّعر أنّه كيمياء
وأجملُ صفاتٍ للشاعرِ أنّه زئبق

الزمان يبرهنُ للمكان على أن الذاكرةَ أرشيفٌ,
ويصرُّ على أن الأرشيفَ ذاكرةٌ ايضا
يقولُ لي أيّها المنسيّ, تذكّرْ
إن كانت البدايةُ اخلاص، فالنهايةُ قد تكون خيانة!

أنا اعرفُ أن اللغةَ إناءٌ مستَطرقٌ, والقصيدةُ عمليةٌ جراحية
أعرف جيدا أن الشاعرَ طبيبٌ بمشارط,
ومتاكدٌ ايضا أن القارئَ زجاجٌ لا يسقطُ ولا ينكسرُ
انتبه! الناقدُ ايضا زجاج، لكنه يسقط وينكسر

علمتني الحياةُ,
إنّ الوضوحَ بين الغامضين مؤامرةٌ,
وأن الغموضَ بين الواضحين خيانة
علمتني لكلّ مساحةٍ مسافة,
وإن التناقضَ بين المنسجمين إنقلاب
علمتني ان الخيالَ مشروعُ السؤالِ,
وان الواقعَ مشروعُ الجوابِ
كما علمتني أنّ وحدةَ الخيرِ والشرِ ليستْ سيِّئة
السيّءُ الحقيقيُّ فيها، هو التفكيرُ بشقّينِ منفصلينِ

في البدءِ كانت الطاعة, وكان النفيُّ تكبّر..
بالتدريج .. تحوّلَ نفيُّ النفيِّ الى تواضعٍ
فصار خطأُ الكائناتِ خُضوعُها

الفِعلُ في هذا الزمان متحركٌ يَعيبُ على الإشارةِ لانّها ساكنة
لكنَّ الإشارةَ لا تَعيبُ على الفعلِ أبداً
يبدو أنّ الفرقَ شاسعٌ ما بين التعريف ومعناه!

الفعلُ يعرّفُ القلبَ على أنه ماكينة كريمة,
ويعرّفُ العقلَ على أنّه عامل متطور
بينما الاشارةُ تعرّف القلبَ على إنّه بيت أليف,
والعقلُ تعرفهُ على إنّه فضاءٌ مجرّد
لذلك أقول أيّها القارئ,
أنتَ تملكُ الماءَ والحقولَ والغابات
وأنا أملكُ الهواءَ والفضاءَ والمدى
أنت تقصدُ الجناحَ والريشَ دائماً
بينما أنا دائماً أقصدُ الطّيرانَ وحده،
واعنيه.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي