![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
أحمد فاروق عباس
2023 / 11 / 30
جاءت إلى مكتبى أمس ..
سيدة سورية ومعها والدتها ..
قالت إنها من مدينة حلب ، وأنها كانت تعمل مدرس بكلية الهندسة جامعة حلب ..
كانت تلبس طرحة عالية .. وهى تختلف عن الحجاب المصرى ، ووالدتها كانت منقبة ، وهو أيضا نقاب سوري يختلف عن النقاب المصرى ، فأنفها شبه ظاهر من نقابها ، بعكس النقاب المصرى الذى لا يبين منه سوي العينين فقط ..
وقالت انها تركت سوريا مع أسرتها وجاءوا إلى مصر ، وفقدوا هناك أوراقهم وهوياتهم ..
وسبب مجيئها إلى الكلية عندنا أن لها اخ يدرس في الفرقة الثانية ، ويبدو أنه يعانى من مشكلة ما أو إعاقة ، وأنها هى من تتولى شئونه ، فهى من تتابع دروسه مع معلميه وهى من تذاكر له ..
وفرت لها ما طلبته ، وهو التواصل مع من يدرسون لأخيها في سنة ثانية من دكاترة الكلية ..
وفى أثناء الحديث سألتها عن بلدها سوريا ..
فانطلقت في وصلة غريبة عما فعله الشيعة في سوريا ، وانهم دون غيرهم سبب كل مشاكلها ..
وعندما استغربت ذلك وقال لها واحد ممن كانوا معنا فى المكتب إن داعش سبب مشاكل سوريا قالت بسرعة إن داعش اختراع إيرانى !!
قلت لها .. سوف اتكلم معك بصراحة .. اننى متعاطف مع الرئيس بشار الأسد ، ولا أرى له بديلا فى سوريا الآن ، وأنه وسط هذه الفوضى الهائلة وحجم المؤامرات الرهيبة المحيطة بسوريا لا أجد لدوره غنى .. وإلا ضاعت سوريا للأبد وقسمت ..
قالت أنه سبب المشكلة .. ولم تتوسع في الكلام ربما لأنى سبقتها بتحفظى ..
كانت الساعة الواحدة ونصف تقريبا ..
قالت أنها تأخرت على صلاة الظهر ، وطلبت أن تصلى .. فقدمت لها مصلية وتركت لها المكتب ، وعندما فرغت من الصلاة هى ووالدتها استأنفنا الحديث ..
قلت لها .. ولكن سوريا طول عمرها بلد متعدد الطوائف والمذاهب ، والشيعة موجودون كغيرهم في سوريا منذ القدم ..
قالت .. لقد زادوا الآن كثيرا عما قبل ، وإيران تدفع نقودا للفقراء من السوريين لتحويلهم إلى المذهب الشيعي ، وأنها ستفعل ذلك فى مصر اذا وجدت فرصة ..
وذكرت أنها قابلت رجلا مصريا من المنصورة يقول أنه حسينى ( أى شيعى ) ، أى أن مصر ليست بعيدة عن خطرهم ..
وأن الشيعة لا يقل خطرهم عن اليهود ..
لم أشأ أن اجادلها طويلا فى ذلك .. فهى تتكلم عن بلدها ، ولم أكن أريد أن ابدوا كأننى أفهم ظروف بلدها أكثر من أهلها .. فربما أنا أيضا مخطئ ..
ولكن لاحظت ان كلامها كان طائفيا بامتياز ..
لم تذكر شئ عن الوطن السورى كوحدة واحدة ، ولا عن مؤامرات الامريكان والأنجليز والفرنسيين والإسرائيليين ومطالبهم في سوريا ..
رأت فقط مؤامرات الإيرانيين وحزب اللات ( كما تقول عن حزب آلله ) ..
قلت لها .. إن الأحوال فى سوريا هدأت كثيرا ، فهل تفكرون في العودة إلى بلادكم .. ولم يبدو من كلامها أنها تريد او أنها تفكر ..
قلت لها .. هل أحوال الفقر في سوريا تمنعكم ، وخاصة مع قانون قيصر الذى فرضته أمريكا أيام ترامب على سوريا ؟
فقالت لماذا نعود .. هل نعود إلى الشيعة !!!
إن حلب - كما قالت - لم يكن بها شيعة إلا قليلين ، ومنهم أسرة رغدة .. الممثلة السورية المشهورة .. لكن الحال أختلف الآن ..
كان لدى عمل الساعة الثانية ظهرا فتركت لهما المكتب .. وقلت لهما اعتبرا أن المكان مكانكما ..
وعندما عدت الساعة الثالثة تقريبا كانتا قد ذهبتا ..
واستغربت الأمر كله ..
هل أحوال سوريا فعلا كما قالت ؟!
أم هل الإيديولوجية التى تعتنقها - ويبدو أنها إخوانية أو سلفية - هى ما لونت نظرتها إلى الأمور بهذه النظرة الغريبة ..
وهل الإعلام كان له دور فى وصول كثير من السوريين في تشخيصهم لمشكلة بلدهم على هذا النحو غير المتوازن ؟!!
إن سوريا تواجه أكبر محنة في تاريخها الحديث .. ولا يبدو على بعض أبناءها أنهم على وعى حقيقى بحقيقة ما يحيط ببلادهم من مطالب القوى الطامعة فيها ..
محنة قاسية جدا تلك التى ضربت الدولة العربية والعقل العربى فى سنوات الجحيم العربى الأخيرة ، ويبدو أننا نحتاج لعقود قادمة وأجيال جديدة حتى نلملم جرائم وجراح تلك السنوات الرهيبة ....