|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
الطايع الهراغي
2023 / 11 / 20
"الآن تعرف أنّ صمتك لم يكن ذهبا ولا خشبا
وأنّك حين تصمت يصعدون إلى فمك.
أبدأت تحصي أضلعك؟؟
كم من ضلوعك والحصار يضيق قد بقيت معك؟؟
(معين بسيسو)
"وقال:إذا متّ قبلك
أوصيك بالمستحيل
سألت" هل المستحيل بعيد؟؟
فقال: على بعد جيل"
(محمود درويش)
"الثّورة الفلسطينيّة قامت لتحقيق المستحيل لا الممكن"
( الحكيم جورج حبش)
علقم هو الحرف ومريرة هي الكتابة.زمن الحرب على الذّاكرة في محاولة لسحلها ومحوها واستبدالها بذاكرة مستوردة تصبح الكتابة لغما أو لا تكون.عليها أن تتسلّح بقدر جارح من الوقاحة لتجابه وقاحة بليدة ركيكة سمجة. الكتابة رفض للموت المفروض.سلاح ذاك الذي يختار شكل موته ليموت فقط عندما يتوجّب أن يموت فيظلّ يخاتل الوجوه المكرّرة لكي لا تستعجل له رحيلا قبل الأوان.أولى أولويّتها الدّفاع عن الحقّ في الحلم بديلا عن واقع الغلبة والاستلاب والغطرسة. ويكون الاصطفاف وعيا بما يمليه الخيار الوحيد،خيار الضّرورة.الحياد هو أيضا مهمّة أكثر ممّا هو موقف. ولكنّها مهمّة مشؤومة،سفالة يجعل منها الأنذال لحافا،عهر سياسيّ وأخلاقيّ معلن لا يجد الكثيرون من باعة المواقف كبير عناء في التّجاهر بتحويله إلى وجهة نظر، به يتدثّر عرّابو الفكر، تسويق لانحطاط قيميّ بأكثر الأساليب هجانة. اعتداء همجيّ على ما ظلّ ثابتا من إرث الإنسانيّة المتألّمة وانتقام من تراثها المادّيّ والفكريّ.
01/حتّى لا تموت مرّتين
فلسطين "حكاية".وإذا كان لابدّ لكلّ حكاية من بداية ونهاية فإن فلسطين تلتحم فيها البداية بالنّهاية. الطرّيق إليها مضن ولكنّة شيّق وممتع. قضيّة ملتهبة أبدا حاضرة دوما بأكثر الكثافة الممكنة.نذرت نفسها لتكون تصحيحا لخطإ تاريخيّ.كذلك كانت.وكذلك ستظلّ.على ذلك أقسم حنظلة(الابن الرّوحيّ لناجي العلي)، طفل العشر سنوات يرفض أن يكبر إلى أن يعود إلى فلسطين.هي أعظم القضايا المتبقيّة في العالم كما جزم بذلك مخرج من الضّفّة الأخرى، بريطانيّ الجنسيّة إنسانيّ الانتماء.
عرسٌ هو الدّم الفلسطينيّ ما دامت أخطاء التّاريخ الفادحة - متى وقعت- تحتّم أن يحتاج الحقّ في الحياة (كحقّ طبيعيّ قبل أن يكون حقّا ثقافيّا كونيّا إنسانيّا) إثباتا يملي اكتواء بأشنع معاناة وسيلا من العذابات وشلاّلا من الدّماء،هي ضريبة ما يجب أن يُقدَّم في حروب التّحرير من مهر قربانا لأجمل وهم: عليك أن تحتلّ شبرا من أرض،وعليك أن تحتال لتقيم عليه أوسع قبر ليتّسع لما توزّع من أشلاء تقوم دليلا يشهد أنّ القبر قبرك.فلا شيء أروع من الوهم الذي فيه يصبح الحلم المجنّح الحقيقة الوحيدة المكتملة،الخطئية التي تنتشي بها ولا تخجل وأنت تقترفها بكامل الوعي لتكون لك خلاصا يحميك من أن تموت مرّتين.
لمّا يجد الفدائيّ نفسه مجبرا على أن يقتحم خلسة سماء عروس المدائن ليتسلّل إلى أرض هي في الأصل أرضه،يستعجله حلم ليس حلمه وحده،تتعطّب عجلة التّاريخ. يفقد الزّمن صوابه خجلا من هذا الذي لم تقبل أزقّة القدس(عروس العروبة) وعصافير الجليل وتضاريس يافا وسماوات حيفا أن تكون لغيره عشّا، إليه يؤوب عندما يغلبه الحنين إلى تضاريس رُسمت في الذّاكرة إلى الأبد وشما توحّد بالجسد وأقسمت بقرآن الشّهيد، بآهات طفل تيتّم قبل أن يرى النّور، وبما تملك من عناد أن لا تمّحي.
دم توزّع في كلّ عواصم الدّنيا مشرقا ومغربا، في كلّ خرابات ذوي القربى من العرب المستعربة. فما وجد بها عصمة وما استطاب فيها مقاما وما حلا له مستقرّ.يصرخ في كلّ آن وحين:موعدنا هناك،في فلسطين مهما طال السّفر.نشيد شعب الجبّارين يعلن أنّ الشعب أكبر. وحده هو الحقّ.هو لعنة التّاريخ ولعنة حوّاء ولعنة الشّهيد حلّت على مماليك،عروشها من قشّ قُدّت ودويلات خيامها من قصب. بيان خُطّ بأحرف من دم لونه لونه البرتقال الحزين لوطن يكابد بدءا من تاريخ النّحس الأوّل لكي لا يكون حزينا منذ أغرته رحلة الطّريق إلى الخيمة الأخرى.ذات يوم من أيّام عذابات الطّفولة الفلسطينيّة الطّويلة- لمّا يسكنها جنون التّمرّد ويلبسها العناد- انبلجت نسائم فجر يوم جميل.فكان ما كان في السّابع من أكتوبر:تبدّدت الظّلمة حين قرّر شبل من أشبال غزّة(مدينة الأحلام) أن يشقّ عتمتها ويقتحمها من المسافة الصّفر في السّاعة الصّفر في الارتعاشة الصّفر.فكان البرد. وكان السّلام. وكان اليقين.
لمّا يلبس الحزن فوهة البندقيّة تنتفض، تعبس في وجه العدم، تخاتل طابور أعدائها من الأغراب ومن ذوي القربى ممّن يدّعون بقضيّتها نسبا ووصلا ويسلّون عليا ألف نصل ونصل، يخطر لها أن تبتسم في وجه من يحتضنها على أن يكون قدّيسا بزيّ مقاتل،تهتزّ فرحا وهي تبادله الغرام، ساعتها يتوضّح الفرق بين من غلبته دمعة فبكى في صمت احتراما لطقوس الحزن المقدّس، ومن- كعادته- جفاه دمعه فأصرّ على أن يكون تباكيه بأكثر ما يمكن من الحرقة تماثلا مع ما تمليه طقوس الادّعاء الكاذب، ساعتها ترتسم بداية الرّحلة،رحلة طريق الخلاص. ينبلج الأفق ويتّسع ليصبح آفاقا. تحرن عقارب ساعة التّاريخ وتكفّ عن الدّوران.يهزّها الإنصات لنبض الشّهيد،وعلى أنغام الحانه ترقص، وبشدوه تترنّم. تتهاوى العروش.يرتعب غموض الشّكّ ويتلاشى.تنضج الأسئلة وتتّضح،تكتسب كلّ بريقها وهيبتها. يتراقص وضوح اليقين لتنكسر موجبات الظّنّ.تتواعد الأشلاء،تتهادى وتلتحم. يستعيد الشّهداء، كلّ الشهداء من مختلف الأزمنة،ومن أكثر من عاصمة بريق الألقاب وشجنها وصخب الأسماء وبهاءها وشجن المدن وحنينها. جميعا يرتّلون في انتشاء عجيب أخّاذ نشيدا هو إعصار العصر:هذا ما تبقّى من أشلائنا.ليكنْ لكم ذخرا.دونكم حروف أسمائنا انشروها مطرا،زخّاتها طرب في صحارى العرب.هذه آياتنا انثروها إعجازا فلسطينيّا، فرقانا مبينا، نارا من لهب، ساعة تستعر تصبح كلّ أرض عليهم جهنّم، يرتبك من سعيرها الأعداء ولن يتقدّموا شبرا واحدا.
في لحظة ما، بين حدّ اليقين الواضح وبعض الشّك الأخّاذ يحدث لسبب ما أن يقفز التّاريخ طربا. يتسلّل الرّبّ بعد أن يتحرّر من سطوة ملوك الطّوائف من منفاه القسريّ إلى المنفى الاختياريّ الأكثر أمانا. يوقف التّاريخ عدّاده.يتلو بيانه الأوّل. جملة من الأفكار مضطربة،وفي اضطرابها يكمن سحرها وسرّها.عليك أن تبذل جهدا وتكابد لتفكّ سحر ألغازها. يعلن التّاريخ على مسامع الرّسل والأنبياء أن لا وحي بعد اليوم في غراء حراء.يجزم أنّ الحجّ صار كفرا، قبض الرّيح وباطل الأباطيل منذ استكملت مكّة تأجير قرآنها إلى غزاتها من جحافل التّتار والماغول. لا غُنْم إلاّ ما صنعت يداك. يوم تُقرع أجراس العودة ترتدي عروس المدائن أجمل حللها وتهتف في القبائل: كنتُ دوما على عجل. الآن الآن وليس غدا.
02 / دفاعا عن القيم الإنسانيّة
من مكر التّاريخ ودروسه أنّ بعضا من الانتصارات ملطّخة بالوحل وهي أشدّ من الهزائم عارا . لعنة التّاريخ وسخط الإنسانية على المنتصر. وسام شرف لمن انهزم وهو على وعي بأنّ هزيمته تلك إنقاذ لشرف القضيّة التي عنها يدافع .وبعض الهزائم –متى كانت على أرض المعركة- هي أقرب إلى اختيار أملته الضّرورة.شرف خوضها يحتّمها فيعليها إلى مرتبة أكثر الانتصارات وهجا وألقا. وسام على جبين كلّ أحرار العالم .ولنا في تاريخ الثّورات شواهد دامغة. فليست الثّورة الرّوسيّة بمرحلتيها (فيفري وأكتوبر 1917)غير إحياء لثورة 1905 بتجاوز سلبياتها ونواقصها.ألم تدشّن كومونة باريس (1871) عهد الثّورات البروليتاريّة رغم الهزيمة القاسية التي مني بها الباريسيّون؟؟. لم يخطئ كارل ماركس عندما اعتبر مجرّد قيامها حدثا تاريخيّا نوعيّا،وكتابه "الحرب الأهليّة في فرنسا " قصيدة تمجيد لبطولة ثوّار الكومونة. كم مرة انهزمت الثّورة الفلسطينيّة؟؟ فكم مرّة انبعثت كطائر الفينيق لتكون على موعد مع التّاريخ؟؟ فهل انتهت المقاومة ؟؟التّاريخ، قاضي هذا العالم كما سمّاه بحقّ المؤرخ الفرنسيّ جول ميشلي(1798 /1874)، يجزم بخلاف ذلك.
في ملحمتها الأخيرة( 07 أكتوبر 2023 ...)أعادت المقاومة الفلسطينيّة الاعتبار لجملة من القيم على خلاف ما تردّده قراءات انفعاليّة متسرّعة لا تفرّق(إن لم تكن تتعمّد الخلط) بين وجاهة القيم وراهنيّتها وسعي أنظمة الاستبداد والاستغلال الطّبقيّ والاضطهاد القوميّ إلى دوسها وتوظيفها توظيفا الهدف منه إفقادها كلّ وجاهة. جملة من الملاحظات تفرض نفسها فرضا.
أوّلها:أنّ تنكّر ترسانة الإعلام الغربيّ الرّسميّ التّابع لأنظمة الأوليغارشيّة الماليّة والمعبّر عن سياساتها لإرث عصر الأنوار ومبادئ الثورة الفرنسيّة ومنتوج الفكر الأوروبيّ والإنسانيّ ليس إدانة لقيم الحرّيّة والعدالة والتّحرّر وحقّ الشّعوب في تقرير مصيرها بالتّخلّص من الهيمنة في شتّى مظاهرها (استبداد/ احتلال / استيطان/ تبعيّة) ولا هو اكتشاف لتهافت وتفاهة منظومة قيميّة بقدر ما هو تثبيت لوجاهة وراهنيّة هذه القيم و التّدليل على أنّها لازالت وستظلّ إلى أمد بعيد مطروحة على جدول أعمال الثّوريّين والأحرار- شعوبا وطبقات وذوات- في الغرب كما في الشّرق. وثانيها :أنّ ما يحدث في كلّ عواصم العالم إدانة مباشرة للّوبيات الحاكمة وكشف للتّباين بين تطلّعات ومصالح الشّعوب. سائر الشّعوب (تعاطف ومساندة شبه مطلقة )وطبيعة الأنظمة المرتمية كلّيّا في أحضان شرطيّ رأس المال في البيت الأبيض ودولة الاسيطان(اصطفاف أعمى وتعام كلّيّ عن جملة من الحقائق).
وثالثها: أنّ تعامل الأنظمة العربيّة (المفترض أنّها معنيّة بالعدوان على غزّة كجزء من العدوان على فلسطين) مع الحدث ليست بأقلّ فداحة من تعامل دولة الكيان الصّهيونيّ وحلفائه. الصّمت المطبق الذي يمارسه حكّام الصّدفة لأنظمة عربيّة باتت العمالة خبزها اليوميّ أكثر شناعة ممّا يأتيه الغرب في (وجهه الاستعماريّ)،ولعلّه عامل من جملة العوامل التي تدفع الأنظمة الغربيّة إلى مزيد الاستكلاب.
03/ "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض"
شعار القمّة الرّابعة لجامعة الدّول العربيّة المعروفة بقمة اللاّءات الثّلاث (الخرطوم 19 أوت 1967) أريدَ له أن يكون عنوانا لمرحلة.هي مرحلة ما بعد هزيمة جوان 1967. غير أنّ الواقع كدأبه دوما أكثر بلاغة وإبلاغا وعنادا من الشّعارات وأكثر إنباء من الكتب.بضع سنوات لا أكثر،وقبل أن يجفّ حبر لاءات الرّفض الثّلاث،كانت كافية لتنفتح شهيّة الحكّام إلى موائد التّطبيع.ويحنّ البعض منهم إلى تفعيل أسلحته في التّنكيل بالمقاومة الفلسلطينيّة وليس في "توحيد جميع الجهود للقضاء على آثار العدوان الإسرائيليّ" كما ثُبِّــت ذلك في قمّة الملوك والرّؤساء.أحداث أيلول الأسود في الأردن (سبتمبر 1970 ) بما أسفرت عنه من آلاف القتلى في صفوف الفلسطينيّين مثال(من أمثلة) ساطع يغني عن كلّ تعليق.
الحقّ كلّ الحقّ مع الشّهيد غسّان كنفاني عندما ركبه التّوجّس منذ مطلع السّبعينات من أنّ الخيانة التي اعتبرها ميتة حقيرة " يوما ما ستصبح وجهة نظر" .وهو نفس ما عبّر عنه القياديّ الفتحاويّ صلاح خلف(أبو إيّاد)"إن أخشى ما أخشاه أن تتحوّل الخيانة إلى وجهة نظر". حكيم الثّورة جورج حبش كان مدركا منذ انطلاق الكفاح الشّعبيّ المسلّح "أنّ النّضال ضدّ المشروع الصّهيونيّ قد يستمرّ مائة عام وأكثر فعلى قصيري النّفس أن يتنحّوا جانبا".
04/المسافة الصّفر/ اللّحظة الصّفر
طريق التّحرير محاطة بالأشواك. لإعادة إحياء إعلان الوجود احتاجت كلّ الثورات وكلّ حروب التّحرير عمليّات "استعراضيّة" في رحلة تجسيدها لشعار"إنّها لثورة حتّى النّصر".
تتكامل في ذلك الأقوال والأفعال والشّعارات:خطف الطّائرات في مطلع السّبعينات من قبل الجبهة الشّعبيّة أساسا تكريسا لشعار "وراء العدوّ في كلّ مكان" للفت أنظار العالم إلى قضيّة اسمها فلسطين/ حصار بيروت(1982) وصمود المقاومة البطوليّ لأكثر من ثمانين يوما لإثبات أنّ هزيمة عن هزيمة تفرّق/ انتفاضات الحجارة إثباتا لإفلاس وهم التّعويل على أنظمة عربيّة عاجزة حتّى عن الدّفاع عن جلدها.
07 أكتوبر 2023 حدث سيظلّ مارقا خارقا للمألوف في التّاريخ الفلسطينيّ وفي تاريخ المنطقة،في زمنيّته وفجئيّته وما أحدثه من زلزال."إسرائيل" الآمنة لم تعد في مأمن من ضربات المقاومة في لحظة غير منتظرة ولا من تسلّل الفدائيّين إلى ما اعتبرته دوما معاقل منيعة . الجيش الذي لا يُقهر بترسانة أسلحته الأسطوريّة التي قهرت الجيوش النّظاميّة العربيّة منفردة ومجتمعة في أكثر من حرب أذلّته إرادة ثورة لا تموت وثائر لا يفنى. غزّة المحاصرة منذ17 سنة تصنع من لا شيء أفقا. تثأر لنفسها وللقضيّة الفلسطينيّة وأيضا للسّفلة من بني جلدتها. فعل المقاومة في غزّة فعل ضرورة ضدّ عربدة هي في التّاريخ نشاز يريد "أبناء الحلال" جعلها قانونا وقاعدة .
كان لا بدّ من طوفان الأقصى لفرملة رحلة الهرولة إلى خيمة السّلام بمهر اسمه التّطبيع مدخلا لإبرام صفقة التّصاهر بين العرب وعدوّهم التّاريخيّ .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |