هل النظام القائم قوي؟

حسن أحراث
2023 / 11 / 15

هناك من يقول إن النظام القائم بالمغرب ضعيف، بل هشّ؛ فقط ضعفنا أو هشاشتنا جعلت/تجعل منه نظاما قويا. وكان من بين أشد المدافعين عن هذا الرأي، الى جانب بعض الانهزاميين والانتهازيين وبغض النظر عن خلفياتهم ومراميهم، أفرادا وقوى سياسية، الصحافي الراحل خالد الجامعي. علما أن الجامعي كان عضوا باللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ومستشارا إعلاميا لوزير الداخلية، أم الوزارات في عهد إدريس البصري، بالإضافة إلى كونه ابن بوشتى الجامعي قيدوم حزب الاستقلال و"الحركة الوطنية"؛ وكان البصري يناديه ب"ولد الجامعي". وكم غرقت في الجدال مع خالد بشأن السؤال المطروح "هل النظام القائم قوي؟"، وذلك بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، حيث كان قيد حياته يقطن بشقة بأحد طوابق نفس العمارة، وكنت حينها كاتبا عاما للجمعية.
كان خالد يدافع عن كون النظام القائم هشا (وكفى) ولم يجرأ على طرح أي بديل رغم انتقاده الحاد لحزب الاستقلال، وكنت عكسه أقول إن النظام القائم قوي ويجب أن نكون أقوى، أقصد الشرط الذاتي..
وهنا أسجل "غموضا" صارخا في طرح خالد الجامعي. فإذا كان النظام القائم ضعيفا وهشا ونحن في وضعية ضعف وهشاشة، من سينتصر يا ترى؟ بدون شك لن ننتصر نحن، وقد تنتصر جهة في مُخيّلة أو أجندة خالد الجامعي..
كانت لخالد علاقات واسعة بالمغرب وخارجه، وكانت لديه الكثير من المعلومات والمعطيات الغائبة عنّا (كان يبوح ببعضها كلما لمس النضج والمسؤولية لدى مخاطبيه وببعض الإغراء، وخاصة ما تعلق بعلاقته ب"الأمير الأحمر" هشام). كما أن تجربته السياسية والصحافية مكّنته من الاطلاع على العديد من الملفات والقضايا. لكن لا يعني ذلك أن تقديره صحيح أو رأيه سديد..
من جانبي، لم أكن أنكر ضعفنا، وبالتالي استغلال النظام لوضعنا الذاتي الهش والمُمزّق رغم تضحيات بنات وأبناء شعبنا وفي مقدمتهم العاملات والعمال. وكنت أتفق مع خالد في بعض ما ذهب إليه. إلا أني أستحضر أننا نواجه نظاما مُدجّجا بأحدث الأسلحة؛ وليس ذلك فقط، بل كونه مدعوما ومحروسا من طرف مختلف مخابرات الرجعية والصهيونية والإمبريالية، ومنها بالخصوص المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) والصهيونية (الموساد)، وبدون شك أجهزة مخابراتية أخرى غير معلومة ولديها ما يكفي من الوسائل التكنولوجية الحديثة غير المعروفة حتى الآن والتي بإمكانها بنسبية كشف وشل أي فعل نضالي مناهض لمصالحها..
لم تكن بالنسبة لي قوة النظام المشار إلى بعض نقطها أو أوجهها حاجزا دون انتصار قضية شعبنا. كنت بالدرجة الأولى أُحذّر من وهم "سهولة" الانتصار أو الاعتقاد بأن الثورة قاب قوسين أو أدنى، وهو وهم واعتقاد قاتلان..
فعندما نستحضر حقيقة العدو، خاصة نقط قوته وحتى نقط ضعفه، فإننا نحسب لها الحساب المناسب، ودون فقدان الثقة في أنفسنا وفي قضيتنا. ودليلي الملموس هو استمراري بخطى ثابتة على درب شهداء شعبنا من أجل انتصار نفس القضية التي استشهدوا من أجلها. وأسجل ذلك أمام الملأ إبان الذكرى 39 لاستشهاد الرفيق البطل الماركسي اللينيني عبد اللطيف زروال..
وأضيف أن انتصار الشعوب المضطهدة على أنظمة الاستعمار قام على قوة هذه الشعوب رغم همجية الاستعمار والإمكانيات المتاحة له من خلال استغلال خيرات الشعوب المستعمرة. ولنا في تجارب التحرر الوطني ومنها التجربة الفيتنامية الكثير من الدروس. فأن تُهزم الولايات المتحدة الأمريكية في أوج قوتها العسكرية لم يكن أمرا عاديا، لولا قوة المقاومة الفيتنامية و"واقعيتها"، أي اعترافها بقوة العدو واقتناعها بقوتها، أي قوة المقاومة، وإرادتها التي لا تُقهر (إرادة الشعوب لا تُقهر).
وقبل ذلك، فانتصار البلاشفة في فبراير 1917 إبان الثورة البورجوازية وإسقاط النظام القيصري وبالتالي انتصار الثورة الاشتراكية في أكتوبر من نفس السنة والاستماتة في بناء الاشتراكية بالعديد من الدول "الشرقية" (الاتحاد السوفياتي سابقا والى حين) رغم ظروف الحرب وتبعاتها والثورة المضادة تعبير لا يقبل الشك على أن إرادة الشعوب لا تُقهر؛ وهي حال الثورة الصينية سنة 1949، وثورات أخرى بألبانيا وكوبا وغيرهما..
واليوم، لابد من استحضار الظرفية التاريخية وتحالفات المقاومة بالداخل والخارج، وهو نفس الواقع الراهن أمام القضية الفلسطينية في مواجهة الصهيونية والامبريالية والرجعية؛ وبالتأكيد بالنسبة لأي تجربة نضالية تتوخى التحرر والانعتاق من أجل الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. دون أن ننسى أن معرفة الواقع (التحليل الملموس للواقع الملموس) وعناصر قوة العدو حاسمة في هزمه..
وحتى لا ننساق بحماس وراء التجارب الناجحة، لابد من التوقف عند التجارب المُجْهضة حتى لا أقول الفاشلة، ومنها تجارب نيكاراغوا وأفغانستان والهند الصينية (اللاوس وكمبوديا والفيتنام)، وكذلك تجارب وأخرى بأفريقيا (باتريس لومومبا بالكونغو وتوماس سانكارا ببوركينا فاسو) وأمريكا الجنوبية (التجربة الوطنية لسلفادور أليندي بالشيلي)، وخاصة "انتصار" التحريفية المضادة لمواصلة البناء الاشتراكي بالاتحاد السوفياتي مع رمز التحريفية خروتشوف..
وباستحضار مقولة "الثورة تأكل أبناءها"، أعود الى التجربة المغربية في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. فقد ساهم الطابور الخامس والعديد من "الرموز" التي ما فتئت تحتل رأس المشهد السياسي ببلادنا في إجهاض المقاومة المسلحة وجيش التحرير المغربيين وباقي المحاولات النضالية المغدورة (شيخ العرب ودهكون...). وبدون دراسة هذه الفترة التاريخية وخاصة الصراع الدموي بين حزب الاستقلال من جهة وحزب الشورى والاستقلال من جهة أخرى الى جانب أدرع المقاومة المسلحة ومن بينها الهلال الأسود، سنكون سطحيين الى أبعد الحدود..
عموما، النظام القائم قوي أو غير قوي، يجب أن نكون نحن أقوى ذاتيا مادام شعبنا قويا وفي مقدمته الطبقة العاملة. وقد برهن على ذلك من خلال الانتفاضات الشعبية العديدة، أي منذ 1958/1959 و1965 الى انتفاضة 20 فبراير 2011 وما تليها بتازة والشمال وجرادة ومناطق مغربية أخرى مشتعلة...
إنها ثورة حتى النصر..

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي