وقفت على الاشلاء يا غزة

ماجد مطرود
2023 / 11 / 5



وقفتُ على الأشلال مضطرّاًً، وقفتُ حتّى تهشّمتْ ساقاي يا غزّة!
حتّى تهرّأتْ ملابسي، واحترقتْ مفاصلي، وطوى اليبّاسُ جلدي
حتّى تثقّبتْ زوارقي بالشظايا وغرورقتْ سواحلي بالزَبدِ
حتّى شحتْ ضمائرُ الخليج في الخليج، وجفّتْ عيونُ الجزائر في الجزائر
حتّى دفنَ الطّيرُ في تراب النيلِ جناحَه ومنقارَهُ وحباتَه
حتّى خاصمَ النخلُ فراتَهُ الشّحيح وتيبّستْ سعفاتهُ
حتّى اندمجتْ غيومُ السَّوادِ ببعضِها واستمْطرتْ من خساراتِها خُلاصةَ الانّاتِ
حتّى تكلَّمَ الأخرسُ واستعارَ من حناجرِ الخُدّجِ نغمةَ الويلاتِ

وقفتُ على الأشلاء مضطرّا وصرختُ بحنجرةٍ جريحةٍ ياغزة!
صرختُ بخطوتي المُحتجّةِ نحو الله مستفهما
صرختُ بغايةٍ على حدود العدلِ بكلِّ وسائلي
صرخت بالنّشيجِ على باخرةِ الفضاءِ وهي بالسّيف تدورُ حولَ عنقي
صرختُ بانكسارات النفسِ على الميّتين تحت البنايات الساقطة
صرختُ باصابعي المتخشّبةِ على مفاصل الغائبين لكي يحضروا
صرختُ بالماءِ على ضمأ الشّهداءِ
صرختُ بالحروفِ المتحركةِ على شواهد القبورِ السّاكنة
صرختُ على الغُيومِ والأنهارِ والعيونِ الماطرة

وقفتُ على الأشلاء مضطرّا ومسحتُ عن قدميّ الذكريات يا غزة!
مسحتُ اشخاصَ الروايات والمسارح
مسحتُ ابطالَ الأساطيرِ وعلامات الأولين
مسحتُ أسماءَ الخلفاءِ وجيوشَ الانكشاريين
مسحتُ اللّونَ عن الجلودِ اليابسة
مسحتُ المعدنَ الخاملَ عن تماثيل الالهة
مسحتُ الأوطانَ واللغات وأرضَ الخرابِ كلّها
مسحتُ الجُدرانَ عن القصائد المعلقة
مسحتُ الصوامعَ عن العقائد المزيّفة
مسحتُ أسماءَ المساجد والكنائس والمعابد
مسحتُ المدنّسَ عن طريقي والمقدس عن جنوني
مسحتُ الافعالَ المستعارة والاسماء المزوّرة
مسحتُ حتّى هذا المُتأمل والحالم من صفاتي

وقفتُ على الأشلاء مضطرا فرأيتُ، التاريخ يبكي عليك يا غزة!
رأيتُ (جلجامش) نادبا-لاطما على خدِه
رأيتُ (حمورابي) مستبدلا عينَهُ بعينِهِ، وسِنّهُ بسِسنّهِ
رأيتُ (نبوخذنصر) لاعبا بالنَردِ سعيدا مع سباياه الحاقدة
رأيتُ الرسولَ يودعُ الرسالةَ بعينٍ بصيرة
رأيتُ اسنانَ الذئب لامعةً بوجه القميص
رأيتُ كربلاءَ فاتحةً ذراعيها للكرِّ والبلاءِ
رأيتُ بغدادَ رافعةً ساقيها كعلامة النّصرِ
رأيتُ المنارات تلوي لسانَها باسم الربّ
رأيتُ الصَّليبَ في الجَنوبِ يُكركِرُ ضاحكاً على آلامهِ

رأيتُ المراقدَ تنتج افلاما عن السّاحرِ والعرّاف
رأيت انسانا يخلعُ صنوَه من أنَس النّاسِ
رأيتُ الأكرادَ يدبكون جزعا ثمّ بصبرٍ جميلٍ يتسلقون جبالَ الجلّنار
رأيتُ العربَ يستنكفون منَ الاعراب ثمّ يعربون عن اسفهم ليَعرُبَ دون حياء
رأيتُ الرشيدَ والمنصورَ في قفص الاتهام يلطمون من شدّةِ الحيفِ
ورأيتُ قلبي وحيدا يلبط فوق الأرض مثل ذبيح

وقفتُ على الأشلاء مضطرا وسمعتُ نحيبَ الأرضِ يا غزة!
سمعتُ أنينَ الترابِ وبكاءَ الحجرِ
سمعتُ الأزيزَ وصافرات الإنذارِ المبكّر
سمعتُ صوتَ الحافلات الثقيلة
سمعتُ رعشة القَشطِ والشَفطِ والتجريفِ
سمعتُ شهيقَ الأمهات وزفيرَ الآباء الثكالى
سمعتُ ارتباكَ الكرامةِ ودموعَ الجبين
سمعتُ اللونَ الأسود والأبيض
سمعتُ الجدالَ كلَّه والخِصام
سمعتُ الحزنَ العتيقَ يُعتّقُ الصبر والعيون
سمعتُ سليمانَ يبكي هيكلَهُ
سمعتُ داوودَ يتلو لجالوت زبورَهُ
سمعتُ المسيحَ يمسح بالصليب محبّتَه
سمعتُ القرآنَ يصرُّ اسئلةَ الخيّلِ بالصريرِ
وسمعتُهُ يفتحُ للصهيل بابا ويُسرّبُ الصراخ لاولادي

ماجد مطرود / بلجيكا

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي