|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
مظهر محمد صالح
2023 / 10 / 30
مازالت بلادنا على مفترق طرق في التعاطي مع المسالة الفلسطينية التي غاب القانون الدولي عن عدالتها ، فمخلفات احتلال العراق بعد العام 2003 وشروط ومناخات التغيير التي جرت من حوله اقليميا ودوليا ازاء المسالة الفلسطينية ، هي مازالت في مساحة الجدل التي تؤرق الحياة وتشحن الغيوم السياسية العراقية تجاه منع التعاطي مع شرعية الاحتلال الاسرائيلي . اذ تمثل تلك الجدالات وحتى اللحظة نقطة الاثارة بين شرعية الحرب ضد الاحتلال وزيف السلام مع المحتل وعلى وفق معطيات الاغتراب الاقليمية والدولية الراهنة:
1- فازاء الوضع الاقليمي الذي تعيش المنطقة تداعيات ابهامات وجهته ، تجد ثمة عواصف داخلية تخلفها عجالة عزل ملفات قضية العرب المركزية على مستوى التفرد الرسمي العربي ،ليعيد جلها كتابة جداول اعماله القائمة على لملمة القرار الداخلي في ايجاد تعريف مستحدث للمساءلة الفلسطينية ،يفضي الى تغيبها وهو الايهام الاول الذي تتناغم فيه هرمونية انزلاق العدالة في اجزاء من النظام العربي والاستقطاب في مستقرات النظام السياسي الدولي الخالي من فكرة العدلة .
2- وعلى صعيد فراغات البعد القومي التقليدي من المسالة الفلسطينية نفسها فقد اخذت هي الاخرى منهجاً يتسم بالانعزالية المصطنعة والغربة في تلمس شروط الحد الادنى للتضامن ،لتستقطب اليوم جميعها في منحدر الذوبان في ذلك التكتل (العربي التجميعي الهش )الخالي من اي عقيدة تعريفية في الحفاظ على الهوية دون تشتت ، ومازال يعيش افرازات نتائج الحرب العالمية الثانية وظروف الحرب الباردة اسمها :
جامعة الدول العربية ، وهو الايهام الاخر في التعاطي مع تغييب المسالة الفلسطينية واغترابها دون تاثير يذكر .
3-وبين الايهام الاول والايهام الثاني
انحاز مسار المسالة الفلسطينية صوب جدول اعمال عقائدي شبه معولم في الدفاع عن الحق من زاوية ثيولوجية في هذه المرة غابت حدود الارض فيها ومحداتها واقتصرت على غزة في مواجهة حرب تلفها عقائد مبهمة ما قبل الميلاد و هي غارقة في الاساطير والاوهام والخوض في مخيال زائف يسوغ ديمومة الاحتلال .
وبالمقابل لم يتوافر للمحيط الاقليمي العربي سوى اندفاعات شعبية عفوية يلفها موروث اديولوجي ديني ويتبلور بلا انتظام خارج جداول الاعمال المضطربة عربيًا في التعاطي مع الشأن الفلسطيني وهو الايهام الثالث .
4-لم يجنِ العالم العربي بعد مرور 75 عاما من احتلال فلسطين سوى جغرافية سياسية منقسمة بين معسكرين: الاول ،هو معسكر تنامت فيه بمرور الوقت كتلة اغتربت عن المسالة الفلسطينية تماماً وبنت جدران القبول لها داخل المحيط الاقليمي العربي وتعد بلدانها مستقرة سياسيًا وتنموياً كثمن للاغتراب والتمتع باجازة السلام عن مجريات قتل الحق واستلابه استعدادا للسير المباشر صوب برنامج التطبيع مع اسرائيل بهارمونية اخرى لما بعد غزة post Gaza era . اذ يسوغ المعسكر المذكور الاحتلال ويحوله الى حق بسلام خائن .انها الكتلة التطبيعية الاكثر استقراراً ونمواً حتى وان كان ذلك الاستقرار مصطنعاً .
اما العسكر الثاني ، الذي افرزته الاحداث الاقليمية خلال اكثر من عقد من الربيع العربي المضطرب ، فهو قائم اليوم على نشوء اوضاع تضرب باطنابها مجموعة دول عربية مازالت تتعثر في صراعات وجودية وتلطع جراح حروبها الانقسامية المبهمة النهايات .انها المجموعة العربية التي يُغيب السلم الاهلي عنها و أسيرة الحروب الداخلية التفكيكية وهي ترقد في اجندة اطارها العام مشروع سياسي إمبريالي قادم .وتعد تلك المجموعة في الوقت نفسه قوى معسكر تائه يبحث عن مصفوفة مستقبله في جغرافيا سياسية شديدة الابهام وبلا نهايات.
بعبارة اخرى انها مجموعة تمضي تحت هشيم إستراتيجيات امبريالية ترسم خرائط التفكيك والدمج لولادة شرق اوسط جديد يبتلع خرائط الماضي ويرسم الجغرافيا السياسية لبلدان المنطقة بادوار تفرغ سهام القضايا المركزية للامة من جعبة شعوبها .
5- ختاماً ، فقد مضى عقدين من الاحتلال وتبدل المعادلة السياسية في العراق والمحيط العربي والاقليمي يتقاذفه معسكران احدهما يعيش السلام الزائف عبر التطبيع والاخر يبحث عن السلم الاهلي في حروبه الداخلية ،لذا فان بلادنا هي مازالت تتعاطى بوعي وضمير شديد التحسس مع عدالة المسألة الفلسطينية في وقت تتقلب فيه المنطقة من حولنا بين معسكر التطبيع بسلام زائف وبين معسكر الرفض المستنزف بانشغالات حروبه الاهلية غير المقدسة . وان كلا المعسكرين مازالا يقبعان في مرتسم الاغتراب ،وان محدداته في الجغرافية السياسية مازالت شديدة التقاطع تلفها ضبابية التوحش ، ونحن ننظر الى خرائط الاغتراب ،فمنهم من سقط في فجوات التطبيع بسلام زائف ومنه من تلفه حفر من دم تعج بلا شي من العدالة الانسانية، والمسالة الفلسطينية تتخبط غارقة بين فجوات التطبيع وحفر الدم.