|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عباس علي العلي
2023 / 10 / 28
قد يكون هذا المفتاح التساؤل بداية لمحور جديد من محاولات التقرب من الأسئلة المحرجة الذين كثيرا ما تفادى العاقل من الخوض فيها، ليس لأنها مسألة لا عقلانية أو لا مجال للدخول فيها، ولكن للتبعات التي تترتب عليها من قبل مدعي العقل والتعقل المنطقي وفق لفهم المنطق عندهم وحدوده الشرعية كما يزعمون، إذا الموضوع ببساطة ممكن ولكنه معقد ويحتاج إلى دقة عالية جدا في مسارات الفهم والتشخيص وتحديد الأطر الأساسية التي تؤسس لما نريد.. بداية مع التساؤل الأول حول "ما نفهم من كون الله حقيقة مطلقة في الوجود التصوري بعيدا عن الوجود الحقيقي الذي لا يمكن أن ندركه كما هو بقدر ما نفهمه كما هو".
في هذا المبحث هناك خطان من أساليب ومدركات الفهم التي يمكن أن تقربنا من الهدفية الغائية، الأول وهو يتعقل بموضوع ما قبل الفهم ولماذا نسأل؟ ونحن نعلم أن السؤال والجواب لا يغير من واقع الله كواقع عملي مجرد، بمعنى علمنا أم لم نعلم هذا موضوع خارجي بالنسبة لله كوجود في المتصور، أما جوابه فهو خاص وموضوعي بالنسبة لنا، لنا نحن الذين نحاول أن نقترب أكثر من أسرار الوجود في محاولة ليس لكشفها وفهمها فقط ومن ثم بناء تصور أخر وربما مختلف عن ماهية الله ووجوده، بل حتى لنبني طريق أفضل وأكثر علمية وعملية مع الوجود الذي نحن جزء منه، ولكننا نفتش عن أزرار السيطرة عليه من خارجه.
إذا كمرحلة أولى في البحث لا بد من عزل وفرز المسارات وخطوط العمل بين ما هو تصوري ظني تحصيلي لكنه مدرك ومقبول غالبا، وبين ما هو منطقي حقيقي لا يهمل ولا يترك ولا يمكن تجاهله في فعالية العقل الدائمة الكلية والتفصيلية، أي أن نجعل من الله قضية بحثية خاضعة لكل أحتمالات البحث العلمية والعملية، هذا مع إيماننا الأول بأننا في محاولة بحث وليس في محاولة إثبات أو نفي، فالبحث العلمي والعملي والمنطقي يدور وجود وعدم مع وجود وعدم الموضوع، وبما أننا لا ولم ولن ننفي الموضوع وإنما نبحث عن حقيقة بحاجة إلى مزيد من الضوء الكاشف، وإلى مزيد من الدلائل التي تكشف طبيعة علاقة الوجود التصوري ومنشأه مع حقيقة الوجود الحقيقي للموضوع، مع إقرارنا أنا الكثير من التخبط وسوء الفهم والتشويش وحتى التوهم والخرفنة تحيط بموضوع الحقيقة التي نراها جميعا لكننا لا نفهمها بشكل أساسي بالكيفية التي هي عليها، أو من المفترض أن نفهمها كما هي حتى عند الناس الأكثر قربا بالعلاقة مع الله كما يزعمون، أو هم أكثر صلة به من حيث هم ساعون ومجدون في شرح الموضوع لغيرهم.
ليس من الكفر ولا التعدي على قوانين الوجود أن نجعل من قضية الله أو نجعل الله قضية بحثية معروضة للبحث والنقاش، فالله وفي كل الأديان التي تنتسب له حقيقة أو أفتراضا تبدا بشرح هذه القضية للإنسان، وفقا لمنهجية الإقناع وبمنطق عقلي لا يرفضه عقل المخاطب بالدين، فإذا من يزعمون أنهم حماة الله وقضيته عليهم أن يراجعوا منطق دينهم من البداية، من حيث أول فكرة طرحها الداعون لها، هنا يمكن أن نكشف لهم أن ما يزعمونه كفرا هو مجرد محاولة هرب منهم لمناقشة قضية تحتاج لمزيد من الجهد عندهم خصوصا حتى يتمكنوا من فهم كامل قضية الدين، الموضوع إذا هو بالحقيقية حماية لبناء تصوري عندهم يفترضون أنهم وافع مادي حقيقي ومنطقي لا يقبل الجدال، دون أن يكلفوا أنفسهم بملامسة هذا الواقع الذي يفترضونه من قرب وعن قرب وبكل الوسائل العملية والعلمية والمنطقية.
إذا المحاولة الفهمية مهما توصلت لنتائج أو فشلت في مسعاها فهي تبقى في حدود العقل البشري دون أن تمتد للوجود الحقيقي لله، وهذا يعني أننا لا نخدم الله ولا نعترض على موضوعه أو نغير في واقعه من شيء مهما فعلنا أو صنعنا، ولكن من حقنا الطبيعي أن نفهم الأمور بالقدر الذي لا يشوش الصورة الكلية التي يجب أن تبقى معبرة عن مطلق الحقيقة وكمال وجودها بعيدا عن تصوراتنا المسبقة أو أحكامنا الذاتية عنها أو فيها، النقطة الأخرى والتي تؤسس على ما تقدم وهي إشكالية من يخبرنا أننا نسير بالطريق الصحيح لفهم ماذا أو معرفة كيف أو تحديد أتجاه أين، المعيارية أو ما يعرف بالدليل العلمي للقياس والبرهان عليه، هنا يختلف المنطقي عن التسليمي، فالأول يهتم قبل البحث بتثبيت المعايير والقياسات المؤكدة ومنها دلائل الفحص والتميز والفرز، أما التسليمي فيكفيه أن موضوع البحث يقاس بما وصل له على أنه نهاية كل شيء، هذا الفرق تماما كمن يرى الوجود الخارجي من إطلالة شبام ويظن أن ما يراه هو غالبا كل الوجود، وبين من يرى الوجود في عقله على أنه لا نهاية للتعقل إدراكيا لأن المدرك محدود والمحدود عاجز عن ملاحقة المطلق أو فهمه كليا كما هو، وبالتالي لا تعقل ممكن في نهاية الوجود لوجود لا نهاية له.
بتحقيق هاتين النقطتين الأنفتين يمكننا أن نبدأ من حيث قررنا أن نصل لشطر من طريق الحقيقة، لا يهم بعد ذلك أن تثار اسئلة أو تستجد مواضيع قريبا أو بعيدا من الهدف، وهذا طبيعي مجرد أن تفتح شباك عقلك توقع أن ترى أشياء كثيرة، منها المتوقع ومنها الغير متوقع على أي حال، وهذا ما يجعلك أقوى وأكثر قدرة على الإراءة الذاتية لنفسك وتقدم الكثير على طاولة الفهم، إذا لنعود إلى منطق البحث وسؤاله الأساسي " ما هو الأمر الذي يجب أن نفهمه؟ ما هو الله؟ أو ماذا نفهم من وجود الله؟ أو لربما بشكل مكثف من هو الله؟ "، من الطبيعي أن يرى البعض أن مبحثي هذا عقيم سواء فهمنا الله أم لم نفهم فرحلتنا القصيرة في الوجود لا يجب أن تخرج عن غائيتها الأساس وهي الخروج على الأقل بما هو حد أدنى من الخسائر مع إمكانية أن نستغل هذا الوجود المؤقت لتحقيق بعض من مفاهيمنا النسبية للسعادة، كلام جميل والأجمل أنه واقع وحقيقي ولا خلاف عليه حتى معي، إذا ما فائدة هذا البحث مع الإقرار السابق؟.
الجواب بكل بساطة يمكن أن نجده في صورة الوجود الأول للإنسان في الوجود هذا، السؤال محدودا بكيف كان؟ ولماذا تغير؟ وعن علة التغيير وأسبابه الحقيقة؟، لو أجبنا على ذلك بصراحة من أن الإنسان في أوج بدائيته وبدويته كان يفكر، ويحاول بإصرار على فك الألغاز ومصارعة الغيب والجهل والشكوك، ومحاولة أن يعلل ويبرر ويفهم ويفرز ويرتب المواضيع وفق أهميتها ومنها عالم القوى اللا مدرك، ثم أنشأ في مرحلة لاحقة ومترابطة مع المرحلة الأولى أول ميكانيكية معرفية لأنتاج المعرفة والعلم، مستخدما حواسه الخمسة وعقله كاملا بالقدر الذي تسمح به التجربة المتراكمة من التعقل، فتحول وتغير وتطور.... ثم صار يفتي متأخرا بأن الحياة لا تحتاج منا أن نفهم كلياتها بقدر ما تحتاج منا أن نفهم حركة جزئياتها لتحقيق مستوى عال من السعادة، التي تنتهي عندها وجودية الإنسان تماما شكلا وجوهرا وموضوعية والشكل ذاته تماما الذي ينتهي فيه البائس والمفكر والباحث وعديم الإدراك.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |