|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عباس علي العلي
2023 / 10 / 2
لعل من المغامرة والجرأة التي لا عذر لها او معها أن يكتب إنسان بسيط مثلي عن علي وعن أعداءه ومحبيه ليفوز برضا القراء الذين هم أما من هؤلاء أو من أولئك , لكن ما يشجع على ذلك هو أن عليا يستحق أن نجعله مادة للكتابة في كل يوم وكل ساعة , ليس لأنه إمام فقط من أئمة المسلمين أو قائد من أخير الخيرة من زعماء التأريخ المنصف , المهم أكتب اليوم لمعة ذهنية خطرت لي وهي محاكمة عقلية لمن أحب عليا أو نصب له الكراهية والعداء , قد نجد أعذارا كثيرة للمحب منها أن عليا كان فقيرا بمعنى الحاجة وهو زعيم أمة وصاحب سر لو أراد أن يسير الغنى له لسار راكعا لقدمي علي ولكنه فضل الإنسان الطبيعي الذي أراد أن يبسط للناس جميعا إن الله مع المتقين .
لا يلام على شيء من أحب عليا وإن كان الحب موروث تسليمي تقليدي وحتى لو كان أسطوريا فالأشياء الجميلة لا تحتاج لتبرير لنحبها أو نضعها موضع التقدير المناسب , الورد لجميل الحدائق النضرة والأنهار المنسابة بين الحقول ومشاهد الغابات الجميلة وغيرها من عشرات بل مئات الآلاف من الصور الطبيعية تتسلل لعقلنا حاملة معها إعجابنا الطبيعي التلقائي لأنها هكذا إبداع رباني مساوي لكل قيم القبول العقلي بلا تردد ولا بحاجة لبرهان , كذلك حب علي في الإنسان الطبيعي لا يحتاج لمبرر أو ضرورة كي نحبه فقط نحتاج لأن نلتقط له صورة كي يدخل العقول والقلوب بلا أستئذان , هكذا هو الإنسان بمعيار السلامة الطبيعية يتقبل كل جميل فقط لأنه جميل بلا عنوان ولا برهان , أما من يكره العصافير والبلابل وتغاريد الطيور وحقول الزهور وأسراب النوارس وهي تنشر السلام على الشطأن فلا بد أن يكون معلول العقل أو فاقد البصيرة وبالتالي فليس على المريض من حرج .
في قائمة محبي علي الكثير الكثير من الفقراء الأتقياء الأنقياء البسطاء العلماء العبيد والملوك العقلاء ورهط المجانين كلهم فلاسفة ومتصوفة وزراء وحجاب نساء ورجال أطفال في المهد وشيوخ في أرذل العمر , أيتام وأغنياء عرب وعجم مؤمنين وملحدين مسلمين وغيرهم , لكن قائمة كارهي علي هي التي تقصر بشواهدها وأفرادها وكأنهم أمة واحدة خلقها الله لتكون أمة كارهي علي ,هم أبناء الذين لا يعرف أبائهم , الأدعياء المنافقون ,عبيد الظالمين وكارهي الحق , أمة تنتعل الحكمة وتتزين بالجهل يقولون ما لا يفعلون أيديهم شحيحة وقلوبهم يسكنها الروع والخوف من نور الحق , تولوا الباطل حتى قدسوه وعبدوه وهم على ما في التأريخ من كثرة لا يشكلون نسبة برقم صحيح قريب للواحد من نسبة محبي علي, لا يذكرهم أحد بخير وهو متيقن أنه صادق , يمتدحهم من كان على دينهم وينتهج نهجهم وهم خائفون حذرون أن تصيبهم دائرة السوء واللعن وهم منها أقرب , فلا عجب أن يجاهر بالحب من والى عليا وعشقه وأحبة ويتوارى في الظلمات من نصب العداء له من سوء ما بشر به .
يؤكد كارهي علي أنهم يكرهونه ليس لأنهم أصحاب مشكلة معه أو يختلفون معه بالرأي والعقيدة أو أنه سبب لهم أذى أو أسى, ولكنهم في كل حال عندما تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة لا يردون قولا لقول ولا عذرا لفعل ولا يعرفون لماذا هم كرهوا الحق, فتستدرك من المقالة ومن لحن القول أن طينتهم مجبولة بالكراهية مذ قرر الله أن يخلقهم وهم في الأصلاب لا ينطقون بالشهادة ,فعاشوا الكراهية وفارقونا عليها لأن وعد الله حق وحق الوعد أن يصدق , أما من أحب عليا فلو سألته وهو جنين وشاء الله أن يجعله ناطقا لقال حب علي كان في الطين الأول قبل أن يكون لآدم وجود, قد نشطح بالقول والرأي وهو ليس بالتأكيد شطط ولا هجر ولا خرافة ,إنها فطنة العاقل وحكمة المعقول من قول وفعل وتصريح, لا يحبك علي إلا مؤمن ..... وهذا قول فصل ولا يبغضك .... إلا من أرتضى أن يكون للشيطان موضع الولاية والحاكمية والطاعة والحضور التكويني في الصلب وفي الترائب .
السؤال المطروح الآن من هو علي الذي اختلفت فيه أمة عرفته وأمة لم ولن تعرفه كما ينبغي التعريف به , علي الذي قاسم الرسول في كل ما يحب حتى في موضع القدس كان في قلبه زاوية يقول عنها أنها معبد علي وحظه من الله ومني ,فكان قاب قوسين أو أدنى من الرحمة المطلقة لولا أن محمدا كان الرؤوف الرحيم ,علي الذي طلقها قبل أن يتزوجها ونزل منها قبل أن يركبها وتركها قبل أن تتركه فغضب منه أصحاب المشأمة لأنه قال للناس أنتم من طين واحد ,وما فضل الله الطين بغير اليقين فمن كان يقينيا كنور الشمس فاز بهما معا ومن أدلس وتدلس بالقول زاعما أن طينته كانت من طين الجنة ودمه أزرق وليس أحمر قانيا وأن الله منحه ما لم يمنح غيره فتالله غير صادق ولا مصدق ولا ينبغي الإنصات لما يقول لأنكم خلقتم من نفس واحدة , وأما أنتم فصنفان صنف اصغر في الدين شقيق وصنف أكبر من الطين الرقيق وكلاهما واحد ومن واحد ويرجعون لسبب واحد وإنا إليه راجعون ,فترك عليا ما قاله أثر يجري خالدا في العقل السوي, وقال يا أيها الناس أنتم الفقراء لله وهو الغني الكريم , فغشي القوم شيطان القلوب فأقفلوها واردموا على أبوابها حجر ومدر كي لا ينفذ صوت الله الناطق للقلوب وهم واهمون .
علي الذي جاع وشبع وفي كلا الحالين حمد الله على نعمة التفضيل كما حمده على نعمة الصبر والتصبر ,علي الذي لم يداهن في القول في زمن كانت المداهنة سياسة العقلاء وعقل الساسة فسرقوا ثروته التي هي للفقراء إرث وللإنسان مكسب ليتقاسموها مع الشيطان لكل منهم سهم مبين , وهو صابر على القذى في العيون والشجي في القلوب ينتظر من الله أمرا كان مفعولا, علي الذي تخشى السيوف طلعته قبل السياف سقط صريعا على جبهته وهو في ضيافة الرحمن وبين يدي رحمته والله قادر على أن يرد الكيد ولكنه أبى إلا أن يراه شهيدا وهو الذي لا تغيب عنه شهادة , فسقط في حضن الله يردد فزت ورب الكعبة والكعبة تردد تهدمت والله أركان الهدى , ألهذا كرهوه ولهذا أحبوه ليس لأن عليا شهيد لله فقط ولكن لأن الشاهد يوم الخصام هو الحاكم الذي تستوي في حضرته الخلائق , فلا منكر تقبل نكرته ولا كاذب يطلب الشهادة .
من هذا علي الذي سكتوا حين نطق ؟ فأسكتوه مجازا لينطقوا فلا قالوا شيئا وهو يتكلم ولا تكلموا بشيء وهو صامت ,علي صاحب البيان وأمير الجنان معلقاته طوال وقصار وبيانه سحر العقل حين يكشف للنور كل دروبه ,تستلم لحروفه أفكارها وتنعم قريرة في كلامه عظائم الحكمة وملهمات الروح في نقائها والسريرة ,علي الناطق بالقرآن شريك الرسول في معارفها بابا لا تؤدي وظيفتها أي باب ولو جاؤا بكل أبوابها , فلا منفذ لمدينة العلم غيرها وهو القائل يوم جهل غيره سلوني قبل أن تفقدوني , ففقدوه حين لم يسألوه ولا مناص أن ننتظر يوما تجف فيه الصحف وترفع الأقلام لنعرف ما اخسر الإنسان حين لم يسألوه وإن كان مما يجب أن يسألوه أين نجد ما نجد فيما تجد من طرقها التي توصلنا بالمطلق وتطلقنا على الموجود , خاب وخسر مكذبوه وما للأخسرين من عزاء , علي رجل جاء في غير أوانه ومتأخرا جدا عن ما كان ينبغي أن نكون معه على أقل تقدير نملك الآن ما يدفعنا أن نقول له بعض من سؤال تبجح به علينا العارفون والعالمون وممن يمضي ليله بنهاره وهو يبحث عن سر أسرارها وكهنوت حركتها ومضامير قوتها .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |