![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
أحمد رباص
2023 / 9 / 30
شهد نصف القرن الأخير تطورا ملحوظا في الفلسفة بالمغرب، وذلك بفضل الالتزام المهني والفكري لعدد كبير من الشخصيات الفلسفية المغربية. وهكذا انتقلت الفلسفة المغربية من وضع المستهلك إلى وضع المبدع، وذلك بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط والغرب.
تتيح لنا هذه الحقيقة أن نقول إن هذه الفلسفة قد شقت طريقا أصليا. ويشهد على ذلك العدد الكبير من الكتابات والكتاب المغاربة في هذا المجال.
تقريبا، جميع الاتجاهات الفلسفية المعروفة اليوم ممثلة في المغرب. وهذا يعني أن الفكر والروح النقدية وجدا مناخا ملائما للتطور في المغرب. ومن يقول النقد لا يعني بالضرورة الرفض.
يعد الدكتور محمد سبيلا من أبرز الشخصيات الفلسفية المغربية، التي كان لها تأثير إيجابي على الفلسفة في العالم العربي بشكل عام وفي المغرب بشكل خاص.
كان مبدأه التوجيهي منذ سبعينيات القرن الماضي هو إرساء أسس الحداثة الفلسفية والفكرية في النسيج الثقافي المغربي والعربي، وفق مقاربة واعية ونقدية ومسؤولة.
أساس هذا العمل الدقيق هو كتابه: “الأيديولوجيا: نحو نظرة تكاملية"، الذي نُشر عام 1993. كان هذا الكتاب الذي تطلب أكثر من 15 عاما من العمل هو اختبارا واضحا لمدى إتقان تخصصه. وهو الذي قاده إلى استكشاف الفكر الغربي، ومد الجسور إلى الفكر العربي، وفهم أن الحداثة الفلسفية ضرورية للاندماج والعمل في العالم الحديث.
كانت مجالات عمله عديدة: الفلسفة السياسية والاجتماعية، الدين، مواضيع تربوية، المشاركة النشطة للمرأة في المجتمع، إلخ... وكان عماده الأساسي احترام آراء الآخرين والدخول في حوار معهم. وكان سلاحه النقد العقلاني البناء والموضوعي والصبر على مواجهة «مكائد» الفكر نفسه.
إن هذا الشغف بالفلسفة، واستخدام العقل، والتشكيك في الأطر القائمة، وحب التأمل، كل ذلك شجعه على نسج شبكة فكرية حول نفسه والدفاع عن تدريس الفلسفة في الكليات والثانويات المغربية الجديدة.
ولم يكن حوار الثقافات أبداً مفهوماً "فارغا" في تفكيره. بل على العكس من ذلك، في مناسبات عديدة وفي بلاد إسلامية ودول غربية اهتدى بممارسة هذه الفضيلة الفلسفية على أرض الواقع. إن اقتناعه بأن العالم يمكن أن يعيش في سلام، وأن الثقافات يمكن أن تكمل بعضها البعض، وأن الأمم تكون في الغالب ضحايا لأنظمتها عندما تضطر إلى شن الحروب، ينعكس في العديد من نصوصه.
اعترافا بمكانة مؤلف “أمشاج” و”في السياسة بالسياسة” و”الحداثة وما بعد الحداتة” و”المغرب في مواجهة الحداتة” و"مدارات الحداتة”، نظم قسم الفلسفة بكلية العلوم الإنسانية بمكناس، ندوة مثيرة للاهتمام أيام 20 و21 و22 ماي 2010، تناولت أربعة محاور لفكره درسها وناقشها عدد لا بأس به من المفكرين والفلاسفة: حواره مع المفكرين الغربيين مثل ماركس، فرويد، فروم، بودريار، شيغن، حواره مع المفكرين المغاربة مثل العروي، بوطالب، ومواقفه من التقليد والتحديث والحداثة وما بعد الحداثة والجانب التربوي لسبيلا كأستاذ.
وبمناسبة مساهمته بمحاضرة حول أعماله الفكرية في الدورة التاسعة والثلاثين لموسم أصيلة الثقافي، اجرت معه جريدة "أوجوردوي لوماروك" الفرنكوفونية حوارا
طلب منه في أول سؤال من أسئلته التعبير عن شعوره عندما تلقي التكريم في الموسم الثقافي الدولي التاسع والثلاثين بأصيلة الذي تم تنظيمه مؤخرا (8-25 يوليوز 2017)؟
في جوابه، أشار مؤلف "أمشاج" إلى أن هذا التكريم يتوافق مع ثقافة التقدير والعرفان. هذه ثقافة جديدة تميل إلى الانتشار في بلادنا. وأضاف: "لتكريمي، بادر طلبتي وأصدقائي، بمن فيهم رئيس منتدى أصيلة، إلى تنظيم ندوة خصصت لأعمالي الفكرية وكذلك مسيرتي المهنية في الجامعة. وهو حسب رأيهم اعتراف بالخدمات الفكرية والإنسانية التي قدمتها للساحة الثقافية والفكرية. وبالتالي فإن هذه المبادرة تستحق الثناء على المستوى الإنساني". ثم ختم جوابه بقوله إن الباحثين المشاركين في الندوة قدموا عروضا حول مواضيع معاصرة في الفلسفة المغربية، وقد تمحورت (المواضيع) حول فكرتين فكرة الحداثة إحداهما.
وعم سؤال عما هو تعريفه للحداثة، قال سبيلا إنها مفهوم عالمي، أي أن جميع الثقافات تجمه على الاعتراف به. ورأى سبيلا أن هذا المفهوم يصف أيضا حضارة هذا العالم، مشيرا إلى أنه يحمل عدة معانٍ من بينها المعنى التاريخي الذي يعني الانتقال من ما قبل الحداثة إلى نظام اجتماعي وسياسي وثقافي جديد يعتمد على مفاهيم العلم الحديث. وفي هذا الخط من الحداثة، هناك أيضا تغييرات على المستوى السياسي. وهذا هو حال الانتقال من نظام سياسي يقوم على الشرعية الدينية أو التقليدية إلى نظام آخر يعتمد على الشرعية التمثيلية. وهكذا تكون الحداثة هي مجموعة التحولات الاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية التي حدثت منذ النهضة في أوروبا أو الثورة الصناعية الأولى عام 1750 إلى اليوم.
في السؤال الثالث، قالت له الجريدة: من يقول محمد سبيلا يقول الفكر الحداثي. ما رأيك في هذه العلاقة بين اسمك والحداثة؟
أجاب بأن فإن فكرة الحداثة، في الواقع، تحتل مكانة مركزية في الفلسفة الأوروبية والعالمية، وأن
الفلسفة المغربية الحديثة النشأة اهتمت هي الأخرى به من خلال التفكر في التحولات التي طرأت على المغرب في مجالي العادات والسياسة وغيرهما، وخاصة تلك التي حدثت منذ الاستعمار وحتى الآن.
واعترف سبيلا بأن فكرة الحداثة هي أيضا محورية عند محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وعبد الكريم الخطيبي وكذلك عند جميع الفلاسفة أو علماء الاجتماع المغاربة. أما عن علاقته بالحداثة، فقال إنها نشأت من خلال المدرسة الفلسفية المغربية التي ابتكرت وحاولت استيعاب هذا المفهوم. وهذا ما يجعلها مميزة.
وعن سؤال: هل يمكن أن نتحدث عن رفض الحداثة إذا ارتبطت بالأصالة؟ قال سبيلا: "عندما تدخل الحداثة إلى بلد بعينه، تحدث زعزعة للفكر وللتقاليد. ولهذا تتفاعل الفئات التقليدية في المجتمع عبر تطوير فكرة الخصوصية من خلال طرح فكرة أن المجتمع له تاريخ وعادات. والخصوصية هي دفاع عن النفس أنشأته حضارة أو مجتمع معين بعد أن أصبح معرضا للحداثة. مسألة الخصوصية هذه تتخللها عدة مناقشات. ويعتقد البعض أيضا أن الحداثة لا يمكن أن تنجح إلا بتبني خصوصية معينة مستعدة لقبول الحداثة. ولكنها ضرورية في نظر المؤرخين والفلاسفة. وبشكل عام، تحاول الحداثة الاستحواذ على الخصوصيات والعادات من أجل تطويرها."
في السؤال الأخير، أرادت الجريدة أن تعرف رأي ضيفها في الوضع الحالي للفلسفة. جوابا على عذا السؤال، قال محمد سبيلا "منذ بداياتها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، دخلت الفلسفة في المغرب في الصراع الاجتماعي بسبب تأثرها بالتحولات التي حدثت خاصة في القرن العشرين، وكذلك بالثورات الرئيسية؛ الشيء كان له تأثير على الفلسفة كموضوع يتم تدريسه. وفي البكالوريا، تضمن كتاب الفلسفة الذي تم تصميمه تحت إشراف الجابري أفكارا مبتكرة وحداثية. لكن في ظل الصراع الذي استمر في مرحلة ما خلال الحقبة السابقة بين الحركات التقدمية والنظام السياسي، نظر الأخير إلى الفلسفة كسلاح يستغله اليسار. ولهذا السبب تحالف النظام القديم مع القوى التقليدانية لكي يتحكموا في وجود الفلسفة. وهكذا دخلت في الصراع السياسي ولعبت دورا رئيسيا في الحداثة. وهو ما يميز المدرسة الفلسفية المغربية التي تدعو إلى التفكير في الحداثة، بل وتحديث المجتمع والفكر. بمعنى آخر، لا يكفي أن تكون متلقياً للحداثة، بل أن تفكر فيها من خلال الاعتراف والتمسك بها.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |