|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
الهيموت عبدالسلام
2023 / 9 / 27
1/ قبل الاحتلال الفرنسي
غاية التاريخ هو تحرير الناس من الخوف (هيجل)
كانت منطقة زرهون قبل احتلال مدينة مكناس سنة 1911، تابعة إداريا لباشا مدينة مكناس إضافة إلى قائد ممتاز بقرية بني عمار، كذلك قبل الاحتلال الفرنسي كانت قبيلة زرهون مقسمة تقسيما عرقيا إلى نوعين رئيسيين من السكان : أهل الريف بزرهون الشمالية، وباقي السكان العرب بزرهون الجنوبية، ولم يكن هذا التقسيم البشري والجغرافي يتحكم في التوزيع الإداري قبل 1911 ، ذلك أن سكان زرهون كانوا في عهد السلطان عبد العزيز (حكم بين 1848-1908) تابعين إداريا لباشا مكناس "بنعيسى بن حم الداودي" وتم تعويضه ب "عبد الكريم بن محمد الشركي" الذي انتقل إلى فاس فحل محله "حدو بليماني" الذي كان خليفة في قرية بني عمار.
كان التقسيم الإداري في هذه الحقبة يضم قيادة "حدو بليماني" في قرية بني عمار، وقيادة "عمر التالغزي" في تالغزة، ومشيخة "قاسم قطيرة" في مدشر المغاصيين
- قيادة حدو بليماني : تولى القيادة في عهد السلطان عبد العزيز، واحتفظ بمنصبه خلال حكم السلطان عبدالحفيظ، وكانت هذه القيادة تضم المداشر التالية : بني عمار ، السخيرات ، بني مرعاز ، آيت حساين ، لخنادق ، وعدد سكان هذه المداشر 630 نسمة ويملكون 450 بندقية.
-قيادة عمر بن العربي التالغزي ، وتشمل المداشر التالية : تالغزة، القلعة، العامة، أولاد يوسف، موساوة، زاوية مولاي ادريس، وعدد سكان هذه القيادة 2520 نسمة ويملكون 1530 بندقية
-مشيخة قاسم قطيرة : وتوجد تحت نفوذ هذا الشيخ مداشر: المغاصيين، حمراوة، بني وراد (يوجد به ضريح سيدي احمد الدغوغي)، القليعة، بني راشد (به ضريح سيدي علي بن حمدوش )، بني جناد، وعدد سكان هذه المشيخة 410 نسمة وتتوفر على 135 بندقية . نلاحظ في هذا التقسيم الإداري أن أكبر عدد السكان كان بتالغزة لأنها كانت تضم التجمع الحضري بالمنطقة زاوية مولاي ادريس، يليهم سكان قيادة بني عمار ثم مشيخة المغاصيين، وهو نفس الترتيب لعدد البنادق، وليس الهدف من وجودها لمواجهة المداشر بعضهم بعضا بل لاستعمالها في الصيد، أو حراسة الماشية من الذئاب أو ألعاب الفروسية.
2/ التسيير الإداري بزرهون (1911 -1918)
مباشرة بعد احتلال مدينة مكناس يوم 8 يونيو 1911، تم تنصيب "بنعيسى بن عبد الكريم البوخاري" باشا للمدينة وقبيلة الدخيسة وكروان الشمالية، وكانت المداشر التابعة لباشا مكناس هي: بني عمار، الخنادق، كرمة، بني مرعاز، المغاصيين، حمراوة، بني وراد، القليعة، بني راشد، بني جناد، زاوية مولاي ادرس، فرطاسة ولقوار، وكان الخليفة للباشا في هذه المداشر هو عمر بن محمد الصنهاجي ومقره بزاوية مولاي ادريس.
كما تم الاحتفاظ بقيادة حدو بليماني على المداشر التي كانت تحت قيادته سابقا، وبرز هذا القائد من خلال علاقته الوطيدة بباشا مدبنة مكناس ومع الريسوني في الشمال بمنطقة الحماية الإسبانية كما كانت للباشا المذكور اتصالات سرية مع قائد الشراردة سي منصور، ومع سكان الغرب الذين يتوافدون على مدينة مكناس بكثرة في عيد المولد النبوي ولما اكتشفت السلطات الفرنسية العلاقة المشبوهة سنة 1918 فيما سمي بمؤامرة باشا مكناس عملت السلطات الفرنسية على عزل حدو بليماني والباشا عبد الكريم البخاري من منصبهما، وحجز تروثهما، والحكم عليهما بالسجن والنفي، وإعادة النظر في تبعية منطقة زرهون الشمالية إداريا لمدينة مكناس.
3/ التقسيم الإداري بزرهون ما بين 1918-1939.
مباشرة بعد تنحية باشا مكناس ونفيه لمدينة الجديدة، انتبهت السلطات الفرنسية إلى ما يشكله أهل زرهون من خطر عليها، نظرا ليس للارتباطات التجارية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة مكناس بل هناك علاقات يومية مشتبكة تطال الميدان السياسي، لأن أقوى القواد شكيمة كان صلة وصل بين الباشا بنعيسى بن عبد الكريم وأحمد الريسوني للتنسيق فيما بينهما للقيام بانتفاضة على الفرنسيين بمكناس وباديتها الشمالية، ومما زاد في خطر أهل زرهون أنهم لم يقطعوا صلتهم بإخوانهم وأبناء عمومتهم في الريف، ويرجع استقرار ثلة من أهل الريف إلى النصف الثاني من القرن19 وبالضبط في عهد السلطان محمد بن عبدالرحمان (1859-1873)، كما هو شأن بني توزين وغيرهم من القبائل الريفية وأشدها بأسا قبيلة بني ورياغل التي استقر بعض أفرادها بزرهون، كما أن موجة أخرى من أهل الريف هاجرت قسرا إلى كتلة زرهون بعد فشل ثورة الشريف محمد أمزيان (1909-1912)، وخلال الحرب الريفية الإسبانية (1921-1926) التي شارك في هذه الثورة بعض المتطوعين وبعد هزيمة محمد بن عبدالكريم الخطابي التحق العديد منهم بزرهون.
ولأن منطقة زرهون كانت بمثابة مجال حيوي للريفيين بالمنطقة الإسبانية عمدت القوات الفرنسية إلى تضييق الخناق عليهم وضبط تحركاتهم عن طريق تقسيمهم إداريا، فقسم الحكام الفرنسيون منذ 1919 منطقة زرهون إلى قيادتين الأولى بالشمال مركزها زاوية مولاي ادريس، والثانية بالجنوب ومركزها مدشر المغاصين.
-قيادة مولاي ادريس: تولى هذه القيادة كل من عمر بن محمد الصنهاجي (1919- 1931) والغالي المرنيسي ( 1932-1953) وهما من أصل فاسي
- حكم القايد عمرالصنهاجي : عين قائدا 20 يناير 1919، ينتمي لعائلة عريقة كانت دائما في خدمة المخزن، قبل قيادته شغل منصب خليفة لباشا مكناس بنعيسى بن عبد الكريم ، وشيخ لزاوية مولاي ادريس وقد كان تحت حكمه أكثر من 30 دوار إضافة إلى زاوية مولاي ادريس التي تتمتع بحرمة وتبجبل عند أهل زرهون وغيرهم والمداشر وهي : فرطاسة، القوار، بوعسل، سيدي موسى، ظهر الخلف، ظهر بن عبدالله، دندنة، المشخة، الكيفان، ظهر الصفايح، بني عمار، العزابة، أولاد يوسف، السخيرات، الخنادق، بني مرعاز، كرمة مولاي بوعزة، آيت حساين، كرمة بنسالم، عزيب الصقلي، بوقنفود، تازة، بني وكيل، عين سي عمار، بواخر عندالة، أولاد ميلود، الكوبعية، بني شكدال، بني موسي، بني معدان، وكان عدد كوانين هذه المداشر 4321 نسمة.
عُرف عن هذا القائد كباقي قياد المنطقة بالاعتداء على الأهالي في أرزاقهم وقوت يومهم وتلاعبه في أثمان مواد الشعير والشاي والسكر ولتواتر المخالفات والاعتداءات وصلت شكايات أهالي المنطقة للصدر الأعظم، وبقي في منصبه ليحصل على ميدالية فضية مذهبة من وزارة الشؤون الخارجية سنة 1922، ودرجة فارس سنة 1925، والوسام العلوي من رتبة فارس 1927.
4/ تظلمات أهالي زرهون تحت قيادة عمر الصنهاجي
وجه شرفاء كرمة (الشرفاء الوكيليين) سنة 1924 رسائل كثيرة إلى المسؤولين الفرنسيين يشتكون تعسفات واعتداءات هذا القائد تجاههم، نظرا لاستحواذه على أرض حبسية كانوا قد اكتروها منذ 15 مارس 1919 بظهير ملكي حصلوا عليه عن طريق وزارة الأحباس بواسطة ناظر أحباس زرهون، وتعددت الشكايات دون جدوى، ولم تعمل السلطات الفرنسية على عزل أو معاقبة القائد عمر، ثم أرسلوا شكاية أخرى توسط فيها أحد الشرفاء الدرقاويين : اسمه محمد بن عبد السلام الدرقاوي الذي بعث باسمه رسالة إلى (هيوت) مدير الشؤون الأهلية ومصلحة الاستعلامات بالمغرب للمطالبة باسترجاع أرضهم واستبدال هذا القائد بقائد آخر دون جدوى، وتوالت الشكايات هذه المرة إلى مراقب الأشغال العمومية اسمه (مارسي) بقائد زرهون الشمالية الذين اعتبروه مقطوع الرأس (أحمق )، الذي كان يتستر على المجرمين واللصوص بإيالته مقابل مبالغ مالية، ووصلت به ممارساته الأخلاقية أن امرأة محيوزه بداره قد ولدت فقتل ابنها ودفنه .
كباقي القواد الإقطاعيين بالمنطقة، كان القائد عمر يمنع الفلاحين القيام بأعمالهم الزراعية أو جني المحصول إلا بعد الانتهاء من الأشغال في حقوله، سواء بالحرث أو الحصاد أو إسقاط الزيتون، كان هذا القائد يقوم بهذا النوع من السخرة سنويا غير مبال بما يحصل لمحصول الفلاحين من ضياع وإتلاف بسبب تأخر جمعها في الوقت المناسب ، ووصل به الأمر إلى وقوفه لجانب "اليهود" الذين ادعوا ديونا ضد الزراهنة إذ زور هذا القائد رسوم الدين ليهودي اسمه ابن الصراف وبلغ الأذى من هذا القائد أن تمنى الزراهة أن يقتلهم أرحم لهم من أن يعيشوا تحت حكم هذا القائد الجبار المتسلط وهكذا ختموا إحدى شكاياتهم (... وعلى كل حال، فلو جعلت علينا الدولة من يقطع رؤوسنا ، ويحرق رؤوسنا بالمرة ، لكان أحسن ما يصنع بنا هذا القائد الجبار...)
أمام كل هذه الأعمال الإجرامية التي اشتكى منها الأهالي والشرفاء بزرهون فإن أقصى ما فعله الصدر الأعظم هو رسالة توبيخ إلى القائد عمر وبقي في منصبه يعيث فسادا، وعرف سكان زرهون أن السلطات الفرنسة والمخزنية يستهويهما أمثال هؤلاء القياد الذين لا يتوانون لإرهابهم وبث الرعب في قلوبهم حتى لا يفكروا في مقاومة المستعمر، بل وأنها وجدت في هذا القائد وأمثاله في المنطقة ضالتها بإحكام قبضتها على الأهالي وإخضاعها وتبقى السلطات مجرد حكَم بين الطرفين!!
وإثر شكاية تقدم بها محمد بن محمد الشبيهي ضد القائد وأولاده الذين سرقوا ممتلكاته وكمية من النقود وأوقية من الذهب والعنبر وهددوا نساءه بمسدس ناري مما اضطر الشريف الشبيهي إلى تطليق نساءه وتوجيه رسالة مباشرة إلى الجنرال الحاكم بعدما لم يستجب له الصدر الأعظم، ومما جاء في تعليق الجنرال على ماورد في رسالة المدعي:
"... وإنني أنتهز هذه الفرصة لأخبركم أن القائد عمر تواردت الشكايات العديدة به، وقد وبخ من قبل سعادة الوزير، ولكن لازال متماديا في طغيانه، ...زد على هذا أنه توجد عداوة بين هذا القائد وبين قاضي إيالته ...والحق يقال إن القائد طغى وتجبر وأكثر الهرج حوله".
أمام تجبر هذا القائد، لم يجد بعض الأهالي من تجار زاوية مولاي ادريس سوى مغادرة الزاوية مكرهين منهم أولاد لحلو وأولاد بن جلون وأولاد الأزرق وأولاد الحاج عبد السلام المراكشي الذين هاجروا إلى فاس هربا من الطاغية عمر الصنهاجي، وأمام كل هذه التظلمات لم يجد المقيم العام (لوسيان سان) في نهاية المطاف مفرا من عزله، فأعطى أوامره للمخزن بالموافقة على عزله وطالب السلطان ابن يوسف بوضعه تحت الإقامة الإجبارية بمدينة مكناس سنة 1931، وأسندت قيادة زرهون الشمالية مؤقتا للخليفة عبد الكريم بن محمد الشبيهي ،وقد بلغت ثروة هذا القائد الطاغية بعد عزله من العقارات والزياتين والكروم في مكناس ومولاي ادريس إضافة إلى ما كان يملكه في بورياح، وزكوطة، وبني جناد، وحمراوة، وخمان، وعين عليلو، والتي بلغت سعتها الحرثية 300 مد و1800 كرمة و1635 عود زيتون.
لم يدم مقام عمر الصنهاجي طويلا في الإقامة الإجبارية حتى تم إطلاق سراحه من طرف المقيم العام، وقد أثار هذا القرار دهشة وغضب سكان زرهون واستغربوا للأمر خوفا من عودته إلى منصبه، فوجهوا رسالة مطولة إلى السلطان محمد بن يوسف تحت إشراف الصدر الأعظم جاء فيها "يا جلالة الملك لا يخفى على اطلاع جنابكم العالي بالله ما قدمه ذلكم الطاغية العنيد قائد قبيلة زرهون سابقا عمر الصنهاجي من أعمال غاشمة وما سامه أهل زرهون من ألوان العذاب من نهب واعتداء إلى سفك الدماء، فقد سجلت له رقابة مندوبيتكم النزيهة صفحات سوداء جمعت إلى ألوان الظلم والعسف أشكالا من النهم على اختطاف أموال القبيلة وإفقارها، حتى كانت القبيلة تنعته بأنه قائد القوم إذا كان النهار ورئيس اللصوص إذا ما كان الليل "
نجمل القول أن الفترة والتي جاوزت العقد من الزمن والتي قضاها عمر الصنهاجي على قيادة زرهون الشمالية كانت من أحلك وأقسى الفترات في تاريخ هذه المنطقة المعاصر، ولم يتنفس الزراهنة الصعداء حتى تم تعيين القائد الغالي المرنيسي الذي كان أقل قسوة وبطشا بأهالي زرهون.
إن الدور الذي قام به القائد عمر وأمثاله في الحفاظ على الأمن والدعم المطلق للسلطة الفرنسية ودعم الحماية كان هو إطلاق يد هؤلاء القياد في منطقة حكمهم لزيادة ثرواتهم المنهوبة من الأهالي التي لازال الأبناء والأحفاد ينعمون بها لحد الآن.
-القائد الغالي بن العربي المرنيسي(1932-19534 )
كما أسلفنا سابقا فإن أصل هذا القائد يعود لمدينة فاس وعين على قيادة زرهون الشمالية خلفا لسلفه عمر الصنهاجي الذي عرف بقسوته وبطشه واغتنائه الفاحش ، ومن خلال ورقة المعلومات التي أعدها المراقب (إيمانويلي) رئيس دائرة أحواز مكناس عن هذا القائد أن ثروته وصلت إلى 150 هكتار، والدور والدواب والمواشي والبغال وأنثى الخيل والجياد والحمير والأغنام والماعز والأبقار، هذا بالإضافة إلى مداخيله السنوية التي قدرت 30 ألف فرنك، ونصيبه من الترتيب ومن حقوق السوق التي لم تكن موجودة قبل الحماية ، ويبدو أن هذه الثروة متواضعة مقارنة مع ثروات القواد الآخرين بالمنطقة لأن هذه الثروة راكمها في ظرف سنتين فقط، إضافة إلى الثروات والأموال التي حصل عيها من منصبه السابق من عقارات وزياتين بزرهون وأنه كباقي القواد الآخرين حصل على امتيازات مكنته من كراء أرض من الأملاك المخزنية بمكناس وأحواز قرية بني عمار وكذلك 42 قطعة أرضية بثمن رمزي .
كانت قيادة زرهون تحت قيادة القائد الغالي المرنيسي تنقسم إداريا إلى أربع مشيخات:
أ/ مشيخة مولاي ادريس : وعلى رأسها عبدالكريم بن محمد الشبيهي الإدريسي والذي يشغل في ذات الوقت منصب خليفة للقائد، وتضم هذه المشيخة 1144 دارا، و26 نوالة، وعدد سكانها 7434 ،وتتوزع على الأحياء التالية : سيدي عبدالعزيز، بني يازغة، تازكة ، صحراوة ،خيبر، الحفرة.
ب/ مشيخة بني عمار:وكان على رأسها ادريس بن محمد بلعيد العماري، وتضم 714 دارا و28 خيمة وعدد سكانها 8257 وتتوزع على الدواوير التالية : بني عمار، أولاد يوسف ، السخيرات، الخنادق، ظهر النسور، بني منصور، عزيب الحمرة، غمرة، بني وكيل، أولاد مهارش، الجرواني، ركاني، بوقشوش، عين عليلو، ولاد الحاج .
ت/ مشيخة أهل الريف: تحت نظر الشيخ محمد بن حمينة وعدد دورها 1106، ونوالاتها 114 ، وخيامها 56، وعدد سكانها 8730، موزعين على المداشر التالية : كرمة بن سالم، عين سي عمار، تازة، عين حجل، بومراق، أولاد القاضي، عين بزيز، آيت العاشور، كرمة مولاي بوعزة، عزيب الصقليين، بوقنفود، عين البيضا، دار بن عبدالله، سيدي موسى، بني مرعاز، جعادنة، المصامدة، ظهر الخلف، دندنة، بومندرة، الدكارة، لقوار، بوعسل، فرطاسة، بورياح والكيفان .
ث/ مشيخة تادلة والبواخر: وعلى رأسها صالح بن المعطي التادلاوي، عدد منازلها 44، ونوالاتها 597، وخيامها 135، وسكانها 1967 نسمة، موزعين على المداشر التالية: بني زمور، بني شكدال، سماعلة ، بني معدان.
قيادة المغاصيين
بخلاف قيادة زرهون الشمالية التي تعاقب عليها قائدان لا ينتميان للمنطقة، فقد تولى منطقة زرهون الجنوبية قواد ينتسبون أصلا للمنطقة، ومن أسرة واحدة، وسنقتصر في الحديث عن إثنين منهما وهما القائد قاسم والقائد علال (أخوان)
*القائد قاسم بن محمد ولد قطيرة المغاصي (1921-1937)
كانت منطقة زرهون الجنوبية قبل أن ترقى إلى مستوى قيادة عبارة عن مشيخة على رأسها الشيخ قاسم، وبعد فرض الحماية على المغرب 30 مارس 1912 احتفظ الشيخ قاسم بوظيفته ، وكان تابعا لباشا مكناس "بنعيسى بن عبد الكريم البخاري" الذي تم حبسه ونفيه وحجز ثروته إلى جانب القائد حدو بليماني سنة 1918 وهي السنة التي رقي فيها قاسم قائدا بالمغاصيين ، ينتسب إلى عائلة الأعيان ، وكان أميا تماما وكانت تحت قيادته المداشر التالية : تالغزة، القلعة، العامة، المغاصيين، بني جناد، بني راشد، القليعة، بني وراد، حمراوة، موساوة، سيدي عبدالله بن تاعزيزت، آيت حساين، الهاروش، الحبيليين، الضريوات، كرمة الصفحة، سيدي قضاة، سيدي مجاهد، إضافة إلى المشيخة، ثم أضيفت قبيلة دخيسة لهذا القائد فأصبح يمارس سلطته على الجبل والسهل، وسُجل في مرحلة قيادته بطء في النمو الديمغرافي الذي لم يوجد له تفسير سوى بتفشي الأمراض الفتاكة وانتشار الأوبئة والهجرة لمدينة مكناس هربا من قساوة وبطش هذا القائد.
كانت قيادة المغاصيين تابعة لبيرو عراب، إذ كانت تصرفات هؤلاء القواد خاضعة للمراقب المدني مباشرة، وكان مطلوبا منهم خدمة الأهداف الاستعمارية وضبط السكان وتسخيرهم لخدمة مصالح فرنسا وفي المقابل يعمل القواد على استغلال منصبهم الذين يتوارثونه لزيادة ثروتهم، وبذلك أصبحت ثروة القائد قاسم : 808 هكتار من الأراضي الزراعية، وأشجار الزيتون قدرت قيمتها المالية ب 273 ألف فرنك، 15 هكتار من البساتين التي تغل الخضر والفواكه وقيمتها الإجمالية 27 ألف فرنك، 6 منازل قيمتها 153 ألف فرنك، في حين كان يملك من الدواب : 16 فرسا، و17 بقرة وثورا، و40 من الأغنام ، إضافة إلى دخله السنوي من الترتيب وحقوق الأسواق يقدرب57 ألف فرنك، يضاف إلى هذه الثروة الرشوة التي كان يقدمها أعيان القوم وعامتهم بغية قضاء غرض معين ، كالإعفاء من الترتيب والتخفيف من قيمته، أو من السجن أو من الغرامات، أومن العمل في أرض القائد، أو شق الطرق بين المداشر،
هذه الثروة الطائلة تبدو متواضعة مقارنة بالثروات التي نهبها القواد الآخرون لأن أهالي زرهون الجنوبية كانوا يعيشون في فقر مدقع، وأغلبهم إما خماسة أوملاكين لقطع أرضية صغيرة أو فحامين (الكوشة)، رغم الحظر المفروض على قطع الأشجار، والمنطقة بالأساس جبلية والمساحات الزراعية محدودة إضافة إلى ضيق المرعى الغابوي المخصص لقطيع الماشية،
وكانت تحت قيادته ثلات مشيخات:
أ/ مشيخة لمغاصيين وأولاد نصير: وعلى رأسها الشيخ "محمد بن علال لمغاصي"، وهو أخو القائد قاسم وخليفته وسيصبح قائدا بعد موت أخيه، وتضم 12 دوار، وعلى رأس كل دوار مقدم، وعدد سكان هذه الدواوير 7700 نسمة موزعون على 671 منزلا، و309 نوالة، و116 خيمة :
ب/ تالغزة : شيخها هو بوشتي بن ادريس وعدد دواويرها 10 ، وعدد سكان هذه المشيخة 3693 موزعون على 281 دارا ، و472 نوالة، و11 خيمة ، ولقلة سكان بعض المداشر فإن أكثر من مدشر أحيانا يخضع لسلطة مقدم واحد.
ت/ دخيسة : شيخها هو خليفة بنسالم، عدد دواويرها 13، عدد سكانها 4368، موزعين على 10 منازل و190 نوالة و468 خيمة، ولا يفهم من كثرة الخيام أنهم رحل يتنقلون بخيامهم بل مستقرون داخل تجمعات بشرية للدوار، وإن طبيعة سكناهم كانت تعتمد في الغالب على النوايل والخيام .
** القائد علال بن محمد المغاصي (1938-1946)
علال بن محمد لمغاصي كان عمره 44 سنة، تقلد عدة مناصب سياسية كخليفة لأخيه القائد قاسم لمدة تناهز 20 سنة، عرف أثنائها بإخلاصه للسلطات الفرنسية، اكتسب تجربة في التسيير الإداري وحصد ثروة تقدر ب 430 هكتارا زراعية، و120 هكتار من حقول الزيتون، و13 منزلا بمكناس ولمغاصيين ومولاي ادريس، وقطيع من الغنم ، وقيل أن تروثه تكفيه وتبعد عنه التهمة حين أصبح قائدا خلفا لأخيه ، لكن العكس هو ما حصل فزاد القائد علال من ثروته وأملاكه باستعمال العنف وتشريد العديد من العائلات التي كانت تقدم له الرشاوي والإتاوات خوفا من إلحاق الأذى بها .
5/ التاريخ ليس سوى لوحة من الجرائم والمصائب (فولتير)
التاريخ ليس فقط لوحة فقط من الجرائم والمصائب ولكن كذلك فإن التاريخ كما يقول "عبدالرحمان منيف" يعلم الإنسان الدروس، ويجعله أكثر وعيا، وأقدر على اتخاد الخطوات المناسبة.
إن أهمية منطقة زرهون الاستراتيجية بحكم أنها مقدمة جبال الريف التي تحد سايس شمالا، وأصل سكانها -خاصة شمالها- الريفي، جعل الفرنسيين يولونها اهتماما متميزا خاصة وأن الأهالي ظلوا على صلة بإخوانهم وأبناء عمومتهم في الريف، يضاف إلى الإشعاع الديني لدى زاوية مولاي إدريس، وتأثير القيمين عليها تأثيرا يميل لمهادنة السلطة، لذلك عمدت الإدارة الفرنسية إلى تقسيم المنطقة إلى قيادتين الأولى شمالية والثانية جنوبية نظرا لتفرق المداشر على مدى طول وعرض كتلة زرهون، وتتبع تحركاتهم وعلاقاتهم بالمقاتلين في جبال الريف، ثم انخراطهم لاحقا في الأحزاب الوطنية، ولتحقيق هذا الهدف أسندت مهمة الإشراف على هاتين القيادتين لقواد اتصفوا بالغلظة والقسوة وممارسة الشطط في مهامهم الإدارية، والاستيلاء على أرضي سكان القبيلة وتسخيرهم للعمل في حقول وضيعات وبساتين القواد، وبالرغم من كل التجاوزات فإن الإدارة الفرنسية كانت لا تحرك ساكنا حتى تقترب الأوضاع من الانفجار، آنذاك تتدخل السلطات الفرنسية إلى استبدال طاغية بطاغية آخر، في حين كان المخزن عاجزا عن اتخاد مثل هذه القرارات إلا حين تدفعه حكومة الحماية للقيام بذلك .
كان منصب القائد قبل الاحتلال الفرنسي يعين من قبل السلطان بعد موافقة القبيلة، وأثناء الاحتلال الفرنسي أصبح مفروضا من طرف القيادة العسكرية الفرنسية رغم كون ظهائر تعيينهم تصدر عن السلطان، وكان للقائد أعوان ومساعدون سواء كانوا خلفاء أو شيوخ أو مقدمين.
تم الاحتفاظ بالقواد المستسلمين للقوات الفرنسية في مناصبهم، والملاحظ أن مدة حكم القواد تمتد أحينا إلى ربع قرن، ويظهر أن عدم استبدالهم يرجع إلى إخلاصهم للسلطات الفرنسية، وتنفيذهم لخططها، ومشاركتهم جيوشها في إخضاع قبيلتهم، وتعدت مشاركة القواد حدود القبيلة لتمتد إلى الريف، فكانوا كل مرة بهذه المشاركات يقدمون شهادات حسن السلوك والإخلاص لسلطات الحماية، وفي المقابل تغض الطرف عن ممارسات القواد، الشيء الذي أصبح باديا للعيان أن القواد قبل الاحتلال، وأثناء الاحتلال الفرنسي تمكنوا من تحقيق امتيازات ومكتسبات عقارية كبيرة، إضافة إلى استغلال سلطتهم للاستيلاء على أراضي الغير، وكذا إجبار السكان على العمل في حقولهم فيها بشكل جماعي ومجاني، حيث صارت "تويزا" كلفة إلزامية وعقابا جماعيا يستغل لصالح القائد والباشا كما هي موشومة في الذاكرة الجماعية.
يقول "روبير مونتاني" في كتابه "البربر والمخزن" إن العداوة بين القبيلة والمخزن عداوة بنيوية، نظرا لتعارض طموحاتهما، فالأولى تحلم باستمرار استقلالها الأزلي، والثاني يحلم بإنشاء إمبراطوريته تحت سلطة السلطان، ومن هنا يطرح مونتاني تقابليات: بلاد السيبة/بلاد المخزن، القبيلة/المخزن، ديمقراطية العرف/استبداد الشرع...
إن القواد مع طول حكمهم، وضخامة تروثهم، واتساع نفوذهم، واستعباد قبيلتهم كانت لهم طموحات في الحفاظ على مناصبهم والترقي إلى مناصب أعلى ، وهذا ما دفعهم في قيادة/مشاركة في العديد من التمردات والقلاقل وخاصة في عهد السلطانين "عبد العزيز" و"عبد الحفيظ" الذين انقسموا فيمن ساند السلطان عبد العزيز ومن ساند السلطان عبد الحفيظ ، ثم في مرحلة لاحقة فيمن ساند الأخير ومن ساهم في الانقلاب وتعيين سلطان ثالث (زين العابدين)، ولا يتعلق الأمر كما تروج بعض السرديات أن القواد قاوموا الاستعمار الفرنسي، بل خدموا مصالح المخزن ولاحقا الاستعمار الفرنسي وكانوا موظفين منفذين بصلاحيات واسعة في الضبط والقمع ونهب الثروات وتسخير القبيلة لخدمة مصالح فرنسا ومصالح المخزن ومصالح القائد الشخصية ، وذلك ما سنوضح في المقال اللاحق " المقاومة في منطقة زرهون" .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |