البيوت تُخرب لعدم التوزيع العادل للحريات والمسئوليات

منى نوال حلمى
2023 / 9 / 26

البيوت تدُمر وتُخرب بسبب عدم العدالة فى توزيع الحريات والمسئوليات
-----------------------------------------------------------


ممارسة الشدة على الجسد .. اختيار الدرب الأصعب
-----------------------------------------------------------------------
الشدة على الجسد هى عدم استسلامه للرفاهية ، فيصبح هشا ، خاملا ، مترهلا ، ولا مقاومة أى شئ . لا أقصد بالضرورة ممارسة الرياضة . ولكن أن يتعود الانسان بأن يشتغل فى بيته بنفسه ، كلما كان قادرا وغير منشغل . وكلما جاءت الفرصة للاستغناء عن السيارات والتاكسيات والمترو والباصات ، ويمشى مسافة معقولة وعلى طريق ليس وعرا أو ملوثا ، يكون أفضل . وعندما يمرض الجسد ، نعطيه فرصة لكى يشتغل بالمناعة الطبيعية وبالصيدلية داخله ، دون تدخل كيماويات وأدوية . وفى الشتاء ، لا يجب أن نفرط فى الملابس الثقيلة ، والتدفئة ، والتى - على عكس الشائع - ستضعف أجسادنا ، باحتياجها الى المزيد والمزيد من التدفئة . المهم هو تعريض الجسد للصعوبات والتحديات ، ونتركه يقوى نفسه بالانتصار على هذه الصعوبات والتحديات . فالجسد مثل أى شئ آخر ، يتطبع بالطبع الذى نعوده عليه ، والعادة لها سلطان قوى على النفوس . وأوضح مثل وأقوى دليل ، هو ملايين الزيجات المستمرة رغم أن أطرافها يودون الهروب والانعتاق . لكنهم بحكم العادة سنوات ، أصبحوا سجناء وأسرى العادة . وهذا سبب الكآبة والتعاسة والاكتئاب والعزلة وأمراض النفس والجسد والانتحار والخيانات والجرائم . " التعود " على الأشياء الضارة القبيحة الملوثة ، هو الخطر الحقيقى ، وليس الضرر والقبح والتلوث . كانت أمى " نوال " تردد دائما أن جدى أى أبوها السيد السعداوى ، كان يذكرها بالمقولة : "احترمت نفسى حين خيرتها بين السهل والصعب فاختارت الصعب ".

**********
نقص الحرية وليس نقص الفلوس وارتفاع الأسعار
---------------------------------------------------------------

حين تطالب المرأة بحقوق وحريات النساء ، يبدو الأمر عاديا، ومتوقعاً. فهي تدافع عن بنات جنسها، وتمارس، ما يؤكد صدق حقيقة – تدعمها حركة التاريخ – والقائلة بأن كل فئة مقهورة، عليها أن تتبنى قضيتها ، وتحرر نفسها.
فكما في الموت، لا أحد يمكنه أن يكون بديلا عن أحد ، كذلك في معركة الحرية الإنسانية ، لا أحد يمكنه أن ينوب عن أحد . وهنا تكمن عظمة الحرية ، فهي لا تذهب ، إلا لمن يدفع ثمنها الباهظ .
أما حين يطالب الرجل ، بحقوق وحريات النساء ، ويمارسها فعلا ، وليس قولا ، فهو أمر غريب ، يثير الدهشة ، والاستنكار الى حد الاتهام ، بأنه ناقص الرجولة ، ضعيف الشخصية .
هذا الرجل الذي يخذل المعتاد ، هو رجل نادر الوجود ، يؤمن أن معيار التقدم الانسانى ، ليس فى انتشار التكنولوجيا المعقدة ، وادارة الحياة بالأزرار . لكنه فى العقلية التى تستخدم الأجهزة ، وتحرك الأزرار .
وفى الواقع ، نرى ملايين الرجال الذين يستطيعون اخضاع " أحدث " الماكينات وأجهزة الكمبيوتر . لكنهم عاجزون عن اخضاع " أقدم " نزعات التملك والعنصرية والعنف .
نحن لا نريد الرجل الذى يتعامل بكل بساطة ، مع الهواتف الذكية . لكننا نريد أن ينتقل الذكاء الى عقله ، فيجيد التعامل مع امرأة ند له ، أو تفوقه ، دون حساسية ، أو عُقد موروثة .
كم رجل على كوكب الأرض ، يحترم نفسه ، لأنه يفتح للمرأة الأبواب والنوافذ المغلقة ؟؟. كم من رجل فى واقعنا ، يفتخر بانسانيته ، لأنه لا يرحب بأى علاقة مع امرأة تتبعه ، وتطيعه ؟؟. يحتاج الى امرأة ترتقى به ، وبالحياة ، لأنها متشبثة بحريتها الكاملة دون نقصان .
مثل هذا الرجل ، نادركما المطر فى الصيف . وأكاد أزعم أن لا وجود له . وأود أن أقول للرجل السعيد بامتيازاته الذكورية ، ولا يريد التنازل عنها ، أن هناك سعادة أكبر وأنبل وأكثر ديمومة ، وأشهى ثمارا ، وهى تلك الناتجة من علاقاته بنساء أحرار ، وبتخليه راضيا عن سلطات وصلاحيات ، منحه له الفكر الذكورى .
ان البيوت تُخرب بالطلاق وغيره من الأشكال ، أساسا بسبب لنقص الحرية ، والعدالة ، بين النساء والرجال . وليس لنقص الفلوس ، وغلاء الأسعار . فالبيت الحر ، يستطيع التكيف مع أصعب المشكلات والأزمات ، حتى لو كان من القش . والبيت المؤسس على عدم العدالة فى الحريات ، ينهار ، حتى لو كان قصرا من أغلى أنواع الرخام .
**********

لماذا لا أحب كلمة التسامح ؟
-----------------------------------------------------------------------------------------
الجميع يطالب بالتسامح على أساس أنها صفة ايجابية راقي ، تدل على استيعاب وتقبل الآخر المختلف . لكن كلمة التسامح نفسها عنصرية ، تدل على الاستعلاء والأفضلية والتفضل والتكرم من قبل الشخص ، أو المجتمع الذى يقدم التسامح . المفروض أننا نتقبل الجميع ، هذا هو " الطبيعى " مع بشر متساوون فى كل شئ . اننى أسامح شخصا ، عندما يرتكب خطأ أو جُرما يؤذينى أو يتعدى على حرياتى وخصوصياتى . لكن الاختلاف الشخصى فى المعتقدات والأفكار ، ليس ايذاء لآخرين . الحالة الوحيدة التى تصبح فيها المعتقدات والأفكار جريمة ، هى عندما يتعمد أصحابها فرضها بالقوة على الآخرين ، وتهديدهم لهم اذا لم يعتنقوها ، أو حتى قاموا. بمجرد انتقادها .

**********
ليتنى أعرف موعد ومكان موتى
------------------------------------------------------------
لا أمشى أبدا حسب معتقدات الناس .. طبيعتى وطباعى وراحتى ومتعتى، وحقيقة وجودى ودورى فى الحياة ، كما أؤمن به ، هو أن أخلق أفكارى ، وان لم تعجب أحدا . أعتقد أن هذا هو " شرفى " ، ولو هُوجمت من أتباع غشاء البكارة . من المقولات الشائعة ، أن جهل الانسان بموعد موته ومكانه وكيفيته ، أفضل . وأنا أ بدا ما اقتنعت بهذه الفكرة . كيف يكون الجهل أفضل من العلم فى أى مجال ؟؟. الحقيقة دائما قاسية . والموت بلا شك ، هو الحقيقة الوحيدة المطلقة . ومعرفة وقته ، ومكانه ، وكيفيته ، هو من أقسى الأمور . لكننى أفضل قسوة الحقيقة ، عن رحمة الأوهام . ان التخطيط فى كل شئ هو أساس ارادة الانسان ، ومقياس نجاحه وقدرته على مواجهة التحديات ، اختلفت فى قسوتها ومصائبها . نحن نخطط لأشياء أقل أهمية من الموت . نخطط للشغل والدراسة والزواج والانجاب والسفر والفسح ، وعمل فلوس ، وأخذ مناصب ، وتأمين مستقبل لأولادنا وبناتنا وأحفادنا ، نخطط لارتكاب الحرائم ، ونخطط للكذب والتضليل . لا نخطط للموت ، الا فى توفير مقبرة لائقة بمستوانا وطبقتنا وترحم الأحياء علينا . أما التخطيط للموت ، لا يخطر على بالنا . أولا لأنه مجهول الميعاد والمكان والكيفية . وثانيا لأننا نعتقد أن هذا رحمة بنا ، وبالتالى نشعر بالامتنان ، لأننا لا نعرف شيئا من أمره . يقول الناس أن الجهل بأبعاد الموت موعد ومكانه وطريقته ، سيصيب الانسان بالكآبة والجزع واليأس والاكتئاب ، والعبث واللاجدوى . وهذا ما أرفضه قلبا وقالبا . معرفة موعد الموت ومكانه وكيفيته ، أراه على العكس تماما ، حافزا على المزيد من النشاط ، وعدم تأجيل الأشياء ، ومحاربة الكسل والخمول والاستسلام والخضوع . سيجعلنى أكثر حكمة ومحاسبة ذاتى أولا بأول ، ويجعلنى أشتغل بكل طاقتى وأفعل كل ما فى قدراتى ، سيجعلنى أكثر تواضعا وأكثر خيرا . اذا علمت بموعد موتى ، حتى دون مكانه أو طريقته ، سأجتهد أن أنهى كل أعمالى الناقصة ، وأن أرى منْ أحبهم أكثر ، وأن أقول ما لم أستطع قوله كاملا . يعنى أكون عارفة " راسى من رجليا " كما يقال ،ولا يفاجئنى الأمر ، وألاقى الدنيا اتكركبت فوق دماغى ، ودماغ منْ أحبهم ، ويحبوننى .
لو عرفت موعد موتى ، سأرتب البيت وأنظم الأوراق وأترك كل شئ منظما مرتبا ، لا يحتاج لأى رعاية من بعدى ، فأشعر بالاطمئنان وراحة الضمير . وهناك فائدة أخرى هامة اذا عرفت موعد موتى ، وهى أننى لو مرضت لن أنفق المال على العلاج واجراء تحاليل وآشعات وجراحات ، أعرف أنها دون جدوى . وهكذا ، لن أعرض جسدى للبهدلة فى المستشفيات واستنزاف الأطباء وغشهم ، وأخطائهم القاتلة ، التى تمر دون حساب وعقاب .
**********
المتشائم الجميل الفيلسوف الألمانى أرثر شوبنهاور 22 فبراير 1788 - 21 سبتمبر 1860
----------------------------------------------------------------------------
مرت يوم 21 سبتمبر هذا العام ، الذكرى 163 لرحيل الفيلسوف الألمانى ، الذى أعطوه لقب الفيلسوف المتشائم " أرثر شوبنهاور " . وهو لم يؤثر فقط فى الفلاسفة . ولكن أيضا وبدرجة كبيرة ، فى الأدباء والعلماء ومؤلفى الموسيقى . جاءه التقدير أكثر بعد رحيله ، وليس فى حياته . ولم يكن بالتقدير اللائق بتفرده ، وأصالة بنيانه الفكرى المبدع ، وشجاعته فى محو أوهام العالم .
لقبوه فيلسوف التشاؤم ، لأنه سكب المخدرات المختلفة ، التى يشربها الناس لاخفاء الحقيقة . فقد أكد على أن العالم ، ما هو الا شرور وآلالام وملل وأوهام وغباء وضعف . ويعتقد أن الانتحار وسيلة ايجابية ، للتخلص من هذا العالم المخيب للآمال . وقال أن أجمل شئ فى هذا العالم الشرير ، هو العزلة ، والنوم . كتب كثيرا عن تطفل الناس وحرية الانسان والموت وانجاب الأطفال والعواطف والملكات الفلسفية وجوهر مأساة البشر . وشغف بصورة خاصة بالارادة الانسانية ، فأنتج أشهر أعماله " العقل كارادة وفكر " 1818 ، والذى لم يتم الاحتفاء به كما يليق . و كان لهذا الموقف ، اكبر الأثر فى اصابته بالضيق الى حد التشاؤم ، وكتب عبارته الشهيرة : " كتابى هذا كالمرآة ، عندما ينظر فيها حمار ، لا يتوقع أن يرى وجه ملاك ".
وبالنسبة الى قضية التفاؤل والتشاؤم ، فأنا أتفق مع " شوبنهاور " فى أنه لا مفر من طبيعة العالم المنطوية على الخداع والشر ، والتى دفعته الى اعتقاد أن لا خير ، ولا أمل فيما نعيشه . وأرى أن التفاؤل ، أو التشاؤم ، يثير مدى قدرة الانسان على " التكيف " مع العالم ، وطموحه الى التغيير . " . ولهذا فاننى أتفق مع الكاتب الايرلندى ، " جورج برنارد شو " 26 يوليو 1856 - 2 نوفمبر 1950 ، الذى قال
أن " المتفائل والمتشائم كلاهما ضرورى للمجتمع . فالأول اخترع الطائرة ، والثانى اخترع مظلة الانقاذ " .
وكتب بسخريته المعهودة المحفزة على التفكير الصادم : " الانسان العاقل يكيف نفسه مع العالم . الانسان غير العاقل يكيف العالم مع نفسه . ولهذا فان كل تقدم فى الحياة ، يعتمد على الانسان غير العاقل " . والانسان غير العاقل ، هو " المتشائم " بلغة شوبنهاور .

**********
اليوم العالمى للألم
-------------------------------------------------------------------------------------------
من تجاربى الخاصة مع الألم ، أقول أن كل الأشياء " الجميلة " ، تنطوى على قدر ما ، من الألم . المنظر الجميل ، مؤلم . الذكريات الجميلة ، مؤلمة . الفن الجميل مؤلم ، والانسان الجميل مؤلم .
علمتنى الحياة ، ألا أخاف لحظات الألم . علمتنى أن أفتح لها الباب ، أحسن استضافتها ، أتعطر ، وأرتدى لها أجمل أثوابى . أجالسها وأشرب معها نخب زيارة ، لست من الحماقة ، أو التطفل ، لأردها .
الإنسان القادر على التألم العظيم ، هو وحده القادر، على الإحساس العظيم . هو المثقف الأكبر ، والمتحضر الأرقى ، القادر على إعطاء الآخرين إضافة حقيقية ، من المعرفة ، والمحبة ، والفرح .
اننى أتحمل الألم ، من أجل سعادتى القادمة . منْ لا يتألم ، لا يمكنه الاحساس بالسعادة .
الألم أهون من اليأس الذى يدمر ارادة الانسان ، ويخدعه أن كل شئ باطل ، لا نفع ولا جدوى من ورائه .
بطاقة الألم الشخصية ، هى أصدق تعبير عن داخلنا ، وعلاقتنا بأنفسنا ، وبالحياة .
فالألم يفضح منْ نكون ، وكيف سنصبح فى المستقبل . كل ما نخفيه يظهره الألم بكل سلاسة ، كما المرآة .
ولا أعرف لماذا لا يوجد " اليوم العالمى للألم " ؟. يوم نتذكر فيه الاضافات الجميلة التى شعرنا بها ، بعد تحمل الألم . ونتشارك تجاربنا الحميمة مع الألم ، فتزداد قدرتنا على مواجهة الألم ، وفهم دوره فى النفس البشرية .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي