|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
أحمد رباص
2023 / 9 / 22
توفي أمس الأول الفيلسوف الإيطالي جياني فاتيمو عن سن 87 سنة في المستشفى الذي نقل إليه خلال الأيام الماضية بعد معاينة سوء حالته الصحية.
كان فاميتو باحثا أكاديميا وفيلسوفا إيطاليا عرف عنه على المستوى العالمي دعوته إلى "الفلسفة التأويلية"، وساهم في تطور دراسة نظريات التأويل وفن دراسة وفهم النصوص في فقه اللغة والنقد الأدبي، ترجمت كتابات فاتيمو إلى عدد كبير من اللغات، واغتنت المكتبة العربية بكتابه "نهاية الحداثة..العدمية والتأويل في ثقافة ما بعد الحداثة"" الذي ترجمته فاطمة الجيوشي.
يبحر كتاب "نهاية الحداثة"، الذي نشر عام 1991، في الموضوعات المعقدة والفلسفية المحيطة بالانتقال من الحداثة إلى ما بعدها، ويستكشف مفهوم العدمية، وهو الإيمان بغياب المعنى أو القيمة المتأصلة في الحياة وكيف أصبح عقلية سائدة في الثقافة المعاصرة.
درس مؤلف "نيتشه.. الفلسفة كنقد ثقافي" علم التأويل ونظرية التفسير والفهم ودورها الحاسم في سياق ما بعد الحداثة، وجادل الكتاب في أنه مع تآكل المصادر التقليدية للمعنى والسلطة في عالم ما بعد الحداثة يلجأ الأفراد إلى التفسير وإعادة التفسير لفهم وجودهم.
في جوهره، يقدم" كتاب "نهاية الحداثة" تحليلا ثاقبا للتحولات الفكرية والثقافية التي أدت إلى الشعور بخيبة الأمل وعدم اليقين في عصر ما بعد الحداثة، مع التركيز على أهمية التفسير والتأويل كأدوات للتنقل في هذا المشهد الجديد.
يقف قارئ كتابات فاتيمو على تاريخية ومحدودية الحالة الإنسانية ومركزية اللغة والتأويل، ليس فقط في فهم العمل الفني، لكن في كل أشكال الخبرة الأخرى.
وإلى جانب عمله الفكري والفلسفي، كان مؤلف "مغامرة الاختلاف.. الفلسفة بعد نيتشه وهايدجر" منتميا إلى أحزاب يسارية إيطالية، وانتخب عضوا بالبرلمان الأوروبي في عام 1999 وأعيد انتخابه عام 2009. كما عرف بمواقفه الناقدة بشدة لإسرائيل والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
في هذا الإطار، طالب الاتحاد الأوربي بإزالة حماس من قائمة المنظمات الإرهابية، ومنحها الاعتراف الكامل كصوت مشروع لجزء من الشعب الفلسطيني، وم يتأخر عن التوقيع على عريضة نشرت يوم 28 فبراير 2009، وتضمنت بشكل أساسي نفس المطلب.
بمناسبة نشوب الحرب الإسرائيلية على غزة سنة 2014، قال يوم 22 يوليوز من نفس السنة إنه يجب "الرد على أولئك الصهاينة، لو كان الأمر بيدي لدعوت إلى اكتتاب عالمي لشراء أسلحة للفلسطينيين لوقف الإسرائيليين الذين يقومون بذبحهم بشكل جماعي".
خلال السنة السابقة، قدم فاميتو نقدا سياسيا وفلسفيا للصهيونية
في مساهمته ضمن كتاب جماعي حامل لعنوان "تفكيك الصهيونية.. نقد الميتافيزيقا السياسية" الصادر عن دار بلومزبري البريطانية للنشر، ضمن سلسلة النظرية السياسية والفلسفة المعاصرة.
في هذا المقام، لاحظ فاميتو أن القوميات الأخرى تكيفت مع حقائق القرن الـ21 والمفاهيم المتغيرة للدولة والأمة، بينما ظلت الصهيونية مقيدة إلى حد كبير بعقلية القرن الـ19، بما في ذلك تمجيد الدولة باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتعبير عن روح الشعب.
ساهم في هذا العمل، إلى جانب الفيلسوف الراحل، زملاء له قيد حياته من أبرزهم سلافوي جيجيك، لوس إيريغاري، وجوديث بتلر، وفككوا الأساطير السياسية "الميتافيزيقية" التي تشكل إطار وجود إسرائيل.
ويقدم الكتاب نقدا متعدد الأوجه للأسس اللاهوتية والسياسية للمشروع الصهيوني والنتائج الاقتصادية والجيوسياسية والثقافية لهذه الأسس، ويعد مساهمة كبيرة في المناقشات المحيطة بدولة إسرائيل اليوم.
في مقاله الذي نعى من خلاله موت جياني فاميتو والمنشور منذ يوم أمس في مجلة "فلسفة" الرقمية، يتحدث اوكتاف لارمانياك-ماثيرون (Octave (Larmagniac- Mathéron
عن تمييز الراحل بين الأفكار الضعيفة والأفكار القوية.
يقول أوكتاف إن جوهر تفكير فاتيمو يتمثل في معارضة "الأفكار القوية"، مثل الماركسية أو الفينومينولوجيا أو المثالية المطلقة، ب"الفكر الضعيف". كل الأفكار القوية، في ادعائها تجاوز الفلسفات السابقة، تنتظم حول إنشاء "أساسات متينة". الكل يشير مع ذلك إلى خاصيتي الإفراط والإسراف لهذه الادعاءات. ثم بعد ذلك يأتي دائما وقت غالبا توضع فيه تلك القواعد التي كنا نظن أنها أخيرة ونهائية موضع سؤال.
كل رهان الفكر الضعيف - يتابع أوكتاف - يتلخص في اتخاذ موقف ما بعد الحداثة الذي يتخلى عن الرغبة الحديثة في إعادة البناء ويقبل، بتواضع، هشاشته الخاصة. وهو موقف لا يتجه، بالتالي، نحو البحث عن حقائق منغلقة على نفسها، بل يغوص بشكل أعمق في تقلبات التفسير. لا يوجد وصول مباشر إلى الأشياء، إلى الواقع، إلى الوجود.
لمزيد من التوضيح يورد كاتب المقال قولة للراحل جاء فيها “أن الوجود، كأفق كشف تظهر فيه الأشياء، لا يمكن أن تظهر إلا كأثر لكلمات سابقة أو كإعلان تم تبليغه لنا".
.كان فاتيمو أيضا من بين رواد التلفزيون الإيطالي مع إيكو، حيث اشتركا معا في عام 1954 وفازا في مسابقة "راي" لتوظيف مسؤولين جدد، وتركا مؤسسة التلفزيون في أواخر الخمسينيات.
وفي بداية الثمانينيات اشتهر باقتراحه المرتبط بالأفق النظري لفكر نيتشه وهايدجر، وأيضا بالنقاش بشأن ما بعد الحداثة بعد أن رأى فيها "فكرا ضعيفا" يتخلى عن الفلسفة.
اخيرا، يحتل جياني فاتيمو مكانتين نادرتين نسبيا باعتباره فيلسوفا بارزا وسياسيا، وباهتمامه بتحولات المسيحية كما في كتابه "المسيحية والحقيقة والإيمان الضعيف"، و"مستقبل الدين"، وكذلك النقد الفني كما في كتابه "مطالبة الفن بالحقيقة"، وتوجهه السياسي الاشتراكي الديمقراطي.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |