|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
راندا شوقى الحمامصى
2023 / 9 / 12
من وجهة نظر الآثار (الكتابية) البهائية المقدسة، هناك عدة نقاط جديرة بالملاحظة في وجهات نظر كانط. الأولى، وربما الأكثر أهمية، هو تقديم المتعال كضامن للسلام في نهاية المطاف. و هكذا فإن مقالة "السلام الدائم Perpetual Peace" تعطي مكان المتعال أو الله للطبيعة، والتي، وفقا لكانط ، لديها "غاية هادفة" في السماح للنظام و التآلف و "سيادة الحق" أن تنشأ من الصراع. وقد لاحظنا سابقاً كيف أن كانط يعيّن دوراً نشطاً للعقل في تحويل المصلحة الذاتية للإنسان إلى أداة للسلام؛ فالعقل نفسه أصبح عمليا شخصية و طابعاً أخلاقياً فعّالاً في حد ذاته. و يُنظر في ضوء ذلك، الى مقترحات كانط التى تعتمد خِلسة على قوة الله، المتعال أو بطريقة أو بأخرى عقلاً نشطاً [العقل الفعال] كضامن للسلام النهائى لا يقل عن الآثار الكتابية البهائية المقدسة. و هذه هى مساحة الإتفاق بينهما، لكنها ليست، بطبيعة الحال، إتفاقاً مقصوداً ما دامت فلسفة كانط الكلية ترفض إستدعاء المتعال بأي شكل من الأشكال. فحقيقة أنه يستدعى /يستحضر الله، وإن كان ذلك في شكل طبيعة تجسيدية [بمنحه صفات إنسان]، يشير إلى أن كانط ، أيضا، قد وجد بأن ليس هناك طريقة أفضل من تأسيس مقترحاته لسلام دائم أكثر مما على المتعال. و لقد شهدنا مسبقاً في المناقشات السابقة لماذا على الدبلوماسية والاقتصاد.
إن موقف كانط - على الأقل في الواقع، وإن لم يكن في النية - هو مماثل لموقف البهائية بقدر ما الضامن للسلام العالمي هو قوة متعالية أو الله. و من خلال مظاهره (الأنبياء)، فقد أرشد الله البشرية من خلال العديد من المراحل التطورية والظروف التاريخية، ولكن دائما مع موضوع الوحدة في الإعتبار:
"وقد أعلن جميع المظاهر الإلهية وحدانية الله ووحدة الجنس البشري. و لقد علموا أنه يجب على البشر أن يحبوا و يقدموا المساعدة لبعضهم البعض من أجل ان يتمكنوا من التقدم. و الآن إذا كان هذا المفهوم للدين صحيحاً، فإن مبدأه الأساسي هو وحدة الجنس البشري. فالحقيقة الأساسية للمظاهر الإلهية هى السلام. و هذا يكمن وراء كل دين، و كل عدالة."{ترحمة تقريبية} (عبد البهاء، pup 32)
و في الرؤية البهائية، فإن الله يعمل من خلال التاريخ، أي من خلال البشر والمظاهر الإلهية الذين يعيشون في ظروف تاريخية معينة، وبالتالي، في حين أن موضوع الحب والوحدة البشرية هو حاضر دائما، فإنه يظهر في أشكال مختلفة من خلال تقلبات التاريخ. وهذا هو السبب الذى يجعل حضرة بهاءالله يقول:
" سُبْحانَکَ اللَّهُمَّ يا إِلهِيْ قَدْ أَخَذَتِ الْظُّلْمَةُ کُلَّ الأَقْطارِ وَ أَحاطَتِ الْفِتْنَةُ کُلَّ الأَشْطَارِ ، وَلکِنْ إِنِّی أَرَی فِيها بَيْضآءَ حِکْمَتِکَ وَ أَنْوارَ تَدْبِيرِکَ ، وَ الَّذِينَ احْتَجَبُوا ظَنُّوا بِأَنَّهُمْ مُطْفِئُ نُورِکَ وَ مُخْمِدُ نارِکَ وَ مُرْکِدُ أَرْياحِ فَضْلِکَ ، ، وَ إِنِّی لَوْ أَذْکُرُ ما أَرَی مِنْ بَدائِعِ حِکْمَتِکَ لَيُقْطَعُ أَکْبادُ أَعْدائِکَ ، فَسُبْحَانَکَ يا إِلهِی أَسْئَلُکَ بِاسْمِکَ الأَعْظَمِ بِأَنْ تَجْمَعَ أَحِبَّائَکَ عَلَی شَرِيعَةِ رِضائِکَ ثُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ ما يُطَمْئِنُهُمْ ، وَ إِنَّکَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلی ما تَشاءُ وَ إِنَّکَ أَنْتَ المُهَيْمِنُ القَيُّومُ." (حضرة بهاءالله، مناجاة: 11)
وبعبارة أخرى، حتى المتاعب و الأعمال العدائية ضدنا تخدم مقاصد الله. وتؤكد مناجاة أخرى نفس الفكرة، مشيرة إلى أن "هَلْ مِن مُفِّرجٍ غَيرُ اللهِ قُلْ سُبْحَانَ الله،ِ هُوَ اللهُ ." (مُنْتَخَباتٌ مِنْ آثَارِ حَضْرَةِ البَابِ). و مفهوم أن الله يستخدم التاريخ باعتباره وسيلة لتحقيق خطته يتم العثور عليه أيضا في تعاليم حول عملية تاريخ العالم. فيكتب جيفري هوفمان Jeffrey Huffines ، أن رؤية البهائية للعالم:
"تتشكل من الإعتقاد الغائي teleological belief في وحدانية الإنسانية التي هي في آن واحد مبدأ رئيسى وتأكيد بأنها الهدف الأقصى من وجود الإنسان على هذا الكوكب ... فاللاهوت البهائي يفترض مسبقا وجود سريان خطي للتاريخ ...."
و مع تلك الفوضى الظاهرية للعمليات التاريخية، فهناك هدف و غرض فى حالة عمل في التاريخ، أى بمعنى توحيد الجنس البشري في السلام الأعظم the Most Great Peace. وهذا يعني ، في الواقع، أن الهدف من التطورات التاريخية التي نعيش من خلالها، في المدى الطويل، هو تحقيق "السلام الدائم perpetual peace" الذى يمثل رغبة كل من الآثار (الكتابية) البهائية المقدسة و كانط. و تكتب الجامعة البهائية العالمية The Bahá’í International Community فتقول:
"الموضوع الرئيسي لكتابات حضرة بهاءالله هو أن الإنسانية هي عرق واحد مفرد و لقد حان اليوم لتوحيدها في مجتمع عالمي واحد. و من خلال عملية تاريخية لا تقاوم، فإن الحواجز التقليدية من العرق و الطبقة و العقيدة و الدين و الأمة سوف تنهار. هذه القوى، كما قال حضرة بهاءالله، فإنها تلد في وقتها حضارة عالمية جديدة. فالأزمات التي يعاني منها كوكب الأرض الآن تواجه كل شعوبه بضرورة قبول وحدانيتهم، و العمل على خلق مجتمع عالمي موحد."
و بطبيعة الحال، في رأى البهائية، سيتم تحقيق هذا الهدف من خلال قوة المظهر الإلهى [بهاءالله] والدين و ليس من خلال قوة العقل الحضورى وحده.