لماذا رفضت الرباط تلقي مساعدات فرنسا في مجال الإغاثة والعمال الإنساني؟

أحمد رباص
2023 / 9 / 12

نشرت جريدة "لوفيغارو" في إصدارها لهذا اليوم حوارا مع سيلفي برونيل، أستاذة الجغرافيا في جامعة السوربون منذ عام 2007، ومتخصصة في إفريقيا وقضايا التنمية والمجاعة، وتدير الجمعية الإنسانية "العمل ضد الجوع".
أول ما سألت عنه الجريدة ضيفتها سبب تحفظ المغرب عن الاستجابة إلى العديد من الدول التي اقترحت تقديم المساعدة له بعد الزلزال الذي ضربه في مناطق يغلب عليها الطابع الجبلي. وبعد صمت طويل، لم تقبل المملكة سوى المساعدات الإسبانية والقطرية.
جوابا على هذا السؤال، قالت الأستاذة الجامعية: عندما تتعرض دولة ما لكارثة، فإن الأمر متروك لها لطلب المساعدة. إنها مسألة سيادة. ليس هناك شك في أن تدفق الإغاثة الدولية إلى بلد ما، لا يتم إلا إذا فشل، كما حدث في هايتي في عام 2010. بعد الزلزال، كانت هناك هبة إنسانية. لأن الدولة لم تعد في موقف على الإطلاق للتعامل مع الكارثة. لقد انهار المبنى الرئاسي نفسه! ولكن كان هناك جدل فيما بعد حول حقيقة تجريد هايتي من سيادتها. وكانت اللجنة المؤقتة لإعادة إعمار هايتي تحت قيادة بوش مباشرة ثم كلينتون.
ولذلك يريد الملك محمد السادس - تواصل الأستاذة - الاحتفاظ بالسيطرة على بلاده. وهو أيضا شكل من أشكال الفخر الوطني. ضع نفسك مكان المغرب. في حالة وقوع كارثة طبيعية في فرنسا، كما كان الحال في منطقة "لافوت سور مير" (La Faute-sur-Mer) التي ضربتها العاصفة زينثيا عام 2010، هل يمكنك أن تتخيل وصول المنظمات غير الحكومية المغربية أو الأمريكية؟ تتدفق المساعدات الإنسانية الدولية دائما من البلدان المتقدمة إلى البلدان غير النامية. وباعتبارالمغرب دولة ناشئة تريد أن تكون محاوراً مع أوروبا وتطمح إلى الحصول على مكانة القوة الإقليمية في إفريقيا، تريد الرباط أن تثبت أنها ذات سيادة، وقادرة على إدارة عمليات الإغاثة، ولا تتصرف كدولة فقيرة يأتي العالم كله ليقدم لها المساعدة بشكل خيري.
بعد ذلك تسأل الجريدة ضيفتها: إذا كان رفض المغرب من منطلق الفخر، أليس في ذلك إجراما تجاه الضحايا المحتملين الذين ما زالوا تحت الأنقاض؟
أقرت رئيسة جمعية :"العمل ضد الجوع" بأن السؤال إياه يتطرق إلى نقطة رئيسية، وهي مدى فعالية وسرعة الإغاثة المحلية في حالة وقوع زلزال. هناك كومة من الحطام بحيث يحدث كل شيء في أول 24 أو 48 ساعة. الأفعال الأساسية هي أعمال القرب. وبعد ذلك، عدا الحالات الاستثنائية التي يكون فيها الأشخاص عالقين في فتحات الهواء أو التجاويف، تتضاءل فرص العثور على ناجين بشكل كبير. وبحلول الوقت الذي تصل فيه المساعدة الدولية، يكون الأوان قد فات بالفعل للأسف. وباسم هذه الفرصة الضئيلة لإنقاذ الناجين، يكون الخطر الذي يواجه المغرب هو فقدان سيادته.
ومن ثم، فإن استعجال الإغاثة أثناء المآسي الإنسانية يشكل مصدرا للعديد من المشاكل: الازدحام، أو سوء التنسيق، أو تشبع الطرق، أو إقامة هياكل لا يريدها المغاربة بالضرورة (الإسلاميون أو الدعوات الدينية، مثلا). الناس مدفوعون بالكرم، ولكن أيضا بالسذاجة. إن أي عملية إنسانية هي في المقام الأول عملية جيوسياسية. الهياكل الإنسانية هي بمثابة حصان طروادة للإعداد، وإجراء الاتصالات، وإظهار من هم المحسنون. وترفض الرباط أن تكون ميدانا واسعا للعمليات الإنسانية التي لن تكون لها السيطرة عليها بعد الآن.
وهل المساعدات التي تقدمها الدول هي مجرد مسألة مصالح؟ تسأل الجريدة.
في جوابها، التجأت سيلفي برونيل مرة أخرى إلى تقنية السرد: خلال كارثة تسونامي ألتي وقعت يوم 26 ديسمبر 2004 في جنوب شرق آسيا، تمركز الأمريكيون على الفور لمساعدة إندونيسيا. لقد كانت تلك الطريقة المثالية لاستعادة موطئ قدم في منطقة من العالم حيث كان يُنظر إليهم بشكل سيء للغاية في ذلك الوقت. وبعد حربي العراق وأفغانستان عام 2001، كانت هناك فكرة مفادها أن الولايات المتحدة لديها حسابات يجب أن تصفيها مع المسلمين. ومع ذلك، فإن إندونيسيا هي موطن لأكبر عدد من السكان المسلمين في العالم. هل تعرف ما هي العبارة التي استخدمتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس آنذاك؟ "فرصة رائعة".
من خلال السؤال الموالي،أرادت "لوفيغارو" أن تعرف لماذا تلقت فقط قطر وإسبانيا استجابة من الرباط. لا ذكر هنا لبريطانيا والإمارات العربية المتحدة، ربما يعود السبب إلى أنه لم يكن هناك حديث عن قبول المغرب لمساعدات هاتين الدولتين قبل إجراء الحوار.
أفاد الجواب بأن الملك محمد السادس وأمير قطر آل ثاني قريبان جداً. وتتمتع الدولتان بعلاقات ممتازة ويعتبر كل منهما الآخر على قدم المساواة. إنها حسابات جيوسياسية: سوف يختار المغرب بعناية شركاءه للسماح فقط للهياكل ذات الكفاءة العالية، التي تتمتع بخبرة خاصة، مثل الكلاب البوليسية، والتي ستجعل من الممكن تحديد موقع آخر الأشخاص العالقين تحت الأنقاض.
بناء على ما تعتقده الجريدة من توفر سوى معلومات وصور قليلة عن عمليات الإنقاذ، طرحت هذا السؤال: هل يمتلك المغرب الموارد اللازمة؟
قالت رئيسة الجمعية الإنسانية إن القوى المدنية والقوات الملكية المغربية انتشرت بسرعة. لكنها سرعان ما أصابها الإرهاق تماما، لأن الزلزال ضرب مناطق جبلية يصعب الوصول إليها. ثم إن مشكل غياب التنمية كبير في المغرب، فالبلد موزع بين مناطق تشبه المدن الأوروبية الكبرى، وقرى في الجبال بها مدارس لا تعمل، وتنعدم فيها الخدمات العمومية، وغيرها. ولن تتاح للقوات المغربية بالضرورة الفرصة لإنقاذ الأرواح أو إعادة البناء. بعد ذلك، يأتي تنظيم الملاجئ، إعادة إقامة الاتصالات، الحصول على الماء الشروب، التكيف مع البرد... الأمر يحتاج إلى موارد هائلة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي