|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
الطاهر المعز
2023 / 9 / 11
تعدّدت وسائل الدّعم الإمبريالي عموما والأمريكي خصوصًا حيث شمل الدّعم العسكري والمالي والسياسي وما إلى ذلك، ونورد بعض النماذج، منها التعاون الوثيق بين الشركات متعددة الجنسية (ذات المنشأ الأمريكي) والكيان الصهيوني، ويقتصر هذا المقال القصير على شركة "آمازون"، ومنها التعاون السياسي والعسكري والأمني بين مؤسسات الولايات المتحدة عموما (الكونغرس والحكومة الإتحادية والأحزاب) والمؤسسات الإقليمية، وأهمها ولاية وبلدية مدينة نيويورك، لتكون هذه الأمثلة نماذج حية لتعاون امبريالي صهيوني ملموس، في مجالات مُحدّدة...
ارتفعت استثمارت شركة "آمازون"، منذ سنة 2014، منذ عام 2014، وأصبحت أمازون تضُخُّ المليارات في اقتصاد الإحتلال الصهيوني وتساهم في برامج الاستيطان والمراقبة المستمرة للفلسطينيين، وتجميع ملفات تعريف بيومترية وتقييمات أمنية لكل سكان الضفة الغربية، وإلزام أي فلسطيني أو أي شخص قادم من الخارج بالحصول على تصريح خاص لزيارة القدس أو رام الله أو أي منطقة من الأراضي المحتلة سنة 1967، بما فيها الصّلاة في المسجد الأقصى أو في كنيسة القيامة، ناهيك عن الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، ويستغرق الحصول على التصريح عدة أشهر، ويتم تسجيل .كافة المعلومات الشخصية، بالإضافة إلى مَسْح الوجه وجواز السّفر بشكل دائم، وتُساهم الشركات العابرة للقارات، مثل آمازون وعمالقة التكنولوجيا و"الذّكاء الإصطناعي" في رعاية دولة الاحتلال وتطوير تقنيات القمع، وأشارت تقرير نشرته منظمة العفو الدّولية، بعد قصف سكان قطاع غزة سنة 2021، إلى "الفَصْل العُنْصُري التكنولوجي" (أو الآلي) التي طورته شركات مثل أمازون التي أعلنت مخطّطا لاستثمار 7,2 مليار دولارا بين 2023 و 2037، لتوسيع خدمات الشبكة الإلكترونية لتشمل رجال أعمال وشركات جديدة، وفي الواقع فإن أكبر شريك هو جيش الإحتلال، من خلال توسيع برنامج ( Nimbus ) بالتّعاون مع شركة "غوغل" ويتميز بتوفير منظومة من "الخدمات السّحابية" تُمكِّنُ جيش الإحتلال من الحصول على بيانات عن الفلسطينيين والاحتفاظ بها ومراقبتهم من خلال التعرف على الوجه، بهدف اعتقالهم لاحقًا أو منعهم من زيارة مواقع معينة، ما يزيد من تضييق الخناق على المتظاهرين والمُحتجّين، فضلا عن المراقبة بواسطة الكاميرات والأبراج ونقاط التفتيش العديدة، وفق تقرير منظمة العفو الدولية.
بدأت أمازون تضخ الإستثمارات في تقنيات المراقبة والقمع في فلسطين المحتلة، سنة 2014،بالتزامن مع القصف الوحشي لسكان قطاع غزة، وتعمنّقت العلاقات بين أمازون والكيان الصهيوني سنة 2019، لما زودت شركة أمازون الطائرات الآلية لشركة صناعات الطيران الصهيونية (IAI) بتقنيات جديدة تُمكّن من إطلاق قنابل الصوت أو الغاز المسيل للدموع أو الرصاص الإسفنجي، عن بُعْد، واستخدام الطائرات الآلية لتنفيذ الإغتيالات والقصف في جميع أنحاء غزة والضفة الغربية المحتلة، واستخدام التكنولوجيا ( الأمريكية) كوسيلة للسيطرة على السكان المدنيين، وساهمت شركات عديدة، من بينها أمازون، في تطوير الأسلحة الآلية وبرامج التجسس وأنظمة القياسات الحيوية غير المصرح بها، لتجريد الفلسطينيين من أي حقوق إنسانية أساسية في الخصوصية وحرية الحركة داخل وطنهم، وتوسّعت عملية المُراقبة والتّجسّس لتشمل الهواتف المحمولة وتحديد موقع الأشخاص وتجميع البيانات الشخصية لسكّان العديد من البلدان العربية والأوروبية وغيرها ضمن برنامج التّجسس الصهيوني ( Pegasus ) بتواطؤ من أنظمة عربية مثل الإمارات والمغرب، وساهمت شركة أمازون في تطوير برنامج "وولف باك" لتخزين الملفات الشخصية لكل الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتخزين القياسات الحيوية الخاصة بهم وبأُسَرِهم، ولتتبع كل حركة وكل كلمة، ويتم استخدام هذه المعلومات خلال عمليات التفتيش والمُداهمة لمساعدة الجنود على اتخاذ قرار الإعتقال أو الإغتيال بذريعة "التهديدات الأمنية"...
دعم الحزب الديمقراطي الأمريكي للعدو الصهيوني
قام عمدة مدينة نيويورك، إريك آدامز (وهو مواطن أسود من الحزب الدّيمقراطي)، خلال الأسبوع الأخير من آب/أغسطس 2023، بجولة في فلسطين المحتلة، دامت أربعة أيام، بعد أن أشاد باستخدام القوة العسكرية لقمع المتظاهرين الفلسطينيين، والتقى بسياسيين ورجال أعمال صهاينة، وتم التقاط صُوَر له أثناء صلاته الخاشعة عند حائط البُراق في القُدْس، وذراعه ممدودة نحو الحائط، ومعصمه مزين بسوار مطرز برُموز صهيونية وصرّح لصحيفة جيروزاليم بوست: "إن هدف رحلتي هو تعزيز الشراكة بين نيويورك وإسرائيل بيتي الثاني، فهي ديمقراطية نابضة بالحياة ومتعددة الأعراق..."
تندرج هذه الرحلة ضمن التاريخ الطويل من دعم إريك آدامز المتملق للكيان الصهيوني، حيث سبق له، خلال حملته الانتخابية لمنصب رئيس البلدية، وصْف كيان الإحتلال بوطنه الثاني، وأعلن إنه يعتزم الإقامة، بعد تقاعده، في الجولان المُحتل، وفق صحيفة نيويورك تايمز التي كتبت آنذاك إن المُرشّحين لبلدية نيويورك، مهما كان انتماؤهم السياسي، يُبالغون في دَعْم الكيان الصهيوني، نظراً للعدد الكبير من السكان اليهود (المُتَصَهْيِنِين) في نيويورك، والجهود المستمرة لربط الإنتماء للديانة اليهودية بالمشروع العقائدي والسياسي الصهيوني، ونظرًا كذلك للاستثمارات الضخمة للوبي الصهيوني في الحملات الانتخابية وممارسة الضغط، ويستنتج مقال صحيفة نيويورك تايمز "إن اتخاذ أي موقف آخر غير الدّعم المُطْلَق لإسرائيل قد يضع حدّا للمسيرة السياسية لأي زعيم أمريكي، وخصوصًا في نيويورك".
أنفق اللوبي الصهيوني، خلال الإنتخابات الجُزْئِيّة الأمريكية سنة 2022، نحو 44 مليون دولارا، على مستوى الولايات المتحدة، استفاد مُرشّحو الحزب الدّيمقراطي من معظمها وفقا لموقع ( OpenSecrets )، الذي أكّد أن مرشحي الحزب الديمقراطي يستفيدون من التمويل الصهيوني في كل انتخابات رئاسية أو انتخابات منتصف المدة منذ سنة 1990، وتتدخّل المنظمات الصهيونية بإنفاق ملايين الدّولارات في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الكونغرس، بهدف هزيمة "التقدميين" الذين ينتقدون بعض ممارسات الكيان الصهيوني، مثل "نينا ترنر" في ولاية أوهايو أو "سمر لي" في ولاية بنسلفانيا، كما تمكّنت مجموعات الضغط الصهيونية الأمريكية ( آذار/مارس 2023) من فَرْض سحب ترشيح وزارة الخارجية الأمريكية لجيمس كافالارو للجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، بسبب وصف الكيان الصهيوني ب" دولة فصل عنصري" وبسبب نقده "الإنفاق السياسي للوبي الإسرائيلي"، كما تم تهديد "براميلا غايابال" التي وصفت الكيان الصهيوني بالعنصرية، وكتبت صحيفة "غارديان" (29 تشرين الثاني/نوفمبر 2022) بعد الإنتخابات النصفية "إن (إيباك) هي أكبر مُمَوِّل لحملة إعادة انتخاب النائب حكيم جيفريز، المقيم في بروكلين، وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب ورئيس مجلس النواب المحتمل في المستقبل... ولذلك يُعارض جيفريز بشدة ربط المساعدات المقدمة لإسرائيل باحترام حقوق الإنسان الفلسطيني أو تقييد استخدام المساعدات الأمريكية لإسرائيل لضم الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل العربية وتهجير الفلسطينيين قسراً أو احتجاز الأطفال في النظام القضائي العسكري الإسرائيلي..."، وسمحت سلطات بلدية نيويورك بجمع التبرعات لتمويل بناء المستوطنات الصّهيونية في الضفة الغربية، فيما تُدين حركة المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات ( BDS ) منذ سنة 2015، باعتبارها "معادية للسامية" تعتبر وقعت غالبية أعضاء المؤتمر الديمقراطي في المجلس على رسالة تعلن أن مشروع القانون معاد للسامية ، وأصدَر حاكم نيويورك، سنة 2016 ( أندرو كومو) أمرًا تنفيذيًا يحظر إنفاق الأموال العامة على الشركات أو المؤسسات المشاركة في حركة المقاطعة، فيما تم إقرار "شرعية" تمويل المُستوطنات الصهيونية، لأن تبرعات المنظمات المؤيدة للصهيونية لمرشحي الحزب الدّيمقراطي بمدينة نيويورك بلغت 460 ألف دولارا، وفق بعض أعضاء "الكتلة الاشتراكية الديمقراطية" في المجلس التشريعي لولاية نيويورك التي كشفت (آب/أغسطس 2023) العلاقات الوثيقة بين إدارة شرطة نيويورك (NYPD) - التي لها فرع في تل أبيب منذ سنة 2012 - والجيش الصهيوني منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمن، حيث يتم سنويا تنظيم دورة تدريب "سلطات إنفاذ القانون الأمريكية" على تقنيات "مكافحة الإرهاب والسيطرة على الحشود والمراقبة " يُشارك بها ضباط الشرطة من جميع أنحاء الولايات المتحدة في فلسطين المحتلة، وفق منظمة العفو الدولية ( أيلول/سبتمبر 2018)، واستخدمت الشرطة الأمريكية (إف بي آي) وشرطة ولاية نيويورك تقنيات الإختراق التي تمارسها الإستخبارات الصهيونية، لقمع احتجاجات حركة "حياة السُّود مُهِمّة" ( Black Lives Matter ) سنة 2020...
لذلك تُمثل مسائل تعزيز العلاقات بين مدينة نيويورك ومؤسسات الكيان الصهيوني، ومنها الإستخبارات والجيش والشرطة، والإطلاع على أحدث أدوات الاحتلال العسكري والقمع، من أهداف زيارة "إريك آدامز"، عمدة نيويورك إلى فلسطين المحتلة، وصَرّح آدامز لصحيفة جيروزاليم بوست إن رحلته إيجابية جِدًّا، حيث استفاد من الاستراتيجيات الصهيونية "للسيطرة على الحشود" وإخضاع الفلسطينيين، وغيرها من التكتيكات العدوانية، وعَسْكَرَة المُدُن، واستخدام الشرطة تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والدراجات النارية.
للأسف لا توجد استراتيجية عربية (أو فلسطينية) لمقاومة التأثير العقائدي والسياسي الصهيوني، ما زاد من عدم تكافؤ القوى، وهذا انعكاس لوضع القوى التقدّمية بشكل عام، فعندما كانت الحركة التقدمية متطورة وكانت المنظمات الفلسطينية تُعلن أهدافها المتمثلة في تحرير فلسطين، زاد تأييد المنظمات الأمريكية (وخصوصًا منظمات الأمريكيين السّود) والأوروبية التقدّمية للقضية الفلسطينية، لكن الوضع الحالي مُختلف، ويتطلب تكتيكات مختلفة...
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |