|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعود سالم
2023 / 9 / 9
بروميثيوس، في الميثولوجيا الأغريقية هو مهندس الجنس البشري وخالقه، وهو ينتمي لقبيلة "التيتان" أو الآلهة العمالقة الذين ينافسون آلهة الأولمب على القوة والسلطة، وله ثلاثة إخوة من بينهم أطلس. وعندما اندلعت ثورة التيتان ضد كرونوس وبقية الآلهة الحاكمة، فإن بروميثيوس الحكيم والإنتهازي، انضم إلى قبيلة الأوليمب وحارب ضد قبيلته على عكس أطلس. ذلك أن بروميثيوس، ثاقب البصيرة، قد تعلم من الإلهة أثينا فن المعمار والهندسة والفلك والري والملاحة وعلوم الطب والشفاء وغيرها من المعارف التي مكنته من إتخاذ القرارات الحكيمة والتي تخدم مصالحه، وبعد إنتصار آلهة الأوليمب على التيتان، أتخذه زيوس مستشارا وذلك جزاء لمساندته له ولحكمته وأيضا لقدرته على التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، بينما عاقب أخيه أطلس بأن يحمل السماء على كتفيه إلى الأبد. كلف زيوس كلا من بروميثيوس وأخيه إبيميثيوس، الذي خان هو الآخر قبيلته وحارب إلى جانب أعدائهم، بصناعة الحيوانات والبشر وتزويدهم بكل ما يكفي من متطلبات الحياة. وشرع إيبوثيميوس في العمل، فخلق كافة الحيوانات وقام بتزويدها بإمكانيات البقاء والتحمل والدفاع عن النفس، كحدة الحواس من السمع والبصر والشم وسرعة الحركة، ووسائل الدفاع عن النفس كالقرون والأنياب الحادة وكذلك الشعر والصوف والفرو ضد تقلبات الجو وضد البرد والعواصف. وفي نفس الوقت قام بروميثيوس بتصنيع الإنسان ببطء وعناية شديدة، واكتشف أن أخاه قد استنفذ كل رصيده من الموارد المساعدة على الحياة، أعطاها كلها لحيواناته ولم يتبقى للإنسان سوى القليل، فاضطر بروميثيوس بأن يجد حلولا أخرى، فأعطى للإنسان القدرة على المشي على قدمين كالآلهة بدلا من أربعة كبقية الحيوانات، كما نقل إليهم العديد من المعارف التي أخذها عن أثينا وبالذات القدرة على إستعمال النار الإلهية واستخلاصها من البرق وشرر البراكين. وهكذا خلق الإنسان "الرجل" حسب هذه الأسطورة، والذي تطور تدريجيا وبدأ في تنمية قدراته المختلفة، الأمر الذي لم يعجب زيوس بل سبب له نوعا من القلق لخوفه من تنامي قوتهم والتمرد على سلطة الآلهة. ثم أزداد حنقه وقرفه من هذه المخلوقات المزعجة عندما وصلت الأخبار إلى الأوليمب بأنهم يقتلون بعضهم البعض لإرضاء الآلهة، فهناك من يذبح أبناءه وإخوته ويقدمها طعاما للآلهة، فقرر زيوس أن يبيد هذا الجنس الفاسد بإغراقهم في طوفان دام سبعة أيام، لم ينج منه سوى ديوكاليون وزوجته، الذين صنعوا قاربا ضخما حط بهم فوق جبل آثوس أو إتنا حسب الروايات. وهكذا عادت الحياة من جديد على ظهر الأرض، بفضل بروميثيوس الذي أعلم ديوكاليون بقرار زيوس وموعد الطوفان. أما الحدث الرئيسي الذي يشكل بداية القطيعة بين بروميثيوس وسيد الآلهة، فهو عندما طلب منه أن يكون حكما في نزاع بين البشر والآلهة حول قسمة ثور ذبح كضحية، فقام بروميثيوس بسلخ الثور وتقطيع أجزائه وقص الجلد إلى قسمين وضع في الأول كل قطع اللحم ثم غطاها بالبطن وأحشاء الثور، وفي القسم الثاني وضع كل العضام المتبقية وغطاها بطبقة من الشحم، وطلب من زيوس أن يختار نصيب الآلهة، فانخدع زيوس بسهولة واختار الجزء المحتوي على العضام والشحم والذي أصبح هو الجزء المخصص للآلهة منذ ذلك الوقت. وثار غضب زيوس وقرر أن يحرم البشر من النار ويجعلهم يأكلون لحمهم نيئا. وهنا ذهب بروميثيوس إلى اثينا وطلب منها أن تدخله إلى البانتيون حيث تتواجد كل الآلهة، فساعدته في الدخول، ووجد طريقه إلى ورشة هيفايستوس، الحداد الأعرج والمسؤول عن النار، وأخذ عدة جمرات من عربة النار خبأها في عصاة مجوفة وتسلل هاربا دون أن يلحظه أحد، وأعطى النار للبشر هدية وتعويضا عن الضرر الذي لحق بهم نتيجة خداعه للآلهة. ولم ينتظر طويلا عقاب زيوس، الذي أمر هيفايستوس بصنع سلاسل ضخمة وتقييد بروميثيوس بأصفاد حديدية إلى صخرة في أحد جبال القفقاز، وحيث يأتي نسر لينهش كبدته من الصباح إلى المساء، وأثناء الليل تنمو كبده وتعود كاملة كما كانت لتغذي النسر الجائع طوال اليوم التالي حتى مغيب الشمس، وهكذا إلى الأبد. العقاب يبدو صارما ومتوحشا ويشبه الإنتقام، غير أن الأسطورة لا يمكن أن تتوقف هنا، فلا بد من نهاية سعيدة كما في افلام هوليوود، فيتدخل البطل هيراكليس ويطلب من زيوس أن يصفح عن خطأ بروميثيوس، فيقبل هذا الأخير على شرط أن يحمل في أصبعه خاتما مصنوعا من حديد أصفاده ومزينا بقطعة من حجر الصخرة التي كان مقيدا إليها، أي أن يحمل في جسده علامة عبوديته وعقابه إلى الأبد. القصة تبدو مخيبة للآمال لدرجة الإحباط، حيث لا نرى أين هي ثورة بروميثيوس وتمرده ونضاله ضد سلطة الآلهة. الأمر كله يبدو أسطورة داخل أسطورة، أسطورة جديدة نسجها لاحقا خيال الشعراء داخل الأسطورة الأصلية. بروميثيوس يعتبر حقا حليفا للبشر ووقف معهم ضد الآلهة، ولكن الوسائل التي استعملها للوصول إلى أغراضه، الغش والخداع والخيانة لا تدخل ضمن الفعاليات الثورية ولا تتناسب مع المنظومة الفكرية الثورية، إنها بالأحرى وسائل رجال السياسة والباحثين عن سلم السلطة، حيث الغاية تبرر الوسيلة، وفي نفس الوقت فإن هذه الأسطورة تلقي الضوء على رغبة الإنسان وتوقه على الدوام إلى الثورة وكسر قيود العبودية، بحيث يرى علاماتها حتى حيث لا توجد، وحتى إن كانت وهمية.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |