|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
نهاد ابو غوش
2023 / 9 / 3
الضفة مركز الأطماع: شكلت أراضي الضفة الغربية محط أطماع التوسعية الإسرائيلية التي لم تكتف بالسيطرة على 78% من أراضي فلسطين، بل باتت تطمع بما تبقى من الأراضي المحتلة وبخاصة المنطقة المصنفة (ج) ومساحتها 62% من مساحة الضفة البالغة 5885 كيلومترا مربعا، فالضفة تضم المناطق ذات الأهمية الدينية بالنسبة لغلاة المتطرفين في القدس والخليل والشمال، إلى جانب السيطرة على الأغوار ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية. في الأدبيات الصهيونية المنتشرة ثمة حديث عن العودة لغوش قطيف وكفار داروم في قطاع غزة، ولكن تبدو هذه المهمة جنونية نظرا لوجود أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع الذي لا تزيد مساحته عن 1.3% من أراضي فلسطين.
الأمر بسيط في الضفة: سيطرة إسرائيلية تامة على كل المنطقة (ج) وبعض المناطق المصنفة (ب)، وحشر الثلاثة ملايين فلسطيني في أماكن سكناهم الحالية من دون اية حقوق وطنية جماعية، دون أي سيادة على الأرض والأجواء والموارد، وبذلك تتحول مدن الضفة وبلداتها وقراها إلى مساكن عمال. ولتحقيق هذا الهدف تشترك كل أدوات دولة الاحتلال العسكرية والأمنية الاقتصادية والمستوطنون في إجهاض الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال، وربط مصالح ملايين الفلسطينيين اليومية بسوق العمل الإسرائيلية من خلال إصدار نحو مئتي ألف تصريح عمل، ووجود عدد مماثل ممن يعملون بدون تصاريح وفي مشاريع أقيمت بالضفة ومرتبطة بالمشغل الإسرائيلي.
يدفع مشروع تصفية القضية الفلسطينية، الذي يسميه سموتريتش "حسم الصراع" ويتبناه نتنياهو عمليا، إلى شن حملة شاملة على الحقوق الوطنية الفلسطينية بهدف إخضاع الشعب الفلسطيني ودفعه للقبول بهذا الحل باعتباره أهون الشرور، يشمل الهجوم محاولات اجتثات المقاومة بكل وسائل القتل والإعدامات الميدانية والاعتقالات وصولا إلى الضغط على السلطة لإرغامها على إجهاض هذه الظاهرة المتجددة قبل تحولها إلى الخط الرئيسي للنضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال.
لا يترك هذا المشروع مجالات واقعية للتقاطع معه من قبل اي طرف فلسطيني، فهو يستهدف كذلك القضاء على رموز الوطنية الفلسطينية، والسيطرة على كل الأراضي الفلسطينية. وإلى جانب هذا الهجوم، تضغط سلطات الاحتلال لاختزال دور السلطة الفلسطينية في الوظائف الأمنية التي تخدم إسرائيل، وعلى حساب ما تقوله السلطة عن نفسها أنها نواة لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة.
جاء المشروع الصهيوني تتويجا لسلسلة تطورات داخلية إسرائيلية انعكست على الموقف من القضية الفلسطينية، بدءا من تمنّع شمعون بيرس عن تنفيذ تعهدات حكومة رابين المعلنة من الانسحابات المتفق عليها، ثم إصرار حكومة نتنياهو الأولى على إعادة التفاوض على ما اتفق عليه سابقا، وتسويف مفاوضات الحل الدائم التي كان ينبغي لها أن تبدأ في السنة الثالثة من تطبيق اتفاق أوسلو، وصولا إلى تفجير مفاوضات كامب ديفيد من قبل باراك وتبني خيارات القمع الوحشي، ثم اتفاق كل الحكومات اللاحقة على تقويض الفرص الواقعية لقيام الدولة الفلسطينية.
كان هذا السيناريو واضحا لقيادة السلطة، إن لم يكن في المواقف المعلنة ففي الميدان وعلى أرض الواقع، بل شُخّص هذا الوضع في دورات المجلس المركزي والمجلس الوطني في 2018، لكن القيادة امتنعت عن اتخاذ اي موقف يقود إلى تبني بديل وطني لكل مسار المفاوضات العقيمة، وظلت تراهن على إمكانية حصول معجزات إما من خلال التغيرات الجارية في إسرائيل، أو بالرهان على التحولات في الإدارة الأميركية، وكل ذلك ثبت بطلانه، فتبخرت الآمال ولأوهام، لكن المصالح والحسابات الضيقة ظلت هي التي تحول دون اتخاذ خيارات بديلة.
وهكذا تظهر القيادة عجزها عن التعاطي مع التطورات المتسارعة، دون إبداء أي نية للتنحي وفتح المجال أمام أجيال جديدة، أو العودة إلى رحاب الوحدة الوطنية، فوجدت حلا لمعضلتها من خلال التعايش العملي مع هذا الواقع، مع مواصلة انتقاد إسرائيل لفظيا من دون القيام بأي فعل لتغيير المعادلة!
المقاومة تفرض حضورها
فرضت المقاومة نفسها بوصفها الرد الطبيعي على استهداف كل ما هو فلسطيني، فهو مستهدف في حياته وأرضه ومقدساته وكرامته الشخصية والإنسانية، لا فرق في ذلك إن كان مقاتلا أو مزارعا أو صحفيا، رجلا أو طفلا أو امرأة، كما أن رخصة القتل ممنوحة لكل إسرائيلي جنديا كان أو مدنيا أو مستوطنا، ولكن بسبب حالة الترهل التي وصل لها النظام السياسي الفلسطيني، اتسمت عمليات المقاومة مؤخرا بطابعها الفردي والعفوي، وعدم صدورها عن التشكيلات المعروفة لقوى الحركة الوطنية لأسباب كثيرة أبرزها ما تعرضت له الأجنحة العسكرية للفصائل من عمليات اجتثاث وقمع دموي من قبل الاحتلال بعد العام 2001، في موازاة ما تعرضت له من احتواء وضغوط من قبل السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى الكلفة الباهظة جدا لقرار المقاومة، تكفي الإشارة إلى ما تعرضت له حركة الجهاد من اغتيالات واستهداف عناصرها وكوادرها إلى جانب حملتين عسكريتين في غزة، وما تعرضت له الجبهة الشعبية بعد عملية عين بوبين / دير ابزيع في أغسطس 2019، والتي تلاها حملة مطاردات شاملة تخللها اعتقال المئات من الكوادر والقيادات السياسية للجبهة واستهداف المؤسسات القريبة منها.
تطورت أشكال المقاومة الفردية والحلقية المحدودة إلى تشكيلات أوسع، وغالبا ما تكون التشكيلات الميدانية موحدة من منتسبي مختلف الفصائل، وبدأت "كتائب المقاومة" تنتشر من جنين ومخيمها شمالا إلى باقي مدن وبلدات شمال الضفة مع امتدادات اولية في رام الله والجنوب، وعلى الرغم من الكلفة العالية للمقاومة باستهداف واغتيال المشاركين فيها، إلا أن الظاهرة المتجددة للمقاومة فرضت نفسها على الأرض كجزء من معادلة الصراع، وأهم ما في هذه الظاهرة اعتمادها بشكل أساسي على الإنسان الفلسطيني وإرادته الحرة وقراره أكثر من اعتمادها على البنى المادية والأسلحة والعتاد، وتحول عدد من رموز المقاومة إلى أيقونات ملهمة لجيل كامل من الشباب الفلسطيني الذي يأبى الخنوع وبات يرى في المقاومة الرد الأمثل على الاحتلال وجرائمه.
أبرز ما يغيب عن المعادلة الفلسطينية المتشكلة هو المزيد من الاحتضان الفعلي والتبني السياسي لهذا النوع من المقاومة، والحرص على وجود نوع من التكامل والتعاضد بين مختلف اشكال النضال المقاوم والجماهيري والسياسي، لا أن يكون هذا الشكل من المقاومة بديلا عن كل أشكال النضال بحيث يتحول دور الجماهير إلى مجرد تشجيع حفنة من الأبطال الثوريين الذين ينوبون عن الشعب.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |