|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
نهاد ابو غوش
2023 / 9 / 2
نهاد أبو غوش
لا يظهر الموضوع الفلسطيني في الاحتجاجات العاصفة التي تهز إسرائيل منذ بداية العام 2023 مع وصول ائتلاف اليمين المتطرف للحكم. مع أن اي محلل موضوعي يمكنه الربط بسهولة بين ارتفاع منسوب التوحش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وبين انقلاب اليمين المتطرف على أبناء جلدته ممن يختلفون معه في الرأي والتوجهات. حتى فلسطينيي الداخل لا يشاركون في هذه الفعاليات إلا بشكل نادر، ولسان حالهم يقول "ليس هذا شاننا" فهم لهم قضاياهم التي يتحركون من أجلها ضد الحكومة كقضية استشراء الجريمة وتواطؤ الشرطة مع المجرمين.
لا يعني ذلك وجود اتفاق كامل بين القوى السياسية الصهيونية المختلفة تجاه القضية الفلسطينية، فثمة تباينات عدّة دون شك، لكنها لا تصل إلى درجة الخلاف الجوهري، ولا أدل على ذلك من كون أبرز مرتكبي الفظائع ضد الفلسطينيين، هم الذين يقودون الاحتجاجات في إسرائيل خوفا على هوامش الديمقراطية والحقوق المدنية المُفصّلة على مقاسات العنصرية الإسرائيلية.
ثمة عديد القواسم المشتركة التي توحد القوى الصهيونية في نظرتها للقضية الفلسطينية، فهي ترفض الانسحاب لحدود حزيران 1967، وتدعو لبقاء القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، والاحتفاظ بالسيطرة على الأغوار والمرتفعات الاستراتيجية بالضفة، وضم الكتل الاستيطانية، وإبقاء الانقسام الفلسطيني، أما قضية حق العودة للاجئين فهي خارج أي نقاش! رغم ذلك ثمة تمايزات تظهر في مواقف القوى الصهيونية، ويجري الانتقال بتسارع ملحوظ من تبني موقف إدارة الصراع، إلى فكرة تقليصه الصراع ومقايضة الحقوق الوطنية الفلسطينية بما يسمى التسهيلات الاقتصادية، وها هي حكومة نتنياهو – بن جفير – سموتريتش تتبنى مواقف الأخير ودعوته لحسم الصراع بقوة الحديد والنار بدل المفاوضات والاتفاقيات.
لخص نتنياهو توجهات حكومته بقوله أنه يعمل على إحباط طموحات الفلسطينيين في قيام دولة فلسطينية، ولعل الفارق بين نتنياهو ومن سبقه من القادة الإسرائيليين أن الأول يجاهر بما عمل الجميع على تكريسه. تحدث أكثر من زعيم عن حل الدولتين لكن أحدا لم يخطُ خطوة واحدة في سبيل ذلك، ولم يوفر فرصة لقتل هذا الخيار من خلال تكثيف الاستيطان وتشديد هيمنة الاحتلال على حياة الفلسطينيين، والآن تلوح فرصة استثنائية أمام اليمين الإسرائيلي لتنفيذ حلمه التاريخي بإنشاء إسرائيل الكبرى بضم أكبر مساحات ممكنة من أراضي الضفة والجولان السوري. هذا الحلم لم يولد من العدم، بل كان كامنا ومعلنا في برامج الليكود وفي الأدب والثقافة الصهيونية منذ عشرينات القرن الماضي، وتجدد مع وصول اليمين للحكم في العام 1977، وكان حاضرا بجلاء في صفقة القرن التي أبرمها نتنياهو مع ترامب.
احتلال زهيد الكلفة
تضافرت مجموعة عوامل لتشجيع اليمين الحاكم على الإفصاح عن توجهاته والشروع في تنفيذها ومنها:
- الانزياح المتواصل للقوى السياسية الصهيونية نحو اليمين واليمين المتطرف، مقابل انحسار اليسار الصهيوني إلى درجة الاندثار.
- أغلبية مريحة وطيّعة لليمين في الكنيست ( 64 مقابل 56) بعد أربع جولات سابقة فشلت في حسم الصراع السياسي والشخصي في إسرائيل.
- تفكك النظام الرسمي العربي، وانقسام العرب إلى محاور متصارعة الأمر الذي تجسد في قيام أربع دول بالتطبيع مع إسرائيل حتى وهي في ذروة تطرفها وعنصريتها، وما زال حبل التطبيع على الجرار مع استمرار الجهود الأميركية والاسرائيلية لمزيد من الاختراقات.
- التبدلات في العلاقات الدولية وسيادة لغة المصالح والمنافع الفئوية والجهوية على منطق المبادئ والروابط القومية والإنسانية، وانشغال العالم بالمشكلات الدولية الكبرى المستجدة مثل الحرب في أوكرانيا، والتوتر الأميركي الصيني المتصاعد ونشوء محاور دولية جديدة تبشر بعالم متعدد الأقطاب.
- العامل الأهم الذي شجع اليمين الإسرائيلي على التمادي في عدوانه هو استمرار الانقسام الفلسطيني، وغياب تكامل الخيارات الكفاحية، وتعطيل عناصر القوة الفلسطينية الكامنة، ما أدى إلى خفض كلفة الاحتلال على جميع الصعد الأمنية والاقتصادية، وتحوّل الاحتلال إلى مشروع رابح لا يفكر المحتلون في التخلي عنه بل في تعزيزه.
نشرت في مجلة الهدف الفلسطينية العدد 53
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |