|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عباس علي العلي
2023 / 9 / 1
نتائج النص ....
1. التطهير الوارد في الآية النص لا يتعدى مفهوم الحماية لهم من عمل الشيطان لهم وكيده وأستفزازه كما يفعل مع بقية الناس، هذا التحصين مرتبط بهم ولضرورات متعلقة بدور الذوات المعنيين ولا ينفي أن ذلك التظهير تكويني سابق للحدوث أو النزول على أقل تقدير، لأن فعل المضارع يبدأ من المباشرة وليس من زمن قبله عكس الفعل الماضي كما أسلفنا في البحث مسبقا، هنا يبدأ تاريخ التطهير بالإذهاب وليس قبله فما دام لا دليل على فعل سابق فلا دليل إذا على معصومية مقررة سلفا كما يزعم البعض.
2. الذنب ذنبان والخطيئة خطيئتان والآثم آثمان، منه ما يأتي بفعل فاعل خارج ومنه مت يتكون من الداخل الذاتي، فالشيطان يأمر فيطاع والنفس أيضا أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فليس كل ما أثم أو شر أو خطيئة أو ذنب رجس من عمل الشيطان، وبالتالي قد لا يكون التطهير هنا متعدي حدود الرجس الدلالي والمعنوي، فيجوز منطقا وبالعقل أفتراضا أن إمكانية فعل مخالف لشروط وحدود الإيمان ممكنة على المتطهر، والدليل أن أل إبراهيم ع قد أمره الله بتطهير البيت ومن شروط المطهر أن يكون طاهرا حتى تتم عملية التطهير بدون دنس، ومع أن إبراهيم وإسماعيل طهرا البيت وفد مدحهما الله بعنوان أل إبراهيم، ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون البعض من أل إبراهيم من الظالمين (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
3. هذا سينتج منه حقيقة جلية أن لا ترابط منطقي أو نصي بين الطهارة والعصمة من أرتكاب الذنب من غير الرجس مطلقا، فإن كان التطهير محدودا بالرجس والرجس واحدة من مظاهر التدنيس الذي يصيب الإنسان قولا وفعلا أو حتى وسوسة في الصدور، فيكون تحديد الجزء تحديدا للموضوع بحدوده الخاصة ولا يتعداه مطلقا بدون دليل أو حجة بمستوى التحديد، فقضية العصمة تشترط أولا وأبتداء أمتناع مطلق وتام وطبيعي وسابق ودائم عن حتى الإمكانية الأفتراضية من التدنيس، وهذا ما لم يرد به لا بنص ولا تلميح ولا أستقراء ولا أستنباط، حتى في عصمة الرسول فهي عصمه عليه بالنتيجة وليس له بالتقرير (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فهو معصوم من رد فعل الناس على التبليغ وليس حتى العصمة في التبليغ، فهو مأمور مطاع ليس له أن يمتنع عن التبليغ أو يتردد، هنا العصمة ضد الأذى الخارجي وليس عصمة من الشر والذنب والرجس والرجز وعمل الشيطان بدليل انه قال من الناس ليس مثلا من النفس أو من الشيطان.
4. ما ينفي العصمة التي تعني الطهارة المطلقة من كل ما يخدش الكمال المطلق أن الله ذكر في مناسبات عديدة تنبيها وتوجيها وإرشادا للنبي في كيفية التبليغ، فالمعصوم لا يمكن أن يكون مكلف بالطاعة والأستجابة والمحاسبة لأنه غير قابل أن يختار، والمكلف بخيار الطاعة أو المعصية لا يمكن أن يكون معصوما بأي حال لأن ذلك نقيض العدالة الربانية المطلقة، إذا من لم يثبن له سبب العصمة لا يثبت لغيره بنفس السبب الذي جعل الأخر مرتبط بالأول ومنتسب له، أي لا عصمة لأهل البيت ما دام صاحب البيت غير معصوم.
5. خطأ الربط الذي يقع فيه الجميع بين آل البيت الذين هم أل الرسول ومن كل نسب وسبب ووشيجة رابطة بين النبي وأتباعه، وبين أهل البيت حصرا الذين أشار لهم النبي بكلمة "هؤلاء"، فآل البيت هم أربعة فقط لا غيرهم، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين دون إمكانية أضافة أحد أو أنتساب أحد خارج المكان والزمان والحال الذي كانوا عليه، ولا يسري المسمى على أحد غيرهم حتى على أبنائهم أو أصلابهم، بينما الآل ممكن أن تشمل كل أمة محمد مثلما شملت أل إبراهيم وأل عمران من قبل، وكما شملت آل فرعون وأل لوط، فالقرآن لا يتخذ مسلكا أنتقائيا عند أستخدام مفهوم أو كلمة أو مصطلح فهو يخضع للنسقية والنمطية القصدية الموحدة في الدلالة والمعنى الواحد.
6. أيضا هناك خطأ بين مفهوم الأصطفاء والاجتباء ومفهوم التطهير والإذهاب عن الرجس، فلو كان المعنى واحد أو رديف أو نظير فيعني ذلك أن كل المصطفين الأخيار من آدم ونوح إلى أخرهم مطهرين بالضرورة، وهذا ما لا دليل عليه فالاصطفاء والاجتباء مرحلة نهائية لقرار التكليف ولا علاقة له بالتطهير الوارد في النص، وكلا منهم له مدار ووقت وأسباب وعلل كقوله تعالى (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)، وبدليل أن الله قد ذكر في مناسبات عدة أن الشيطان حاول مع الأنبياء والرسل وتعرض لهم لولا لطف الله، بمعنى أنهم كانوا يتعرضوا للرجس كبقية الناس، أما أهل البيت بعد التطهير فلم برد في الوقائع ولا النصوص ولا الروايات أن الشيطان تقرب منهم أو وسوس لهم أو حدثهم، لأنهم بعد الإذهاب الذي جاء في حكم النص.
7. وأخير مما ظهر لنا من قراءة تفصيلية أصولية أستنباطية من النص أعلاه ثلاثة مسائل متفرقة يجمعها أصل مشترك وهي:.
• في ما ورد في تأكيد المعنى في التطهير "ويطهركم تطهيرا" القصد أن الله سبق وأن طهرهم بالإسلام كباقي المسلمين (... عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) و (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)، هنا التكرار التوكيدي اللفظي يفيد الأستمرار وقد يطهرهم لاحقا إذا أقتضت إرادة الله، فالتطهير عمل مستمر فيه جانب على المطهر ذاته (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، وجانب جعلي تقديري
إرادي من الله يطهر به من يشاء.
• أبتداء النص بمفردة إنما دليل على أن المراد المعنوي هو أقصى ما يمكن أن يدّعى على أنّها تحصر العلّة بالمقصور، إذ أن الجمع بين السياق وبين الروايات التي فسرت أهل البيت بأصحاب الكساء تؤكد المقصورية كعلة نهائية، وذلك لأنّ الأصل في الكلام هو جمع القرائن الداخلية والخارجية مع السياق في فهم كلي، ولأنّ الجمع مع التمكن أولى من العدول عن السياق لغيره، وهذا هو الذي جاء تماما في آية التطهير (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ .....) ، فإنّ فيها قصران، قصر الإرادة على المقصورين بالذكر والوصف "أهل البيت" وأنّها خاصّة بهم وحدهم، والقصر الثاني لمعنى (إنّما) لها دخل في تعيين المراد من الإرادة المقصورة، مع أن القاعدة العامة في التشريع تنافي التخصيص في العام الحكمي (لأنّ الحصر عموماً لا يتوافق مع التشريع العام).
• النص في عمومه إخبار دراية وليس حكم تكليفي نافذ باقي ومستمر في إحداث إلتزام مادي به، بمعنى أنه لا يرتب أحكاما مستقبلية تلزم المسلم كفرض وواجب وهي من جملة أساليب القرآن الكريم ومنه أمثلة كثيرة (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، فالإطعام وإن كان سنة حسنة محمودة ومأمور بها، لكنها من النص ودلالته إخبارية للتمثيل بها، فالتطهير والإذهاب والتقدير هنا تم وأنتهى حالا وتقديرا، ولا إلزام بأحد غير التصديق والإقرار بما لأهل البيت من منزلة جعلت كل ذلك يحصل لتعلقه بعمو موضوع الرسالة ودورهم فيه.
من جملة الحقائق والنتائج التي جاء بها النص على قلة كلماته وعمق الدلالان الحصرية فيه نستطيع أن نقول أنه أرسى للناس منهج واضح وصريح بما أراد الله منه، المشكلة لا تكمن في النص في موضوع الخلاف الذي شجر عنه في التفسير والتأويل والذي ما زال ساريا، بل أن المشكلة الأساسية تتمثل في الأستحواذ على ما يبنى عليه ظنا، فالبعض أراد أن يؤله أهل البيت من خلال فرض مفهوم المعصومية التكوينية التي نسبوها للطهارة التكوينية خلافا لنص النص ودلالاته، وحصر هذه المعصومية بعلي وفاطمة والحسن والحسين وذرية الحسين تحديدا دون حجة أو دليل أو كتاب منير، ودمج مفهوم الآل والأهل في معنى واحد لإخراج طائفة كبرى من أل الرسول وأزواجه وأهله منهم، في الطرف الأخر أراد البعض الأخر جر النص إلى سائر الآل ودمجهم مع الأهل لشمول بالتطهير لهم، وأعتبار كل أل البيت مطهرين بالنص بما فيهم من لم من أهل البيت ولا حتى من المسلمين، إذا القضية بدون هذا العرض تبقى محل خلاف وأختلاف حتى يتم ضبط المعنى ضبطا محكما بالدلالة الحصرية والقصد المقيد بها.... والله ولي العلم.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |