|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عبدالرحيم قروي
2023 / 8 / 24
مؤلف "الدولة والثورة" على حلقات
تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة
فلاديمير إليتش لينين
الحلقة التاسعة
الفصل الرابع
تتمة. شروح اضافية لإنجلس
لقد تقدم ماركس بما هو أساسي في مسألة أهمية خبرة الكومونة. وقد رجع إنجلس مرارا إلى الموضوع نفسه شارحا تحليل ماركس واستنتاجاته وموضحا الوجوه الأخرى في المسألة بقوة وجلاء مما يجعل من الضروري تناول هذه الشروح بوجه خاص.
1-«مسألة المساكن»
كان انجلس قد راعى خبرة الكومونة في مؤلفه عن مسائل المساكن (سنة 1872) حين تناول فيه عدة مرات مهام الثورة حيال الدولة. وما يستوقف النظر أنه قد بين بوضوح، استنادا إلى هذا الموضوع الملموس، من جهة، وجوه الشبه بين الدولة البروليتارية والدولة الراهنة، ومن الجهة الأخرى، وجوه التباين أو الإنتقال إلى القضاء على الدولة.
«ما السبيل إلى حل مسألة السكن؟ تحل هذه المسألة في المجتمع الحالي تماما كما تحل كل مسألة اجتماعية أخرى: بالتوازن التدريجي بين العرض والطلب اقتصاديا، وهذا حل يثير المسألة بحد ذاته مجددا، أي أنه لا يعطي أي حل. وكيف تحل الثورة الاجتماعية هذه المسألة؟ إن هذا لا يتوقف فقط على ظروف الزمان والمكان، بل يتوقف كذلك على مسائل أبعد مدى بكثير، وبين الرئيسية منها مسألة إزالة التضاد بين المدينة والريف. ولما كنا لانريد الانصاف إلى اختراع أشكال طوباوية لتنظيم المجتمع المقبل يكون الوقوف عند هذه المسائل أكثر من لغو. بيد أن ثمة أمرا واضحا: يوجد في المدن الكبرى الآن عدد كاف من عمارات السكنى يكفي ليسد على الفور الحاجة الحقيقية إلى المساكن شريطة أن يستفاد من هذه العمارات بالشكل المعقول. ولا يحقق ذلك بطبيعة الحال إلاّ عن طريق مصادرة عمارات المالكين الحاليين وعن طريق جعلها مساكن للعمال الذين لا مساكن لهم أو الذين يسكنون في شقاق مزدحمة جداً. ومذ تظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية يصبح هذا التدبير الذي تفرضه المصلحة العامة أمرا هين التحقيق شأنه شأن سائر العمليات التي تقوم بها الدولة الحالية لمصادرة الشقات واشتغالها» (ص 22، الطبعة الألمانية، سنة 1887).
إن البحث هنا لا يدور حول تغيير شكل سلطة الدولة، بل يتناول مضمون نشاطها وحسب. إن مصادرة واشتغال المساكن يجريان بأمر من الدولة الحالية أيضا. والدولة البروليتارية، من وجهة النظر الشكلية، «تصدر» كذلك «الأوامر» باشغال الشقات ومصادرة البيوت. ولكن الواضح هو أن الجهاز التنفيذي القديم، جهاز الموظفين المرتبطين بالبرجوازية، لن يكون على العموم أهلا لتنفيذ أوامر الدولة البروليتارية.
«…ولا بد من أن نلاحظ أن تملك الشعب العامل بالفعل لجميع أدوات العمل، لكامل الصناعة، هو النقيض المباشر «للشراء» الذي يقول به برودون. ففي الحالة الأخيرة يصبح كل عامل بمفرده مالكا لمسكن، ولقطعة أرض فلاحية لأدوات عمل. وفي الحالة الأولى يظل «الشعب العامل» المالك الجماعي للبيوت والمصانع وأدوات العمل. وهذه البيوت والمصانع الخ.، لا نحسب أنها ستعطي لأشخاص منفردين أو لجمعيات منفردة للاستفادة منها دون تغطية التكاليف، وذلك على الأقل في مرحلة الانتقال. كما أن القضاء على ملكية الأرض لا يفرض القضاء على الريع العقاري، بل تحويله إلى المجتمع، وان بشكل مكيف. وعليه، كان التملك الفعلي لجميع أدوات العمل من قبل الشعب العامل لا ينفي بأي حال بقاء التأجير والاستئجار» (ص 68).
إن المسألة المبحوثة في هذه الفقرة، ونعني بها مسألة الأسس الاقتصادية لاضمحلال الدولة، هي موضوع بحثنا في الفصل التالي. يتحدث انجلس هنا باحتراس شديد إذ بقول: «لا نحسب» أن الدولة البروليتارية ستوزع المساكن دون أجور، «على الأقل في مرحلة الإنتقال». فتأجير المساكن التي هي ملك للشعب كله إلى هذه العائلة أو تلك مقابل أجرة، يفرض قبض هذه الأجرة ونوعا من الرقابة وتحديد هذا المعدل أو ذاك في توزيع المساكن. وكل هذا يقتضي شكلا ما من أشكال الدولة، ولكنه لا يقتضي بتاتا جهازا عسكريا وبيروقراطيا خاصا مع موظفين يتمتعون بامتيازات خاصة. أمّا الإنتقال إلى حالة يصبح معها بالإمكان إعطاء المساكن دون مقابل، فإنه منوط بـ«اضمحلال» الدولة بصورة تامة.
وإذا تحدث انجلس عن انتقال اتباع بلانكي إلى موقف الماركسية المبدئي بعد الكومونة وتحت تأثير خبراتها، صاغ هذا الموقف في سياق الحديث بالشكل التالي:
«… ضرورة عمل البروليتاريا السياسي وديكتاتوريتها، باعتبار ذلك انتقالا إلى إلغاء الطبقات ومعها الدولة…» (ص 55).
ولعل هواة النقد الحرفي أو لعل «مبيدي الماركسية» البرجوازيين يرون تناقضا بين هذا الإعتراف بـ«إلغاء الدولة» وإنكار هذه الصيغة، باعتبارها فوضوية، في الفقرة التي أوردناها أعلاه من «ضد دوهرينغ». ولا مجال للاستغراب إذا ما وضع الإنتهازيون انجلس نفسه في عداد «الفوضويين». ففي الوقت الحاضر، يعد الاشتراكيون-الشوفينيون أكثر فأكثر إلى اتهام الأمميين بالفوضوية.
لقد علمت الماركسية على الدوام أن الدولة تلغي مع إلغاء الطبقات. فالفقرة المعروفة من الجميع في «ضد دوهرينغ» بصدد «اضمحلال الدولة» تتهم الفوضويين لا بمجرد قولهم بإلغاء الدولة، بل بأنهم يروجون بزعم مفاده أن بالإمكان إلغاء الدولة «بين عشية وضحاها».
وبما أن النزعة «الاشتراكية-الديموقراطية» السائدة اليوم قد شوهت تماما موقف الماركسية من الفوضوية في مسألة القضاء على الدولة، فمن المفيد جدا أن نذكر بجدال لماركس وانجلس مع الفوضويين.
يتبع
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |