الفيلم الايراني (قصيدة البقرة البيضاء ) يفضح فساد السلطة القضائية في إيران

علي المسعود
2023 / 8 / 20

الفيلم الايراني (قصيدة البقرة البيضاء ) يفضح فساد السلطة القضائية في إيران


أحكام الإعدام في إيران موضوع شائك ويثير نقاشًا واعتراضًا، السينما الإيرانية بدأت بالاهتمام به وبحيثياته منذ وقت ليس بالبعيد . وفي السنوات الأخيرة حاول بعض السينمائيين الايرانيين تناول هذه الاحكام، على سبيل المثال، فيلم محمد رسولوف "لا يوجد شر" الذي أنتجه سراً بسبب منعه من إخراج الأفلام وفاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 2020، بينما شهد أيضا اعتقال المخرج وسجنه من قبل الحكومة الإيرانية بسبب انتقاده الشديد لاستخدام النظام الإيراني لعقوبة الإعدام. يأتي فيلم “ قصيدة البقرة البيضاء" (2020) لبهتاش سنائحة الذي عُرض بعنوانه الفرنسي "الغفران" وهو الفيلم الأول لمخرجه بمساعدة زوجته مريم مقدّم التي ساهمت في الكتابة السينمائية أيضا وفي أداء الدور الرئيسي في تناول الموضوع ذاته. حاولا سنائحة ومقدم التركيز على القصاص والتصميم في النظر إلى الداخل وتحديد القدرة البشرية على القسوة بدلا من الخارج (أي باتجاه قوة الدولة) مما يجعل الفيلم غنيا وإن كان خجولا سياسيا. دراما اجتماعية دقيقة تتصارع مع التناقض المتأصل في المجتمع الأيراني من الوحشية والنقمة اللتان يميزان الحياة اليومية في ظل النظام المتخلف، أضافة الى الكشف الدقيق لمكانة المرأة في المجتمع الأيراني بشكل عام. . الفيلم مستوحى من تجربة شخصية، وبالتحديد من حياة والدة الممثلة والمخرجة مريم مقدّم ومعاناتها بعد إعدام زوجها لأسباب سياسية. لكن الفيلم اختار أن ينطلق من جانب اجتماعي فردي يلامس مشاعر الألم والندم ومعضلة الغفران مع خلفية تضع الفرد في سياق عام. ينسج المخرج سنائحة ومساعدته " مريم مقدّم " بذكاء حكاية تذهب أبعد من مجرد قضية حكم خاطئ للقضاء الإيراني وتأثيره على امرأة ويتجنبان انتقادًا مباشرًا واقترابًا من سياسة، لتأتي كل معاناة، بل كل موقف تعبيرًا عن وضع عام تعبث فيه بيروقراطية إدارية وسيادة نظام ذكوري مع صعوبات العيش اليومية، وفي النهاية تنتصر أمرأة تكافح بمفردها رغم ضغوط الأسرة والمجتمع.

يفتتح الفيلم بنص الآية الكريمة 67 من سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”. في اللقطة الموازية تظهر " بقرة بيضاء" تتوسط فناء السجن الشبه فارغ. اختار المخرجان هذه الآية الكريمة لأنها تشكل ركنا مقدسا في الحياة الاجتماعية وتؤسس للمنظومة القانونية والفقهية في البلاد القائمة على حكم القصاص، بعدها تظهر ساحة السجن وفيها يصطف رجال على جدار وفي جهة مقابلة نساء، وتقف في منتصفه بقرة بيضاء ، وهذه اشارة الى دية الرجل البريء الذي أعدم. حين تقوم مينا (مريم مقدّم) بزيارة أخيرة لزوجها (باباك) المحكومً بالإعدام، تدخل الزنزانة ولن تشهد المراسم الأخيرة في هذا المكان الذي يحوم حوله الموت. تُفتح وتغلق أمامها أبواب حديدية بعنف مصدره هذا الصوت الذي يبعث الرعب والخوف لحدته، نسمعها وهي تبكي بحرقة خلف الباب المغلق لزنزانة السجن قبل لحظات من إرسال زوجها باباك إلى حبل المشنقة. بعد الإعدام (الذي لم يظهر في الفيلم)، تعاني مينا من الحزن لدرجة أنها تبدو منفصلة إلى حد ما عن الواقع . لا تزال تذهب إلى وظيفتها حيث تعمل في مصنع لتعبئة الحليب. ويبدو سلوكها وهي ساهمة وكأن عواطفها تخدرت وعقلها في مكان آخر . لكنها لا تزال قادرة على رعاية ابنتها المحبة بيتا البالغة من العمر 7 سنوات (التي يلعبها أفين بور رؤوفي) وهي صماء . لكن مينا ليس لديها الطاقة للقيام بأشياء (مثل الذهاب إلى السينما) مع اإبنتها التي اعتادت أن تذهب اليها قبل وفاة باباك. كان والد الطفلة يحب السينما، وهذا موضوع آخر في الفيلم وهو حب السينما الإيرانية الكلاسيكية، حتى أن تسمية الطفلة بيتا على اسم شخصية لعبت دورها الممثلة الشهيرة كوكوش التي انتهت حياتها المهنية مثل الكثيرين بعد الثورة الإيرانية.

سجن الأب باباك وإعدامه سبب الخجل والعار على مينا لدرجة أنها لا تستطيع إخبار الطفلة بيتا بالحقيقة. بدلا من ذلك، تكذب مينا وتخبر بيتا أن والدها في رحلة إلى مكان بعيد ولا تعرف متى سيعود إلى المنزل. يمكن أن تشعر بيتا بحزن والدتها وتسألها ذات يوم، "لماذا أنت عابسة؟" تخبرها الأم مينا “أنا متعبة فقط". وفي الوقت نفسه، كانت بيتا تكافح في المدرسة. تخبر والدتها أنها لا تحب زميلاتها في المدرسة بسبب تنمرهم عليها . لا تريد بيتا العودة إلى المدرسة ولا تريد القيام بأي عمل مدرسي لأن معلمتها لئيمة معها . تم الكشف لاحقا عن أن مشاكل بيتا في المدرسة تتعلق في الغالب بالناس في المدرسة الذين يعرفون ما حدث لوالدها، ولكن بيتا (لأنها كذبت عليها) تصر على الجميع على أن والدها لا يزال على قيد الحياة ومسافر إلى مكان ما . تعاني مينا من ضائقة مالية شديدة لأن بابك لم يكن لديه معاش تقاعدي أو تأمين على الحياة ، ولم تكن وظيفتها في المصنع تكفي لتغطية جميع نفقاتها. تتفهم زوجة صاحب الشقة (التي تلعب دورها ليلي فرهادبور) ظروف الأم الأرملة وتاخرها عن دفع الأيجار ،لأنها تشعر بالتعاطف مع مينا كونها أرملة ومسؤولة عن تربية طفلة صغيرة بمفردها. تعيش مينا وابنتها بيتا بمفردهما في منزل متواضع بالعاصمة طهران. ترتبط الأم مع طفلتها بآصرة عاطفية شديدة، ليس فقط حبّ أم وتعلّق ابنة، بل مشاركة وتفاهم وإحساس بمصيبة تجمعهما وتقوّي من رابطتهما.

بعد عام من إعدام الزوج، يحدث شيء غير متوقع، تنقلب حياة مينا ثانية بعد استدعاء القضاء لها وإعلامها بخطأ في الحكم بعد اعتراف القاتل الحقيقي بالجريمة، تمنح الحكومة مينا تسوية مالية بمثابة تعويض عن الخطأ في قرار الإعدام . لكن هذه ( الفدية ) لا تقنع مينا ولا يعوض حرمانها من زوجها. بل تريد نوعا من الاعتراف الرسمي عن هذا الخطأ الكارثي . لذا تحاول إيجاد طريقة لجعل الحكومة تقدم لها اعتذارا وإعترافاّ رسمياّ . إنها تريد أيضا نوعا من العدالة لأنها تعتقد أن الحكومة دمرت سمعة باباك. ولكن طلبها يواجه بالرفض العديد من الحواجز . تبدأ معاناة الام مينا المادية، لأن زوجها باباك لم يكن لديه معاش تقاعدي أو تأمين على الحياة، ووظيفتها في المصنع لا تكفي لتغطية جميع نفقاتها. رغم كل الظروف لا تستسلم مينا لقوانين وأحكام المجتمع وتقرر أن تفعل ما تريده وأصرّت على ألا تتنازل عن حقوقها وأن تكون سيدة قرار نفسها في مجتمع يُعامل المرأة كمواطن من الدرجة العاشرة. خلال هذا الوقت، تحصل مينا على زيارة مفاجئة من شخص غريب ويعرف نفسه باسم رضا اسفندياري (علي رضا ساني فار) والذي يقول إنه كان صديقا لزوجها ويخبرها بأنه مدين بمبلغ 10 ملايين تومان لزوجها باباك. في البداية تمانع في قبول المبلغ، لكن رضا يصر على أن يكتب لها شيكا بهذا المبلغ . زيارة الرجل الغريب رضا للمرأة الارملة في شقتها تثير حفيظة صاحب الشقة الذي يصرً على إخلائها بعد أستقبالها لرجل غريب في شقتها . ليس للمرأة المنكوبة مينا وقت كافي للعثور على مكان جديد لها وللطفلة بيتا. ثم يأتي الانقاذ من الرجل الغريب رضا . حيث تصادف امتلاكه لشقة شاغرة ويعرضها لمينا وابنتها بيتا في السكن فيها وبدون إيجار شرط المحافظة عليها. وتبدأ الأرملة وابنتها حياة أكثر هدوءاً واستقراراً من حياتها السابقة بعد انتقالها الى المنزل الجديد. وعند الأستفهام : لماذا يظهر رضا كريما جدا مع مينا وبيتا؟،. يكون الجواب على هذا السؤال: ذلك لأن اسمه الحقيقي هو رضا شال، وكان عضوا في لجنة التحكيم التي قررت الحكم على باباك بالإعدام . إنها لجنة من القضاة الذين يتم الحفاظ على هوياتهم سرية عن الجمهور بسبب المخاوف من أن يتم الانتقام من القضاة . يشعر رضا بقدر هائل من الشعور بالذنب بسبب قرار الإعدام غير المنصف لباباك، ومع ذلك يخشى رضا إخبار مينا بهويته الحقيقية . كانت تجربة رضا الأولى في الحكم على قضية حكم الإعدام هي قضية باباك. تم الكشف في الفيلم أن رضا كان يعمل سابقا في نظام المحاكم المدنية وانتقل مؤخرا إلى نظام المحاكم الجنائية عندما جاءت قضية باباك في طريقه. في فيلم “قصيدة البقرة البيضاء" مشاهد مليئة بالتوتر لرضا يناقش خيبة أمله مع زميل (يلعب دوره بعد استقبالها فريد غوبادي)، الذي ينصح رضا بعدم الاستقالة من منصبه.

إضافة إلى اضطراب رضا الشخصي، لديه ابن في أواخر سن المراهقة أو أوائل العشرينات (طفل رضا الوحيد) يدعى ميسام وكانت علاقته مع والده رضا مضطربة بعض الشئ . كان ميسام يعيش مع رضا، وهو إما مطلق أو أرمل . تحتوي مشاهد رضا وميسام معا على الكثير من الخلفية الدرامية غير الواضحة، ولكن استنادا إلى ما يجري من حديث بينهم ، يبدو كما لو أن ميسام لديه الكثير من الاستياء تجاه والده رضا لشعوره بأن رضا كان أبا مهملا . إضافة لما يعانيه ضمنا من أن والده رضا كان مدمن عمل معظم حياة ميسام وأصبح بعيدا عنه، يلوم الابن والده على قتل رجل بريء. يجادل رضا بأنه نفذ القانون فقط ولم يكن لديه خيار آخر، وإلا سيكون هناك اضطراب وفوضى في المجتمع. ويشير ابنه إلى البلدان التي لم تعد فيها عقوبة الإعدام موجودة ولم تشهد أي اضطرابات في مجتمعهم . ويخبر رضا أبنه بشعوره يشعر رضا بالندم على ذلك القرار .


لا تمضي فترة طويلة حتى تتلقى مينا اتصالاً هاتفياً من رضا، وهو في حالة انهيار تام ويخبرها فيه أن ابنه الوحيد ميسام قد توفى بسبب جرعة زائدة من المخدرات، فتسرع مينا إلى منزل رضا وتنقله إلى المستشفى، وهناك يخبرها الطبيب بضرورة مكوث أحد معه حتى يتماثل إلى الشفاء. وعلى هذا الأساس، تعمل مينا على نقله إلى منزلها كي تتولى رعايته. وبعد ما يسترد رضا عافيته يترك منزل مينا ويعود إلى منزله، وبعد عدة أيام يتلقى رضا اتصالاً هاتفياً من مينا تخبره فيه بأنها ستذهب صباح اليوم التالي إلى المحكمة، لأن والد زوجها فد رفع دعوى ضدها لضم الطفلة أليه وتطلب من رضا مرافقتها. يذهبان رضا ومينا وبصحبتهما البنت بيتا إلى المحكمة، وينتظر رضا مينا في السيارة خارج المحكمة، لا يمضي وقت طويل حتى تخرج مينا مسرعة إلى السيارة تغمرها فرحة عارمة، وتخبر رضا أن القاضي رفض دعوى الاب في ضم الطفلة، وحكم لصالحها، تدعوه للعشاء عندها الليلة احتفالاً بهذه المناسبة، ولأنها كانت تشعر بالظمأ وجفاف الحلق، يتوقف رضا عند محل صغير ويترجل من السيارة لشراء زجاجة مياه ، في تلك اللحظة تتلقى مينا اتصالاً هاتفياً من شقيق زوجها ، فيخبرها أن من تجلس معه في السيارة هو القاضي الذي قضى بإعدام زوجها . تصاب مينا بحالة من الذهول والصدمة عند سماعها ذلك وتغرق في صمت مطبق . في تلك الليلة ترسل مينا ابنتها إلى جارتها القاطنة في الطابق العلوي، وتعد العشاء كما اتفقت مع رضا، تنتظره وهي في أبهى زينتها. يأتي رضا ويتناول معها العشاء، فتقدم له كوباً دافئاً من اللبن دست به السم انتقاماً لموت زوجها، فما إن يرشف رضا عدة رشفات من كوب اللبن حتى يسقط على الأرض صريعاً. في نهاية الفيلم نرى مشهدين، أحدهما حقيقي والثاني من المحتمل أن يكون قد دار بمخيلة مينا أو بمخيلة القاضي رضا نفسه، نتوهم للوهلة الأولى كمشاهدين أننا نشاهد موته بعيون مينا وكأنه الانتقام، لكن من المحتمل أيضا أن يكون هذا هو تصوّر رضا وخياله أو أمنيته حتى يستريح من عذاب الضمير. وتُؤكد ذلك اللقطة التالية حين نرى الارملة مينا عند الباب تحمل حقيبتها، تلتفت وراءها لتلقي نظرة أخيرة عليه. نرى رضا ما زال جالسا في مكانه حيّا لم يُصب بأذى جسدي، لكن الندم والشعور بالذنب يشي بأنه سيقضي عليه حتما، ثم يُختتم الفيلم بمشهد للأم وابنتها وهما جالستان على مقعد في الشارع، وتلك نهاية قد تبدو مفتوحة على الاحتمالات.

يبدأ فيلم "قصيدة البقرة البيضاء" من تأليف بهتاش سناحي بعرض مكاني سريالي يشبه الحلم . منظر لساحة السجن بجدران بيضاء طويلة ونوافذ سوداء ضيقة صغيرة . تقف بقرة بيضاء في منتصف الفناء وعلى جانبي البقرة، يصطف رجال ونساء يرتدون ملابس سوداء ويتكئون على الحائط . طالما كان للتباين بين الأسود والأبيض معانٍ رمزية: أحيانًا يكون رمزًا ليلا ونهارًا وما بعده، وأحيانًا يكون إشارة إلى صراع القوى بين الخير والشرً وهما دائما في حالة حرب. بالنظر إلى أجواء السجن ووجود البقرة والبشر، يمكن القول: "إن العالم سجن للروح والجسد البشري “. على الرغم من تقديم الفيلم لائحة اتهام قوية لكل من نظام عقوبة الإعدام في إيران والقيود المفروضة على النساء في المجتمع الإيراني، لكن السيناريو حريص على عدم الانغماس في النقد العلني او الاقتراب من النبرة السياسية، وبدلا من ذلك ترك المظالم المختلفة تتحدث بصوت عال عن نفسها. ويمتد ذلك إلى تأثير الدين في النظام القضائي. على الجانب الآخر، الفيلم يكشف جانب من طبيعة المجتمع الإيراني ومكانة المرأة والهيمنة الذكورية والمؤسسات البيروقراطية. يتضمن الفيلم مشاهد مليئة بالتوتر لرضا وهو يناقش خيبة أمله مع زميل له (يلعب دوره فريد غبادي) الذي ينصح رضا بعدم الاستقالة من منصبه، إضافة إلى اضطرابات الحياة الشخصية لرضا. ألاب والقاضي رضا ينخر روحه الندم من جراء إحساسه بالذنب الذي اقترفه بإصدار حكم الإعدام في حق شخص بريء فيقدم استقالته من عمله ويسعى الى الحصول على الغفران من ذويه، وما يزيد الأمر عليه سوءاً موت ابنه، فيتحول من شخص كان جزءاً من النظام إلى معارض له، ويبدأ بنشر تعليقات ضد النظام على وسائل التواصل الاجتماعي، فتجري النيابة تحقيقاً معه حول علاقته بمينا وأسباب استقالته ومعارضته للنظام .

يحاول المخرجان المشاركان مينا مقدم (تلعب دور البطولة أيضا) وبهتاش وهما كاتبا النص في تناول مواضيع عديدة مثل الحزن والخسارة والشعور بالذنب، والندم، والمسؤولية، والرحمة. من القضايا المهمة التي طرح بهتاش في الفيلم، وضع المرأة في المجتمع الإيراني وخاصة من تعيش بمفردها، سواء كانت أرملة أو مطلقة كون المجتمع ينظر إليها نظرة محتقرة ودونية، في مشهد من الفيلم لم يوافق أي سمسار على تأجير شقة لمينا لأنها أرملة، كما أصبحت مطمعاً لشقيق زوجها حين يحاول التحرش بها أكثر من مرة لأنها وحيدة وبلا أهل. هذه التصرفات تجاه مينا توضح معاناة المرأة الإيرانية في مجتمع ذكوري، ليس في إيران فحسب، بل في أغلب المجتمعات الشرقية. وهناك أيضاً قضية الإدمان؛ وهي قضية ألمح إليها بهتاش في عجالة شديدة من خلال موت ابنه ميسم بجرعة زائدة من المخدرات. وكما هو معروف، إيران تحتل المرتبة الأولى عالمياً في معدلات تعاطي المخدرات. فيلم "قصيدة بقرة بيضاء" ليس فقط نقداً لحكم الإعدام أو نظام العدالة الإيراني، بل هو اشارة إلى فساد السلطة القضائية في إيران من خلال استغلال القضاة لنفوذهم لتهديد القاضي رضا بعد استقالته من السلك القضائي، بسبب شعوره باقتراف ذنب كبير لإصداره حكم إعدام في حق شخص بريء ، رئيس القضاة وزملاءه يعتبرون موافقتهم على استقالته اعترافاً ضمنياً منهم بخطئهم، فهم شركاءه في إصدار الحكم الخاطئ، ولكن الفرق بينهم وبينه أنهم لا يشعرون باقترافهم أي ذنب ، بل يرون أنهم قد أصدروا حكمهم بناءً على القرائن والأدلة وشهادة الشهود حتى إن كانت مزورة أو غير مؤكدة ، وهنا تتبلور الفكرة الأساسية للفيلم؛ وهي تبرير الأخطاء تحت مسمى إرادة الله . وفساد السلطة القضائية الإيرانية سواء كان تشريعياً أو مالياً هو ملف مضخم بالعديد من القضايا المتراكمة على مدار عقود منذ الثورة الاسلامية 1979 حتى الآن، ويُتهم فيه رجالات يتبوؤون أرفع المناصب في الدولة مما جعل البعض يصف القضاء الإيراني بالمؤسسة العصية على الإصلاح. إنه انعكاس نقدي للمجتمع الإيراني والقيود المفروضة على النساء.

تتحدث المخرجة والكاتبة مريم مقدم: " الفيلم مستوحى من قصة حياة والدتي. طورنا الفكرة وكتبنا معا على مدار تسع سنوات. إنها قصة العديد من الناس، الذين نعرف بعضهم، في إيران وبلدان أخرى تطبق عقوبة الإعدام "، في حين تحدث المخرج بهتاش سنائحة قائلا:" قابلنا أشخاصا لديهم حالات مماثلة. " لقد أجرينا سنوات من البحث، وأجرينا مقابلات مع قضاة ومحامين . وحول شخصية مينا القوية التي تكافح عواقب عقوبة الإعدام التي تتجاوز فقدان زوجها. تعلق بطلة الفيلم قائلة" المرأة الإيرانية، على عكس ما قد يعتقده الناس في البلدان الأخرى هي قوية جدا. وهذا الجانب ليس مبالغا فيه. مينا امرأة إيرانية أرملة وتعيش في مجتمع كاره للنساء، لذلك تصبح الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة لها، العنصران اللذان أردناها أن تمتلكهما هما القوة والكرامة" .
في هذه الدراما الواقعية المؤثرة، الأم مينا بشخصيتها القوية ستكشف لنا في مشاهد مختصرة وبسيطة مدى بيروقراطية وازدواجية الدولة القمعية. كما تم تصويرها بشكل جميل في جميع أنحائها، بفضل المصور السينمائي أمين جعفري، الذي تتحد لقطاته الثابتة ذات المغزى والتأطير الدقيق مع التأثير الدرامي القوي . يملأ مقدم والمخرج المشارك بهتاش سنايحة الفيلم بمشاهد ولحظات لا تنسى، تربية الحيوانات الأليفة من الأمور التى ألمح إليها الفيلم في إشارات طفيفة؛ مثل الظهور المفاجئ لكلب في شقة ، أو الاستماع إلى الغناء والموسيقى، والشاب ميسام ابن القاضي رضا الذي يعشق الموسيقى ويعزف على الجيتار، فعلى الرغم من نشأته في بيئة متزمتة وتتسم بالحزم إلا أنه يهوى الاستماع إلى الموسيقى، وصناعة أسطوانات المدمجة لأشهر الأغاني الإيرانية الحديثة .


كاتب عراقي

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي