عودة لتقليد سلطوي فاشل / المحكمة العليا تعين قيادة كارتونية للحزب الشيوعي الفنزويلي

رشيد غويلب
2023 / 8 / 20

في تدخل فظ في الشؤون الداخلية للحزب الشيوعي الفنزويلي عينت المحكمة العليا قيادة كارتونية بديلة لقيادة الحزب المنتخبة في مؤتمرات الحزب الشرعية.

جاء ذلك بموجب قرار الحكم 1160 في 12 آب 2023، بعد دعوى أقامها في تموز الماضي أعضاء سابقون مطرودون من الحزب، وآخرون مفترضون. وبعد مرور ساعات على صدور القرار، نظم الحزب الشيوعي تجمعا احتجاجيا، تحدث فيه إلى جانب السكرتير العام للحزب وقياديين آخرين، عدد من ممثلي الأحزاب المعارضة.

قيادة كارتونية

بموجب القرار عينت المحكمة قيادة للحزب الأقدم في فنزويلا، تشكلت من مجموعة من الأفراد الذين يدعون تمثيل قواعد الحزب. ووفقًا لإرادة القضاة، عين هنري بارا، الذي طُرد من الحزب في عام 2021 بعد معارضة علنية للحزب خلال الحملة الانتخابية، رئيسا للحزب، وسيكستو رودريغيز سكرتيرا عاما، على الرغم من مغادرته صفوف الحزب قبل 10 سنوات. ومُنحت القيادة الكارتونية المعينة صلاحية اتخاذ القرارات بشأن شؤون الحزب السياسية والتنظيمية، بما في ذلك تحديد خيارات الحزب الانتخابية، واختيار مرشحيه. ويبدو أن الهجوم الحكومي على الحزب مرتبط بالانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستجري في عام 2024، وبالتالي فان الهدف هو حرمان الحزب الشيوعي من المشاركة المستقلة في الانتخابات، والتي يمكن ان تكلف معسكر الحكومة أصواتًا مهمة.

وفق الحزب الشيوعي بدأت التناقضات تشتد بين الحزب والتحالف الحاكم، بزعامة الحزب الاشتراكي الموحد نهاية عام 2021، لقد دعم الحزب الشيوعي الفنزويلي حكومة الحزب الاشتراكي الموحد، بأشكال مختلقة. وفي عهد الرئيس السابق هوغو شافيز، الذي توفي في عام 2013، كان بالإمكان التحدث عن تحالف وثيق. ومن المفيد ان الرئيس مادورو لم يلتزم باتفاق وقعه شخصيا مع الحزب الشيوعي الفنزويلي عام 2018، بشأن الحد الأدنى من المشتركات السياسية بين الطرفين. ويمثل الحزب الشيوعي الفنزويلي حاليا نائبان في الجمعية الوطنية بعد أن خاض الحزب الانتخابات العامة الأخيرة بقائمة مستقلة.

في مؤتمر الحزب المنعقد في تشرين الثاني 2022، أعلن الشيوعيون “ابتعادهم عن السياسات الليبرالية الجديدة لحكومة نيكولاس مادورو”. كان هذا التحول موضع خلاف داخل الحزب، اذ دعت مجموعة داخل الحزب علنًا إلى استمرار التحالف مع الحكومة.

وجاء تبرير تدخل المحكمة العليا في هذا الصراع الحزبي الداخلي بالشكل التالي: “حتى تتمكن المنظمة (الحزب الشيوعي) من تنظيم العملية الديمقراطية الداخلية التي تضمن حقوق أعضائها في المشاركة السياسية وفقًا لنظامها الأساسي ودستور جمهورية فنزويلا البوليفارية”.

لقد جاء سلوك الحكومة مع الحزب الشيوعي، امتدادا لسياسة اعتمدتها ضد أحزاب المعارضة الأخرى، مثل الحزب الاشتراكي المسيحي (يمين)، والديمقراطي الاجتماعي (وسط)، وكذلك ثلاثة أحزاب يسارية صغيرة أخرى. استطاعت المحكمة تعين أعضاء ينتمون فعلا إلى هذه الأحزاب، ولكن في حالة الحزب الشيوعي، كان عليها البحث في أوساط الأعضاء السابقين، الذين طردوا من الحزب او غادروا صفوفه قبل سنين، وبعضهم يعمل في صفوف الحزب الحاكم منذ عدة سنوات.

ثبات في الدفاع عن الحزب

وصف المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفنزويلي قرار الحكم بأنه “هجوم شنته حكومة نيكولاس مادورو على الحزب الشيوعي”، نفذه “مرتزقة يخدمون قيادة الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي الحاكم”.

ودعا الحزب الشيوعي إلى مقاومة قرار المحكمة. “إن هذا الاحتيال الإجرائي، الذي ينتهك الحقوق السياسية للحزب الشيوعي الفنزويلي والشغيلة الفنزويليين، لا يشكل فقط سابقة خطيرة في التاريخ السياسي والقانوني للبلاد، بل يفضح أيضًا الطبيعة الاستبدادية والمناهضة للديمقراطية والرجعية لحكومة الحزب الاشتراكي الفنزويلي، التي تعتقد خطأ ان هذه المناورة ستُخضع الشيوعيين الفنزويليين”.

ويلعب السكرتير العام للحزب الشيوعي الفنزويلي أوسكار فيغيرا، دورا رئيسيا في الدفاع عن شرعية الحزب واستمراره، عبر عنه في تأكيده على ان “هذه الحكومات تتغير، والحزب الشيوعي باق باستمرار”.

يقول أوسكار فيغيرا الذي يقود الحزب الشيوعي الفنزويلي منذ عام 1996، ولا يزال يمارس مهامه القيادية: “لا نهتم بما إذا كانت الحكومة أو المحكمة أو المجلس الانتخابي الوطني تعترف بالمؤتمر الوطني للحزب أم لا.. هؤلاء الناس يعتقدون أنهم سيفككوننا، هؤلاء الناس مجانين. لا يعتمد وجود الحزب الشيوعي الفنزويلي على المناصب البيروقراطية في حكومة نيكولاس مادورو وفي الدولة الرأسمالية الحالية”.

ان ما يعيشه الحزب الشيوعي الفنزويلي يذكرنا بتجارب أخرى عاشتها أحزاب شيوعية مع حكومات وطنية و “تقدمية” تراوحت علاقتها بها بين التضامن والنقد دفاعا عن مصالح أوسع الأوساط الشعبية، وعندما لا يجد الحاكمون أجوبة موضوعية يلجؤون إلى أساليب استبدادية، فشلت تاريخيا في إلغاء هوية أحزاب تاريخية، نشأت استجابة لتطورات الصراع الاجتماعي السائد في البلاد.

قد تختلف أحزاب شيوعية وأخرى يسارية مع الحزب الشيوعي الفنزويلي في موقفه من حكومة مادورو التي تخوض صراعا مع الولايات المتحدة الامريكية، ولكن الدفاع عن الديمقراطية وحق الشيوعيين التاريخي والشرعي في الحفاظ على حزبهم وهويتهم الفكرية والسياسية يجب ان لا يتعارض مع التضامن مع الحقوق المشروعة للشعب الفنزويلي، لأن الديمقراطية وحرية الفكر والتنظيم لا تتجزأ.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي