نيمار في السعودية: ثورة ملك شاب

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2023 / 8 / 17

لا شك أن ما نشاهده نحن جميعاً، والعالم كله معنا، يجري حالياً في السعودية، وعلى وجه التحديد منذ صعود الملك الشاب محمد بن سلمان إلى سدة السلطة، لا يقل إطلاقاً عن أن نسميه "ثورة". لكنها، مع ذلك، تبقى ثورة فوقية، مفروضة من أعلى وفي أحسن الأحوال يمكن بسهولة التشكيك في شعبيتها، ومن ثم شرعيتها، وسط القاعدة العريضة من مواطنين البلد المعني بها. وعلى مثل هذا المسار الثوري الفوقي، ما كان بن سلمان فلتة زمانه أو بدعة من نوعه أو سابقاً لعصره. لقد سبقه إلى هذا المآل، قبل نحو 70 عاماً مضت وفي مثل سنه تقريباً، البكباشي المصري الشاب جمال عبد الناصر.

كانت الدولتان المتناهيتان الصغر، نقطتين في بحر، إلى جواره الشرقي- الإمارات وقطر- قد سلكتا قبل عقود من الزمن طريقاً مغايراً لما قد اختارته الشقيقة الكبرى لنفسها بنفسها. وكانت الثمار جلية تماماً لكل من يريد أن يرى. بصورة أو بأخرى، أغلب ما كانت تجمعه المملكة من ثروات هائلة من مورديها الوحيدين للدخل- النفط والحج- كان السعوديون، وبخاصة الشباب، ينفقونه على ملذاتهم وترفيههم في دبي أو الدوحة أو المنامة أو القاهرة أو بيروت أو تونس أو غيرها من العواصم العربية والغربية. لابد أن الملك الشاب قد رأى أيضاً ما كان مرئياً بوضوح للعالم أجمع. لكنه، بخلاف الآخرين، يملك بين يديه سلطة، وهي سلطة مطلقة.

في الشباب طاقة. وحين تجتمع هذه الطاقة بالسلطة المطلقة قد تتحول من قدرة الشباب إلى ما يشبه القدرة النووية، التي لا شك إطلاقاً في جدواها ومنافعها العملية لكن كوارثها تكون محققة إذا ما غابت قواعد العناية والمحاذير الواجبة مرة واحدة في التعامل معها. عبد الناصر، مدفوعاً بحماس شبابه الثوري، جرَّ وراءه مصر إلى مستنقع اليمن، ثم إلى مثواه الأخير فوق تراب شبه جزيرة سيناء. ومن اللافت أن تكون اليمن حاضرة هذه المرة أيضاً منذ بداية العهد السعودي الثوري الجديد. لماذا اليمن؟ أهي صمام تنفيس منظومة الثورات العربية الفوقية؟! أو حقل تجارب للتحولات السياسية الثورية في العالم العربي، شبيه بحقول التجارب النووية في مناطق أخرى من العالم؟

من ناحية أخرى، ما يفعله بن سلمان في السعودية لا يشبه إطلاقاً ما قد سبقه إليه آل زايد وآل نهيان وآل خليفة وآل الصباح وأبناء حمد وغيرهم. لقد ظل هؤلاء يفرضون التغيير الفوقي من أعلى تدريجياً وبمرور الزمن- رويداً رويداً- ما جنبهم وجنب بلدانهم أي تحولات فجائية صادمة قدر تتراكم تداعياتها بمضي الزمن لتنفجر مع أي شرارة مواتية. ما يفعله بن سلمان ليس هذا التغيير، بل هو ثورة شبيهة بدرجة كبيرة بالتي فرضها عنوة عبد الناصر على مصر بعد عام 1952 وانتشرت منها إلى سوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن وغيرها. وهي، في الحالتين، ليست ثورة بمفهوم تيارات تحتية جماهيرية تظل تنمو بشكل طبيعي وتختمر حتى تنفجر فيما هو قائم فوقها مانع لحركتها بالأعلى وتزيحه من طريقها. بل العكس، هما عقلية بالأعلى مغايرة لما سبقها وتسعى لترويج وفرض هذه المغايرة الجديدة بكل الوسائل، ومن ضمنها القوة، على القاعدة بالأسفل حتى لو لم تقبل بها الأخيرة.

في أوج ثورتها الناصرية الفوقية في الخمسينات، كانت مصر تسبق شقيقتها الرجعية المحافظة إلى الشرق بمسافة أميال مضاعفة على جميع المسارات، من الثروة المادية والبشرية والثقافية إلى المكانة الإقليمية والدولية. لكن بعد مرور 70 سنة من هذه الاندفاعة الثورية الشبابية، أصبحت مملكة العواجيز الرجعيين من قبل هي نفسها، بفضل مسيرتها هويناً هويناً حين اندفع آخرون، هي من تعول- وتقود- ليس مصر وحدها بل كل الدول العربية التي سارت على خطاها الثورية. ولا أظن أن هناك عاقل عربي واحد يتمنى، بعد 70 سنة من الآن، أن يرى في السعودية ما يراه بوضوح الآن في مصر- أو في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي