|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعود سالم
2023 / 8 / 16
١ - الإنتاج الوحيد الذي يمكن أن تنتجه الجيوش النظامية والمؤسسات العسكرية عموما هو أكوام الجثت والحرائق والخرائب والأشلاء، الجيوش لا يمكنها أن تنتج أي شيئ آخر عدا الدمار .. هذه هي الوظيفة الأساسية للجيش، مصنع للجثت والأنقاض. "العسكري المفيد" للمجتمع هو تناقض جوهري، مثل الماء الجاف أو النار الباردة أو الدائرة المربعة، إستحالة منطقية.
٢ - ليس هناك فرق بين القاتل والقتيل في حرب أهلية أو ثورة شعبية، لعدم وجود تدخل خارجي أجنبي مباشر، فالشعب يقتل نفسه بنفسه. بينما يوجد فرق بين القاتل والقتيل في حروب الإحتلال إلإستعمارية، حيث يأتي الغزاة عادة عن طريق البحر أو الجو من مناطق جغرافية أخرى. ومجازر الحرب العالمية الأولى والثانية ومحرقة اليهود من قبل هتلر ونظامه النازي تبقى علامة على مر العصور لتخلف البشرية وعدم قدرتها بعد على الوصول إلى المستوى الإنساني الذي نحلم به. فقد قدرت خسائر الحرب العالمية الأولى بـ 8,538,315 قتيل، و21 مليون جريح، و7 مليون أسير ومفقود، أما ضحايا الحرب العالمية الثانية من العسكريين والمدنيين فتقدر بـ 62 مليون نسمة، أي ما يعادل 2% من سكان العالم وكان نصفهم من المدنيين. يضاف إلى هذا العدد عشرات الملايين من الجرحى والمشوهين والمعاقين. وقد شهدت هذه الفترة تعديات خطيرة على حقوق الإنسان فمات الملايين من الأبرياء نتيجة للغارات الجوية وفي معسكرات الإبادة والتعذيب زيادة على اعتقال الأطفال والنساء وارتكبت المجازر في حق العديد من الشعوب واستعملت ضدها كل أنواع الأسلحة المدمرة كيماوية وذرية. ويعتبر الاتحاد السوفييتي وبولندا وألمانيا من أكثر البلدان الأوروبية تضررا من عنف هذه الحرب. وبعد منتصف القرن الماضي، توقف الأوربيون والأمريكان عن قتل بعضهم البعض ونقلوا ساحة حروبهم إلى قارات أخرى، فحصيلة الحروب الأخيرة منذ ١٩٩٠ حتى اليوم تتجاوز خمسة مليون ضحية، غالبيتهم في أفريقيا وآسيا. يجب إضافة عدة آلاف من ضحايا الأحداث التي سميت - ربما بقصد السخرية بالربيع العربي - في ليبيا وسوريا واليمن وأخيرا ضحايا العسكر في السودان وفي العديد من الدول الأفريقية التي تتنازع على ثرواتها من البترول واليورانيوم والعناصر النادرة الضرورية للصناعة الحديثة العديد من الدول الإستعمارية الشرسة.
٣ - وأفريقيا التي يموت شبابها محترقا في رمال الصحراء وغرقا في مياه البحر بحثا عن لقمة العيش والحياة الكريمة، رغم الثروات الهائلة التي تحتوي عليها أراضيها من بترول ويورانيوم، تعتبر المثال الحي المعبر عن عبثية تكوين الجيوش وتسليحها من قبل الغرب، وذلك لإبتلاع عائدات هذه الثروات، لتعود إلى خزائن فرنسا وأمريكا مقابل آلات الموت والدمار من الحديد والبارود.
حيث يقدر حجم الإنفاق العسكري للدول الأفريقية التي تمتلك أضخم الميزانيات العسكرية في 2023 بنحو 24 مليار دولار، ويشمل ذلك جيوشا يتم تصنيفها ضمن أقوى 36 جيشا في العالم. لكن ترتيب حجم الإنفاق العسكري للجيوش الأفريقية يشير إلى أن تصنيف أضخم ميزانيات الدفاع يختلف عن تصنيف قوة الجيوش بصورة عامة، بحسب موقع “غلوبال فاير باور” GlobalFirepower - GFP" الأميركي. فبينما تحتل مصر المرتبة الأولى من حيث قوة الجيوش فإنها في المرتبة الثانية من حيث الإنفاق العسكري، ذلك إن الجزائر تمتلك أضخم ميزانية "دفاع" في أفريقيا بمبلغ يقارب العشرة مليار دولار ( ٩,٩ مليار دولار ) ، بينما ميزانية مصر تكاد تتعدى الأربعة مليار دولار( ٤,٣ مليار دولار )، بينما ميزانية ليبيا العسكرية تقدر بثلاثة مليار ونصف (٣,٥ مليار دولار)، وهو يفوق ما تنفقه كل من تونس، الأردن، سورية، البحرين، السودان، وفق تقرير “غلوبال فاير باور” الأميركي، رغم أن ليبيا لا تمتلك جيشا نظاميا بمعنى الكلمة وإنما العديد من الميليشيات العسكرية المتفاوتة القوة والمتصارعة على السلطة والمال، وإن كان العقيد خليفة حفتر يسمى الميليشيات التي يسيطر عليها في شرق ليبيا بـ "الجيش العربي الليبي".
وتقدم الولايات المتحدة الأمريكية معونة عسكرية سنوية قيمتها 1.3 مليار دولار لمصر، وذلك منذ بداية التطبيع وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في العام ١٩٧٨ علما بأن مصر لا تأخذ أية مبالغ سائلة من المعونة العسكرية الأمريكية، فلا يوجد أي دولار تم تحويله لمصر منذ أول يوم من تحديد هذه المعونة، ذلك أن المعونة مخصصة لشراء أسلحة ومعدات أمريكية فقط، ومصر تقوم كل عام بعد إقرار الميزانية الأمريكية بالتفاوض مع الجانب الأمريكي لشراء ما تحتاجه من أسلحة أمريكية على أن يخصم ثمنها من أموال المعونة العسكرية (1.3 مليار دولار) الموجودة في الخزانة الأمريكية لصالح الجيش المصري. وكل الأسلحة التي تشتريها مصر من خارج أمريكا تأتى من الميزانية المصرية فقط، كما أن مصر تقوم منذ سنوات بتنويع مصادر السلاح، حيث اشترت أسلحة من فرنسا وألمانيا وروسيا، فما معنى قوة الجيش المصري وضد من تقوم الدولة بتقويته إذا كانت أمريكا تموله وإسرائيل مرتبطة بمعاهدة "سلام" مع الدولة المصرية؟. وكذلك يمكننا أن نتسائل عن فائدة الجيش السعودي
الذي تخصص له المملكة أضخم ميزانية عسكرية بين الجيوش العربية إذ يصل حجمها إلى 46 مليار دولار، وهي التي عقدت بدورها إتفاقية اتطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل.
٤ - ربما تكون المقاومة الفلسطينية ضد الإحتلال الإسرائيلي، والتي سبقت ما يسمى بـ " الربيع العربي" بعدة عقود، هو الصراع الأكثر حدة ودواما نظرا لإستحالة حل هذا الصراع عسكريا، لا من قبل المقاومة الفلسطسنية ولا من قبل دولة الإحتلال. فالمقومة الفلسطينية لا تمتلك لا السلاح ولا المال ولا المساندة الدولية لا من المسلمين ولا من الكفار، لا من العرب ولا من العجم، والشعب الفلسطيني يقود مقاومة بالمقاليع والحجارة وبصواريخ محلية لا تخيف إسرائيل بأي حال من الأحوال. أما إسرائيل المدججة بالأكثر الأسلحة تطورا ودمارا فإنها لا تسطيع إنهاء الصراع لصالحها، لأن الجيوش مهما كانت قوتها وشراستها لا يمكنها الإنتصار على الشعوب إذا أرادت المقاومة وعدم الإستسلام. لكن الاقتتال الطائفي الداخلي والتشرذم السياسي في المنطقة، وإنتشار الجماعات العسكرية المسلحة وإنتشار الأسلحة بكل أنواعها في جميع أنحاء الشرق الأوسط في أعقاب احتجاجات عام 2011، شهد تصعيدًا كبيرًا في صراعات محلية أخرى مهمشة بطريقة ما. مع اندلاع ما يسمى بالحروب الأهلية في سوريا والعراق واليمن وليبيا وإثيوبيا، على سبيل المثال لا الحصر، قُتل مئات الآلاف من الأشخاص ودمرت المدن والقرى وحُطم الإقتصاد وتمزقت اعلاقات الإجتماعية وأنتشر الفساد والرشوة والجريمة والخيانة والتسلق للسلطة والنهم للثروة، ونزح أكثر من 25 مليون شخص، وهناك ملايين آخرون بحاجة يومية إلى المساعدات الدولية "الإنسانية". عند التعمق في الوضع الحالي لكل من هذه الصراعات، يمكن وصفها جميعًا على أنها حالات حرب دائمة ومستمرة وستستمر لسنوات عديدة أخرى، نظرا لأن الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية تجد صعوبة متزايدة في تحقيق أهدافها السياسية وأطماعها الإقتصادية والسلطوية من خلال الوسائل العسكرية. مما أدى إلى تراجع في حدة التصعيد رغم دوام حالة التوتر. من ناحية أخرى، هناك نوع من الإرهاق والتعب والقرف من الصراع وصوت القنابل والرصاص، وهذه الحالة من الجمود النسبي والإستقرار الظاهري لا ينبغي أن تكون سببا للتفاؤل. وما يحدث في ليبيا من حين لآخر هو دليل على إن الحريق لم ينتهي بعد ولم تتم السيطرة عليه كليا، فالجمر ما زال متقدا رغم الرماد الذي يغطيه.
٥ - ففي ليبيا عاود شبح العنف العسكري للظهور منذ يومين، وبدأ العسكر في عزف أغنيتهم المملة، طلقات الرصاص وهدير الآليات وصوت القنابل والمدافع وسط الأحياء السكانية، ناشرين الرعب في قلب المواطنين‘ صغارا وكبارا، رجالا ونساء ..
حيث تشهد مناطق عين زارة جنوبي طرابلس منذ الإثنين ١٤ أغسطس ٢٠٢٣ اشتباكات متقطعة بين قوتين عسكريتين تتنافسان منذ عدة سنوات على السلطة والسيطرة على العاصمة، قوة الردع واللواء 444، بينما يستمر التحشيد وإغلاق بعض الطرق في محيط مطار معيتيقة المسمى بـ"الدولي" وهو المطار الوحيد في طرابلس. ويبدو أن أسباب اندلاع المواجهات بين المجموعات المتقاتلة يرجع إلى أن قوة الردع قامت باعتقال آمر اللواء 444، محمود حمزة، في مطار معيتيقة، دون إيضاح أسباب اعتقاله، وما إذا كان ذلك بموجب أمر قضائي أم لا.
وهناك اتصالات ومفاوضات مكثفة جارية بين أطراف سياسية وعسكرية مختلفة لوقف "التوتر الأمني" أي الحرب الأهلية داخل المدن، ولم تصدر الحكومة أو المجلس الرئاسي أي تعليقات رسمية حول الاشتباكات حتى الآن. وتعيد الاشتباكات التي اندلعت مساء الاثنين وتواصلت حتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، حالة عدم الاستقرار إلى العاصمة التي تتنافس فيها مجموعات مسلحة موالية بشكل عام لـ "حكومة الوحدة الوطنية"، لكن بدون قيادة موحدة. حيث تتبع قوات اللواء 444 وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، بينما تتبع قوات جهاز الردع الخاصة المجلس الرئاسي، وهما القوتان العسكريتان الأكثر نفوذا في طرابلس. ويعدّ اللواء 444، الذي يقوده العقيد محمود حمزة ويتبع رئاسة الأركان العامة للجيش غربي ليبيا، واحداً من أكثر القوى العسكرية تنظيماً. وتنتشر معظم قوات اللواء جنوبي العاصمة، كما تسيطر على مدن بارزة في غرب ليبيا وتحديداً ترهونة وبني وليد، وتقوم بتأمين أجزاء واسعة من الطريق الرابط بين العاصمة وجنوبي البلاد. بينما تعد قوات جهاز الردع، وهو جهاز يدّعي مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ومستقل عن وزارتي الدفاع والداخلية، ويتبع المجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفي، من القوى المسلحة النافذة في طرابلس. وتسيطر هذه القوات على معظم وسط وشرق المدينة وتفرض سيطرة مطلقة على قاعدة معيتيقة العسكرية الجوية التي تضمّ المطار المدني الوحيد في طرابلس وغرب البلاد. وتحتجز قوة الردع في سجن رئيسي داخل هذه القاعدة معظم رموز نظام معمر القذافي الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية أو ينتظرون أحكاماً نهائية، وأبرزهم عبد الله السنوسي، صهر العقيد معمر القذافي، ورئيس جهاز مخابراته السابق، ولا نعرف تحديدا عدد السجناء في هذا السجن. وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان، الأولى تسيطر على غرب البلاد ومقرّها طرابلس، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وشُكّلت إثر حوار سياسي مطلع 2021 تساندها تركيا وقطر، وأخرى صورية ولا فاعلية لها تسيطر على شرق البلاد ويرأسها حاليا أسامة حمّاد، وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من العقيد خليفة حفتر الذي يسيطر فعليا هو وأبناءه، بيد من حديد على أمور المنطقة الشرقية تساندهم روسيا والسعودية ومصر والإمارات العربية. وتسببت هذه الاشتباكات المستمرة حتى اليوم في مقتل 27 شخصا وإصابة أكثر من مئة آخرين بجروح.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |