ضرورة حذف الاصفار الثلاث من العملة العراقية

محمد رضا عباس
2023 / 8 / 15

في زمن العهد الملكي الذي اسقط في العراق عام 1958 , كانت ورقة ال 100 دينار ( نوط أبو 100) اكبر ورقة نقدية تتداول في البلد . واستطيع القول ان 90% من الشعب العراقي آنذاك لم يملكها وربما لم يراها , وبذلك كان من يملكها له شان عظيم ( زنكين) وينظر اليه الاخرون بالأعجاب حبا او حسدا . أتذكر كان موكب العكيلات في الكاظمية في أيام عاشوراء وفي المسيرات الليلية يعلق الانواط من فئة 100 دينار على البيارق ( الاعلام) المسيرة في إشارة الى هيبة الموكب والمشاركين فيه .
هذه الورقة كانت سهلة الحمل ولا تجذب عيون السراق والحرامية , وعشرة منها تكفي لشراء بيت كبير في قلب الكاظمية من بغداد , حيث أتذكر ان احد معارفي اشترى دار في عام 1957 بمبلغ 950 دينار , تسعة انواط أبو المئة و خمسة أوراق من فئة 10 دنانير. ربما ينظر القارئ كيف ان الزمن كان جميلا حيث ان مواطن يشتري دارا كاملة بمبلغ 950 دينارا , ولكنه سيندهش عندما يعلم ان راتب المعلم الشهري في ذلك الوقت كان سبعة دنانير فقط.
أتذكر أيضا ان سعر سيارة شوفرليت الامريكية الجديدة لعام 1957 كانت بمبلغ 1000 دينار , وطالما لم يكن الكثير من العراقيين لا يملكون ال 1000 دينار , فان عدد السيارات الحديثة كان قليلا أيضا , ولا يركبها الا أغنياء ذلك الزمن.
مناسبة كتابة هذه السطور هي أسعار السلع والخدمات الدارجة الان في العراق. البيت الذي اشتراه احد معارفي في مدينة الكاظمية وصلت قيمته 300 الف دولار الان, وبتحويل هذا المبلغ الى دينار عراقي يكون المبلغ 450 مليون دينار , أي 450 بجانبها الأيمن 6 اصفار . ومن يريد شراء سيارة حديثة رباعية الدفع من نوع تويوتا يجب دفع 42.5 مليون دينار . اصفار كثيرة بدون معنى , وعلى البنك المركزي العراقي التفكير جديا بحذف الاصفار من العملة المتداولة , لان اسقاطها لن يؤثر سلبا او اجابا على قيمة صرف الدينار , ولا يؤثر على قيم الصادرات والاستيرادات , ولا على نسبة التضخم في البلاد . 57 دولة اسقطت الاصفار من عملاتها النقدية , واخرها تركيا ويران.
من المعروف ان اصل ازدياد الأسعار في العراق هو انطلاق ارجل التضخم المالي في أواخر حرب العراق – ايران , ووصل ذروته في زمن الحصار الاقتصادي الذي ضرب على العراق من قبل مجلس الامن الدولي , حيث ارتفع سعر كيلو السكر من 200 فلس عام 1990 الى 450 دينار في كانون الثاني 1998 , وسعر كيلو الشاي من 1.7 دينار الى 2000 دينار , وسعر كيلو الطحين من 50 فلسا الى 325 دينار. وطالما وان الدولة ( في الزمن الجميل ) لم يعد لها حل للجم حصان التضخم الراكض , فأنها اضطرت الى التعامل معه عن طريق اصدار فئات نقدية عالية , 1000 دينار , 5000 دينار , 10000 دينار , و25000 دينار , والان ورقة أخرى في التداول بمبلغ 50000 دينار . وعلى هذا المنوال , فان أراد مواطن شراء دار بمبلغ مليون دولار ( معدل أسعار الدور في بعض مناطق بغداد ) فان المشتري سوف يحتاج حمل كيس من العملة العراقية يحميه شرطيين لدفع ثمن الدار, او دفع ثمن سيارة حديثة.
تعارف الاقتصاديون ومن كل المشارب على ان حذف الاصفار من العملة الوطنية يحتاج الى شرطين , وهما الاستقرار السياسي والسيطرة على التضخم . اعتقد ان كلا الشرطين متوفران في العراق. الاستقرار السياسي تشهد له جميع دول المنطقة الان, إضافة الى المواطن العراقي , وما زيارات السيد محمد شياع السوداني المتكررة الى الدول القريبة والبعيدة الا تأكيدا على استقرار البلاد . كما وان التضخم المالي اصبح هو الاخر تحت السيطرة , حيث ان نسبته الحالية 3.4% , وهي نسبة معقولة و مرغوب بها وتطمح لها جميع الاقتصاديات في العالم. يضاف الى ذلك , ان الاقتصاد العراقي اظهر ازدهارا رائعا , حيث بلغت نسبة نموه 7% , وهي نسبة مرغوبة أيضا.
اذن , اين المشكلة من حذف الاصفار الزائدة من العملة العراقية؟
لا توجد مشكلة , واذا كانت هناك مشكلة حقيقية فهي كيفية تثقيف المواطن العراقي على تبني العملة الجديدة ( بدون اصفار) وكيفية تثقيف البائع بتسعير بضاعته بالقيمة الجديد للدينار , وهذا يتم خلال الوقت , حيث ان للعراق تجربة مماثلة عندما قرر النظام الجمهوري طبع اسم الجمهورية العراقية على العملة بدلا من المملكة العراقية.
كما ذكرنا أعلاه , ان حذف الاصفار من الأوراق النقدية سوف لن يضر الاقتصاد العراقي وانما سوف ينفع العراق سيكولوجيا . لماذا؟
عودة الثقة والاحترام للدينار العراقي من قبل المواطن . الكثير من العراقيين من يقول كان الدينار محترم بين العملات العالمية , حيث كان يساوي 2.8 دولار واصبح الدولار يساوي 1500 دينار .
التغيير سوف يؤدي بالعراقيين الى إزالة عب التضخم التاريخي . العراقي سيشعر ان الدينار الذي يحمله ذو قيمة شرائية .
إعادة الثقة واحترام العملة الجديدة سوف يؤدي بمرور الزمن الابتعاد من الدولرة . أي سوف يتوقف المواطن العراقي البحث على الدولار او اكتنازه بدلا من الدينار العراقي.
اسقاط الاصفار يسمح بإصدار عملة معدنية صغيرة تضاف الى قيمة الشراء مثل الفلس , القران , الدرهم , 100 فلس , والريال ( أربعة دراهم او 200 فلس) .من العادة ان تحمل هذه النقود بعض معالم البلد المهمة وتصبح مادة لتعريف العالم على العراق ومادة للاحتفاظ بها من قبل هواة جمع العملات الأجنبية.
اعتقد ان قرار البنك المركزي بحذف الاصفار الزائدة من العملات الورقية سوف يرفع من شان محافظ البنك المركزي العراقي السيد علي العلاق , ويرفع من فرص السيد محمد شياع السوداني البقاء على دست الحكم دورة أخرى , واسمه سيخلد في سجل الخالدين في العراق , كما خلد قرار اسقاط تداول عملة العهد الملكي من التداول الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي