|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعود سالم
2023 / 8 / 5
في دراسة قام بها معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام the Stockholm International Peace Research Institute، أن ٢٥ في المئة من الحروب الأمريكية البالغ عددها أكثر 400 حرب كانت تدور في الشرق الأوسط وأفريقيا.
يستنتج المؤلفون أن نهاية الحرب الباردة حررت الطموحات العسكرية العالمية لأمريكا من قيودها، وجعلتها أكثر عنفا وأكثر همجية في إستعراض عضلاتها ضد من تعتبرهم أعدائها، مع استهداف منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والساحل "بشكل متزايد"، وبالذات بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١
وتقدر الدراسة التي قام بها معهد ستوكهولم إنفاق الجيش الأمريكي بأكثر من 800 مليار دولار في السنة، أي ما يقارب من 40 في المائة من الإنفاق العسكري العالمي.
منذ تأسيسها في 1776 حتى 2019، نفذت الولايات المتحدة ما يقرب من 400 تدخل عسكري من جميع الأنواع وفي جميع أنحاء العالم وفي جميع القارات، مع حدوث أكثر من ربعها في فترة ما بعد الحرب الباردة، مما يدل على أن الحرب الباردة كانت تضمن نوعا من توازن القوى في العالم مما جعل أمريكا تأخذ في حساباتها الجانب الآخر قبل القيام بأي مغامرة عسكرية طائشة. ووجدت الدراسة أيضا أن حقبة ما بعد 11 سبتمبر أدت إلى إرتفاع مستوى العدوانية الأمريكية، حيث أصبحت المغامرات العسكرية الأمريكية متكررة ومألوفة ولم تعد تستند إلى مبررات إنسانية أو جيوسياسية أو أخلاقية، بل لم تعد تقدم أية مبررات على الإطلاق، وأصبح الهجوم العدواني على الدول الأخرى وسيلة من وسائل الحرب الوقائية العادية، وجزء من السياسة الداخلية الأمريكية أثناء الفترات الإنتخابية. ووجدت الدراسة أن نهاية الحرب الباردة لم تكبح الرغبات العدوانية الأمريكية ولا طموحاتها العسكرية نظرا لغياب العدو، فتقليص خصوم الولايات المتحدة إلى الصفر، لم يؤد إلى تخفيض القوات العسكرية الدفاعية ولا الهجومية، بل أدى إلى إزدياد رغبة أمريكا في الإستحواذ والسيطرة على الكرة الأرضية بكاملها.
تواصل الولايات المتحدة إعطاء الأولوية بشكل كبير لتمويل وزارة دفاعها مع الحد من التمويل وتقليص دور وزارة خارجيتها إلى أقصى حد ممكن، فالولايات المتحدة لديها حاليًا قوات خاصة وقواعد عسكرية أمريكية منتشرة في كل دول العالم تفوق أعدادها عدد السفارات والسفراء، فدبلوماسية أمريكا يقودها جنرالات الجيش الأمريكي وأصحاب مصانع السلاح.
كما أصبحت التدخلات العسكرية الأمريكية أكثر سرية وأكثر غموضًا وأقل شفافية، لقد ولت الأيام التي ألقت فيها واشنطن بكل ثقلها وقواتها الكاملة لجيشها في الصراع على أرض المعركة، كما فعلت في العراق وأفغانستان. واليوم، تشن القواعد العسكرية حروبها من بعيد وعبر شاشات المراقبة الألكترونية، كما هو الحال على سبيل المثال بخصوص مطار قاعدة أغاديز في النيجر، الذي تبلغ تكلفته 110 مليون دولار، والذي تسيّر منه ضربات بطائرات بدون طيار بعيدًا عن أعين الجمهور في معظم أنحاء منطقة الساحل. بالنسبة إلى دول غرب إفريقيا، فإن الوجود الأمريكي الأكبر يتركز في هذه المنطقة، منطقة أغاديز بالنيجر؛ حيث يوجد نحو 8 آلاف جندي ومدني أمريكي في معسكر مستأجر من الجيش النيجري يقع على نحو 5 كيلومترات جنوب شرق بلدة أغاديز بالقرب من الحدود مع ليبيا؛ خصصته واشنطن لطائرات الدرونز لإغتيال كل من تقرر المخابرات الأمريكية بأنه عدو لأمريكا، هكذا بدون محاكمة ولا قضاة ولا محامين.
في بداية عام ٢٠٢٢، وسعت إدارة بايدن من الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا من خلال التراجع عن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب القوات من الصومال، وبالتالي إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في البلاد.
ويبدو إن تصحيح هذا المسار الذي يفضل الحرب على الدبلوماسية والمفاوضات من قبل النخبة الأمريكية هو أمر بعيد الإحتمال وغير مرجح على المدى القريب على الأقل، حيث أن الرؤية العامة للسياسة الأمريكية فيما يخص العلاقات الدولية أصبحت مشروطة برؤية حل عسكري للكثير من المشاكل العالمية المتصورة في البلاد، ودفع أمريكا وتشجيعها المتهور لزيلينسكي للوقوف في وجه روسيا وتقبل الحرب بدلا من المفاوضات يدخل ضمن الإستراتيجية العامة للسياسة الأمريكية لخوض حروبها من بعيد وبالوكالة وبدون خسائر في الأرواح الأمريكية، فالذين يموتون في هذه الحرب الإجرامية التي يقودها بوتين وزيلينسكي هم الأوكرانيون والروس، بالإضافة إلى أن أمريكا هي المستفيدة الوحيدة إقتصاديا وسياسيا من هذه الحرب التي تقودها ضد روسيا بواسطة الشعب الأوكراني.
ذلك أن العنف يميل إلى توليد العنف، والحرب تولد الحرب، ودوامة الدماء والجثت والحرائق والأنقاض لن تنتهي حتى العودة الذكية نحو سياسة خارجية متعددة العوامل وتعتمد على الحكمة ومراعات مصلحة الشعوب والمجتمعات والسعي نحو السلام العادل لكل الإشكاليات التي يمكن أن تبرز هنا وهناك، والتي تشمل الدبلوماسية والحوار وقبول التنازلات وإحترام الآخر ومراعات المصلحة العامة للإنسانية كافة وليس فقط لهذا أو ذاك .. إلخ. وهي سياسة يمكن أن تستغرق سنوات حتى تؤتي ثمارها، غير أن هذه السياسة لا تدخل ضمن الإستراتيجية الأمريكية المبنية على إنتاج السلاح وضرورة الحرب لتسويق هذا السلاح، وإثبات قوة أمريكا وهيمنتها على مصير العالم.
وبالنظر إلى المشهد الحالي للتدخلات العسكرية الأمريكية والأوروبية، من المتوقع أن نرى اتجاهًا تصاعديًا مستمرًا في التدخلات الأمريكية والغربية عموما في كل من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقارة الأفريقية غموما.
فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، ونهاية الحرب الباردة برزت الولايات المتحدة كقوة عسكرية مهيمنة في العالم، ومع ذلك، لم يترجم هذا الموقف الجديد إلى انخفاض في التدخلات العسكرية الأمريكية بل أدى إلى إزديادها. وبعد نهاية الحرب الباردة، أصبحت التدخلات العسكرية للولايات المتحدة مبررة بشكل متزايد تحت راية الدين الجديد المسمى بـ "حقوق الإنسان" والذي يشمل فرض الديموقراطية البرلمانية الغربية بواسطة الإنتخابات والإقتصاد الرأسمالي الليبرالي وقانون السوق وصندوق النقد الدولي وذلك بقوة السلاح حتى لو أدى ذلك إلى كوارث إقتصادية وإجتماعية وسياسية كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا.