![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
نهاد ابو غوش
2023 / 8 / 5
الاحتلال، وحكومة نتنياهو تحديدا، كانت تهدف إلى تحقيق عدة أمور أهمها توجيه ضربة قاصمة للمقاومة بحالتها المتجددة والراهنة المرشحة للتوسع والامتداد (كتيبة جنين، عرين الأسود، كتائب وتشكيلات في محافظات أخرى مثل طولكرم وأريحا ومخيم بلاطة) عبر استهداف نواتها الصلبة المتمثلة في مخيم جنين وبخاصة بعد أن جرى إنهاك المخيم واستنزافه عبر عمليات الاجتياح السابقة وما تخللها من اغتيالات، لذلك كان يأمل في توجيه ضربة خاطفة وقاسية، فردت المقاومة بصمودها وتماسكها ومواصلتها إطلاق النار حتى اللحظة الأخيرة، ثم جاء الرد الأقسى وهو عملية تل أبيب ومستوطنة كدوميم، وبالتالي مثلت العملية فشلا مركبا لحكومة الاحتلال سواء لجهة استعادة قوة الردع أو اجتثاث المقاومة وتحويلها إلى عبء على السكان بدل أن تكون رافعة وطنية ومحل اعتزاز الشعب الفلسطيني، الأمر الوحيد الذي نجح فيه الاحتلال هو عمليات القتل والتدمير، لكن الثابت عبر كل جولات القتال والمواجهة هو ارتباط نمو المقاومة واتساعها بجرائم الاحتلال عبر علاقة تناسب طردية ، كلما زاد القمع والاغتيالات والانتهاكات كلما تعززت المقاومة وزادت دوافعها للرد، هناك أهداف ثانوية للعملية تخص الوضع الداخلي الإسرائيلي وسعي نتنياهو على إبقاء الهاجس الأمني والتهديدات الوجودية مسيطرة على اهتمامات الاسرائيليين، لكن تاثيرات ذلك مؤقتة حيث ما لبث أن عاد لمواجهة مشكلاته الداخلية فور انتهاء العملية.
حملت عملية جنين رسالة واضحة للسلطة مثلها مثل العمليات السابقة، مفادها "إذا لم تقمع السلطة المقاومة وتجمع السلاح وتكبح المقاومين فسوف تقوم اسرائيل بهذه المهمة بنفسها" بكل ما يترتب على ذلك من إحراج للسلطة وإضعاف لها وإظهارها بمظهر العاجز عن حماية شعبها، وهكذا فإن السلطة في وضع لا تحسد عليه وهي تدفع دفعا لتولي هذا الدور الذي يؤشر إلى رغبة اسرائيل في اختزال دور السلطة إلى الوظيفة الأمنية، أي عمليا محاربة شعبها، وإعفاء الاحتلال من عبء التعامل مع ملايين الفلسطينيين، وإيهام العالم بوجود عملية سياسية ما حتى لو كانت معطلة أو متعثرة، لكن السلطة عاجزة موضوعيا عن القيام بهذا الدور المرذول الذي سوف يقوض ما بقي لها من شرعية. أما بالنسبة للتنظيمات الفلسطينية فلا يمكن محاسبتها أو تقييم دورها بحكم تعميمي موحد، فثمة من يكتفي ببيانات الشجب والادانات، وثمة من يتحمل عبئا واسعا أمنيا وعسكريا ويدفع من دم أبنائه ومنتسبيه ثمن مواقفه، ولعل هذا المحور يحتاج إلى بحث مستفيض حول أثر نشوء ظاهرة المقاومة بطورها الجديد على الفصائل الفلسطينية.
تضاف هذه المعركة ونتائجها إلى ما سبقها من جولات قتال وانتهاكات اسرائيلية ضمن هجوم شامل لحكومة الاحتلال على كل مفاصل العمل الفلسطيني وجبهاته ( القدس، غزة، الأراضي المصنفة ج والاستيطان، السلطة بهدف إضعافها من خلال قرصنة الأموال وانتزاع الصلاحيات، التنكيل بالأسرى، الاغتيالات ومحاولات تصفية المقاومة واجتثاثها) كل ذلك بهدف حسم الصراع بقوة الحديد والنار وليس عن طريق المفاوضات، هذا الهجوم أدى إلى إضعاف السلطة وإضعاف شرعيتها وما زاد من تآكل شرعية السلطة إلغاء الانتخابات واستمرار حالة الانقسام واعتماد سياسات وطنية وداخلية يشوبها كثير من التسلط وشبهات الفساد والمحسوبية، هذه العملية تضع حركة فتح في حالة تناقض بين كونها حركة تحرر وطني والسلطة هي نواة لدولة مستقلة، وبين كونها حزب سلطة يقود الوضع الراهن المحكوم للاتفاقيات، حصيلة هذه الأزمة دفعت بعض الأوساط المتنفذة إلى القبول (ضمنيا وليس رسميا) بحالة من التكيف والتعايش مع هذا الواقع، وبالتالي معارضته كلاميا ولفظيا من دون القيام باي خطوة لتغيير المعادلة أو اعتماد خيارات كفاحية بديلة تستند للوحدة الوطنية وبرنامج يقوم على لقواسم المشتركة، من المنطقي افتراض أن هذه الحالة لن تدوم طويلا وهي تنطوي على تناقضات وصراعات داخلية محتدمة ليس الصراع على السلطة والنفوذ والخلافة إلا أحد تجلياتها.
الخيار الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الدور الوطني التحرري لحركة فتح يتمثل في الانسجام مع المجموع الوطني والامتثال لقرارات الاجماع الوطني بما فيها قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي بإعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال، والعمل مع باقي القوى الوطنية (أي جميع القوى بما فيها الاسلامية) على اعتماد برنامج وطني موحد يمكن من الفكاك من قيود اوسلو ومجابهة الهجوم الاسرائيلي الشامل، ربما تخسر فتح بعضا من نفوذها وسيطرتها في الأمد القريب ولكن هذه الخسارة هي حتما أقل بكثير من الخسارة التي قد تلحق بالحركة اذا انتصر حزب السلطة فيها على جوهرها الوطني التحرري الذي انطلقت من اجله.
المخطط الاسرائيلي التصفوي يستهدف تكريس الاحتلال كسقف لطموحات الفلسطينيين وبذلك فهو يتناقض مع مصالح الكل الفلسطيني، نتنياهو أعلن صراحة أنه سيعمل على قتل طموحات الفلسطينيين في قيام دولة مستقلة وبذلك فهو يطبق رؤية سموتريتش التي تنكر وجود شعب فلسطيني وتتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم شراذم سكانية متناثرة من عشائر وحمائل ومناطق متنافرة، لكل منها مطالبه الخاصة (تصاريح عمل، تخفيف حواجز، تسهيلات، مساحة صيد ، سولار ووقود ومحروقات، وهكذا...) ، اجتماع القاهرة ولقاء الأمناء العامين يمثل فرصة لالتقاط الأنفاس ووقف الانحدار. من الصعب حل جميع المشاكل العالقة التي تراكمت خلال عشرين عاما، ولكن يمكن الاتفاق على خارطة طريق وبرنامج قواسم مشتركة يؤجل بعض القضايا المستعصية ويبادر إلى حل بعضها الاخر على الفور، مثل الافراج عن جميع المعتقلين السياسيين دون قيد او شرط، وقف التحريض، تفعيل صيع القيادة الوطنية الموحدة وتشكيل لجان حراسة وطنية في المحافظات لمواجهة الاستيطان، اعادة افتتاح معبر رفح، وهكذا.. يمكن وضع خطة زمنية لتنفيذ برنامج بأجندات داخلية ووطنية، واشراك ممثلي الحراكات الشعبية والمجتمع المدني في الحوار وفي المراحل التنفيذية لأي اتفاق.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |