لماذا دق الحصار الاقتصادي عظام العراقيين وفشل في روسيا ؟

محمد رضا عباس
2023 / 8 / 3

قبل الحديث عن الأسباب , يجب ان نبين ان الحصار الاقتصادي ضد العراق كان امميا , أي ان الأمم المتحدة ومن خلال مجلس الامن فرضت الحصار على العراق , فيما ان الحصار ضد روسيا هو غير اممي وانما حصار الغرب ضد الشرق , حيث اتفقت الولايات المتحدة وجميع من يسير في فلكها على فرض لحد الان 11 حزمة من العقوبات وحزمة 12 في طريقها . لم تعطي هذه الحزم ثمارها , حيث ان شجرة موسكو مازالت مثمرة , ولكن ليس بدون صعوبات . فقد جاء في حديث لوزير الخارجية الهنغاري , بيتر سيارتو " في راي , اذا رأى شخص عاقل ان شيئا ما لا يعمل 11 مرة , فانه لا يجرب المرة ال 12 . يبدو منطق بروكسل على هذا النحو: شيء ما لا يعمل 11 مرة , فلنضغط للمرة ال 12". وتابع " من الواضح بشكل لا لبس فيه ان سياسة عقوبات الاتحاد الأوربي قد فشلت , واخفقت عقوبات الاتحاد الأوربي , وهذا ليس موقفا سياسيا , بل حقيقة محضة."
الوزير يريد ان يقول ان الاقتصاد الروسي مازال يسير نحو النمو , وان كان ليس في احسن احواله , ولكن على الأقل احسن من بعض دول أوروبا , التضخم المالي مستقر ولم يزد على 2.5% وهو رقم يتمنى أوروبا وامريكا الوصول اليه , قيمة الروبل مستقرة , مع بعض التذبذبات في بعض الأسابيع , فيما ان الميزان التجاري ما زال في صالح روسيا , حتى بعد انخفاضه , وهو هدف اخر جميع دول العالم تطمح اليه. لم نقرا ان روسيا قد مات جوعا من قلت الطعام او الدواء , ولم نقرأ ان المواطن الروسي باع أبواب غرف بيته وشبابيكه من اجل توفير الطعام والدواء لأطفاله , ولم نسمع مغادرة مئات الالاف من الروس الى بلاد الله العريضة بحثا عن عمل , كما جرى على العراقيين .
اذن , ان الحصار الذي ضرب على روسيا لم يؤدي الغرض الذي فرض من اجله ولم يجع الروسي كما جاع العراقي . بالطبع هناك أسباب كثيرة بعدم فعالية العقوبات ضد روسيا ومنها:
1. ادخار روسيا احتياطي كبير من العملات العالمية قبل الحرب.
2. البلد كبير وانتاجه متنوع ولم يعد يعتمد على طعامه من الغرب كما كان في زمن الاتحاد السوفيتي . روسيا تحولت من بلد مستورد للغذاء الى بلد مصدر له.
3. التسليح المتقدم , السلاح الروسي وان لم يستطع منافسة السلاح الأمريكي او الأوروبي , الا ان المعارك أظهرت قدرة السلاح الروسي.
4. نجاح الخارجية الروسية بتحييد ما يقارب نصف دول العالم في حربها في أوكرانيا.
5. وفرت الطاقة النفطية والغازية العملات الصعبة التي يحتاجها البلد .
6. العولمة . ربما لا تحبها , ولكنها أصبحت حقيقة على الرغم النزاعات السياسية . كثير من الشركات الغربية لا ترغب مغادرة روسيا , رغم العقوبات المفروضة لأنها تدرك ان الاقتصاد الروسي سيظل جزء من الاقتصاد العالمي . رئيس الوزراء الهنغاري , فيكتور اوربان , ذكر في كلمة له , ان 88% من الادوية , 79% من صناعات التعدين , 70% من الطاقة , و 77% من الشركات الصناعية الأخرى كانت تعمل في روسيا في بداية عام 2022 , بقيت هناك حتى الان.
وأضاف رئيس الوزراء الهنغاري " من بين اكبر 1400 شركة غربية غادرت روسيا 8.5% منها فقط". وبين ان الشركات الأجنبية دفعت 3.5 مليار دولار للميزانية الروسية في عام 2022 , كاشفا بان " فصل روسيا" عن الاقتصاد الأوربي لا يمكن , فيقول " انا متأكد من ان هذا لن يعطي التأثير المأمول , لان الاقتصاد الروسي مرتبط ببقية العالم , بما ذلك في مجال الطاقة " , وتابع قائلا " المواد الخام الروسية تشتريها شخصية أخرى , ونحن نكابد تضخما ونفقد قدرتنا التنافسية".
عراقيا , صدام حسين دخل الكويت بقرار بائس ومتهور , وبما انه كان ديكتاتوريا لحد النخاع , فلم يجد من حوله الا المصفقين له ولأفكاره ونزواته . لقد دخل " محبوب الجهلة وأصحاب الفكر العنتري " الكويت وهو للتو خارج من حرب طال 8 أعوام اتعب العراقيين وافقره (حسب شعار كل شيء من اجل المعركة) وحصد الالاف الارواح من شبابه . العقوبات ضد النظام هي الأخرى فشلت في تحقيق أهدافها , وهو اسقاط نظام صدام حسين . صدام بقى في السلطة بعدد سنوات الحصار الاقتصادي , ولكن هذا الحصار , على عكس الحصار على روسيا , طحن عظام العراقيين وافقرهم و سبب بموت مئات الالاف من الأطفال والمسنين وأصحاب الامراض المستعصية وذلك بسبب نقص الغذاء والدواء . الحصار الاقتصادي على العراق كان صعبا لان :
1. العراق كان يصدر سلعة واحدة تشكل 95% من مجموع صادراته , النفط.
2. ولان معظم الدول النفطية كانت ترفض نظام صدام وتعاديه , فان انقطاع النفط العراقي عوض بنفوط السعودية والكويت والامارات العربية.
3. وان معظم ما يحتاجه العراق من طعام كان يأتي من الخارج , وعندما انقطع النفط انقطع مصدر الطعام أيضا.
4. وطالما لم يسمح للعراق تصدير نفطه , فقد نضب احتياطيه من العملات الصعبة .
5. وعند نضوب العملات الصعبة , انخفضت قيمة الدينار العراقي بشكل خطير , مما أدى الى تضخم لم تشهده المنطقة من قبل . راتب الموظف الحكومي وصل الى 3000 دينار شهريا وهو مبلغ لا يكفي لشراء 24 بيضة طعام .هذا ونذكر من يلطم الخدود من العرب على صدام انه لم تبادر دولة عربية واحدة لاستضافة مرضى العراقيين في مستشفياتها او ارسال دواء لمرضى العراق . كان يموت بالمعدل 65 طفلا يوميا بسبب نقص دواء متوفر يباع صيدليات الدول المجاورة .
هذا هو السبب الحقيقي من انه لا مواطن حر وشريف في العراق بكى على سقوط صدام حسين . لقد اسقطته عنجهيته.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي