إيران من تصدير الثورة الى بناء الدولة (2)

آدم الحسن
2023 / 8 / 3

بعد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين , الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة الأمريكية , و صعود امريكا كقطب اوحد يحكم العالم تعمقت لدى قيادة الدولة الإيرانية التي يسيطر عليها الجناح الإسلامي المتشدد النظرة الواقعية للأمور و خصوصا تلك التي لها علاقة بالسياسة الخارجية , حيث رأت هذه القيادة انه من الخطأ الدخول في مواجهة نتائجها معروفة لصالح امريكا او لصالح الطرف المتحالف معها .
لقد امتازت السياسة الخارجية الإيرانية خلال الفترة التي كانت فيها امريكا تتصرف كشرطي على العالم ليس بالواقعية فقط و انما بالبراغماتية , بعكس نظام صدام حسين في العراق الذي قرر في الزمن الخطأ احتلال الكويت و إعادة ضمها للدولة العراقية , فكانت النتيجة كارثية على العراق كدولة و على شعبه و جيشه , فقد تم سحق الجيش العراقي من قبل القوات الأمريكية و قوات اكثر من ثلاثين دولة من ضمنها دول عربية عديدة متجحفلة معها .
في تلك الحرب الغير متكافئة بين العراق و بين عشرات الدول الخاضعة للقيادة الأمريكية لإخراج القوات العراقية من الكويت عَمَدتْ القوات الأمريكية في الحاق هزيمة كبرى بالجيش العراقي و تكبيده اكبر خسائر ممكنة .
في فترة القطب الأمريكي الأوحد , كانت القيادة الإيرانية تتفرج على كل ما كان يقوم به شرطي العالم , أمريكا , دون ان تقوم بأي فعل يتعارض مع النهج العام للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط و في نفس الوقت تعمل على الاستفادة قدر الإمكان من سياسة امريكا و اهدافها .
لمقارنة طبيعة نهج الجناح المتشدد في القيادة الإيرانية خلال الفترة الأولى لانتصار الثورة الإيرانية بنهجها في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة نجد أن هنالك تراجع كبير في اللاواقعية السياسية و ابتعاد عن الطروحات الثورية و محاولة تجنب أي مواجهة مباشرة مع امريكا أو مع حلفائها و اهم المؤشرات على هذا التراجع :
اولا : الموقف الحيادي للقيادة الإيرانية من كل الأحداث التي رافقت احتلال العراق للكويت و ما تبعها من حرب لإخراج القوات العراقية من الكويت .
اقنع الموقف الحيادي للقيادة الإيرانية صدام حسين لدرجة جعلته يأمر بإخلاء المطارات في عموم العراق من الطائرات العسكرية العراقية و لجوئها الى إيران لتجنيبها التدمير من قبل الطائرات و الصواريخ الأمريكية و على أمل استرجاعها من إيران بعد انتهاء الحرب مع امريكا ’ إلا أن إيران قامت لاحقا بمصادرة كل تلك الطائرات العراقية و اعتبرتها جزء من التعويضات التي تطالب بها عن خسائرها جراء الحرب العراقية الإيرانية .
ثانيا : وقوف القيادة الإيرانية موقف المتفرج من الإبادة الوحشية التي قام بها نظام صدام حسين للمشتركين في انتفاضة العرب الشيعة في جنوب العراق التي اندلعت احتجاجا على الخسائر المؤلمة للعراق و سحق جيشه على يد القوات الأمريكية و قوات الدول المتحالفة معها بعد فشل محاولة صدام حسين من احتلال الكويت و اعادة ضمها للعراق .
لقد ملئ نظام صدام حسين عشرات المقابر الجماعية بجثث ثوار تلك الانتفاضة المغدورة و كل ما فعلته إيران في اعقاب تلك الانتفاضة هو فتح حدودها لاستقبال العراقيين الهاربين من بطش نظام صدام حسين الذي أعدم كل المشاركين في تلك الانتفاضة و معهم كل الذين رحبوا بتلك الانتفاضة حتى لو كان ترحيبهم لها بطرق سلمية بسيطة جدا .
لا شك أن القيادة الإيرانية ادركت اهداف الإدارة الأمريكية بضرورة بقاء نظام صدام حسين كي لا يمسك السلطة في العراق نظام حكم غير خاضع للإرادة الأمريكية , و بذلك بقى نظام البعث الصدامي لفترة اضافية كي تتمكن امريكا من ترتب اوراقها في المنطقة من جديد و تختار الوقت و الظرف الذي يناسبها لإسقاط هذا النظام , و نفذت امريكا ما تريده في 2003 حيث اسقطت النظام الصدامي و احتلت العراق لتبدأ مرحلة جديدة ليس بالنسبة للعراق فحسب و انما لعموم منطقة الشرق الأوسط .
ثالثا : تعاملت القيادة الإيرانية ببراغماتية عالية في التعامل مع النظامين الذين تشكلا في افغانستان و العراق بعد احتلالهما من قبل امريكا لدرجة التعاون الغير معلن مع امريكا على استقرار الوضع في هذين البلدين و تشجيع القوى السياسية فيهما على قبول حالة الاحتلال لبلديهما لحين تغيير الظروف الدولية .
رابعا : طيلة الفترة التي كانت امريكا هي القطب الأوحد في العالم لم تقم القيادة الإيرانية بأي عمل يستفز امريكا بشكل جدي , على سبيل المثال , لم تدعم إيران أي فصيل من فصائل مقاومة الاحتلال الأمريكي في افغانستان أو في العراق , كل ما كانت تفعله القيادة الإيرانية في تلك الفترة هو إطلاق بعض الشعارات و الخطب الرنانة التي لا تشكل لقوات الاحتلال الأمريكي أي ضرر بالإضافة الى تسليح و دعم الميليشيات الشيعية في العراق و حزب الله في لبنان و التنظيم المسلح الذي يقوده الحوتي في اليمن دون ان يكون لإيران اشتراك مباشر في نشاط هذه المجموعات المسلحة و دون أن يؤدي ذلك الى تصعيد المواجهة بين امريكا و ايران لمستوى ليس فيه مصلحة لأمريكا أو لإيران حيث بقى تعامل إيران مع هذه الميليشيات ضمن الحدود التي تسمح بها امريكا .

(( يتبع ))

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي